الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
الحرب البريطانية الرابعة في أفغانستان تكرار لأول انسحاب مشين

تلخيص: كيوبوست
مع خروج القوات البريطانية من أفغانستان، نشرت صحيفة “تيليغراف” مقطعاً من كتاب «عودة الملك.. معركة أفغانستان 1839- 1842» للمؤرخ الأسكتلندي ويليام دالريمبل، الصادر عن دار نشر “بلومزبري” ضمن رباعية تتناول تاريخ هذه المنطقة من قارة آسيا. وفي هذا الكتاب يستعيد المؤرخ تاريخ الحروب الأنجلو أفغانية على مدى ما يقرب من قرنين من الزمن، ومدى إخفاق الساسة البريطانيين في تعلم الدرس بين معركة وأخرى.
اقرأ أيضاً: جيرارد راسيل لـ”كيوبوست”: سندفع ثمناً باهظاً نتيجة سقوط النظام في أفغانستان
ويشير دالريمبل إلى أنه يمكن القول إن الحرب الأنجلو- أفغانية الأولى كانت أكبر إذلال عسكري تعرض إليه الغرب في الشرق؛ ففي الانسحاب المشين من كابول، الذي بدأ في 6 يناير 1842، ومن بين 18500 شخص غادروا المعسكر البريطاني، تمكن مواطن بريطاني واحد فقط، وهو الجراح الدكتور بريدون، من الوصول إلى جلال آباد بعد 6 أيام؛ حيث تم تدمير جيش كامل مما كان آنذاك أقوى دولة عسكرية في العالم من قِبل رجال القبائل ذوي التجهيزات الضعيفة.
وبعد ذلك بعام، كتب القس جورج غليغ، تأريخاً لأول تورط بريطاني كارثي ومكلَّف كان يمكن تجنبه تماماً مع أفغانستان؛ حيث كتب يقول: “لقد بدأت الحرب دون هدف حكيم، واستمرت بمزيجٍ غريب من التسرع والجبن، وانتهت بعد المعاناة والكوارث، دون الكثير من المجد؛ سواء للحكومة التي أمرت، أو للقوات الضخمة التي حاربت. ولم تجنِ هذه الحرب أية فائدة، سواء سياسية أو عسكرية. وكان جلاؤنا النهائي من البلاد يشبه انسحاب جيش مهزوم”.

ويؤكد ويليام دالريمبل أنه لسنواتٍ عديدة، كانت المذابح الجماعية في الانسحاب من كابول بمثابة رادع لمزيد من المغامرات؛ حيث كتب جورج لورانس، وهو أحد المحاربين القدامى، قبيل تخبط بريطانيا في الحرب الأنجلو- أفغانية الثانية بعد ثلاثين عاماً: “نشأ جيل جديد، وبدلاً من الاستفادة الحكيمة من دروس الماضي، كان مستعداً ومتشوقاً لتوريطنا في شؤون هذا البلد التعس والمضطرب”.
اقرأ أيضاً: في أفغانستان.. التاريخ يعيد نفسه
وحول المعادلة السياسية العسكرية وجدوى القرارات، يقول دالريمبل في كتابه: على الرغم من إمكانية تجنب الكوارث العسكرية؛ فإن إحراز أي تقدم، مهما كان ناجحاً من وجهة النظر العسكرية، لن يفشل في إثبات عدم جدواه على المستوى السياسي. وينبغي أن تظل كارثة الانسحاب من كابول إلى الأبد بمثابة تحذير لرجال الدولة بعدم تكرار السياسات التي أسفرت عن مثل هذه النتيجة المريرة في الفترة من 1839-1842″.
وحتى أواخر أكتوبر 1963، عندما كان هارولد ماكميلان يسلم رئاسة الوزراء إلى أليك دوجلاس هيوم، يُزعم أنه استدعى الرجل الذي يصغره سناً إلى مكتبه، وقدم إليه بعض النصائح المطمئنة؛ حيث قال له وهو يتصفح الجريدة: “ابني العزيز، ما دام أنك لن تغزو أفغانستان فستكون بالتأكيد في أحسن حال”. وللأسف يبدو أن جون ميجر قد أهمل إعطاء النصيحة ذاتها لتوني بلير.

ففي عام 2001، وبعد وقتٍ قصير من كارثة 11 سبتمبر، اشترك بلير مع بوش في غزو أفغانستان مرة أخرى. وما أعقب ذلك -حربنا الأفغانية الرابعة- كان من نواحٍ عديدة إعادة للحرب الأولى؛ حيث اندلعت الخصومات القبلية نفسها، وكذلك المعارك في ذات الأماكن بعد 170 عاماً، تحت ستار أعلام جديدة وأيديولوجياتٍ جديدة ومحركي دُمى سياسية جدد.
اقرأ أيضاً: نهاية الحرب في أفغانستان وخيبة أمل المحاربين القدامى
وقد تم حماية المدن ذاتها من قِبل القوات التي تتحدث اللغات نفسها، كما تمت مهاجمتهم مرة أخرى من ذات الممرات العالية. وفي كلتا الحالتَين، اعتقد الغزاة أنهم قادرون على الدخول، وتغيير النظام، والخروج في غضون عامَين. وفي كلتا الحالتَين، لم يتمكنوا من منع أنفسهم من الانزلاق في صراعٍ أوسع نطاقاً بكثير.
ووصف دالريمبل ما حدث للجيش البريطاني على أيدي الأفغان، قائلاً إنه لم يقتصر الأمر على الحاكم العميل الذي حاول البريطانيون تنصيبه في عام 1839، شاه شجاع الملك، الذي ينتمي إلى قبيلة البوبالوزاي الفرعية نفسها التي ينتمي إليها حامد كرزاي، وخصومه الأساسيون أيضاً من قبيلة غلزاي، الذين يشكلون اليوم الجزء الأكبر من جنود “طالبان“. وكان الملا عمر غلزاي، تماماً مثل محمد شاه خان، مقاتل المقاومة الذي أشرف على مذبحة الجيش البريطاني عام 1841.

كما أن حركة طالبان نفسها كثيراً ما أشارت إلى أوجه التشابه هذه؛ حيث أعلنت في بيانٍ صحفي بعد فترة وجيزة من وصوله إلى السلطة: “يعرف الجميع كيف تم إحضار كرزاي إلى كابول، وكيف جلس على عرش شاه شجاع الأعزل”. وفي ذلك الوقت، وكما هي الحال الآن، كان الفقر في أفغانستان يعني أنه من المستحيل فرض ضرائب على الأفغان لتمويل احتلالهم. وبدلاً من ذلك، استنفدت تكلفة حفظ الأمن في هذه الأراضي الوعرة موارد المحتل.
فعلى مدى الأعوام العشرين الماضية، أنفقت الولايات المتحدة أكثر من 100 مليار دولار سنوياً في أفغانستان. وفي كلتا الحربَين، أدى قرار سحب القوات إلى تغيير عوامل ليست لها علاقة تذكر بأفغانستان، وبالتحديد حالة الاقتصاد والتقلبات السياسية في الوطن. ولم يكن هناك أحد أكثر وعياً بهذه التشابهات الغريبة من حامد كرزاي نفسه.
اقرأ أيضاً: مقبرة الإمبراطوريات.. أسباب وعواقب الانسحاب الأمريكي من أفغانستان
ويسرد دالريمبل ما أحدث كتابه الأول من رباعية آسيا الوسطى من صدى، قائلاً: عندما نشرت كتابي، استدعاني الرئيس الأفغاني كرزاي إلى كابول، وناقشني في التفاصيل على مدى عدة حفلات عشاء في قصره، وغيَّر سياساته بشكل كبير للتأكد من أنه لن يكرر أخطاء سلفه. بينما أوردت رسالة بريد إلكتروني مسربة نُشرت في “نيويورك تايمز” بعد “ويكيليكس”، أن هيلاري كلينتون ألقت باللوم على تدهور العلاقات بين كابول والبيت الأبيض خلال سنوات حكم أوباما، بسبب قراءته الكتاب.

واختتم الأسكتلندي ويليام دالريمبل، سرديته التاريخية بالوقوف على الأوضاع الأخيرة التي عاشتها أفغانستان، مشيراً إلى أنه من المحزن أن خليفة كرزاي، أشرف غني، لم يتعلم شيئاً من دروس التاريخ. وأنه لم يكن لديه أي من المهارات الدبلوماسية التي يتمتع بها كرزاي، ويجب أن يتحمل نصيباً كبيراً من المسؤولية عن انهيار نظامه؛ حيث وصفه بالغطرسة ونفاد الصبر اللذين جلبا له نفور العديد من زعماء القبائل، إضافة إلى افتقاره إلى الرقي والأدب اللذين جعلا من كرزاي شخصية أكثر شعبية وقبولاً. ولذلك لم يكن هناك سوى عدد قليل جداً على استعداد للموت لإبقاء غني في السلطة.
اقرأ أيضاً: مكيافيلي وكيسنجر.. والواقعية في العلاقات الدولية في القرن الحادي والعشرين
يقول دالريمبل: في عام 2009، التقيت بعض شيوخ القبائل من قرية غانداماك؛ حيث كانت آخر معارك القوات البريطانية في عام 1842. وفي ذلك الوقت، وقبل عقد من كارثة سقوط كابول الأخيرة، كانوا بالفعل قادرين على معرفة الطريقة التي ستؤول إليها الأمور؛ حيث قال أحد كبار السن: “كل الأمريكيين هنا يعرفون أن لعبتهم قد انتهت، وساستهم فقط هم مَن ينكرون ذلك”. وأضاف صديقه: “هذه هي الأيام الأخيرة للأمريكيين، وبعد ذلك ستكون الصين”.
المصدر: تيليغراف