الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةمقالات
الحب والتقدير غاية بشرية

عبدالرحمن النقبي
كثيراً ما أتساءل، بيني وبين نفسي، عن الهدف الأسمى الذي يتوق كل إنسان للوصول إليه في هذه الحياة، ويبذل من أجله كل غالٍ ونفيس. لا أُخفيكم سراً مدى صعوبة الحصول على إجابة شافية ووافية لمثل هذا التساؤل الوجودي، ما دفعني للقراءة والبحث والتأمل علّني أجد ما يُجيب عن تساؤلي.
ربما تكون الرغبة في الحصول على حب الناس وتقديرهم ولفت انتباههم هو أحد الأهداف السامية، إن لم يكن الهدف الأسمى المنشود الذي يلهث وراءه كلّ إنسان، أياً كان الطريق الذي يسلكه للحصول عليه، وما السعي واللهاث خلف الشهرة إلا لنيل حب وإعجاب وتقدير الآخرين.
اقرأ أيضًا: 5 أمور قد تقودك إلى الرضى والسعادة، فهل تمتلكها؟
تتعدّد الأسباب للوصول إلى هذا الهدف الأسمى للناس، لكن يبقى الهدف واحد وهو الحصول على الرضا والشعور بمحبة الآخرين. فهناك، من أجل تحقيق هذا الهدف، من اتّخذ سبيلَ جمع المال والثروة، وآخر مضى في طريق الحصول على الشهرة، وهكذا دواليك.
إذا ما غاص الإنسان أكثر في دواخله، وسبَر أغوار نفسه، فقد يتفاجأ بأنّ الحصول على إعجاب الطرف الآخر وإقامة علاقة رومانسية معه، داخل نطاق الزواج أو خارجه، هو هدفٌ خفي لكل المعاناة والمصاعب التي يُكابدها في سبيل حصوله على المال والشهرة. صحيح بأن السعي خلف توفير المطالب المادية من أجل تحسين المستوى المعيشي مطلب أساسي، لكن ما يزيد على ذلك، ويزيد عن الحاجة فهو غالباً من أجل الوصول إلى مكانة مرموقة يُشار إليها بالبنان، وتكون محل الإشادة والإعجاب والحصول على الحب المنشود.

“ما غاية كل كدح وسعي في هذا العالم؟ ما هدف الجشع والطموح, وطلب الثروة والسلطة والتفوّق؟”. هكذا تساءل فيلسوف الأخلاق وعالم الاقتصاد الأسكتلندي آدم سميث. وبعد دراسةٍ وبحث وتحرٍّ توصّل إلى بعض الأجوبة لتساؤلاته عن غاية الإنسان في هذا العالم فيقول “أن نكون تحت أنظار الآخرين، وموضع عنايتهم، أن نُلاحَظ بعين التعاطف والرضا والاستحسان.. إن الرجل ذا المكانة والتميّز ترقبه عيونُ العالم كلّه. الجميع في لهفة إلى رؤيته.. فنادراً ما تصدر عنه لفظة أو إيماءة وتلقى الإهمال”.
هناك العديد من الوسائل والطرق باستطاعة الإنسان أن يُعاقب بها شخصا آخر. واحدة من أكثر هذه الطرق إيذاء وإيلاماً هي تجاهل إنسان وإشعاره بعدم وجوده أو أهميته. هذا التجاهل قد يكون تأثيره أكثر أذىً وألماً من العقاب الجسدي في أحيان كثيرة.

مثل هذا الشعور بالحنق والضيق من التجاهل وعدم التقدير، قد يراه البعض غير مُبرّر أو لا تفسير له سوى حساسية مفرطة من الناس تجاه من لا يُقدّرهم. في الحقيقة، فإن هذا الأمر له تفسير، وهو أنه للأسف افتقدنا كبشر احترامنا لأنفسنا وقيمنا التي تخصنا ما أدى إلى زعزعة ثقتنا في أنفسنا وقراراتنا، وأصبحت صحة قراراتنا من عدمها مبنية على تقييم الآخرين لها ووجهة نظرهم فيها، لا ثقتنا في صحتها ونحن أدرى بحقيقة أنفسنا. هكذا أصبحنا، وبمحض إرادتنا، أسرى لما يراه الناس فينا وليس ما نراه نحن في أنفسنا، وما يراه الناس بأعينهم لا ما نراه نحن بأعيننا، وأصبحت قيمتنا مرتبطة بآراء الآخرين ووجهة نظرهم، فيما ما نقوم به من أفعالٍ وتصرفات.
اقرأ أيضًا: صراع القلب والعقل: هل نتبع العاطفة أم العقلانية عند اتخاذ القرارات؟
للتخلص من ارتباط مشاعرنا بما يقوله الآخرين عنّا، لا بدّ لنا من مراجعة قيمنا في الحياة وأفكارنا التي هي في الغالب نتاج البيئة التي ترعرعنا فيها، وأن نُخضعها للتمحصيص والتدقيق، وننبذ كلَّ ما نراه لا يتناسب مع تصوراتنا للحياة. وعندما تتكوّن لدينا قيمنا وقناعاتنا الخاصة التي هي نتاج غربلة وتمحيص دون وصاية مُسبقة، تتكوّن لدينا قناعاتنا الثابتة المتجذّرة التي لا يؤثر فيها كلامُ الآخرين أو آراؤهم، وتكون بمثابة الحصن الحصين ضد كل ما من شأنه أن يسبِّب الأذى لمشاعرنا، ويخفِّف لهاثنا خلفَ كل من يُلقي على مسامعنا ما يُطربنا ويُشعرنا بقيمتنا.