الواجهة الرئيسيةشؤون دولية
الحرب المحتمة.. هل تنجح الولايات المتحدة والصين في تجنب مصيدة ثيوسيديدس؟

كيوبوست
بدأ جراهام أليسون كتابه بالإشارة إلى التحذير الذي أطلقه نابليون قبل قرنين من الزمان، وتحديداً في عام 1817؛ حيث قال “دعِ الصين تنام. عندما تستيقظ، ستهز العالم”. وأوضح أليسون أن الصين استيقظت اليوم، وبدأ العالم يهتز. ومع ذلك، فلا يزال العديد من الأمريكيين ينكرون ما يعنيه تحول الصين من دولة زراعية إلى “أكبر لاعب في تاريخ العالم” بالنسبة إلى الولايات المتحدة. ويستند الكتاب إلى “مصيدة ثيوسيديدس”؛ ليدق أجراس الإنذار بأن الصين والولايات المتحدة تسيران حالياً على مسار تصادمي يؤذن بنشوب حرب بينهما، ما لم يتخذ الطرفان إجراءات صعبة ومؤلمة لتفاديها.
وتُنسب “مصيدة ثيوسيديدس” هذه إلى المؤرخ الإغريقي ثيوسيديدس، الذي كتب قبل 2500 عام تقريباً “إن صعود أثينا المطَّرد، والخوف الذي تسبب فيه ذلك في إسبرطة جعل الحرب بينهما قدراً محتوماً”؛ إذ إن صعود أثينا مثَّل تهديداً لسلطان ونفوذ إسبرطة؛ ولذلك صار الاحتمال الأرجح هو اندلاع حرب طاحنة بينهما، على نحو ما حدث بالفعل في القرن الخامس قبل الميلاد، وتسبب على نحو أو آخر في أفول نجم الحضارة الإغريقية السياسي إلى الأبد.
هل الحرب محتمة بين الولايات المتحدة والصين؟
لم يشهد العالم قط في السابق أي شيء مثل التحول السريع والتكتوني في ميزان القوى العالمي الناتج عن صعود الصين. فلو تم النظر إلى الولايات المتحدة باعتبارها شركة، فسوف نجد أنها استحوذت على 50% من السوق الاقتصادية العالمية، في السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية مباشرة. وبحلول عام 1980، انخفض ذلك إلى 22%. وأدى النمو الصيني المكون من رقمين على مدار العقود الثلاثة الماضية إلى تخفيض الحصة الأمريكية إلى 16% اليوم. وإذا استمرت الاتجاهات الحالية، فإن حصة الولايات المتحدة من الناتج الاقتصادي العالمي ستنخفض أكثر على مدى العقود الثلاثة القادمة إلى 11% فقط.
وخلال هذه الفترة نفسها، سترتفع حصة الصين في الاقتصاد العالمي من 2% عام 1980 إلى 18% عام 2016، وهي في طريقها إلى 30% عام 2040. ويتساءل الكتاب: هل تحدث مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة والصين، نتيجة لتراجع الأولى، وصعود الثانية؟
اقرأ أيضًا: هل تنجح الصين وأمريكا في الإفلات من “فخ ثيوسيديديز”؟
ويسعى الكتاب للإجابة عن هذا السؤال من خلال مراجعة سجل الاضطرابات الكبرى خلال الخمسمئة سنة الماضية، والتي نتجت عن تهديد صعود دولة كبرى لمكانة قوة سائدة، ويتمثل المثال الأكثر شهرة في تهديد ألمانيا الصناعية لمكانة بريطانيا المهيمنة قبل قرن من الزمان. وولد عن هذا التنافس نشوب الحربين العالميتين الأولى والثانية، فضلاً عن تفاقم التوتر بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين. وقد توصل الكتاب إلى أن اثني عشر من هذا النوع من التنافس، قد انتهى بنشوب حرب بين القوى الصاعدة والمهيمنة، في حين أنه تم تفادي الحرب في أربع حالات فقط، ومن ثمَّ فإن مضامين هذا الاستنتاج لا تعد مريحةً، لأهم تنافس جيوسياسي في القرن الحادي والعشرين بين الصين والولايات المتحدة؛ إذ إن احتمالية الحرب تفوق فرص تجنبها.
ويرى أليسون أن سبب تجنب الحرب الكبرى في الحالات الأربع هذه يرجع إلى قيام كلٍّ من الدولة الصاعدة (المتَحَدِّيَة) والدولة المهيمنة التي تتراجع قوتها، بإدخال تعديلات ضخمة ومؤلمة على مواقفها وأفعالها.
ويرى أليسون أنه يمكن للولايات المتحدة والصين بالمثل تجنب مصيدة الحرب؛ ولكن فقط إذا كان بإمكانهما استيعاب حقيقتين صعبتين؛ وهما:

أولاً، إذا ما استمر المسار الحالي للعلاقات الثنائية، فإن الحرب بين الولايات المتحدة والصين في العقود المقبلة ليست ممكنة فحسب؛ بل مرجحة أكثر بكثير مما هو معترف به حالياً. وفي الواقع، سنجد أنه بالرجوع إلى الحالات التاريخية، فإن الحرب مرجحة على السلام. وعلاوة على ذلك، فإن الاستخفاف بالخطر، يجعله أشد خطورة. وإذا استمر القادة في بكين وواشنطن في فعل ما فعلوه خلال العقد الماضي، فمن شبه المؤكد أن تخوض الولايات المتحدة والصين حرباً ضد بعضهما البعض.
ويمكن القول إن هدف الرئيس الصيني شي جين بينغ، في سطر واحد هو جعل الصين عظيمة مرة أخرى، والواقع أن هدف بكين هو أن تكون الصين غنية وقوية لدرجة أن الدول الأخرى لن يكون أمامها من خيار سوى الاعتراف بمصالحها، ومنحها الاحترام الذي تستحقه. إن الطبيعة الجامحة لـ”الحلم الصيني” تجعلنا نشكك في المقولة التي ترى أن التنافس بين الصين والولايات المتحدة سيهدأ بشكل طبيعي عندما تصبح الصين دولة مسؤولة صاحبة مصلحة، كما أن التنافر بين القيم والتقاليد الأمريكية والصينية يجعل أي حديث عن تقاربٍ بينهما أمراً صعب تصوره.
ومن جهة ثانية، فإن مسارات الانزلاق إلى الحرب أكثر احتمالية ومعقولية مما يمكن أن يصدقه المرء. وتتنوع بين المواجهات الحالية في بحر الصين الجنوبي، وبحر الصين الشرقي، والفضاء الإلكتروني، إلى صراع تجاري، ولذلك فليس من الصعب تصور سيناريو يقتل فيه الجنود الأمريكيون والصينيون بعضهم بعضاً.
اقرأ أيضًا: ماذا علينا أن نفعل حيال الصين؟
وعلى الرغم من أنه لا يبدو أن أياً من هذه السيناريوهات محتملٌ، فحينها يجب أن نتذكر العواقب غير المقصودة لاغتيال دوق هابسبورج، وتسببه في اندلاع الحرب العالمية الأولى، أو مغامرة خروتشوف النووية في كوبا، والتي وضعت العالم على حافة حرب نووية بين واشنطن وموسكو؛ وهو ما يجعلنا نتذكر مدى ضيق الفجوة بين “غير المحتمل” و”المستحيل”.
ثانياً، الحرب ليست حتمية، إذ يُظهر التاريخ أن بإمكان القوى الرئيسية إدارة علاقاتها مع الخصوم الذين يهددون مكانتها، وتجاوز قوتها، وذلك دون إشعال حرب. فسجل تلك النجاحات، وكذلك الإخفاقات، يقدم العديد من الدروس لرجال الدولة اليوم للاستفادة منها؛ لتجنب نشوب حرب كارثية. وكما أشار الفيلسوف الأمريكي- الإسباني جورج سانتايانا، فإن “أولئك الذين لا يستطيعون تذكر الماضي محتومٌ عليهم تكراره”.

الدروس الاثني عشر للسلام:
يقدم التاريخ أربع حالات تمكنت فيها القوى الصاعدة والمهيمنة، والتي تتراجع قوتها، من التعايش سلمياً بعضهما مع بعض دون خوض حرب كبرى بينهما. ووقعت أولى هذه الحالات في أواخر القرن الخامس عشر، وأوائل القرن السادس عشر، عندما صعدت إسبانيا لمنافسة البرتغال، ثم احتلال موقعها كقوة بحرية مهيمنة في العالم. وكان آخرها صعود ألمانيا للهيمنة على أوروبا، منذ نهاية الحرب الباردة. وتأتي حالتان من القرن العشرين؛ الأولى عندما أطاحت الولايات المتحدة بالمملكة المتحدة؛ باعتبارها القوة العالمية الرائدة؛ والثانية عندما هدد الاتحاد السوفييتي الصاعد مكانة أمريكا كقوة أحادية القطبية. ويمكن استخلاص اثني عشر درساً من هذه الحالات الأربع، والتي يمكن تفصيلها على النحو التالي:
الدرس الأول: إنشاء أطر عليا قانونية أو سياسية لعلاج الصراعات تحول دون نشوب حرب: يمثل اتفاق الدول على إنشاء مؤسسات فوق وطنية، أو أطر قانونية عليا، يتم الاحتكام إليها لعلاج الخلافات، عاملاً مهماً في تجنب الصدام بين القوتين الصاعدة والمهيمنة، كما فعل حكام إسبانيا والبرتغال في القرن الخامس عشر، حينما ارتضيا أن يخضعا لسلطة بابا الكنيسة الكاثوليكية، البابا ألكسندر السادس، والذي لعب دوراً في تحديد وتقسيم مناطق النفوذ لكل منهما. وبالمثل، بعد الحرب العالمية الثانية، اتفقت القوى المنتصرة في الحرب على إنشاء الأمم المتحدة، والقبول بها كإطار لتسوية الخلافات بينها. ومن ثمَّ فإن الأطر المؤسسية، أو القانونية، تلعب دوراً مهماً في إدارة النزاعات التي كانت ستنتهي بخلاف ذلك بالحرب.
الدرس الثاني: إنشاء مؤسسات اقتصادية وسياسية وأمنية عليا تحد من السلوكيات العدائية: تعد ألمانيا مثالاً على عملاق اقتصادي وسياسي؛ ولكنه لا يزال قزماً عسكرياً، وقد تحقق ذلك بسبب اندماجها اقتصادياً مع جيرانها من الدول الأوروبية، فضلاً عن خضوعها لمظلة دفاعية نووية أمريكية.
اقرأ أيضاً: فيروس كورونا يفرض تحدياً جديداً أمام العلاقات الصينية- الأمريكية
الدرس الثالث: رجال الدولة المحنكون القادرون على التمييز بين المطالب والاحتياجات الضرورية: يتمثل أحد دروس التاريخ في أنه من الصعب تجاهل الحقائق الواضحة. ففي الوقت الذي تفوقت فيه الولايات المتحدة على بريطانيا في جميع أبعاد القوة الرئيسية، زاد عزم الأمريكيين على أن يحلوا محل بريطانيا كقوة عظمى. ونظراً لوجود خلافات عديدة بين الجانبين، والتي تمتد من فنزويلا إلى التنافس مع كندا على ألاسكا، كان بإمكان بريطانيا أن تختار الحرب أو تغامر بها؛ لكنها كانت تدرك جيداً أن تكلفة الحرب ستكون كبيرة وأن احتمال النصر ضئيل.
ومن جهة ثانية، واجهت بريطانيا تهديدات استراتيجية أخرى أكثر خطورة بالقرب من حدودها. لذا استفادت بريطانيا بحكمة من كل ما تملكه، وتمكنت من استيعاب المطالب الأمريكية دون التضحية بمصالحها الحيوية. وقد فعلت ذلك بطرق أثرت على الطبقة الحاكمة في أمريكا؛ حيث ركزت على المصالح المشتركة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، مع تقليل المصالح التي تفرقهم إلى أدنى حد ممكن؛ مما يمهد الطريق لمزيد من التعاون، فضلاً عن حصول لندن على مزايا أكبر في المستقبل.
اقرأ أيضاً: تسييس “كورونا”.. يشعل فتيل حرب باردة جديدة بين أمريكا والصين
الدرس الرابع: أهمية عامل التوقيت: يقدم التاريخ فرصاً، بشكل غير متوقع غالباً، غير أن التردد في استغلالها يترتب عليه ضياعها دون سابق إنذار. فلو كان قادة بريطانيا نجحوا في عام 1861 في استنتاج أن الهيمنة القارية الأمريكية الصاعدة ستشكل تهديداً جوهرياً للمصالح البريطانية الأساسية، فربما كان الخيار الذكي هو التدخل في الحرب الأهلية الأمريكية لدعم الولايات الكونفيدرالية، ومن ثم منع نشوء دولة أمريكية موحدة وقوية، و”تقليص” قوة الولايات المتحدة إلى دولتين متصارعتين يمكن التلاعب بهما. وفي ظل هذه الظروف، فإن بريطانيا كانت ستحافظ على وضعها كقوة بحرية، وتتمتع بموقع آمن في كندا، وكان من المرجح أن تجد مقاومة أمريكية أقل في النزاعات الإقليمية في فنزويلا وألاسكا وأماكن أخرى. ولكن في تاريخ الأمم، كما هي الحال في حياة الأفراد، فإن الفرص الضائعة هي الفرص التي تم التخلي عنها.
الدرس الخامس: لعب القواسم الثقافية المشتركة دوراً في منع الصراع: نظراً لأن بريطانيا والولايات المتحدة تشتركان في لغة وثقافة سياسية واحدة، تقبل البريطانيون فكرة أنه على الرغم من أن بريطانيا لم تعد رقم واحد في معظم مقاييس القوة، فإن قيمهم ستظل هي المهيمنة في الولايات المتحدة. واعتنق العديد من الإنجليز فكرة أن “الشعوب الناطقة بالإنجليزية” ستستمر في حكم العالم. وكما قال رئيس الوزراء البريطاني هارولد ماكميلان، خلال الحرب العالمية الثانية، “يمثل هؤلاء الأمريكيون الإمبراطورية الرومانية الجديدة. ونحن البريطانيون، مثلُ اليونانيين القدماء، ويجب أن نعلمهم كيفية اختيار المسار الصحيح للمضي قدماً”.

الدرس السادس: الدور الذي لعبته الأسلحة النووية في تحجيم الصراع: يدرك أي زعيم جيداً أن شن أي هجوم نووي على دولة ذات ترسانة نووية، سوف يدفعها إلى الانتقام، والرد بالمثل، ومن ثمَّ التسبب في مقتل عشرات أو حتى مئات الملايين من شعبه، وهو ما يدفعهم إلى التراجع عن شن الحرب.
الدرس السابع: “التدمير المؤكد المتبادل” يجعل الحرب عملاً جنونياً: بعد قيام الولايات المتحدة بتفجير أول قنبلة نووية في عام 1945، قام الاتحاد السوفييتي في عام 1949 بتطوير ترسانة نووية كبيرة ومتطورة. لدرجة أنها خلقت حالة أطلق عليها الخبراء الاستراتيجيون النوويون اسم “التدمير المؤكد المتبادل”، والمقصود بها الحالة التي لن يكون بمقدور الولايات المتحدة أو الاتحاد السوفييتي تدمير ترسانة الطرف الآخر بضربة نووية أولية، قبل أن يتمكن العدو من شن رد نووي قاتل. وفي ظل هذه الظروف، فإن قرار دولة ما بالهجوم على دولة أخرى نووية سيكون بمثابة انتحار قومي لها.
وقد طورت الصين ترسانة نووية قوية للغاية لدرجة أنها خلقت “تدميراً مؤكداً متبادلاً” مع الولايات المتحدة. وتعترف الولايات المتحدة بهذا الواقع في نشرها للدفاعات الصاروخية الباليستية، والتي تستبعد روسيا والصين من مصفوفة التهديد التي يتعين عليها مواجهتها؛ حيث إنه في ظل الظروف الحالية، لا يمكن إقامة نظام دفاع جوي موثوق به في مواجهتهما.
اقرأ أيضاً: الولايات المتحدة الأمريكية.. دروس أمس من الحرب الباردة مع روسيا ذخيرة لمعركة اليوم مع الصين
الدرس الثامن: أن الحرب بين القوى العظمى النووية لم تعد خياراً قائماً: وهذا يعني أن كلا الطرفين يجب أن يقدم تنازلات في الملفات الخلافية مع الطرف الآخر، ويقيِّد نفسه وحلفاءه من اتخاذ إجراءات قد تتصاعد إلى حرب شاملة.
الدرس التاسع: يجب على قادة القوى العظمى النووية، رغم ما سبق، الاستعداد للمخاطرة بحرب لا يمكنهم كسبها. تتمثل “المفارقة النووية” في أنه على الرغم من لعب عقيدة “التدمير المؤكد المتبادل” دوراً محورياً في تقييد اندلاع الحرب بين القوى الكبرى؛ نظراً لأنه لا يمكن لأية أمة أن تربح حرباً نووية؛ فإنه من المفارقات أن على كل طرف أن يظهر استعداده لشن حرب نووية، حتى لو كانت حرباً خاسرة، وذلك حتى يتجنب خضوعه للابتزاز من قبل الطرف الآخر؛ أي من خلال اتجاهه للاستعداد لشن حرب نووية، وذلك من أجل فرض عبء الاختيار، على القوة الأكثر انضباطاً، بين الخضوع لطلبات الخصم، أو المخاطرة بالتصعيد لحرب نووية. ويمثل ذلك أحد الدروس الأساسية المستفادة من الأزمة الكوبية.
اقرأ أيضاً: بعد أزمة كورونا.. هل يتنبه حلف الأطلسي للتهديد الصيني؟
الدرس العاشر: أن الترابط الاقتصادي العميق يرفع تكلفة الحرب: ومن ثمَّ يقلل من احتمالية نشوبها. وبالمثل، فإن العلاقات الاقتصادية الأمريكية- الصينية الحالية مترابطة؛ لدرجة أنها تخلق ما يمكن اعتباره “تدميراً اقتصادياً مؤكداً متبادلاً”. فالولايات المتحدة هي أكبر سوق للصادرات الصينية، والصين هي أكبر دائن لأمريكا. إذا منعت الحرب الولايات المتحدة من شراء سلع صينية، والصين من شراء الدولارات الأمريكية، فإن التأثير الاقتصادي والاجتماعي لكلا الإجراءين سوف يفوق بالتأكيد أي منافع يمكن أن تحققها الحرب.
الدرس الحادي عشر: تتمتع التحالفات بجاذبية مميتة: إن اتجاه القوى المهيمنة لمحاولة تحجيم بروز قوة صاعدة قد يدفع القوة المهيمنة أحياناً إلى البحث عن حلفاء في مواجهة القوة الصاعدة. وعلى مدى العقد الماضي، ترتب على الصعود الصيني إثارة مخاوف الدول المجاورة. ولم تصبح اليابان وكوريا الجنوبية وفيتنام وحتى الهند أكثر استعداداً للتحالف مع الولايات المتحدة فحسب؛ بل أصبحت أيضاً أكثر استعداداً للتعاون بعضها مع بعض. وتاريخياً، سعت مثل هذه التحالفات إلى إيجاد توازن القوى للحفاظ على السلام والأمن الإقليميين. غير أن مثل هذه التحالفات تخلق مخاطر على نحو ما كشفت عنه الحرب العالمية الأولى، فقد أدت حادثة اغتيال ولي عهد الإمبراطورية النمساوية المجرية إلى إشعال حرب مدمرة طالت أغلب قارات العالم. ولتجنب هذا المصير، يجب أن تكون التحالفات الدفاعية مشروطة، تقوم على أن لا تهبّ الولايات المتحدة لنجدة أي من حلفائها، ما لم تكن ضحية لاعتداء خارجي.

الدرس الثاني عشر: محورية الأداء الداخلي: ما تفعله الدول داخل حدودها يتمتع بنفس القدر من الأهمية مقارنةً بما تفعله خارج حدودها. وهناك ثلاثة عوامل أساسية في هذا الإطار: الأداء الاقتصادي يخلق البنية التحتية للسلطة الوطنية، بينما تسمح كفاءة نظام الحكم بتعبئة الموارد لتحقيق الأهداف الوطنية، وتحافظ الروح الوطنية على الأداء الاقتصادي ونظام الحكم. بمرور الوقت، تكون للدول ذات الاقتصادات القوية، حكومات تتسم بالكفاءة، ودعم وطني يؤهلها لتبني خيارات تترك تأثيراً على الآخرين.
فلو تمكن الاتحاد السوفييتي من الحفاظ على النمو الاقتصادي بمعدل يساوي ضعف معدلات النمو الاقتصادي للولايات المتحدة، لأصبحت موسكو هي القوة الاقتصادية الرائدة في العالم، وأثبتت الأيديولوجيا الشيوعية أنها قادرة على التغلب على القومية في بناء “الرجل الاشتراكي الجديد”، ولكانت موسكو قد عززت موقفها من الهيمنة، ليس فقط في أوروبا؛ ولكن أيضاً في آسيا.
اقرأ أيضًا: هل تسيطر الصين على منظمة الصحة العالمية؟
وينتهي الكتاب بتقديم نصيحة لكيفية تجنب واشنطن حرباً كارثية؛ إذ يعتقد أليسون أن على الولايات المتحدة أن تعيد تعريف مصالحها بوضوح، وتطوير فهم دقيق لما تسعى أن تقوم به الصين، بالإضافة إلى تطوير استراتيجية واضحة المعالم لكيفية مواجهة الصين. وأخيراً، يجب على الولايات المتحدة أن تركز على مواجهة التحديات الداخلية، وتعطي لذلك الأولوية.
مآل المواجهة بين دولة صاعدة وأخرى مهيمنة PDF: اضغط هنا
اسم الكتاب: «الحرب المحتمة: هل تنجح الولايات المتحدة والصين في تجنب مصيدة ثيوسيديدس؟»
التعريف بالكاتب: أستاذ علم السياسة المرموق، والعميد المؤسس لكلية كينيدي للإدارة الحكومية في جامعة هارفارد الأمريكية.
المطبعة: هوجتون مفلين هاركوت، نيويورك.
سنة النشر: 2017