الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةحوارات
الحكواتي أحمد الراشدي: مبادرات القراءة العربية شجَّعت الجيل الجديد على حب القراءة

كيوبوست- أمل صقر♦
هي تجربة وراءها الإخلاص للفكرة والإيمان بأنها تستحق، بدأت مع إحساس المعلم العماني أحمد الراشدي بأن من واجبه أن يفتح للأطفال واليافعين باباً إلى عالم القراءة الرحيب، وكان لديه من الإصرار والإرادة ما أتاح له أن ينفِّذ فكرته، وأن يطوِّرها وينميها لتمتد من تأسيس المكتبات إلى الحكي، بكل ما فيه من دفء التواصل والقرب الإنساني الذي يمنح الحكاية أبعاداً أعمق.
وبعد اثني عشر عاماً كان لدى أحمد الراشدي ما يحكيه عن مكتبات للأطفال واليافعين، زرع بذورها الصغيرة، فأثمرت وأزهرت في مناطق مختلفة من بلده.. عن حكواتية العالم العربي والعالم الذين استفاد من خبراتهم في تطوير ذاته، وأداء رسالته، واستضافهم في بلده، لتنفتح آفاق من المعرفة والمتعة والاكتشاف أمامه، وأمام آلافٍ ممن استفادوا من مبادراته، كان لـ”كيوبوست” هذا الحوار معه…
* بدايةً نريد أن نعرِّف قراءَنا من هو الأستاذ أحمد الراشدي؟ وما هي مبادرة القراءة؟
– أهلاً وسهلاً، لي الفخر الكبير أن نلتقي ونتحدث عن فكرة إنسانية أكثر من أنها مناسبة خاصة. أنا الحكواتي أحمد الراشدي من سلطنة عمان، خريج أدب لغة عربية عام 2004 حاصل على ماجستير في أدب اليافعين 2018 من جامعة السلطان قابوس في مسقط. في عام 2010 قررت تأسيس مبادرةٍ تطوعية في قريتي “قرية وادي قري” بعمان لتشجيع الأطفال على القراءة. فقريتي تبعد عن العاصمة مسقط بمكتباتها وخدماتها الثقافية مسافة 100 كيلومتر.
وأذكر أنني عندما تخرجت في الجامعة، ثم توظفت، وأخذتني الحياة بعيداً عن القرية لسنواتٍ، عدتُ وهالني الضعف الشديد الذي لمسته في الجيل الجديد فيما يتعلق بمهارة القراءة، فقلت بدلاً من لعن الظلام يجب أن أفكر في فكرة.
كنت في تلك الأيام منسقَ تحريرٍ لموقعٍ إلكتروني عماني اسمه “أكثر من حياة”، وهي مبادرة إلكترونية لتشجيع الكبار على القراءة، تزامن ذلك مع تواتر أخبار عن مبادراتٍ في العالم تشجِّع الناس والأطفال على القراءة. من المبادرات اللافتة تلك الخاصة بأستاذٍ مُلهم في كولومبيا، كان لديه حِماران يضع عليهما طاولات وكتباً، ويذهب إلى الغابات والجبال لتشجيع القراءة. الحقيقة أخجلني هذا الرجل… ترك كل هذا العالم المغري، وترك أسرته، وقرر أن يذهب إلى الجبال لتشجيع قاطنيها على القراءة. قلتُ لنفسي لماذا لا أعمل مثله في قريتي. فاجتمعت مع أصدقائي وزوجتي، وأخبرتهم بأني سوف أبدأ “مبادرة القرية القارئة”، ونحاول أن نحقق هدفين: الأول تأصيل حب القراءة في نفوس الأطفال، فليس المهم أن يقرأ لكن المهم أن يُحبُ القراءة. والثاني أن نُحاول أن نشجعهم أن يؤسِّسوا مكتباتٍ خاصة في بيوتهم.

كانت الفعالية الأولى حينما أعلنتُ أن لديَّ في مكتبتي كتباً، ومنْ يستعِر ثلاثة كتبٍ ويقرأها ويلخصها يحصلْ على كتابٍ هدية. تشجَّع الكثير من الأطفال، وأعجبتهم الفكرة. أما الفعالية الثانية فكانت أن دعوت مجموعةً من الأطفال لأحكي لهم حكاية، لكن نتيجة افتقاري إلى الخبرة لم ينتبه الأطفال لي. لذلك لجأت إلى أن أتعلم فن الحكاية، ومن جانبٍ آخر عملت على استضافة الحكواتيين أو كتاب قصص الأطفال في سلطنة عمان في قريتي، ومنذ بدأت المبادرة في 2010 وحتى اليوم استضفنا 15 كاتباً وحكواتياً.
* أشرتَ إلى أهمية وجود مكتبة أهلية لتشجيع القراءة، فهل كان في القرية مكتبة؟
– لاحظت إعجاب الأطفال بالقصص المحكية، وفي كل مرة يستمعون لقصة كانوا يبحثون عنها في المكتبات… انتبهت إلى غياب مكتبة حقيقية في القرية. فبدأت التفكير في تأسيس مكتبةٍ أهلية في بداية 2011 وخلال معرض مسقط للكتاب، بدأت أعرض الفكرة على دور النشر، وحقيقةً تفاعلت معي مجموعة من دور النشر العربية التي أمتن لها فمنذ ذلك الحين تمدني دار الشروق، ودار نهضة مصر، ودار المعارف من مصر، ودار الحدائق من لبنان، وأشجار وكلمات للنشر والتوزيع من الإمارات، تمد هذه الدور المكتبةَ بالكتب سواء في صورة إهداءات أو بتخفيض كبير.
من جانبٍ آخر ساهم “مشروع كلمة” بمترجمات الأدب العالمي في أدب الطفل في تقديم عددٍ من الإصدارات للمكتبة ما صنع قراء نوعيين، وبات الطفل في القرية يواكب أدب الأطفال العالمي.
اقرأ أيضًا: المؤرخ الإماراتي حمد بن صراي لـ”كيوبوست”: تجميع التراث أولوية إماراتية منذ إعلان الدولة
وحاولتُ قدر الإمكان تنويع الكتب الموجودة في المكتبة لتناسب كافة الأعمار من سن ثلاثة إلى 6 سنوات، وإلى 10 سنوات، ثم تنبهت إلى حاجة الأطفال فوق الـ10 سنوات إلى أدبٍ وكتبٍ مختلفة، نبهتني أختي أُمامة، وكانت من قارئات المكتبة، إلى أنها كبرت على الكتب المتوفرة فانتبهتُ إلى أدب المراهقين واليافعين، فأسَّست قسماً جديداً اسمه “أدب اليافعين” أشرفتْ أختي أُمامة عليه.
وبات هناك وعي متنامٍ لدى الأهالي في القرية بأهمية القراءة، وبدأوا يهتمون بمعرض الكتاب، وبدأوا يبحثون عن الكتب في المعرض لأولادهم.
* هل تقوم بتوجيه الأطفال من ناحية نوعية القصص والكتب التي يقرأونها؟
– في البداية كان جلّ الكتب والقصص تدور في فلك الحكايات التي تنمي اللغة العربية والمفردات اللغوية، وبعد ذلك انتبهت إلى أن الأطفال لديهم اهتمامات أخرى، فبدأت أزوِّد المكتبة بالموسوعات في البحار والعلوم.
في كل مرة كنت أجتهد في تزويد المكتبة بتنويعات مختلفة من الكتب، تظهر أمامي أفكار أخرى، مثلاً كان هناك رواد للمكتبة من الكبار يسألون عن كتب كيفية تربية الأطفال، وكيف تنمي القراءة في طفلها؟ من جانبٍ آخر ظهر جيل يبحث عن قصص وكتب لمن هم أصغر من أربع سنوات، فذهبت إلى دور النشر أبحث عن تلك الكتب.

* ما تقييمك لمبادرات القراءة العربية؟ وهل فعلاً أتت ثمارها؟
– مبادرات القراءة العربية أحدثت نقلة كبيرة في تشجيع القراءة لدى الجيل الجديد. أخص في هذا الصدد تحدي القراءة وهي المبادرة العظيمة للشيخ محمد بن راشد، والتي أدت إلى نقلة نوعية في القراءة على مستوى الوطن العربي. المبادرة منحت مبادرتي دفعة مهمة، خاصة مع وصول عمانيين إلى التصفيات، وأراد الأهالي لأولادهم الأمر ذاته.
* بدأت مبادرتك في 2010… عبر تلك السنوات، هل حذَت قرى داخل السلطنة حذوك؟
– نعم… والحقيقة أنني كنت، وما زلت، في غاية السعادة لاتصال بعضٍ من الأدباء والآباء من أماكن بعيدة يطلبون استعارة بعض الكتب من مكتبة القرية، فيأتي من مسافة 70 كيلو أحياناً، ومعه أطفاله، ويدخل المكتبة.
* قلتَ في البداية إنك جربت الحكاية لكن الأطفال لم ينتبهوا لك.. فكيف تحول الأمر الآن إلى تلقيبك “الحكواتي”؟
– أنا لم أبدأ كـ “حكواتي”، وإنما قارئ للقصص، فالحكواتي يحكي شفاهة في الأغلب، وعندما أسَّست المبادرة، وحاولت كما سبق أن أحكي للأطفال كانت إمكاناتي وخبرتي محدودة، فبدأت في البحث عن ورش ودورات في تقوية مهارات الإلقاء. وبالفعل حضرت عدداً من الورش في مهرجان الشارقة القرائي عبر عدة أعوام من 2010 إلى 2012 فحضرت لعدد من أشهر الحكائين، وبعد ذلك لجأت إلى “اليوتيوب” وبدأت أقلد طريقة الحكي لكنها كانت في البداية معتمدة على الحكي من كتاب وليس شفاهة.
ثم أتذكر في 2015 تلقيت دعوة من جمعية صندوق العجب للحكايات الشعبية في طنجة، وهناك شاهدت الحَكَواتية آمال المنصوري والحكواتي يوسف الصرحاني، فلاحظت أنهما يحكيان حكايات شفوية وكان الأطفال مشدودين تماما للحكاية، هنا بدأت أفكر أن أحكي حِكَايات شفوية، فكنت أقرأ قصة وأعيد حكيها باللغة العربية، فكان هدفي رفع مستوى اللغة العربية عند الأطفال، وظللتُ في هذه الطريقة الاقتصار على اللغة العربية الفصحى. العربية الفصحى ما كنتُ أقرأ باللهجة، فالذي حدث عندما بدأت أحكي باللغة العربية الفصحى فبدأ الأطفال يتفاعلون معي. ثم طورت قناة خاصة لي على “اليوتيوب” أحكي فيها الحكايات.
اقرأ أيضًا: اندثار مهنة الحكواتي في العراق
بعد سنوات أيضاً، واحتكاكي بالحَكَواتيين، على سبيل المثال، الحَكواتية دنيس أسعد من فلسطين، والحكواتية سارة قصير من لبنان حيث حضرت معهم دورة تدريبة في مسقط اكتشفت عالماً آخر من المهارات ممكن تعلمها: الصوت – التنفس – الوجه – التمثيل الصوتي… كأنك ممثل مسرحي، لكن غير ملتزم بنص.
لاحقا بدأت مبادرة القرية القارئة في دعوة الحكواتيين؛ مثل: أمل المزوري من المغرب، ودنيس أسعد من فلسطين، والكتَّاب مثل سحر عبد الله من مصر، وفلورا مجدلاوي من فلسطين، وقاسم سُعودي من العراق، ومن عمان سليمان المعمري روائي، وعاصم الشيدي صحفي ورئيس تحرير جريدة عُمان، كانوا ضيوف السلطنة، ومن ثم دعتهم المبادرة في جولة سياحية للقرية، وفي نفس الوقت يحكون للأطفال.
صراحًة أنا أشكر وأمتن جداً للكتاب العرب والمهتمين بثقافة الطفل الذين تبرعوا من وقتهم؛ لأنهم صنعوا عالماً وروحاً جديدة في هؤلاء الأطفال. وأريد أن أقول إن الجيل الذي بدأت معه في 2010 أصبح بعضهم في الجامعة، وبعض منهم تخرجوا، ونجحت المبادرة في غرس عادة القراءة فيهم، وباتت ملازمة لهم. والأمر الآخر أنه لا يمكن أن تدخل قريتي المكونة تقريباً من عشرين أو ثلاثين بيتا إلا وتوجد مكتبة في كل بيت، وهذا من أجمل الإنجازات صراحةً.

* كيف تقيِّم تجربة الحكواتي؟ وهل تمكنت من خلال الحكاية أن تجذب أطفالاً أكثر وتحبِّبهم في القراءة؟
– أريد أن أقول إننا ربحنا جيلاً جديداً يأتي وهو يريد أن يسمع حكاية، وقد لاحظت ذلك من خلال جلسات الحكي للأطفال، ومن خلال ردود الفعل على قناة “اليوتيوب”، وأتلقى اتصالات من الأهالي تطلب ترشيحات كتبٍ ليقرأها أطفالهم.
من جانبٍ آخر، من المهم التأكيد على أن الهدف دوماً معيار نجاح أي عمل، فمبادرات القراءة مثلاً لا يجب أن تكون مُجرد دعاية إعلامية أن هذه الجهة أو تلك المؤسسة أو هذا المركز يشجع القراءة أو يقيم ورشة.. القضية هي هدف حقيقي.. رغبة في تنمية حب القراءة لدى مختلف الأعمار، وأعتقد أن المبادرة وقناة “اليوتيوب” حققتا جزءاً من هذا الهدف.
كذلك لفتت بعض التعليقات من أهالي الأطفال الانتباه إلى فئة أخرى من المجتمع محتاجة طرقاً مختلفة من الحكي منهم الأطفال ممن لديهم صعوبات في التعلم أو التوحد، فأخذت أُدرِّب نفسي، وأطوِّر مهاراتي الآن للتعامل معهم، وهنا أستلهم الخبرات من متخصصين.
اقرأ أيضًا: عبد الرحمن النقبي… تجربة قارئ إماراتي
* ما هو طموحُك للمستقبل؟
– أعمل الآن، وفريق من قريتي، على تأسيس مكتبة عامة للأطفال في القرية، وتقدَّمنا بطلبٍ لوزارة الثقافة في سلطنة عمان بطلب تخصيص قطعة أرضٍ لنبني مكتبة، ونُفعلها لتصبح مركزاً ثقافياً للطفل، نقدم فيه ورشاً للأطفال خاصة في شهور الصيف، فالأمهات والآباء الموظفون في الإجازة يجدون أطفالهم لا يوجد لديهم مكان يقضون فيه الوقت.
ومن ثم، فهدفي أن نؤسِّس مكتبة نموذجية تُقيم طوال العام ورشاً وننقل فاعليات المُبادرة إلى المكتبة، ويكون لها مقر وتصبح مزاراً، أتمنى أنه في اللقاء الثاني أبشرك أننا فتحنا مكتبة مُبادرة القرية القارئة بعد سنة، سنتين، ثلاث سنوات.. إن شاء الله.
♦باحثة سياسية