الواجهة الرئيسيةشؤون دولية

الدور التركي في ليبيا.. قراءة للسياقات الداخلية والإقليمية

كيوبوست

تمهيد

على الرغم من الاهتمام الدولي بالأزمة الليبية والمواقف المتضاربة من القوى الإقليمية والدولية تجاه أطراف الصراع بالداخل الليبي، خصوصًا أن البلد الغني بثرواته لم يعرف استقرارًا منذ الإطاحة بالرئيس الليبي معمر القذافي، بالاحتجاجات الشعبية الواسعة التي اندلعت في 2011؛ فإن الموقف التركي يثير جدلًا كبيرًا مع سعي أنقرة لتكوين تحالف منحاز بشكل واضح لأحد أطراف النزاع.

اقرأ أيضًا: خبير سعودي: روسيا اللاعب الأكثر ذكاءً في الأزمة الليبية

يتحرك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ليس من أجل ليبيا؛ ولكن من أجل الحفاظ على مشروعه في دعم التيارات الإسلامية التي أسهمت في الإبقاء عليه بالسلطة على الرغم من تراجع شعبيته بدرجة ملحوظة، فالمزج في خطاباته بين الدين والسياسة جعله يلقى قبولًا أوسع في الداخل والخارج.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان

دوافع التحرك التركي

التمسك التركي بالتدخل في ليبيا يطرح تساؤلات عديدة عن إصرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على توريط بلاده التي تعاني أزمة اقتصادية خانقة، وأوضاعًا داخلية مضطربة؛ تساؤلات عديدة عن أسباب الإصرار التركي الذي يحمل أبعادًا اقتصادية وسياسية، بالإضافة إلى طموحات شخصية لأردوغان الذي اختار رهانات خاطئة منذ بداية ما يُعرف بـ”الربيع العربي”، حتى إن نجح في تحقيق نجاحات مؤقتة لكنها لم تدم طويلًا.

اقرأ أيضًا: كيف يرى المجتمع الدولي ما يحدث في ليبيا؟

يرى أردوغان أن هناك فرصًا في ليبيا عليه استغلالها؛ باعتبارها الخيار الأخير لإنعاش بلاده اقتصاديًّا بشكل مباشر، من خلال الفرص التي يمكن أن يحصل عليها بشكل مباشر ليس فقط في مرحلة إعادة الإعمار أو في مرحلة إعادة بناء الدولة الليبية والحصول على ثرواتها الكامنة التي جعلتها محط أنظار المجتمع الدولي.

لا يمكن النظر إلى التصرفات التركية الأخيرة بالتصعيد في ليبيا من دون قراءة متأنية للرهانات التركية على الأوضاع في البلاد العربية؛ لا سيما في فترات الاضطرابات التي عاشتها، فانحياز أردوغان الواضح لجماعة الإخوان المسلمين والدفاع عنها في تعثراتها هو جزء من أسباب التدخل في ليبيا الغنية بالثروات النفطية التي يرغب في الاستفادة منها؛ ليس فقط في الآبار المكتشفة على الأرض، ولكن أيضًا في الآبار الموجودة في أعماق المتوسط، وهو ما كشف عنه في اتفاقية ترسيم الحدود البحرية، غير الموجودة بالأساس، بين ليبيا وتركيا؛ والتي وقعها مع رئيس حكومة الوفاق فايز السراج.

أحد حقول الغاز في المتوسط – رويترز

تعاني تركيا العزلة على شواطئ المتوسط؛ فما بين خلافات وصدامات مع قبرص واليونان وأزمات مع إسرائيل وتوتر دبلوماسي مع مصر، تبقى تركيا في المنطقة بمفردها لا تتوافق إلا مع حكومة السراج في ليبيا؛ تقوم بتفاهمات مع إخوان تونس دون إعلان رسمي في ظل تراجع شعبية الإسلاميين بشكل عام والإخوان بشكل خاص في تونس. بينما جاء التوافق المعلن مع الدوحة بعد المقاطعة العربية لقطر في 5 يونيو 2017.

اقرأ أيضًا: اتفاق ترسيم الحدود البحرية التركي- الليبي يهدد شرعية حكومة السراج

المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس الوزراء الليبي فايز السراج قبل مؤتمر صحفي مشترك في برلين – أرشيف

ولا يمكن النظر إلى ما يقوم به أردوغان من دون النظر إلى الظروف الإقليمية والدولية المحيطة؛ فالخلاف الأمريكي- الأوروبي الواضح في السياسات منذ وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى السلطة، والضغوط التي تهدد وحدة الاتحاد الأوروبي؛ خصوصًا مع خروج بريطانيا المرتقب، ومحاولات ألمانيا وفرنسا الحفاظ على الوحدة الأوروبية، بجانب الضغوط الداخلية التي تتعرض إليها المستشارة الألمانية في الداخل؛ بسبب سياسات قبول اللاجئين مع اندلاع الأزمة السورية والاضطرابات المستمرة التي تشهدها فرنسا.. فكل هذه الأمور ساعدت في ضعف رد الفعل الدولي على الاستفزازات التركية؛ سواء أكانت بالتدخل العسكري في سوريا أم حتى بإعلان اعتزام التدخل العسكري في ليبيا.

اقرأ أيضًا: هل تستطيع ألمانيا منع تحوُّل ليبيا إلى سوريا جديدة؟

محددات تحركات دول الجوار

أما في الجوار الليبي، فبخلاف القوة المصرية والرفض الواضح للموقف التركي، فإن الموقفَين التونسي والجزائري يقفان في وجهة أخرى؛ فتونس في ظل القيادة الجديدة لا ترغب في التورط في الانحياز العلني لأي طرف رغم أنها أقرب في انحيازاتها لحكومة الوفاق بقيادة السراج، وهو نفس الموقف الجزائري؛ فكلا الموقفَين لم يتغيَّرا بتغيُّر الرؤساء، سواء التونسي بسبب رحيل الرئيس الباجي قائد السبسي، أو الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة الذي استقال إثر الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت مطلع عام 2019.

اقرأ أيضًا: خريطة التنظيمات المسلحة في ليبيا

الجزائر

موقف الجزائر الذي يسعى أردوغان لاستغلاله مرتبط بشكل واضح برغبة البلدَين في تجنب أي توترات على الشريط الحدودي مع ليبيا؛ خصوصًا الجزائر التي تصل حدودها إلى مئات الكيلومترات مع ليبيا، وغالبيتها تسيطر عليها الميليشيات المسلحة الداعمة للسراج، والتي بات تركُّزها أكبر بالغرب الليبي. فرغم تراجع ترتيب الجيش الجزائري ليكون في المرتبة 27 خلال عام 2019 بعدما كان في الترتيب الـ23 عالميًّا في 2018، متصدرًا حجم الإنفاق العسكري بين الجيوش الإفريقية؛ فإن التفاهمات السياسية هي التي تحكم الموقف الجزائري وليست القدرة العسكرية، في ظل وجود خطر أيضًا يهدد الجزائر من الجنوب في مالي التي تنتشر في شمالها التنظيمات المتطرفة وتشكل مصدر إزعاج آخر لجيرانها.

تنبع مواقف الجزائر انطلاقًا من واقع على الحدود تفرضه الأحداث والتطورات وارتباطًا بواقع آخر داخلي بدأ في 2015 مع الصراع بين جناحَي السلطة، قيادة الجيش من رئيس الأركان الراحل قايد صالح، وسعيد بوتفليقة شقيق الرئيس الجزائري السابق؛ فالأوضاع الداخلية لم تكن تسمح بمزيد من الصراعات والنزاعات خارج حدود الدولة، وهو ما يفسر البحث عن الحلول الدبلوماسية في السياسة الجزائرية التي ربما تكون هناك مراجعة لسياستها التي لن تتغير كثيرًا حتى مع انتخاب الرئيس الجديد عبدالمجيد تبون للرئاسة، الشهر الماضي.

فالسياسة الجزائرية نجحت في تأمين الحدود من 2011 حتى اليوم، ولم تشهد سوى هجوم وحيد عنيف استهدف قاعدة الغاز في منطقة تيقنتورين عام 2013، وهو الهجوم الذي خرج منفذوه من الصحراء الليبية؛ فالجزائر إن كانت تخشى تهديدات الإرهاب القادمة من ليبيا، فإنها لا ترغب في التورط عسكريًّا، وهو ما يمكن ملاحظته من الاجتماع الأخير لمجلس الأمن الوطني بالجزائر، الذي يجمع أعلى السلطات المدنية والعسكرية في البلاد، والذي قرر اتخاذ “تدابير” لحماية الحدود المشتركة، علمًا بأن المجلس لا يجتمع إلا نادرًا.

الرئيسان التركي والتونسي خلال زيارة أردوغان لتونس – أرشيف

تونس

أما تونس، فلا يختلف الوضع بالنسبة إليها كثيرًا؛ فالالتزام بسياسة محايدة هو الضمانة الوحيدة لتجنب أي انحيازات قد تؤدي إلى توتر داخلي؛ خصوصًا أن التيارات السياسية القوية في الداخل التونسي لن تقبل صدور موقف رسمي منحاز لصالح السراج رغم التفاهمات القائمة بالفعل معه واستقباله مؤخرًا، مع الزيارة المفاجئة للرئيس التركي إلى العاصمة التونسية والتي تحدث بعدها عن تحالف لدعم السراج؛ لكن الرئاسة التونسية أصدرت بيانًا تكذِّب فيه هذه التصريحات بشكل كامل.

مصر

بالنظر إلى مصر، فإن ثمة دوافع تجعلها داعمة ومنحازة بشكل واضح للجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر؛ بداية من الخلاف المتصاعد بين القاهرة وأنقرة وعدم وجود أي شكل من أشكال التحالفات المشتركة منذ الإطاحة بنظام الإخوان ووصول الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى السلطة، مرورًا بانحياز السياسة المصرية للجيوش الوطنية ودورها في الإبقاء على وحدة البلاد تحت قيادة واحدة، مرورًا بالتوافق المصري- الخليجي الكامل بشأن ضرورة دعم الجيش الوطني، وهي سياسات تشترك فيها مع الإمارات والسعودية بشكل واضح.

اقرأ أيضًا: حفتر يضمن المساندة العربية في زيارة خاطفة إلى القاهرة

ورغم محاولات مصر بالتعاون مع شركائها الخليجيين تحقيق مصالحة بين السراج وحفتر؛ فإن انهيار هذه المحاولات لأسباب عديدة جعل الانحياز المصري للمشير حفتر يكون علنًا في مقابل الانحيازات التركية- القطرية للسراج.

الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والمشير خليفة حفتر في قصر الرئاسة المصرية

بينما تحدث الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عن عدم رغبة القاهرة في التورط عسكريًّا في ليبيا على الرغم من تنفيذ الجيش المصري غارات انتقامية في ليبيا عدة مرات على فترات متباعدة؛ كرد فعل على هجمات خرج منفذوها من الصحراء الليبية، بينما كان أشهرها غارات استهدفت مواقع تنظيمات إرهابية قامت بقتل أقباط مصريين في فبراير 2015.

الخلاصة

يجد أردوغان نفسه اليوم مرغمًا على السير في طريقه ودفع ثمنه داخليًّا وخارجيًّا؛ فالرئيس التركي يرغب في استغلال الظروف الدولية، وحالة الضعف والتشتت بالمجتمع الدولي؛ ليحقق أكبر نتائج ممكنة تخدم أهدافه وسياساته الاستراتيجية بعد سنوات خسر فيها كثيرًا. وعلى الرغم من المعارضة التي يلقاها في الداخل لسياسات دعم تيارات الإسلام السياسي؛ فإنه لا يستطيع التخلي عن دعمها بشكل كامل باعتبارها جزءًا من مشروعه الذي أوصله إلى السلطة.

اقرأ أيضًا: أقارب أردوغان يخططون السياسة الخارجية لتركيا

فأردوغان نفسه بات وحيدًا في المنطقة بعدما خسر الإخوان الرئاسة بالجزائر وتونس، وأصبحوا منبوذين في السودان بعد الإطاحة بنظام البشير، ومطاردين في الخليج باستثناء قطر؛ فلم تعد هناك ساحة أخرى للسيطرة على السلطة إلا في ليبيا، ومن ثَمَّ فإن الاقتتال حتى النفس الأخير في ليبيا هو الأمل الأخير لأردوغان في تحقيق إيجاد موطئ قدم عربيًّا.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة