الواجهة الرئيسيةشؤون دولية

الحرب الإثيوبية.. طائرات طهران وأنقرة المسيرة على خاصرة العرب

كيوبوست- عبدالجليل سليمان

على غير ما جرت عليه عادة الأباطرة والحكام الإثيوبيين، منذ فجر تاريخها التليد وحضارتها الضاربة في القدم، أتاح آبي أحمد علي، منذ تسنمه زمام السلطة في أديس أبابا، مساحة واسعة للتدخلات الخارجية في شؤون بلاده. ورغم أن تاريخ (الحبشة) لم يخل من الحروب الأهلية؛ فإنه لم يكن مسموحاً لأية قوة خارجية بالتدخل المباشر وغير المباشر.

ومع وصول رئيس الوزراء الحالي إلى سُدة الحكم 2018، سرعان ما اندلعت الحرب في إقليم تيغراي (شمال إثيوبيا)، في نوفمبر 2020؛ فلم يتردد الرجل في جلب مفارز من جيش دولة إريتريا المجاورة، لمساندته في الحرب ضد جزء من شعبه، كسابقة فريدة في التاريخ الإثيوبي القديم والحديث.

لم يتوقف آبي أحمد عند إريتريا التي تربطها بإثيوبيا صلة جوار وثقافة ودم؛ بل ذهب بعيداً ليأتي بتركيا وإيران والصين من أجل سحق مَن سمَّاهم بالمتمردين والإرهابيين من قادة الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي (TPLF)، التي نظمت صفوفها واستعادت في وقت وجيز زمام المبادرة العسكرية، فحررت إقليم تيغراي بالكامل واستعادت عاصمته مقلي، في يونيو 2021، وتقدمت عبر تحالف واسع مع قوى معارضة أخرى إلى أقاليم أروميا وأمهرا وعفر، حتى وصلت إلى مشارف العاصمة أديس أبابا؛ ما اضطر آبي أحمد إلى تفويض سلطاته لنائبه ووزير خارجته، دمقي مُكنن حسن، في نوفمبر الماضي؛ ليلتحق بجبهات القتال من أجل رفع معنويات جنوده.

اقرأ أيضاً: العلاقات التركيةالإثيوبية.. دبلوماسية حذرة وعلاقات متذبذبة  

قتال على عتبات العاصمة

مُقبلة ومُدبرة وفي حالة أشبه بالكر والفر، تمضي الحرب الأهلية الإثيوبية بالفرقاء إلى أعتاب العاصمة أديس أبابا. بينما تتواتر الأنباء عن تدخلات خارجية كبيرة لترجيح ميزان القوة على الأرض لصالح الحكومة الإثيوبية، مرتبطة بالأساس بكل من تركيا وإيران والصين؛ حيث دعمت هذه الدول أديس أبابا بتقنيات عسكرية حديثة لوقف تقدم قوات جبهة تحرير تيغراي وحلفائها نحو العاصمة، عبر قصفهم بالطائرات المسيرة والصواريخ الموجهة. ولربما هذا ما أشار إليه آبي أحمد نفسه، عندما صرَّح من جبهة القتال في إقليم عفر؛ حيث يقود بنفسه المعارك ضد المتمردين، بأن جيشه يستخدم تقنيات قتالية حديثة من أجل تقليل الكلفة البشرية.

وفي السياق ذاته، كانت تقارير متطابقة ومتواترة كشفت، منذ استعادت جبهة تحرير تيغراي السيطرة عل الإقليم، عن رغبة أديس أبابا في نشر طائرات مسيرة تركية مقاتلة، قبل أن يزور آبي أحمد أنقرة، في أغسطس 2021، ليبرم صفقة مع رجب طيب أردوغان، زودت تركيا بموجبها الجيش الفيدرالي الإثيوبي بطائرات مسيرة ومقاتلات موجهة من طراز “بيرقدار تي بي 2″، وأسلحة وذخائر متنوعة.

طائرة مسيرة إيرانية من طراز مهاجر في قاعد سمرا الإثيوبية- موقع (ORXY)

طائرات طهران وأنقرة المسيرة والدم الإثيوبي

مصدر أمني رفيع في جبهة تحرير تيغراي، قال لـ”كيوبوست”: “إن إيران والصين زودتا حكومة آبي أحمد بطائرات مسيرة أيضاً؛ لكنها أقل فعالية وتطوراً من نظيرتها التركية من طراز ((TB2s التي تُصنعها شركة (بايكار ماكينا) المتخصصة في تقنيات هذا النوع من الطائرات المسيرة المقاتلة”. وأضاف المصدر: “زودت أنقرة نظام آبي أحمد، بقنابل موجهة بالليزر وذخائر في أغسطس 2021، مباشرة بعد سيطرة قواتنا على عاصمة تيغراي مقلي”. وأشار المصدر إلى أن الجيش الحكومي لا يمتلك خبرات فنية تؤهله لاستخدام هذا النوع من السلاح المتقدم تقنياً، لذلك جاءت ضرباته عشوائية، نجمت عنها فظائع وأهوال بحق المدنيين العزل بما يرقى إلى الإبادة العرقية لقومية تيغراي، حسب عباراته. المصدر الأمني، الذي فضل حجب اسمه، أكد لـ”كيوبوست” حصول حكومة آبي أحمد، على أسلحة من إيران وتركيا والصين؛ بما في ذلك (CASC CH-4B Rainbow) و(Wing Loong II) و(Pterodactyl)، وقنابل ذكية، بجانب  قروض ميسرة من دول إقليمية لم يُسمِّها.

اقرأ أيضاً: استثمارات جماعة الإخوان المسلمين في إفريقيا في طريقها إلى الزوال

المصدر نفسه لفت إلى أن صوراً لرئيس الوزراء، نشرتها في أغسطس من العام الجاري وسائل إعلام إثيوبية محلية وصفحات في وسائل التواصل الاجتماعي موالية للحكومة الإثيوبية، تظهره يتفقد قاعدة سمرا العسكرية بإقليم عفر، وفي خلفية الصور طائرة مسيرة من طراز (UCAV) تحمل صواريخ، كما كشفت عن طائرتَين من طراز (Mohajer-6 UCAV) إيرانيتَي الصنع؛ وهي أحدث نسخة من عائلة الطائرات المسيرة التي شهدت لأول مرة استخداماً قتالياً من قِبل إيران في منتصف الثمانينيات، ويمكنها أداء مهام المراقبة باستخدام مستشعر كهربائي بصري وتنفيذ ضربات باستخدام قنابل انزلاقية دقيقة من نوع (Qaem-1) على مدى 124 ميلاً، وتستخدم في الغالب لمهاجمة الأهداف العسكرية والمدنية البعيدة عن الخطوط الأمامية للقتال.

اقرأ أيضاً: الوجود التركي في غرب إفريقيا بين ضربات القراصنة والرفض الشعبي

ثمن التسلل

فتحي عثمان

بالنسبة إلى الباحث في شؤون القرن الإفريقي، فتحي عثمان، فإن لكل شيء ثمناً، وإن تطور العلاقة بين تركيا وإيران من جهة، وإثيوبيا من جهة أخرى، جاء في سياق غير طبيعي، لجهة أنهما دولتان بعيدتان عن محيط إثيوبيا، ولم تعرف لهما علاقة تاريخية بالمنطقة في ما عدا العلاقة الاستعمارية للإمبراطورية العثمانية بأجزاء قليلة من إثيوبيا الحالية؛ مثل مقاطعة (هرر)، أما الدعم الحالي فسيدفع تكلفته الشعب الإثيوبي في المستقبل.

يضيف عثمان، في حديثه إلى “كيوبوست”: واقع الأمر أن تركيا تمكنت من التسلل إلى إثيوبيا في عهد حكومة رئيس الوزراء الأسبق المنتمي إلى إقليم تيغراي، مليس زيناوي؛ لكن، ولأن الرجل كان يتمتع بخبرة سياسية وعسكرية وعُرف بالحيلة والذكاء والقوة، لم يسمح بعلاقة مع أنقرة إلا في حدود ضيقة؛ مثل ترميم مسجد الملك النجاشي في أكسوم بإقليم تيغراي، ويعتبر أقدم مسجد للمسلمين في إفريقيا، وبعض الامتيازات في ما يتعلق بزراعة البُن والزهور، وهكذا فعل سلفه هايلي مريام ديسالين؛ لكن ما أن وصل آبي أحمد حتى تغير كل شيء، خصوصاً بعد خسارته حرب تيغراي وتنديد الغرب والولايات المتحدة بالانتهاكات غير المسبوقة التي ارتكبتها القوات الحكومية وحليفتها الإريترية؛ ما عرضهما إلى عقوبات كثيرة.

اقرأ أيضًا: التغلغل التركي الناعم في إفريقيا بين الاقتصاد والمسلسلات المدبلجة

على خاصرة العرب

صورة بالأقمار الصناعية لقاعدة سمرا بإقليم عفر الإثيوبي- موقع (ORXY)

خطورة الدعم التركي- الإيراني والحماية السياسية التي توفرها كل من روسيا والصين لأديس أبابا، تكمن في إمكانية تموقع النظامَين الحاكمَين في أنقرة وطهران على خاصرة المنطقة العربية؛ خصوصاً اليمن والمملكة العربية السعودية ودول الخليج والسودان ومصر بطبيعة الحال، ما يُشكل خطراً استراتيجياً كبيراً على الأمن القومي العربي والإقليمي، وما لم تتحرك الدول العربية منذ الآن لمعالجة هذا الخلل الاستراتيجي، فإن الأمور ستصبح أكثر تعقيداً في المستقبل؛ خصوصاً إذا كسبت حكومة آبي أحمد الحرب الدائرة، حينها ربما ستكون مكافأتها لأنقرة وطهران شديدة الضرر بالمصالح العربية الأمنية والاقتصادية.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

عبد الجليل سليمان

مراسل السودان

مقالات ذات صلة