الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
الدبلوماسية المغربية تراكم “الاختراقات” في ملف الصحراء
آخرها إقرار النمسا أهمية مقترح الحكم الذاتي لحل نزاع الصحراء

المغرب- حسن الأشرف
تراكم الدبلوماسية المغربية نجاحات متوالية، يُسميها البعض “اختراقات”، في ملف الصحراء المتنازع حولها بين المملكة التي تقترح الحكم الذاتي في المنطقة لحل النزاع الذي دام طويلاً، وبين جبهة البوليساريو المطالبة بالانفصال عن سيادة المغرب.
آخر هذه النجاحات و”الاختراقات” التي همت بلدان القارة الأوروبية، هو إقرار النمسا في شخصَي المستشار الفيدرالي كارل نيهامر، ونائب الوزير الفيدرالي النمساوي للشؤون الأوروبية والدولية بيتر لونسكي، بأهمية مقترح الحكم الذاتي لحل نزاع الصحراء، لتصطف النمسا إلى جانب بلدان أوروبية أخرى تؤيد المغرب في مساعيه الدبلوماسية في هذا الملف الشائك.
وتندرج هذه الزيارة، وَفق مصادر إعلامية، في إطار الاحتفاء بالذكرى 240 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين المغرب والنمسا، حينما قدم محمد بن عبدالمالك أوراق اعتماده، سفيراً للسلطان مولاي محمد الثالث، إلى الإمبراطور النمساوي جوزيف الثاني، يوم 28 فبراير 1783.
اقرأ أيضاً: الدبلوماسية المغربية الجديدة تهاجم أوروبا.. والسر في ملف الصحراء
المغرب و”منطقة الراحة” لأوروبا
عقب زيارة وفد نمساوي رفيع المستوى بقيادة المستشار الفيدرالي كارل نيهامر، إلى المغرب خلال الأيام القليلة الماضية، بدعوة من رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش، تم التأكيد أن “النمسا تعتبر مخطط الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب أساساً لحل جدي وذي مصداقية للنزاع المفتعل في الصحراء”.
هذا الإقرار النمساوي الجديد بتأييد الطرح المغربي في حل نزاع الصحراء احتفت به الطبقة السياسية في المملكة، باعتباره نقطة إيجابية أخرى تُضاف إلى نجاحات أخرى سابقة في ذات الملف حققتها الدبلوماسية المغربية، والتي تجسَّدت في توالي الاعترافات بمغربية الصحراء؛ أبرزها جاء من الجانب الأمريكي في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، وأيضاً في فتح قنصليات العديد من البلدان في مدن الصحراء المغربية.

وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، كان واضحاً في هذا السياق عندما شدد، خلال ندوة صحفية إلى جانب نائب الوزير الفيدرالي النمساوي للشؤون الأوروبية والدولية، بيتر لونسكي، على أن الدول الأوروبية مطالبة بالخروج من “منطقة الراحة” من أجل إيجاد حل للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، مبرزاً “ضرورة التوصل إلى هذا الحل وعدم الاكتفاء بدعم مسلسل قد يدوم بسبب غياب الإرادة لدى الأطراف الأخرى”.
المسؤول الحكومي المغربي نفسه ثمَّن ما سماه “الدينامية التي يشهدها ملف الصحراء المغربية الذي لا يمكن بلورة حله إلا في إطار الأمم المتحدة، وعلى أساس مخطط الحكم الذاتي المغربي”، مستحضراً مواقف إيجابية لدول أوروبية في هذا السياق من قبيل إسبانيا وألمانيا وهولندا وبلجيكا ولوكسمبورغ، وهنغاريا وسلوفاكيا وقبرص، متوقعاً أن تحذو دول أخرى حذو سابقاتها في المستقبل.
اقرأ أيضاً: التاريخ والسياسة والأطراف: كل ما تود معرفته حول نزاع الصحراء المغربية
ولم يفت بوريطة التذكير باعتراف الإدارة الأمريكية بمغربية الصحراء في نهاية ولاية الرئيس السابق ترامب، في ديسمبر من سنة 2020، وفتح تمثيلية قنصلية في مدينة الداخلة، حيث اعتبرت واشنطن حينها “إقامة دولة مستقلة في الصحراء ليست خياراً واقعياً لحل النزاع”، مبرزاً أن الاعتراف الأمريكي يعد “رسالة موجهة إلى البلدان المعنية؛ لا سيما الأوروبية منها”.
لكريني: مصداقية الحل المغربي لنزاع الصحراء
ويعلق الدكتور إدريس لكريني، أستاذ العلاقات الدولية وإدارة الأزمات في جامعة القاضي عياض بمراكش، على الموضوع بالقول إن “النمسا تعد دولة وازنة وعريقة داخل الفضاء الأوروبي”، مورداً أنه “يمكن تفسير الإقرار بصوابية الطرح المغربي في نزاع الصحراء بمجموعة من المعطيات، أولها أن الأمر يحيل إلى أهمية مشروع الحكم الذاتي نفسه، باعتبار أنه يوازن بين خيارَي الوحدة والاستقلال؛ لأنه يمكن الساكنين من مجموعة من الصلاحيات والإمكانات التي تسمح لهم بتدبير شؤونهم بصورة ديمقراطية، وأيضاً بالنظر إلى أن الأمر يتعلق بطرح مغربي يقوم ضمن مرتكزاته على الحوار والتفاوض، إضافةً إلى أنه يتوافق مع المعايير الدولية في هذا السياق”.

ويضيف لكريني، في حديث مع “كيوبوست”، معطى ثانياً يتمثل في التحركات الدبلوماسية التي قادها المغرب على امتداد السنوات الأخيرة، والتي مكنت من فهم أهمية مشروع الحكم الذاتي بالصحراء، في خضم عالم تطورت فيه الكثير من مفاهيم القانون الدولي، والإشكاليات التي تواجه الإنسانية جمعاء؛ بما يوفر حلاً حقيقياً وتوفيقياً وحلاً مستداماً لهذا النزاع المفتعل بصورة تحقق وتدعم السلم والأمن الدوليَّين.
وسجَّل أستاذ العلاقات الدولية أن “المغرب قام بجهود كبيرة في سبيل التعريف بهذا المشروع في الأسواق الدبلوماسية على مستوى القوى الدولية الكبرى، أو الفضاء الإفريقي بين الكثير من الدول التي أصبحت مقتنعة بحيوية وأهمية هذا الحل المغربي لنزاع الصحراء الممتد عبر عقود خلت”.
اقرأ أيضاً: ما الرسائل من المناورات العسكرية الروسية- الجزائرية على حدود المغرب؟
والتفسير الثالث، وَفق لكريني، ينبعث من تنامي الوعي الدولي بخطورة الحركات الانفصالية التي تمثل تهديداً حقيقياً لسيادة الدول وتهديداً حقيقياً لاستقرار البلدان، على اعتبار أن القارة الإفريقية تحتضن مكونات اجتماعية وثقافية تهددها خيارات وأطماع الانفصال.
ولفت المحلل ذاته إلى أن “الرفض المتزايد من المجتمع الدولي لخيارات الانفصال، كما حصل في كتالونيا والعراق، قبل بضع سنوات، يمنح المصداقية للحكم الذاتي المقترح من طرف المملكة؛ لأنه ينبني على الواقعية والحوار والممارسة الديمقراطية كآلية للتعاطي بصورة عقلانية وموضوعية مع مثل هذه النزاعات والإشكالات بصورة تتيح للسكان التدبير الديمقراطي لشؤونهم.
البعمري: اختراق دبلوماسي

من جهته، يقول نوفل البعمري، باحث متخصص في ملف الصحراء، إن الموقف النمساوي الذي تم التعبير عنه في الإعلان المشترك الذي جمع رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش، والمستشار الفيدرالي النمساوي، جاء عقب الزيارة التي قام بها للمغرب، وكانت مناسبة لإجراء مباحثات حول مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك سياسياً واقتصادياً، كما كانت مناسبة لإعلان النمسا موقفها من النزاع المفتعل حول الصحراء.
وأورد البعمري، في حديث مع “كيوبوست”، أن النمسا أكدت في هذا الإعلان دعم حل سياسي، عادل ومتوافق بشأنه، واعتبرت أن المبادرة المغربية لحل هذا النزاع مبادرة جدية ذات مصداقية، كما أكد الإعلان دعم مجهودات المبعوث الأممي إلى الصحراء ستافان ديميستورا، في مجهوداته التي يقوم بها لطي هذا الملف وفقاً لقرارات مجلس الأمن.
اقرأ أيضاً: هل تخلَّت تونس عن حيادها في قضية الصحراء؟
وأبرز الباحث ذاته أن النمسا بموقفها وقرارها تبني هذه المواقف السياسية الداعمة لوجهة نظر المغرب في ما يتعلق بملف الصحراء، تكون قد أعلنت انحيازها الكلي للمبادرة السياسية المغربية، مردفاً أن الموقف النمساوي موقف متقدم واختراق واضح للمغرب دبلوماسياً على مستوى الدول الإسكندنافية وبداية تحول لمواقف هذه الدول من مستوى الحياد إلى مستوى سياسي آخر يتبنى الرؤية المغربية باعتبارها الحل الذي يستجيب للمعايير السياسية التي وضعتها الأمم المتحدة لإنهاء هذا الصراع حول الصحراء.
وخلص البعمري إلى أن “النمسا وقبلها إسبانيا وألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية، أصبحت تشكل قوة ضغط سياسية حقيقية داخل القارة الأوروبية، ضاغطة من أجل دعم مبادرة الحكم الذاتي باعتبارها المبادرة التي تحقق السلام في المنطقة، وتنهي معاناة ساكني المخيمات على أرضية “رابح- رابح”.