الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفة

“الذئاب المنفردة”.. ظاهرة غربية متطرفة تستدعي حلاً على نطاق عالمي

كيوبوست
 
على مدار عدة عقود تفرَّغت السلطات الأمنية حول العالم، لمحاربة الإرهاب الذي ارتبط بصورته الإسلامية حصراً، مهملةً بذلك الخلفيات الإرهابية الأخرى؛ كالإرهاب بدافع الانتماء إلى العرق الأبيض، فقد وقعت عدة جرائم نفذها متطرفون يمينيون بيض في أوروبا، يُطلق عليهم “الذئاب المنفردة”، وهذا ما يناقشه الوثائقي “إرهاب الذئاب المنفردة”، إنتاج قناة “دويتشه فيله” الألمانية.
 
مَن هم؟
 
يصف الفيلم “الذئاب المنفردة”، بأنهم جناة بلا قادة يتشاركون مع آخرين بأيديولوجيا تتعصَّب للعرق الأبيض، معزولون ولا يمتلكون أصدقاء غالباً، ويتطرفون عبر الإنترنت، معادون للسامية والإسلام، وكارهون للنساء والمهاجرين..
 
وكان أولهم أندرس بهرنغ بريفيك، نرويجي، ارتكب هجمات جزيرة أوتويا عام 2011؛ ما أفضى إلى قتل 85 شخصاً على الأقل، وكانت جريمة بريفيك سبباً لجرائم أخرى في الغرب، على مدار الأعوام الـتسعة التالية.
 
وهذا النوع من الإرهاب وصفه الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، قائلاً: “الخطر المقلق هو الذئب المنفرد، الشخص المندفع بأيديولوجيا بشكل منفرد، ومن الصعب تتبعه والسيطرة عليه”.
 
الإنترنت بداية التطرف
 
يتطرف الذئاب المنفردون عبر الإنترنت؛ فهم يقضون ساعاتٍ بالدردشة على منتديات “لوحات الصور”؛ أشهرها يُسمى “فورتشات” وفقاً للفيلم، وتقع معظم خوادم تلك المنتديات بالولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث يتم حذف القليل من محتواها العنصري والمتطرف.
 
وفيها يمارس العنصريون سخريتهم وفوقيتهم، بنشر صور ونصوص عدوانية، ويتنافسون في ما بينهم بإظهار العنصرية، وذلك في محاولة منهم للحصول على الاعتراف والقبول من قِبل أقرانهم في المنتديات، فمن السمات التي تجمع الذئاب المنفردة أنهم بلا أصدقاء بالواقع.

 

اقرأ أيضاً: سياسات مكافحة الإرهاب الغربية: أخطاء وإخفاقات استخباراتية

ولا يقتصر الأمر على السخرية فقط؛ فإن أحدث مستجدات المنصات الإلكترونية، البث المباشر الذي يخاطب من خلاله الذئاب المنفردون معجبيهم مباشرة، حسب الخبير في التطرف، فلوريان هارتليب، وهذا ما قام به منفذ هجوم مدينة هاله الألمانية؛ ستيفان بايليت، ضد كنيس يهودي، ومحل كباب تركي، عندما بثّ ما صوَّره من الجريمة على منتديين.

وفي تلك المنتديات، يعتبر هذا النوع من المقاطع وسام شرف يحرص منفذو الجرائم المتطرفة على استخدامه كأداة للاعتراف بهم بتسجيل عدد أكبر من الضحايا، الذين يتعاملون معهم كنقاط يجمعونها في ما يُسمى “قاعات الشهرة الخبيثة”.

مقطع فيديو لهجوم هاله في ألمانيا- “صوت أمريكا”/ “توتير”:

الأمر أشبه بألعاب الكمبيوتر العنيفة التي تخلق تأثيراً حقيقياً على الجناة، وفقاً لهارتليب، وتوجد منصات مشفرة تبدو ظاهرياً كمواقع ألعاب؛ لكن من خلالها يستخدم المتطرفون رموزاً يمينية متطرفة، كمنصة “ستيم” التي لا تخضع لقانون الشبكة المتبع في ألمانيا، وكمثال على نوعية الأشخاص المشاركين بتلك المنصة: ديفيد سنبولي، الذي نفذ عام 2016 هجوماً إرهابياً في ميونخ، وقتل 9 مهاجرين، وقتل نفسه.

مجموعات تحريضية

تسيطر على منصات الصور والدردشة والألعاب مجموعات تحريضية بأسماء عدوانية؛ ومنها مجموعة تُسمى “شعبة الأسلحة النووية”، تبث فيديوهات عدوانية وتحريضية، وتقوم بتجنيد الذئاب المنفردة، وهي مسؤولة عن خمس جرائم على الأقل.

وتمكن القائمون على الفيلم من الوصول إلى محادثاتٍ خاصة بين أفراد المجموعة، الذين يحتفلون بالذئاب المنفردة كأبطال، ويقومون بإنشاء ألعاب لجذب المراهقين يتم عبرها تمثيل الجرائم، وعبر تلك المجموعة يتم اجتياز اختبارات الشجاعة والولاء من أجل الاعتراف بالأفراد الجدد.

شعار “شعبة الأسلحة النووية”

من اللافت أن المنخرطين بالمجموعات المتطرفة تلك؛ مراهقون، فأحد أعضائها الذين خططوا لهجمات أستوني (13 عاماً) جرى اعتقاله. وحسب الشرطة الأستونية، فإن المنخرطين يحصلون على الإلهام من أيديولوجيين روس، إذ توجد مؤشرات متعددة حول أنشطة لنازيين جدد على الإنترنت في روسيا؛ ومنهم رينالدو نازاروا، وهو عميل سابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي، وقائد لأكثر الفرق تطرفاً على الإنترنت.

في الولايات المتحدة، اعتقل متورطون في مجموعة نازاروا، أما هو فلا يزال حراً في روسيا، يستخدم الإنترنت لتجنيد قُصَّر في أوروبا.

سلطات بطيئة ومتقاعسة!

يتطرق الفيلم إلى الدور البطيء والمتقاعس للسلطات في مواجهة ظاهرة الذئاب المنفردة؛ ففي ألمانيا، وعلى الرغم من الدلائل اليمينية التي تحيط بجريمة سنبولي، الذي كان عضواً في نادي “مناهضة اللاجئين” المتطرف؛ فإن السلطات البافارية رفضت اعتبار الإرهاب اليميني مشكلة حينها، حتى نهاية عام 2019؛ إذ صنفوا الهجوم على أنه متطرف.

حالة الرعب بعد هجوم ميونخ 2016- نقلاً عن “BBC”

 وبهذا الخصوص وجدت المحامية كلوديا نير، أن التقييم الأوَّلي للجريمة غير معقول، معتقدةً أن السياسيين عمدوا للتقليل من أهمية القضية.

وكانت تبعات هجوم ميونخ قريبة؛ إذ تلاه هجوم مدرسة أزتك في ولاية نيو ميكسيكو، الذي قُتل على أثره طالبان من أصولٍ مكسيكية على يد الشاب ويليام أتشيسون، واتضح أن دردشة تمت بين سنبولي وأتشيسون، وهذ ما يضع مسؤولين ألمانيين تحت طائلة المحاسبة بحال كانوا على علم بنيَّات الأخير من خلال الدردشات، ولم يعلموا السلطات في الولايات المتحدة، وفقاً للمحامي لويس روبلز، الذي اعتقد أن مكتب التحقيقات الفيدرالي أيضاً لم يقُم بعمله.

ويليام أتشيسون منفذ هجوم نيو مكسيكو- نقلاً عن “the daily beast”

ويشير الفيلم إلى أن السلطات فشلت في التحقيق مع نادي مناهضة اللاجئين المتطرف، ولم تركز خلال تحقيقاتها على منصة “ستيم”، بينما لم تتمكن وكالة الأمن الداخلية من الوصول إلى الصور المعروضة للجمهور على المنصة إلا بشكلٍ محدود.

اقرأ أيضاً: كيفية التعامل مع المقاتلين الإرهابيين الأجانب العائدين إلى البلقان

وبخصوص تقاعس السلطات الغربية في مواجهة الظاهرة، يرى بول بوشانان، مستشار أمني أمريكي، أن الوكالات الأمنية الغربية متخلفة عن الركب؛ فقد بذلت كثيراً من الوقت والجهد خلال الأعوام العشرين الماضية، بحثاً عن الإسلام المتطرف، لدرجة أنها لم تولِ اهتماماً كافياً لما كان يحدث في الإنترنت؛ حيث كان يتم تنظيم الناشطين في التفوق العرقي المزعوم.

ويرى بوشانان أن ظاهرة الذئاب المنفردة عالمية، ويجب مكافحتها على نطاقٍ عالمي، وبالصرامة التي استخدمت لمواجهة تنظيمَي القاعدة وداعش.

اتبعنا على تويتر من هنا

 

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة