الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةشؤون عربية

الزعامة الروحية للشيعة في “النجف”.. مرجعية تسبق أهمية المرشد في إيران

في حلقة تليفزيونية تطرق الباحث السعودي د.عبدالله آل ربح إلى الفرق بين المرجعية وولاية الفقيه في المذهب الشيعي وتداعيات ذلك على العلاقات بين العراق وإيران

كيوبوست

في محاولة لتوضيح مفاهيم وأمور متعلقة بالشيعة العرب، وتشابكهم المذهبي مع إيران، وتوصيف العلاقة التاريخية بين طهران ومرجعية النجف، حلّ الدكتور السعودي عبدالله فيصل آل ربح، الأستاذ المشارك لعلم اجتماع الدين والنظرية الاجتماعية بجامعة جرانت فالي ستيت، بولاية ميتشغان، ضيفاً في برنامج “الموقف”، الذي يقدمه الإعلامي طارق الحميّد، ويبث على القناة “الأولى” السعودية، موضحاً الفرق الجوهري بين المرجع الديني وولاية الفقيه…

مفاهيم خاصة بالمرجعية وولاية الفقيه

أوضح الدكتور آل ربح مفهومَين أساسيَّين لدراسة وفهم الطائفة الشيعية، أولهما: “المرجع”؛ وهو عالم الدين الذي تحصَّل على درجة الاجتهاد وأثبت وجوده في الأوساط العلمية الفقهية، وعلى أساس هذه الحصيلة أصبح في مركز يؤهله للإفتاء؛ فالناس يقلدونه على اعتبار أنه في الفقه الشيعي إما أن يكون المرء مجتهداً أو مقلداً. بينما اعتبر آل ربح أن المرجعية نقطة مفتاحية في دراسة الطائفة الشيعية.

اقرأ أيضاً: تظاهرات العراق.. ساحات حرب على الفساد والتبعية الإيرانية

أما المفهوم الأساسي الثاني؛ “ولاية الفقيه”، التي عرَّفها آل ربح على أنها عملية خلط بين المنصب الديني والمنصب السياسي، وأنها نظرية شبه حديثة تعود لأيام الشيخ أحمد النراقي، قبل 3 أو 4 قرون، وجرى تطويرها في القرن العشرين، بتبني الخميني لها.

أحمد بن المولى النراقي (1765- 1825م) مطوِّر فكرة ولاية الفقيه- أرشيف

ومنصب ولاية الفقيه، عملية تطوير على الفقه الشيعي، تسمح بإقامة دولة في ظل غياب الإمام “الثاني عشر”، الذي يؤمن الشيعة بأنه إمامهم الغائب (المعصوم) منذ القرن الثالث الهجري، والذي سيعود يوماً ما! ومنذ ذلك الحين عطَّل الشيعة الكثير من الأمور المنوطة بالإمام المعصوم؛ من ضمنها إقامة الدولة. وحسب آل ربح فإن فكرة ولاية الفقيه تقوم على أنه ما دام الفقهاء يقومون بالكثير من المهام المنوطة بالإمام المعصوم، فلماذا لا تكون الدولة وإدارة الدولة جزءاً من تلك المهام، بالذات في الدول ذات الغالبية الشيعية، على أن يكون الفقيه مرجعاً أو مجتهداً ويكون مؤهلاً لإعطاء رأي شرعي في إدارة الدولة.

شرعية متبادلة بين طهران والنجف

تطرق آل ربح إلى العلاقة بين طهران ومرجعية النجف، مؤرخاً بداية العلاقة عندما أصبح المذهب الشيعي الإثنى عشري مذهباً رسمياً أُرسيت دعائمه في العهد الصفوي، ورغبة الملوك الصفويين في تقليل وحصر عدد مرجعيات النجف؛ لأن الفقيه له سلطة دينية على أتباعه، ما قد يسبب بعضها مشكلات في الدولة، حتى إن كان الفقيه بعيداً عن السياسة.

اقرأ أيضاً: كيف تعتمد إيران على الشيعة لإثبات نفوذها الإقليمي؟

وبالخطوة التي اتخذها الملوك الصفويون، حصل ما يمكن تسميته “شبه شرعية متبادلة”؛ فالشاه يريد أن يخرج من سلطة ولاية المراجع، بالمقابل مرجع النجف وإن لم يطلب، يحتاج إلى ضمان بأن لا يُمسّ من قِبل حكام العراق السُّنة. وفي الوقت الذي لا يحتاج فيه حاكم العراق السُّني إلى أية شرعية من مرجع النجف؛ لأنه لن يبايعه ولن يقدِّم له بيعة، ولضمان عدم إيذاء الحوزة العلمية ومرجع النجف، كان على شاه إيران أن يعلن تقليده مرجع النجف، حينها سيفكر حاكم بغداد عدة مرات قبل إيذاء الحوزة. ووفقاً لآل ربح، فإن القوة السياسية لمرجعية النجف كانت مستمدة من قوة الدولة الإيرانية.

كل ذلك يحدث في ظل بلد (إيران) تعاظمت فيه قوة المدارس الدينية وأصبحت أغلبيته من الشيعة، الذين يؤمن علماؤهم أنه لا توجد بيعة للحاكم سواء أكان شيعياً أم سنياً، على اعتبار أن البيعة للإمام والإمام ليس موجوداً؛ ما خلق عدة إشكاليات، بينما لم تكن ولاية الفقيه مطروحة وقتها بشكل كبير.

الدكتور عبدالله فيصل آل ربح – الأستاذ المشارك لعلم اجتماع الدين والنظرية الاجتماعية بجامعة جرانت فالي ستيت بولاية ميتشغان- “تويتر”

مرجعية النجف أم ولاية الفقيه؟

نتيجة لعلاقة شبه الشرعية المتبادلة التي أشار إليها آل ربح بين شاه إيران ومرجعية النجف، وجدت الأخيرة نفسها محاصرة بعد سقوط نظام الشاه في إيران، فقد ظهرت دولة إيرانية لا تحتاج إلى أية شرعية من النجف، وحينها بدأ النظام العراقي يمارس اضطهاداً غير مسبوق ضد المراجع خلال الثمانينيات والتسعينيات، وهو ما كان ليجرؤ عليه من قبل.

أما بعد سقوط نظام صدام حسين، وتحرر العراقيين، أصبح للشيعة، وفقاً لآل ربح، دور سياسي، وكانت علاقتهم بمرجعية النجف علاقة خاصة، فحدث حينها أن ظهرت مرجعية النجف للأضواء لغير الشيعة، فمثلاً بعد السقوط كان السيستاني المرجع الأعلى للطائفة، بينما كانت الدولة الإيرانية تراقب، ولأنها استضافت رموز المعارضة العراقيين من الشيعة والأكراد، أصبحت صاحبة موطئ قدم تريد أن تكون لها دولة داخل العراق.

اقرأ أيضاً: متظاهرو النجف وكربلاء يطالبون بطرد إيران من معاقلهم الدينية

وفي الوقت الذي كانت فيه مرجعية النجف قوية ومستقلة، وأجندتها غير سياسية، كان لا يزال يوجد صراع بين أتباع خط ولاية الفقيه في العراق الذين لجؤوا إلى إيران لحد سقوط النظام، وأنصار صعود المرجعية النجفية مرة أخرى. صراعٌ لم يكن في صالح ولاية الفقيه.

مؤكداً أن الزعامة الروحية للشيعة على مدار التاريخ لم تكن في “قُم”، عادة ما تكون في النجف، وانتقالها إلى قم لا يتعدى السنوات البسيطة.

ويرى آل ربح أن مرجعية النجف أهم بالنسبة إلى الشيعة من المرشد الأعلى في إيران؛ لأنه في الدستور الإيراني لا يجب أن يكون الولي الفقيه مرجعاً، بل يكفي أن يكون مجتهداً جامعاً للشروط، أما المرجعية فهي منصب غير سياسي يهتم بالشعب، وفيها نوع من الأبوية.

المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي- أرشيف

الإسلام السياسي السُّني والشيعي

من الأبواب التي تطرق إليها آل ربح في الحلقة، كان “الإسلام السياسي؛ السُّني والشيعي”، اللذان وجد آل ربح تشابهاً كبيراً بينهما، مع التأكيد أن كل مذهب له أصوله الخاصة. فحسب آل ربح، فإن حركة الإخوان المسلمين التي ظهرت كردة على سقوط الخلافة في تركيا وكانت تدعو إلى الدولة الإسلامية الجامعة والخلافة، ألهمت معظم تيارات الإسلام الحركي في العالم؛ من ضمنها الشيعة، الذين بعد أن دخلوا المشهد السياسي في العراق ولبنان وفي الخليج بوقت متأخر. وفي إيران بعدما فشل اليسار في أن يتحدى السلطة الملكية، بدأ الإيرانيون بالبحث عن حلول إسلامية.

علماً بأن الرأي الأكثر شيوعاً بين الشيعة أنهم لا يرون بإقامة دولة إسلامية أساساً، إلا أن الإسلام السياسي الشيعي في مطلع القرن الحالي بلور فكرة الدولة وفكرة الصراع بشكل كبير، متأثراً بذلك بالإخوان المسلمين.

اقرأ أيضًا: “أبو خميني”.. ذراع إيرانية جديدة لإنعاش المشروع الإيراني بالعراق

أما من الناحية الهيكلية، فإن حركة الإخوان المسلمين يسيِّرها مكتب الإرشاد، الذي لو قارناه بمجلس الخبراء في إيران، فسنجد أن الأخير ينتخب الولي الفقيه والأول ينتخب المرشد.

كما لفت آل ربح إلى أن الإسلام السياسي الشيعي استفاد من تجربة الإخوان المسلمين في أسلمة الدولة؛ فالنموذج الإيراني استمر في الحكم بعكس تجربة الإخوان المسلمين في مصر.

وفي حديثه عن فوضى الإسلام السياسي، أشار آل ربح إلى أن العمل المسلح بشكل عام يحتاج إلى لحظة يأس وانفلات؛ لأن أحلام هزّ الأنظمة وليس فقط إسقاطها في دول مستقرة مثل دول الخليج مسألة غير واقعية، مضيفاً أن تدخل استخبارات بعض الدول، من ضمنها إيران، بالموضوع يأتي نتيجة مشاعر يأس، نابعة من أيديولوجية غير واقعية “إما  النصر وإما الشهادة”!

كتائب حزب الله العراق

الشيعة في الخليج

وفي ما يتعلق بالشيعة العرب، رأى آل ربح أن منظومة دول الخليج مختلفة عن بقية الدولة العربية؛ نتيجة لثروتها النفطية واستقرارها السياسي والاقتصادي، وخلال التاريخ الحديث لم تتمكن ثورات الجيوش من الوصول إليها، مثلما حصل في الخمسينيات والستينيات في بعض الدول العربية.

مؤكداً أن الأزمة الطائفية في الخليج صار من الصعب حدوثها؛ فمشكلات الخليج المتعلقة بالشق الطائفي تختلف عن مشكلات لبنان والعراق، لافتاً إلى التطور الذي يشهده الإعلام السعودي؛ فمن ثلاث سنوات لم يقرأ آل ربح مقالاً يمكن اعتباره طائفياً، واصفاً تغطية مناسبة عاشوراء من قِبل وسائل إعلام سعودية بالفتح الكبير في العلاقة بين أبناء الوطن، ونوه بأنه من الخطأ محاولة ربط مصير أية جماعة في الخليج بمصير أية جماعة خارجه.

اقرأ أيضًا: ميليشيات الحشد الشعبي.. دولة إيرانية داخل الدولة العراقية

أما في اليمن، فأكد آل ربح أن المرجعية في النجف ليس لها أي موقف من التحولات الزيدية الحوثية، باعتبار أنها لا تتدخل في السياسية. أما من ناحية الوضع الديني في اليمن، فرأى أنه يحتاج إلى دراسة ميدانية، لافتاً إلى أن خطاب الجماعة المهيمنة على المشهد الزيدي اليوم في اليمن يشبه خطاب حزب الله الشيعي الإثنى عشري.

وأضاف أن الحوثيين وإن كانوا لا يعلنون أنهم تحولوا إلى المذهب الإثنى عشري؛ لكن هناك ما نسميه بالتحول على المستوى السياسي (تشيُّع سياسي)، باعتبار أن اليمن طول عمره شافعي وزيدي، ودخول المذاهب الأخرى إليه أمر طارئ.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة