الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
الدبلوماسية الرياضية: هكذا ضربت القوة الناعمة عبر التاريخ
كيف استخدمت الدول الدبلوماسية الرياضية لصالحها؟

ترجمة كيو بوست –
أصبحت الدبلوماسية الرياضية اليوم جزءًا لا يتجزأ من نموذج القوة الناعمة الأوسع نطاقًا على المستوى الدولي، الذي تستخدمه البلدان لتعزيز جاذبيتها. وعلى غرار الأدوات الدبلوماسية الأخرى، يمكن أن تكون الدبلوماسية الرياضية “وسيلة لمنع الصراع المسلح، أو أداة لممارسة العدوان”، هذا ما ذكرته تاتيانا زونوفا، أستاذة العلوم الدبلوماسية في جامعة موسكو الحكومية للعلاقات الدولية، في مقالتها في مركز أبحاث الشؤون الدولية الروسي.
الرياضة في خدمة الدبلوماسية
تتوق الحكومات إلى استخدام الدبلوماسية الرياضية لتحقيق أهداف سياساتها الخارجية بشكل أفضل. على سبيل المثال “دبلوماسية البنغ بونغ” الفعالة للغاية، التي ساعدت الولايات المتحدة والصين في إقامة علاقات دبلوماسية في أوائل السبعينيات. ولا شك في أن أولمبياد 2008 ساعدت الصين في خلق صورة لنفسها كدولة اقتصادية عالمية قوية. كما حققت أولمبياد 2014 في سوتشي نجاحًا باهرًا في هذا المجال.
ولا بد من إدراك حقيقة أن البلدان المستضيفة للمسابقات الدولية غير قادرة على تعويض تكاليف تنظيم هذه الأحداث، إلا أنها تعزز في المقابل صورتها الدولية، فضلًا تحقيق التدفق السياحي وزيادة الاستثمار الأجنبي.
توفر المنافسات الرياضية الدولية للبلدان المضيفة منصة لاجتماعات واتصالات سياسية مثمرة. فقد حولت دورة الألعاب الأولمبية 2014 سوتشي إلى مكان لعقد اجتماعات رسمية بين الرئيس بوتين وقادة هولندا وتركيا واليابان والصين. وقبيل انطلاقة كأس العالم 2018 في روسيا، أكد أكثر من 10 رؤساء دول وحكومات عزمهم القدوم إلى موسكو، من بينهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وهذا يؤكد أهمية الدبلوماسية الرياضية كأداة للحوار.
اتجاهات متعاكسة
مع تزايد شعبية الحركة الرياضية وأهميتها الدولية، ظهر اتجاهان متعاكسان تمامًا.
فمن ناحية، تساعد المنافسات الرياضية في توسيع الاتصالات الدولية والعلاقات الودية. أحد الأمثلة على ذلك، هي الحرب الباردة، فبرغم التوترات الدولية، ساعدت المنافسات في التأكيد على الحاجة إلى الحفاظ على السلام والتعاون بين الشعوب. وكما قال الدبلوماسي الأمريكي الشهير، جيم كاين، ذات مرة: “قد تكون الرياضة موردًا سياسيًا أكثر فاعلية من سياسة العصا والجزرة، فهي وسيلة قوية للتواصل وبناء العلاقات مع مختلف الأطراف الثقافية والعرقية”. وغالبًا ما يعمل مشاهير الرياضة كـ”سفراء سلام”، ويتحدثون إلى الجماهير العريضة حول قضايا متعددة.
ومن الناحية الأخرى، أصبحت الرياضة ساحة للمنافسة على نحو متزايد، ليس بين الرياضيين كأفراد فحسب، بل بين المنتخبات الوطنية، والحكومات كذلك. وغالبًا ما تكون الملاعب موطنًا للمشاعر القومية، وأحيانًا للعدوان.
تلجأ العديد من الدول إلى استخدام الألعاب الأولمبية كوسيلة للضغط السياسي على بلد معين. أفضل مثال على ذلك، هي فترة الاستعداد التي سبقت الأولمبياد الشتوية في سيول هذا العام. فقد خلق التوتر المتصاعد بفعل وسائل الإعلام وتصريحات السياسيين تصورًا حول “أكثر الألعاب المعسكرة على الإطلاق”. فخلال تلك الفترة، جرى نشر حوالي 50,000 جندي مسلح، والعديد من الدبابات والمدفعيات حول بيونغ تشانغ، في حين كانت السفارة الأمريكية مطوقة بحراسة شرطية مشددة. وحينها، حذر البنتاغون من ضربة محتملة ضد آلاف المدفعيات والصواريخ الكورية الشمالية المنتشرة على الحدود مع كوريا الجنوبية. ولحسن الحظ، شهدت الألعاب الأولمبية أول فريق كوري موحد يتنافس تحت راية واحدة، وهو دليل على نية كلا البلدين تبني طرق المصالحة والتعاون، بل وساعدت الألعاب في بيونغ تشانغ على تنشيط المحادثات حول نزاع السلاح في شبه الجزيرة الكورية.
المقاطعة أم الحوار؟
يعتقد أولئك الذين يؤيدون مقاطعة المسابقات الرياضية الدولية أن هذا الإجراء يجذب الانتباه إلى انتهاكات حقوق الإنسان أو القانون الدولي في البلدان المستضيفة. على سبيل المثال، قامت 65 دولة عام 1980 بمقاطعة أولمبياد موسكو احتجاجًا على الغزو السوفييتي لأفغانستان، شملت الولايات المتحدة وألمانيا الغربية وكندا واليابان وتركيا ورومانيا والصين. وفي عام 1984، رد الاتحاد السوفييتي وأعضاء آخرون في حلف وراسو بمقاطعة مماثلة للألعاب الأولمبية في لوس آنجلوس، بل وأجروا مسابقة خاصة بهم تحت مسمى ألعاب الصداقة. وفي عام 2018، وقعت مجموعة من أعضاء البرلمان الأوروبي على رسالة تدعو دول الاتحاد الأوروبي إلى مقاطعة كأس العالم 2018 في روسيا.
وفي الجهة المقابلة، يعتقد معارضو تكتيكات المقاطعة أنه من غير المقبول خلط الرياضة بالسياسة، وأن هكذا إجراء يسلب الرياضيين حق التنافس مع رياضيي الدول الأخرى.
تجارة الرياضة – فساد ورشاوى
يمكن للشركات أن تمارس ضغوطًا مالية على المنظمات الرياضية الدولية، مثل الفضيحة التي أحاطت بمشروع قطر الفائزة باستضافة كأس العالم 2022. فبالإضافة إلى الفساد في تفاصيل منحها الاستضافة، هنالك أكثر من 1500 حالة وفاة في صفوف العمالة الأجنبية بقطر، ممن عملوا في مجال البناء الإنشائي استعدادًا للبطولة. وردًا على ذلك، هددت العديد من الشركات الكبرى بسحب رعايتها للبطولة، من بينها سوني وفيزا وكوكا كولا، إن لم تقم (فيفا) بإجراء تحقيقات في حالات الفساد وانتهاك حقوق السلامة في أماكن العمل في الدوحة. وقد ساعد موقف هذه الشركات في إطلاق تحقيقات جنائية ضد بعض كبار مسؤولي الفيفا الذين تلقوا رشاوى من السلطات القطرية.
المصدر: مركز أبحاث الشؤون الدولية الروسي