الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفة
الراديو.. رحلة قرن وأكثر

كيوبوست
جهاز التلغراف سبق الراديو كوسيلة لنقل المعلومات والتواصل، مخترعه كان العالم الأمريكي صموئيل ب. مورس، خلال ثلاثينيات القرن التاسع عشر، والذي يعمل وَفقًا لشفرة مورس التي تنقل الحروف والأرقام وإشارات الترقيم، على شكل شرطات ومسافات بالنبضات الكهربائية التي تأخذ أطوالًا مختلفة عبر كوابل تمتد بين مبانٍ.. كانت ميزة الراديو التي أنهت وجود التلغرف هي أنه كان لا سلكيًّا بلا كوابل؛ إلا أن رحلة طويلة مرّ بها هذا الاختراع ظلت مستمرة إلى يومنا هذا.
تاريخ متراكم
لم يُخترع الراديو بضربة واحدة؛ بل نتيجة عمل تراكمي قام به ثُلة من العلماء والمخترعين، فقد سُجلت أول براءة اختراع لراديو عندما تمكَّن العالم الإيطالي غولييلمو ماركوني، من إرسال واستقبال أول إشارة إذاعية في إيطاليا عام 1895.
إلا أن إنجاز ماركوني جاء نتيجة جهود أخرى؛ أهمها إثبات العالم الألماني هاينرتش رودولف هيرتز، نظرية العالم الأسكتلندي جيمس ماكسويل، حول وجود موجات كهرومغناطيسية؛ حيث صمَّم هيرتز هوائيًّا ثنائي القطب، بسيطًا، تمكَّن خلاله من إنتاج موجات الراديو، إلى جانب قيامه بمجموعة تجارب استخدم فيها المجالات الكهربائية والمغناطيسية لإنتاج موجات يُمكن قياسها.
اقرا أيضًا: هل تحلم بدراسة الصحافة والإعلام؟ كيو بوست صممت دليلًا من أجلك
وبما أن الحديث يدور حول الفيزياء والكهرباء، فلا يمكن تجاوز بصمة العالم الأمريكي نيكولا تيسلا، والذي غالبًا كان سبَّاقًا في أطروحاته العلمية التي نُسب جزء منها إلى غيره؛ ومن ذلك براءة اختراع الراديو.. ففي عام 1893 وخلال محاضرة ألقاها أمام معهد فرانكلين، طرح تيسلا تصميمًا أساسيًّا لراديو لا سلكي باستخدام موجات ثابتة عبر المساحات في العالم كله، والتي تعمل كموصِّل، وَفقًا لتيسلا.
بناءً عليه، تكون أطروحة تيسلا أول مخطط للراديو. وكتطبيق علمي للأطروحة؛ اخترع تيسلا سفينة يتم التحكم بها بموجات الراديو عام 1898.

مسيرة مليئة بالشغف
في يناير 1906، حاول المخترع الكندي ريجنالد أوبري فيسيندين، إنجاح أول بث إذاعي عبر موجات الراديو المستمرة؛ حيث أجرى فيسيندين اتصالًا لا سلكيًّا قطع المحيط الأطلسي بين “BrantRock” بماساتشوستس في الولايات المتحدة الأمريكية، وقرية “ماكريهانيش” على الساحل الغربي الأسكتلندي، وفي عشية عيد الميلاد المجيد من العام نفسه يوم 24 ديسمبر، تمكَّن المستمعون من سماع صوت فيسيندين وموسيقى في منطقة برانت روك، من خلال أجهزة الاستقبال الخاصة بهم، وأنهى فيسيندين حديثه متمنيًا عيدًا مجيدًا للمستمعين.
كانت وتيرة تطور الراديو حامية الوطيس؛ إلا أن الحرب العالمية الأولى عرقلت ذلك مع بدايتها، فقد عملت الحكومات في الولايات المتحدة وبريطانيا ودول أخرى على إغلاق محطات إذاعية؛ خوفًا من التشويش على الإرسال العسكري، وأغلقت عمليات البث غير المصرح بها. ومن جانبهم، واصل الهواة تطوير البث دون الإعلان عن ذلك؛ فقد اهتم كثيرون بالراديو الذي استحوذ على شغفهم.
اقرأ أيضًا: أخلاقيات الصورة الصحفية في الإعلام العربي
خفُت ضجيج الحرب، وعندما انتهت عاد الراديو ليُكمل مشواره الذي شرع به العلماء والمهتمون، فعادت الإذاعات إلى الانتشار في بعض دول العالم؛ مثل هولندا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية، التي ظهرت فيها وحدها 30 إذاعة بين عامَي 1920- 1921. أما على المستوى العربي، فكانت مصر أول دولة عربية تعرف محطات الإذاعة عام 1925.
في عام 1939 اكتُشفت أمواج الـ”إف إم”؛ وهي موجة تتسم بنطاقها الضيق على مستوى محلي، وبمداها المحدود وصوتها الواضح نسبيًّا. وفي عام 1954 اختُرع راديو “الترانزستور”؛ فلم يعُد يحد المذياعَ مكانٌ.
تواصل المستمعون مع الإذاعات عبر البريد حتى سنة 1969؛ حيث شاركوا في إيطاليا بأول اتصال هاتفي على الهواء عبر برنامج “Chiamate Roma 3131″، بينما دُشِّنت أول إذاعة عبر الإنترنت في عام 1990، وتم إطلاق أول قمر صناعي للراديو خلال 2001.
هواة الراديو
مع سيطرة مواقع التواصل الاجتماعي على الإعلام المعاصر، استطاع الراديو التكيُّف مع الزمن، بعكس الجرائد الورقية التي تقترب يوميًّا من الانقراض؛ فقد حجزت الإذاعات لنفسها مكانًا على صفحات المواقع الاجتماعية وفي التطبيقات، مستخدمةً تقنية البث المباشر؛ لتبقي على تواصلها مع الجمهور.

إضافة إلى ذلك، ما زال الراديو يسيطر على اهتمام شريحة وفيَّة له يُسمون أنفسهم “هواة الراديو” ، وهم مليون شخص في جميع أنحاء العالم يتواصلون ويتناقلون المعلومات عبر موجات الراديو، وعلى المنتسب أن يكون على دراية أساسية بتكنولوجيا الراديو ومبادئ تشغيله، فقبل الانضمام إلى المجموعة يجب اجتياز اختبار للحصول على ترخيص للعمل على ترددات الراديو الخاصة بـ”فرق الهواة”.