الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
الحرب الروسية- الأوكرانية والحنكة السياسية في إدارة الأزمة: تحرك سريعاً.. تكسب

كيوبوست- ترجمات
يسعى إيليوت كوهين، الأستاذ المخضرم بكلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز، ومدير مركز “فيليب ميريل للدراسات الاستراتيجية”، إلى تقييم الرد الغربي على الحرب الروسية- الأوكرانية بعد عام من اندلاعها، ويعتبرها مشكلة تكتيكية وتنفيذية أكثر من كونها استراتيجية؛ فبعد عام واحد من القتال صمدت الفكرة الأساسية وهي دعم أوكرانيا وهزيمة روسيا بشكل جيد، لكنها لم تنفذ.
ويرى كوهين أن الحنكة السياسية وفن إدارة الأزمة الناجح لديه قواسم مشتركة مع فن القتال الجوي الجيد، الذي صاغه في القرن العشرين طيار سلاح الجو الأمريكي والمفكر العسكري جون بويد، بناء على خلاصة تجربته في الحرب الكورية والدراسات اللاحقة التي قام بها. وخلص بويد إلى أن الطيارين المقاتلين يشاركون في القتال في دورة من أربع مراحل: مراقبة ما يجري، والتوجه إلى الموقع، وتقرير ما يجب فعله، والتصرف. وكلما كانت الحلقة أكثر إحكاماً بمعنى إتقان كل مرحلة؛ زادت فرصة النجاح والبقاء على قيد الحياة.
اقرأ أيضًا: حرب أوكرانيا لن تتحول إلى حرب عالمية.. ولكن من المرجح حدوث المزيد من الاضطرابات العنيفة
ويحلل كوهين الأداء الغربي خلال الحرب في أوكرانيا، ويقر ببراعة الغرب في المرحلة الأولى من دورة بويد؛ حيث راقب وتتبع عن كثب التعزيزات الروسية حول أوكرانيا. وبعد المرحلة الأولى فعل الغرب بشكل عام الشيء الصحيح، حيث دعم أوكرانيا وفرض عقوبات على روسيا؛ لكن الغرب استغرق وقتاً طويلاً للتنفيذ، وافتقر إلى المثابرة وخفة الحركة. كانت المسافة من الملاحظة والفهم إلى اتخاذ القرار ثم التنفيذ طويلة جداً، وكان التحرك بطيئاً بشكل غير مبرر. على طول الطريق، كانت هناك العديد من الفرص الضائعة لإضعاف روسيا بشكل حقيقي ومؤثر وتمكين أوكرانيا من الفوز. ما أظهره عام من الحرب إذن هو مشكلات فن الإدارة الغربي للأزمة في مواجهة أكبر تحد عسكري واجهته أوروبا منذ الحرب الباردة .

تخبطات غربية
يعتبر كوهين أن الغرب تمكن بسهولة من مراقبة الاستعدادات الروسية للحرب في يناير وفبراير 2022؛ فقد تمكنت وكالات الاستخبارات والمحللون من رؤية القوات الروسية تنتشر حول محيط أوكرانيا، وتتبع استعدادات موسكو للحرب. لكن كان من الصعب على بعض المحللين تخيل فكرة الحرب، وتعامل القادة في الدول الغربية مع روسيا كدولة تعتبر مصدر تهديد أمني عادي. من جانب آخر، أولى القليل من الزعماء الغربيين، إن وجدوا، اهتماماً مناسباً بمقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، “حول الوحدة التاريخية للروس والأوكرانيين” المنشور في يوليو 2021، قبل أكثر من ستة أشهر من الغزو الروسي. قلة فقط رأوا مدى جدية تعامل بوتين مع التهديد بالعدوى بالديمقراطية لنظامه. علاوة على ذلك، عندما أصبح الغزو مؤكداً، فشل المسؤولون الغربيون في إجراء تقييم دقيق للمسار المحتمل للحرب الوشيكة. لقد تركوا أنفسهم لقناعة مفادها أن القوات الروسية سوف تدخل بسرعة في النصف الشرقي من أوكرانيا، مشككين في قدرة أوكرانيا على الصمود ونجاح مقاومة حرب العصابات. واستسلموا لفكرة أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، سوف يهرب وأنه سيستجيب لدعوة الولايات المتحدة بمساعدته على الهرب وأن معظم الأوكرانيين سيستسلمون لفكرة إعادة دمجهم في الإمبراطورية الروسية.

مَن يصل مبكراً يفُز
وفقاً لكوهين، أثبتت الولايات المتحدة إتقانها “فن الحكم” في بداية الحرب؛ فقد تمكنت من رصد التعزيز الروسي على طول الحدود الأوكرانية، وتحذير كل من أوكرانيا والحلفاء الغربيين من النيِّات الروسية. وليس من قبيل المصادفة أن هذا الجهد كان بقيادة وليام بيرنز، مدير وكالة الاستخبارات المركزية وأحد أفضل الدبلوماسيين في جيله. ومن خلال مشاركة المعلومات الاستخباراتية علناً؛ صاغت الحكومة الأمريكية رداً غربياً موحداً ضد روسيا، واستعادت مصداقيتها الاستخباراتية بعد إخفاقات حرب العراق، وأرست أساساً قوياً لتسليح قوات الدفاع الأوكرانية التي كانت فاجأت الكثيرين باستعدادها للقتال حتى الموت.
على مدار 12 شهراً منذ الغزو، سلك الغرب المسار الصحيح؛ لكن ببطء شديد. اكتشف داعمو أوكرانيا أن الأوكرانيين يمكنهم استخدام الأسلحة التي حصلوا عليها بسرعة وفعالية. ولكن وفقاً لكوهين؛ لم تكن تقديرات الاحتياجات الأوكرانية صحيحة، وتباطأ الغرب في توفير الأدوات والتدريب اللازمَين. على سبيل المثال، لم توافق ألمانيا والولايات المتحدة على إرسال دبابات إلى أوكرانيا حتى يناير 2023، ما يعني أنها لن تكون جاهزة للاستخدام حتى أواخر هذا الربيع.
في الحرب، عملية صنع القرار البطيئة قاتلة. في كل صراع، تدق الساعات في أماكن مختلفة وتوقيتات مختلفة، تحددها الأحوال الجوية ومدى صبر السكان المحاصرين، والانتخابات، ودورات التدريب، وتعبئة القوات، وتذبذب المعنويات العامة والعسكرية، وتوريد الأسلحة والذخيرة. وفي مجال القرار والتنفيذ تباطأ الغرب باستمرار؛ ما أسهم في تقويض القدرات الأوكرانية.

على سبيل المثال، كان من الممكن إنشاء برامج واسعة النطاق لتدريب الجنود الأوكرانيين في ألمانيا وبولندا والمملكة المتحدة على شاكلة البرنامج الذي بدأه البريطانيون في يوليو 2022 على نطاق واسع، وكان بإمكان الولايات المتحدة وضع أنظمة الصواريخ المدفعية عالية الحركة (HIMARS) في خط المواجهة بمجرد بدء الحرب، وكان من الممكن تدريب الأوكرانيين، الذين يتعلمون بسرعة بشكل ملحوظ، وكان من الممكن تسليم دبابات القتال الغربية الرئيسية في خريف عام 2022 عندما كانت أوكرانيا في حالة تحرك ولم تكن روسيا قد جمعت المزيد من القوات بعد. على النقيض من ذلك، وفقاً لكوهين، كان الأوكرانيون سريعين ومرنين، وتعلموا في غضون أسابيع استخدام أنظمة الأسلحة التي تتطلب في وقت السلم شهوراً من التدريب.
عامل الخوف
تعثر أسلوب فن إدارة الغرب جزئياً للحرب، لأن الزعماء الغربيين أعطوا الكثير من المصداقية لمخاوفهم من التصعيد الروسي ومخاطر التصعيد النووي المحتمل من قِبل موسكو. لقد تم المبالغة في هذه المخاوف. إن استخدام الأسلحة النووية سيكون أمراً غير منطقي وغير مثمر من وجهة نظر روسيا، ومن شأنه أن ينتهك المصالح الأساسية لحليفها الحقيقي الوحيد: الصين.
كما فشل الاستراتيجيون الغربيون في إجراء تقييم دقيق لمستقبل روسيا؛ بما في ذلك هنري كيسنجر، مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية السابق، الذي أكد في عام 2022 أنه على الرغم من “ميل روسيا إلى العنف”؛ فقد أسهمت البلاد في “التوازن العالمي وتوازن القوى لأكثر من نصف ألف عام”.
اقرأ أيضًا: كيسنجر يقترح تخلي أوكرانيا عن جزءٍ من أراضيها لروسيا
ويقترح كوهين أنه على الولايات المتحدة أن تصبح “شديدة القسوة” مع الدول الأوروبية التي تميل إلى روسيا؛ مثل المجر. وتحتاج الولايات المتحدة بشكل عاجل إلى إرسال مجموعة متنوعة من الأسلحة إلى أوكرانيا؛ بما في ذلك أنظمة الصواريخ التكتيكية طويلة المدى .(ATACMS) ويجب على إدارة بايدن أن تبدأ التخطيط طويل الأجل لإعادة بناء الاقتصاد الأوكراني وتسليحها ضد التهديدات المستقبلية.
إن فن إدارة الأزمة الذي يسعى لتحقيق التوازن والتسوية له مكانه؛ لكن في الحرب يمكن أن يكون خطيراً. ويرى كوهين أن القادة الغربيين، لا سيما الولايات المتحدة، ما زالوا يتعاملون وفقاً لعادات سيئة ورثوها من الحرب الباردة؛ حيث كانت التحولات التدريجية والردود الصبورة طويلة الأمد هي المهيمنة على إدارة الأزمة. وخلال حروب ما بعد 11 سبتمبر؛ حيث تمتعت الولايات المتحدة بهامش واسع من التفوق العسكري التقليدي، اعتاد القادة الأمريكيون على امتلاك الوقت لإعادة النظر والدراسة والتخطيط والتفاوض؛ لكن مثل هذا النهج سيكون عديم الجدوى في أوكرانيا، أخطر حرب أوروبية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية .إن ما تحتاج إليه الولايات المتحدة وحلفاؤها الآن هو أسلوب إدارة يتسم بالمراقبة الدقيقة مع سرعة تبني القرارات والتنفيذ، ودون هذه الاستراتيجية سيكون بإمكان روسيا تحقيق قدر من النجاح في الحرب.
المصدر: فورين أفيرز