الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
الريسوني وبن كيران.. صراع “إخوان المغرب” يظهر للعلن
يرى مراقبون أن انتقادات الريسوني وبن كيران تأتي في خضم تراجع الوزن الحزبي والانتخابي لحزب العدالة والتنمية

المغرب- حسن الأشرف
وجه الدكتور أحمد الريسوني، الرئيس الأسبق لحركة التوحيد والإصلاح، والرئيس الحالي للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، العديد من الانتقادات إلى عبد الإله بن كيران، أحد رموز حزب العدالة والتنمية “الإسلامي”، الرئيس الأسبق للحكومة المغربية، وذلك في برنامج تم بثه مؤخراً على منصة “يوتيوب”.
وكشف الريسوني أن مواقف بن كيران كانت تحرج أبناء الحركة الإسلامية في المغرب، خصوصاً في بداية مسار الوحدة، بالنظر إلى شخصية الرجل الذي كان يحاول فرض الأمر الواقع؛ وهو ما جعل الإسلاميين يبعدونه في “حوارات الوحدة”، خشية فشل هذا المسار.
اقرأ أيضاً: بماذا يختلف أحمد الريسوني عن سلفه القرضاوي؟
وفي الوقت الذي يرى فيه محللون أن الأمر يتعلق بمحطة في تاريخ “إخوان المغرب”، جاءت في سياقٍ سياسي غير منفتح؛ يعتبر آخرون أن هذه الانتقادات تأتي في خضم تراجع الوزن الحزبي والانتخابي لحزب العدالة والتنمية، كما تزكِّي مسألة تواضع وندرة التأريخ للإسلاموية المغربية.
الريسوني وبن كيران و”الإخوان”
وتقدم حركة “التوحيد والإصلاح” نفسها على أنها حركة دعوية مغربية، إصلاحية، معتدلة، تعتمد المرجعية الإسلامية، وتتبنى خيار الشورى والديمقراطية، لكن العديد من المحللين يرون أنها الذراع الدعوية لحزب العدالة والتنمية، وأنها تعتبر بمثابة خزان انتخابي؛ لتزويدها الحزب بالعديد من الكوادر الإسلامية.

وتمخضت حركة التوحيد والإصلاح -باسمها الحالي- عن الاندماج في (أغسطس) 1996، بين حركة الإصلاح والتجديد، ورابطة المستقبل الإسلامي؛ لتتخذ لها مساراً دعوياً وتربوياً تعتبره منفصلاً عن ما هو سياسي، بينما يرى محللون أن هذا التمايز غير حقيقي؛ بدليل انخراطها في أكثر من مرة في السجالات والصراعات السياسية.
ولم يجد القيادي الإسلامي المغربي، أحمد الريسوني، عبر برنامج “وجوه مشرقة”، في قناة “بلانكا بريس” -يبث على يوتوب- غضاضة في انتقاد مباشر لمواقف بن كيران، خلال المراحل الأولى من بناء “الإسلام السياسي” بالمغرب.
اقرأ أيضاً: عندما يُطوع “الريسوني” المقاصد الشرعية لخدمة السياسة
وقال الريسوني إن تصرفات ومواقف بن كيران كانت تحرج أبناء الحركات الإسلامية بالمغرب، وتابع أن “بن كيران كان غالباً في جماعته؛ الإصلاح والتجديد، إذا مضى في أمرٍ، أو صرح به، أو التزم به، أو أقدم عليه، يجر معه الباقين، وقلنا نحن لا يمكن أن نسير بهذه الطريقة”، مكملاً: أن “الإخوان” استبعدوا بن كيران لهذه الأسباب.

ولم يُخفِ الريسوني أنه كان -في بداية حياته- منتسباً إلى جماعة الدعوة والتبليغ، ثم في مرحلته الشبابية والجامعية كان “إخواني التفكير”، على حد قوله؛ بقراءته جميعَ كتب رموز جماعة الإخوان، من قبيل حسن البنا ومحمد وسيد قطب وغيرهم، قبل أن ينتقل إلى مرحلة “الاستقلالية”، وتأسيس تجربة إسلامية مغربية.
تقديرات سياسية
واتصل موقع “كيوبوست” بعددٍ من الشخصيات القيادية داخل حركة التوحيد والإصلاح؛ للتعليق على ما جاء في كلام الريسوني، غير أنهم فضلوا عدم التعليق؛ بدعوى أن الريسوني مسؤول عن كلامه، وأنها تبقى تقديرات، وآراء سياسية، حول مرحلة معينة من تاريخ “إخوان المغرب”.

ويقول عبد العزيز أفتاتي، القيادي البارز في حزب العدالة والتنمية، في حديثٍ مع “كيوبوست”: إن “ما صدر عن الريسوني ليس اتهاماً، وإنما هو تقدير من طرف بعض قياديي “رابطة المستقبل” سابقاً، كانوا يعتبرون هكذا مواقف مندفعة أكثر من اللازم”.
واستطرد القيادي الإسلامي نفسه، أن الأمر يتعلق بمرحلةٍ سياسية، كانت مغلقة في العموم، ومسار الانفتاح السياسي في المغرب -ساعتها- كان متردداً ومتأرجحاً ومحدوداً، كما كان الصراع السياسي بين الحُكم وبعض فصائل اليسار هو العنوان الأبرز، مضيفاً أنها “كانت تقديرات سياسية مرتبطة بفهم واستيعاب مرحلة تاريخية محددة”.

التأريخ لـ”الإسلاموية المغربية”
ويعلق الخبير في الحركات الإسلامية، رئيس مركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث، منتصر حمادة، على هذا الموضوع بالقول: إن هذه الانتقادات تأتي في سياقٍ سياسي، يتميز بتراجع الوزن الحزبي والانتخابي لحزب العدالة والتنمية، أحد أوجه “الإسلاموية” في الساحة المغربية، مقابل وجود وجه آخر، تمثله جماعة “العدل والإحسان”؛ الداعية إلى إقامة ما تصطلح عليه “دولة الخلافة”.
اقرأ أيضاً: لماذا عادت قيادات “العدالة والتنمية” إلى المواعظ الدينية؟

واستطرد حمادة، في حديثٍ مع “كيوبوست”، أن هذه الانتقادات ترتفع بعد هزيمة حزب العدالة والتنمية، في الانتخابات التشريعية سنة 2021، والإعلان عن استقالاتٍ عديدة من أتباع الحزب، مع صعوبة الحسم في وجود استقالات وازنة تهم القيادات.
ويرى منتصر حمادة أن هناك ملاحظة قوية، يمكن استنباطها من هذه الانتقادات، التي خرجت إلى العلن؛ وتتمثل في كون “التأريخ للإسلاموية المغربية ما زال متواضعاً جداً، بل نادراً، لأن السائد في الساحة، لا يخرج عن ثلاثة اتجاهات: الأول همه التأريخ الشكلي أو الصوري، من قبيل أعمال الباحث محمد ضريف، وغالباً ما تكون مضامين هذا التأريخ وصفية، لكن يغيب عنها العديد من القضايا والمعطيات المهمة، المسكوت عنها أو خارج دائرة التفكير أساساً”.
والاتجاه الثاني، وفق المتحدث، مهم ونافع؛ عنوانه “صدور مذكرات شخصية تطرق باب المسكوت عنه، وتهدي القارئ والناقد مفاتيح نظرية مهمة لقراءة التجربة الإسلاموية”؛ منها رواية «كنت إسلامياً» للكاتب عمر العمري، أو سيرة «عائد من المشرحة» للمعتقل والفاعل الحقوقي أحمد الحو، حيث تكفي قراءة رواية عمر العمري؛ حتى يأخذ القارئ فكرة أولية عن بعض أسباب فشل الإسلاموية في المغرب؛ كونها ليست مؤهلة أساساً للنجاح، ويمكن إضافة أعمال الراحل فريد الأنصاري، إلا أن الفارق بين أعماله النقدية خاصة «البيان الدعوي»، «الأخطاء الستة» و«الفطرية»، أنها صدرت من داخل المنظومة الإسلاموية.
ويردف حمادة اتجاهاً ثالثاً؛ عنوانه صدور حوارات ومذكرات تندرج في باب تجميل الوجه، إن صح التعبير، والدعاية للمشروع الإسلاموي المعني، كما جرى مع سلسلة حوارات مطولة أجرتها صحيفة “التجديد”، ونشرت لاحقاً في أربعة كتب، أنجزها الباحث بلال التليدي، قبل أن يخلص إلى أن “انتقادات الريسوني متواضعة جداً أمام معالم وتفاصيل الإسلاموية المغربية التي لم تصدر بعد بشكل مفصل ومدقق”.