الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

الخيار النووي.. لماذا تخلت أستراليا عن صفقة الغواصات الفرنسية؟

قبل أسبوعين من الصاعقة التقى وزراء كبار من البلدَين وأعلنوا "التزامهم بالتعاون".. فما الذي حدث؟

كيوبوست- ترجمات

دانييل هيرست

لم يكن المراقبون أقل دهشة من الحكومة الفرنسية عند تلقيهم الخبر المفاجئ بتراجع أستراليا عن صفقة كبيرة لشراء غواصات فرنسية. المراسل السياسي لصحيفة “الغارديان” دانييل هيرست، تناول هذه القضية من زاوية دوافعها وتداعياتها السياسية.

يفتتح هيرست مقاله بالإشارة إلى عنصر المفاجأة والصدمة التي رافقت الإعلان الأسترالي؛ فقبل أسبوعين فقط من تلقِّي فرنسا هذه “الطعنة في الظهر”، كما وصفتها، جرى اجتماع بين وزيرَين فرنسيَّين ونظيريهما الأستراليَّين في 30 أغسطس، كان يهدف إلى تقوية العلاقات بين البلدَين. وصدر عن اللقاء بيان مشترك جاء فيه “التزمَ الجانبان بتعزيز التعاون في الصناعات الدفاعية وتعزيز تفوقهما في المنطقة”، وجاء في البيان أيضاً: “أكد الوزراء أهمية صفقة الغواصات المستقبلية”.

اقرأ أيضاً: الحرب تحت الماء.. الغواصات غير المأهولة تقود المواجهة قريباً

في الخامس عشر من سبتمبر، أخطرت الحكومة الأسترالية الفرنسيين -قبل ساعات فقط من الإعلان الرسمي بالتنسيق مع واشنطن ولندن- أنها بصدد تمزيق عقد بقيمة 90 مليار دولار مع “مجموعة نافال” الفرنسية، لصالح ترتيبات جديدة مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة؛ لشراء غواصات نووية.

كيف خرجت أكبر عملية شراء دفاعية أسترالية عن مسارها؟ وما الذي كانت تفعله فرنسا من وراء الكواليس لطمأنة أستراليا للتمسك بالصفقة؟

يقول هيرست: لفهم الغضب الفرنسي لا بد من العودة بضع سنوات إلى الوراء؛ فهذه ليست هي المرة الأولى التي تطيح فيها أستراليا بصفقة غواصات. كان رئيس الوزراء الأسترالي في حينه توني أبوت، على علاقة جيدة بنظيره الياباني شينزو آبي، وكان يُعرف بحرصه على بناء اليابان أسطول الغواصات الأسترالية على الرغم من معارضة النواب الليبراليين في جنوب أستراليا، الذين حاول أبوت استرضاءهم بإعلانه أن الحكومة ستقوم بعملية تقييم تنافسية للصفقة.

غضب فرنسي من أستراليا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة بسبب “الطعنة بالظهر”- صحيفة “الميرور”

حددت الحكومة الأسترالية خيارها بالغواصات العاملة بالديزل والكهرباء وليس الغواصات العاملة بالوقود النووي، ونظرت في العروض المقدمة من العارضين الألمان والفرنسيين إلى جانب العرض الياباني. وفي عام 2016 أعلن خلف “آبوت مالكوم تورنبول” أن مجموعة “DCNS” التي أصبحت تُعرف بـ”مجموعة نافال”، هي “الشريك الدولي المفضل لبناء 12 غواصة مستقبلية تخضع لمزيد من المفاوضات من الناحية التجارية”.

وبعد سنوات من العمل على اللمسات الأخيرة للاتفاقية، أعلن وزير الدفاع الأسترالي في مارس من هذا العام، أن الحكومة قد أعادت التفاوض حول العقد؛ بحيث تلتزم الشركة بإنفاق ما لا يقل عن 60% من قيمة هذا العقد في أستراليا على مدى زمن تنفيذه.

اقرأ أيضاً: رئيس وزراء أستراليا السابق كيفين رود يتحدث عن مستقبل العلاقات بين واشنطن وبكين

والآن تبين وجود محادثات سرية منذ ما لا يقل عن 18 شهراً لوضع خطة بديلة، وهذا ما أثار الشعور بالخيانة لدى الفرنسيين، على الرغم من إصرار سكوت موريسون، على أنه كان صريحاً مع الفرنسيين، وتصرف بحُسن نية من أجل حل مشكلات الصفقة.

ثم يلقي هيرست الضوء على هذه المحادثات؛ حيث كانت الخطوة الأولى للحكومة الأسترالية هي معرفة ما إذا كان هنالك خيار آخر أفضل، وما إذا كان المشروع سيوفر القدرات التي تحتاج إليها البلاد وسط مخاوفها المتزايدة من صعود الصين. وفي وقت مبكر من هذا العام، شكَّل موريسون لجنة وزارية، وتولَّى بنفسه رئاسة هذه اللجنة التي كانت مهمتها تقديم المشورة إلى لجنة الأمن القومي في ما يتعلق بالمشروعات المستقبلية؛ مثل صفقة الغواصات، وتسير على المسار الصحيح لتحقيق أهدافها المتفق عليها.

كانت لدى فرنسا شكوك بشأن جدية أستراليا في صفقة الغواصات منذ يونيو الماضي- “رويترز”

كما عيَّن موريسون الرئيسَ السابق للمجلس الاستشاري الوطني لبناء السفن دون وينتر، كمستشار لرئيس الوزراء، وتم تكليف العميد البحري تيموثي براون، المدير العام لقوات الغواصات في وزارة الدفاع، لإدارة مشروع بالغ السرية؛ لتحديد متطلبات سلاح الغواصات.

في غضون ذلك، كان وزير الدفاع الأسترالي غريغ مورياتي، يصر على أن الحكومة ملتزمة تماماً بمحاولة العمل مع “مجموعة نافال” لحل المشكلات التي تواجه عقد الغواصات؛ ولكنه أكد أن “التخطيط الاحترازي للطوارئ” كان يجري بالتوازي.

يقول هيرست إن وتيرة المحادثات السرية قد تسارعت في مارس أو أبريل بين أستراليا والمملكة المتحدة في بادئ الأمر. وفي يونيو، انضم بوريس جونسون إلى موريسون وجو بايدن، في اجتماع ثلاثي على هامش قمة مجموعة السبع؛ حيث ناقش القادة خطط التعاون الدفاعي والطلب الأسترالي للحصول على تكنولوجيا الغواصات الحساسة بشكل عام.

اقرأ أيضاً: هل تنسحب “جوجل” من أستراليا؟

وبعد أيام قليلة، التقى موريسون الرئيسَ الفرنسيَّ في باريس، وكانت المخاوف الأسترالية بشأن صفقة الغواصات هي الموضوع الرئيسي للحوار بينهما، إلا أن موريسون في حديثه مع الصحفيين، بعد ذلك اللقاء، ترك الانطباع بأنه تم حل النقاط الخلافية؛ ولكن موريسون أصر هذا الأسبوع على أنه “كان واضحاً للغاية” أثناء محادثاته مع ماكرون بشأن “المخاوف الحقيقية” حول ما إذا كانت الغواصات التقليدية مناسبة للبيئة الاستراتيجية المتغيرة في المحيطَين الهندي والهادي.

ومن نتائج هذا الاجتماع أن فرنسا، في محاولة لطمأنة أستراليا بأن المشروع لن يتأخر، كانت ستسلم رسالة إلى أستراليا تتعهد فيها بالتزامها بالجدول الزمني وتسليم المحتوى المحلي. وفي وقت لاحق، قال مصدر حكومي أسترالي إن الرسالة قد وصلت؛ ولكنها وصلت متأخرة، وأضاف: “إذا لم يكونوا قادرين على تسليم رسالة في الوقت المناسب، فكيف يمكنهم تسليم 12 غواصة في الوقت المحدد؟!”.

الولايات المتحدة ستشارك تقنية الغواصات النووية مع أستراليا- “وول ستريت جورنال”

وفي إشارة إلى أن الفرنسيين كانوا يعلمون بوجود مشكلات تهدد المضي بهذا المشروع، يلقي هيرست الضوء في مقاله على الجهود التي بذلتها الحكومة الفرنسية بهذا الخصوص، وإن جاءت هذه الجهود متأخرة إلى حد كبير. يقول هيرست إن “مجموعة نافال” قد تعاقدت مع شركة يملكها ديفيد غازارد -المستشار السابق لجون هوارد وبيتر كوستيلو والصديق المقرب لرئيس الوزراء موريسون- لتقديم خدمات “العلاقات الحكومية” والمشورة وتنظيم الاجتماعات والتواصل مع الأطراف الأسترالية صاحبة التأثير؛ بما في ذلك السياسيون الفيدراليون والوزراء في الحكومة الأسترالية. لكن على ما يبدو فقد كان التواصل مع النواب غير كافٍ، وكان الوقت قد فات لتغيير النتيجة.

وبعد أن قام موريسون وجونسون وبايدن بالإعلان عن تفاصيل المسار الدرامي الجديد، تحدث موريسون إلى أعضاء حزبه، قائلاً إنه يشعر بالأسف لأنه لم يتمكن من إطلاعهم على الأمر في وقت سابق؛ لأن المفاوضات كانت سرية للغاية.

اقرأ أيضاً: رئيس وزراء أستراليا السابق كيفين رود يتحدث عن مستقبل العلاقات بين واشنطن وبكين

من أكثر ما أثار انزعاج فرنسا هو أنها على الرغم من تمتعها بالخبرة الكافية في بناء الغواصات النووية؛ فإنها كانت تعمل على تصميم غواصات تعمل بالديزل والكهرباء بناءً على المواصفات التي حددتها الحكومة الأسترالية أصلاً. بينما يقول الأستراليون إن الخيار الفرنسي للغواصات العاملة بالطاقة النووية يتطلب أعمالاً معقدة في منتصف عمر هذه الغواصات؛ مما يعني الحاجة إلى صناعة نووية محلية أكثر تطوراً. والذي غيَّر قواعد اللعبة هنا هو استعداد المملكة المتحدة والولايات المتحدة لمشاركة تقنياتهما مع أستراليا.

دافع وزير الدفاع الأسترالي بيتر داتون، عن قرار حكومته عندما قال من واشنطن إن أستراليا “نظرت في الخيارات المتاحة لها، والخيار الفرنسي لم يكن متفوقاً على ما قدمته الولايات المتحدة والمملكة المتحدة”. وأضاف: “في النهاية، فإن القرار الذي اتخذناه يقوم على ما هو في مصلحة أمننا القومي والأمن والسلام في منطقة المحيطَين الهندي والهادي”.

ويختتم هيرست مقاله بالإشارة إلى أن الفشل في هذه الصفقة قد أحرق أكثر من 2.4 مليار دولار، ومن المرجح أن يكلف مئات الملايين من الدولارات كرسوم لفسخ العقد. كما أنه لا تزال هنالك الكثير من الأسئلة التي لم تتم الإجابة عنها حول الخطة الجديدة لبناء ثماني غواصات نووية على الأقل في أديلايد، التي لا يتوقع نزول أولاها إلى الماء قبل عام 2040؛ وهذا زمن طويل للغاية في منطقة ترى الحكومة الأسترالية أنها ساحة لخلافات متزايدة.

المصدر: الغارديان

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة