الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

الجيل الأخير

الشباب الصينيون يتعهدون بعدم الإنجاب

كيوبوست- ترجمات

فيرنا يوو♦

استفادت الصين من قوتها البشرية الهائلة بشكلٍ كبير في صعودها السريع كقوة اقتصادية عالمية كبرى، ولكن هذه الميزة التنافسية يبدو أنها بدأت بالتراجع مؤخراً. كتبت فيرنا يوو على صفحات جريدة “الجارديان” لتلقي الضوء على الواقع السكاني المستجد في العملاق الآسيوي.  تقول يوو: “إذا ما تحدثت إلى أي امرأة شابة في المناطق الحضرية في الصين حول احتمالات إنجاب الأطفال فعلى الأغلب أنك ستكتشف أنها غير راغبة بذلك”.

أعلنت الحكومة الصينية مؤخراً أن البلاد دخلت مرحلة “التراجع السكاني” لأول مرة منذ المجاعة الكبرى بين عامي 1958 و1961. وقالت إن عدد السكان انخفض خلال عام 2022 بمقدار 850 ألفاً، وفقاً للمركز الوطني للإحصاء. ولكن على عكس المجاعة التي كانت آثارها مؤقتة، يقول الخبراء إن هذا الانخفاض يؤشر إلى فترة طويلة من التراجع السكاني. وكان الخبراء الصينيون قد أطلقوا حملة لإلغاء سياسة الطفل الواحد منذ أكثر من عشر سنوات، قبل أن تتراجع الحكومة عنها في عام 2015، ولكن الوقت كان قد فات لوقف التراجع في عدد السكان.

منذ تسعينيات القرن الماضي تراجع معدل الخصوبة في الصين -متوسط عدد الأطفال لكل امرأة على مدى حياتها- إلى ما دون 2.1 وهو المستوى الكافي للتعويض. واستمر تراجع هذا المعدل ليصل إلى 1.30 في عام 2020 و1.15 في عام 2021.

ولتجنب شيخوخة المجتمع ونقص الأشخاص في سن العمل، سمحت الحكومة الصينية للأزواج بإنجاب طفلين في عام 2015 ورفعت هذا العدد إلى ثلاثة في عام 2021.

اقرأ أيضاً: هل بدأ عدد سكان الصين بالتراجع؟

وقد وجدت الدراسات أن ارتفاع تكاليف تنشئة الأطفال والافتقار إلى منظومات رعاية اجتماعية جيدة هما السببان الرئيسيان وراء انخفاض معدل الخصوبة في الصين. ولذلك بدأت الحكومة في السنوات الأخيرة بتقديم حوافز مثل الإعفاءات الضريبية والإعانات المخصصة لرعاية الأطفال، ومنح إجازات أمومة أطول. ولكن هذه الإجراءات لم تتمكن من إحداث طفرة في أعداد المواليد في البلاد. وقد تفاقم الأمر بشكلٍ كبير نتيجة الإجراءات المشددة التي اتخذتها الحكومة خلال فترة جائحة كوفيد-19. وقد أظهرت دراسة استقصائية تمت العام الماضي وشملت أكثر من 20,000 شخص معظمهم من النساء في المناطق الحضرية بين 18 و25 عاماً، أن ثلثيهم لديه رغبة منخفضة في الإنجاب.

انتشر في العام الماضي مقطع فيديو لرجل يرفض نقله إلى مركز للحجر الصحي، وعندما حذره ضابط شرطي من أن عقوبته سوف تؤثر على عائلته لثلاثة أجيالٍ رد ببرود: “نحن الجيل الأخير، شكراً لك.” وسرعان ما أصبحت هذه العبارة شعاراً لعدد من الحملات على وسائل التواصل الاجتماعي، وتلقت ملايين التعليقات قبل أن يتم حظرها من قبل السلطات الصينية.

من المتوقع أن تتجاوز الهند الصين في عدد السكان في هذا العام- الجارديان

ونقلت كاتبة المقال عن وانغ فينغ، أستاذ علم الاجتماع في جامعة كاليفورنيا قوله: “إن الانخفاض السكاني قد بدأ قبل عشر سنوات مما توقعته الأمم المتحدة”. وأضاف “يمكن أن يُعزى التراجع السكاني إلى سياسة الطفل الواحد التي بدأت قبل 35 عاماً، والتي أدت إلى وجود عدد أقل من النساء في سن الإنجاب وتأخير الزواج أو التخلي عنه بشكلٍ كامل، وعدد أقل من الولادات في الأسرة الواحدة. ويمكن لعدم اليقين والتشاؤم الذي انتشر بين الشباب بسبب جائحة كوفيد أن يؤدي إلى تفاقم هذا الوضع”.

يرى الخبراء أنه على الرغم من أن تراجع عدد السكان لن يؤثر على الفور على اقتصاد الصين، فإنه يكشف عن مدى عدم استدامة النموذج الاقتصادي الصيني. ومن هؤلاء الخبراء وو تشيانغ، المحلل السياسي في بكين، والأستاذ في جامعة تسينغهوا، الذي يرى أن استياء الشباب المتزايد من الحكم الاستبدادي، وإحجامهم عن الإنجاب قد أظهر الصراع الذي لا يمكن التوفيق بينه وبين هدف البلاد المتمثل في النمو الاقتصادي. الأمر الذي سيضر بالاقتصاد الصيني الذي يعتمد على قوة عاملة كبيرة ورخيصة.

وقال تشين-تشونغ وو الأستاذ المساعد في جامعة تايبيه للتكنولوجيا البحرية: “إن انخفاض عدد السكان سيكون له في النهاية تأثير كبير على اقتصاد الصين”. وهو يرى أن نقص القوة العاملة والسوق الاستهلاكية سيجعل الصين تفقد تفوقها وسيدفع الشركات الأجنبية إلى التحول إلى دولٍ آسيوية أخرى.

اقرأ أيضاً: عدد السكان يتزايد… ما القدرة الاستيعابية للكوكب؟

ومع أن وانغ لا يتوقع أن يكون التأثير الاقتصادي وشيكاً، فهو يعتقد أن تراجع عدد السكان هو دعوة للاستيقاظ ولإصلاح نظام الرعاية الصحية ونظام تسجيل الأسر المعيشي، الذي يقيد حركة الناس بمنع أطفال الأرياف من الانضمام إلى أعمال والديهم في المدن الكبيرة.

وفي المقابل، يعتقد روبن ماينارد، المدير التنفيذي لمؤسسة قضايا السكان في المملكة المتحدة، أن تراجع عدد السكان في الصين هو أمر يدعو للاحتفال لما في ذلك من أثر في الحدِّ من أزمة المناخ. ويرى أنه ينبغي للصين الاستفادة من القوى العاملة الأكبر سناً بدلاً من الاعتماد على معدل المواليد.

♦صحفية مستقلة تحمل درجة الدكتوراه في التاريخ ومتخصصة في التاريخ الفكري للصين المعاصرة.

المصدر: الجارديان

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة