الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون عربية
الزلزال جعل محنة السوريين لا تطاق

كيوبوست- ترجمات
بعد الحرب الأهلية المهلكة تأتي كارثة طبيعية مدمرة لتسلِّط الضوء من جديد على محنة السوريين التي لا تنتهي. يبدو وكأن سوريا كانت بحاجة إلى واحد من أقوى الزلازل منذ قرن من الزمان؛ لكي ينتبه إليها العالم بعدما كاد يطويها النسيان. البلد الذي دمرته 12 عاماً من الحرب الأهلية، مقسَّمٌ بين الحكومة والميليشيات والقوى الأجنبية، وموطنٌ لملايين النازحين داخلياً.
غير أن أوجاع أولئك الذين يعيشون في شمال غرب البلاد، الذي تسيطر عليه المعارضة؛ بما في ذلك مدن مثل إدلب، هي الأقوى إيلاماً والأشد وطأة. شمال غرب سوريا، حيث يعيش ما يقرب من 3 ملايين نازح داخلياً، معزولٌ بالفعل عن المجتمع الدولي، والكثير من بنيته التحتية -بما في ذلك المستشفيات، الهدف المفضل للطائرات الروسية- قد دُمِّر كلياً أو جزئياً بسبب الحرب. وجاء الزلزال ليجعل محنة هؤلاء السوريين لا تُطاق.
اقرأ أيضاً: سوريا.. بين مطرقة الزلزال وسندان العقوبات
بين مطرقة الأسد وسندان العقوبات
تعتمد المنطقة التي تسيطر عليها المعارضة اعتماداً كبيراً على المساعدات. وتأتي القيود التي تفرضها الحكومة السورية، لتعوق وصول هذه المساعدات، وتمنع أيضاً بعض المنظمات الدولية من الوصول إلى المنطقة. إضافة إلى ذلك، يجب أن توافق الحكومة التركية على المساعدات؛ لأنها تتدفق إلى الجيب الذي تسيطر عليه المعارضة فقط عبر معبر باب الهوى على الحدود التركية.
علاوة على ذلك، يعتمد تسليم المساعدات إلى المنطقة على تصويت مجلس الأمن الدولي كل ستة أشهر؛ لكن في عام 2020 أجبرت روسيا جميع المعابر الحدودية للمساعدات على الإغلاق باستثناء باب الهوى، واصفةً المساعدات بأنها انتهاك لسيادة حليفتها، الحكومة السورية. وكأن هذا لا يكفي، فتأتي العقوبات الخارجية من قِبل الولايات المتحدة وغيرها، لتضع السوريين بين سندان الأسد ومطرقة العقوبات.

تسييس المساعدات
على الرغم من تدفق المساعدات إلى تركيا بسهولة ويُسر؛ فإن الخدمات اللوجستية والسياسات لمساعدة سوريا، خصوصاً الشمال الغربي، أكثر تعقيداً بكثير؛ نظراً للصراع المستمر ووضع نظام الأسد المنبوذ في معظم المجتمع الدولي. في خضم هذا الوضع الكارثي، تسعى الحكومتان السورية والروسية بالفعل إلى تسييس مساعدات الكوارث من خلال الدعوة إلى إنهاء العقوبات المفروضة على النظام، ومن المرجح أن تستغلا هذه الفرصة لمحاولة استعادة السيطرة على الشمال الغربي، وفقاً لمجلة “ذا أتلانتيك”.
لذا، يجب على الولايات المتحدة أن تتصرف بسرعة، وحتى من جانب واحد، لإيصال المساعدات إلى شمال سوريا، مع إبقاء تحركات دمشق وموسكو الدبلوماسية والعسكرية تحت السيطرة.
شاهد: فيديوغراف.. الإمارات توجه بمساعدات عاجلة لسوريا وتركيا بعد الزلزال
تتلقى دمشق بعض الإغاثة في حالات الكوارث من الجزائر وإيران والعراق والإمارات العربية المتحدة، وكذلك من الأمم المتحدة؛ لكن لا أحد يهرع بعد إلى شمال غرب سوريا، بسبب تحديات الوصول إلى المنطقة والعقبات السياسية.
فتور همة المانحين
في حين أن المنظمات غير الحكومية الدولية تقدم المساعدة إلى إدلب والمناطق المحيطة بها منذ سنوات، فإن التبرعات قد تضاءلت بسبب “فتور همة المانحين”، حسب تعبير مسؤولي الأمم المتحدة، وتحوُّل الاهتمام إلى مكان آخر؛ خصوصاً بعد الغزو الروسي لأوكرانيا. وكانت الجهود الإنسانية السابقة مجرد تدابير مؤقتة في أحسن الأحوال، ولم تترك مجالاً يذكر للتأهب لحالات الطوارئ في حالة وقوع كارثة طبيعية.

جدل حول تأثير العقوبات الخارجية
على الجانب الآخر من المعادلة، هناك المناطق التي تسيطر عليها حكومة الرئيس بشار الأسد، التي تواجه عقوبات أمريكية وأوروبية. وتتجنب الحكومات الأجنبية والعديد من منظمات الإغاثة الدولية توجيه المساعدات مباشرةً من خلال الحكومة، التي عاقبتها على ارتكاب جرائم حرب ضد شعبها. وهناك مخاوف كبيرة من أن المستفيدين من الحرب والمسؤولين السوريين سيضعون المساعدات في جيوبهم.
في هذا الإطار، تؤكد الحكومة الأمريكية أن مجموعة العقوبات الأمريكية، المعروفة باسم “قانون قيصر”، تهدف إلى إجبار الحكومة السورية على وقف قصفها ووقف انتهاكات حقوق الإنسان، وأنها لا تستهدف المساعدات الإنسانية للشعب السوري، وفقاً لصحيفة “واشنطن بوست”. غير أن الحكومة السورية تطعن في هذا الادعاء، وتلقي وزارة خارجيتها باللوم بشكل مباشر على هذه القيود. ورداً على ذلك، يقول المسؤولون الأمريكيون إن الحكومة السورية غالباً ما تضع مسؤولية الكثير من مشكلاتها على العقوبات الدولية؛ في محاولة لتحويل غضب السوريين إلى قوى خارجية.
اقرأ أيضاً: لماذا تحدث الزلازل؟
في صعيد متصل، دعا خالد حبوباتي، رئيس الهلال الأحمر السوري، إلى رفع العقوبات “للتعامل مع آثار الزلزال المدمر”. لكن تشارلز ليستر، مدير برنامج سوريا في معهد الشرق الأوسط، ومقره واشنطن، رفض دعوات سوريا لرفع العقوبات باعتبارها “نقطة حوار أخرى للنظام الانتهازي”، مضيفاً أن العقوبات “ليس لها أي تأثير في تقديم المساعدات”.
هل من حلول؟
في ما يتعلق بالحلول، تشير مجلة “ذا أتلانتيك” إلى أن هناك مناطق عبور حدودية أخرى يمكن للولايات المتحدة من خلالها توصيل المساعدات إلى شمال غرب سوريا من جانب واحد؛ ولكن بإذن من تركيا أو بالتنسيق مع الأكراد والقوات المحلية الأخرى. وللجيش الأمريكي أيضاً وجود في أجزاء من شمال غرب وشمال شرق سوريا؛ يمكن أن يستخدمه لإسقاط بعض المساعدات جواً. ويمكن للجيش أيضاً استخدام قاعدته في شمال شرق البلاد كمركز لتنظيم المساعدات الإنسانية، والعبور إلى مناطق المتمردين مرة أخرى بالتنسيق مع الأتراك والأكراد.
في السياق ذاته، تشير صحيفة “واشنطن بوست” إلى الحلول التي يقدمها مارك لوكوك، الرئيس السابق للشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، التي تشمل التبرعات لمنظمة “الخوذ البيضاء”، وهي مجموعة دفاع مدني مدعومة من بريطانيا والولايات المتحدة. وتضيف أنه يتعين على الأمم المتحدة أيضاً توسيع آليات المساعدات من تركيا، وبناء ضغط دولي على سوريا؛ حتى تزيل الحكومة القيود المفروضة.

الجروح العميقة لا تُعالج بالكي
وختاماً، وعلى الرغم من أن الخدمات اللوجستية قد تُشكِّل كابوساً؛ فإنه يجب على الولايات المتحدة والمجتمع الدولي الضغط من أجل تقديم مساعدة فورية قصيرة الأجل للسوريين الذين يعيشون في مناطق المعارضة، ومن ثم التفكير بشكل مبتكر في كيفية تحسين الآفاق طويلة الأجل للسوريين دون إعفاء النظام من مسؤوليته.
وإذا كان هناك من درس واحد من هذا الزلزال، إضافة إلى ضرورة الاستعداد في منطقة تقع على خط الصدع، فهو أن الجروح العميقة في هذه المنطقة لا يمكن ببساطة كيُّها ثم تجاهلها، كما فعلت واشنطن مع سوريا. لقد تخلينا عن السوريين ونسيناهم لفترة طويلة جداً بالفعل.
المصدر: ذا أتلانتيك + واشنطن بوست