الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
الجوع.. الوجه الآخر لفتك فيروس كورونا
يتوقع أن يتضاعف عدد البشر المهددين بالموت جوعاً في العالم إلى أكثر من ربع مليار شخص منذ بدء الجائحة

كيوبوست- ترجمات
بيتر غودمان، عبدي لطيف ضاهر، كاران ديب سينغ♦
عرفت حليمة بيبي الخوفَ الشديد من الجوع لوقتٍ طويل قبل أن ينتشر الوباء في قريتها الفقيرة في جنوب شرق أفغانستان؛ فزوجها الذي يعمل حمَّالاً في السوق المحلية، كان يكسب نحو خمسة دولارات يومياً، يشتري بها بعض الخبز والبطاطا والفول؛ ليطعم أولادهما الأربعة. ولكن بعد وصول الوباء، في مارس الماضي، وإغلاق السوق، انخفض ما يجنيه زوجها إلى أقل من دولار واحد يومياً. وفي معظم الأمسيات، أصبح يُحضر إلى البيت الخبز فقط، أو لا شيء على الإطلاق.
تقول حليمة، في اتصال هاتفي معها في أحد مشافي كابل، حيث تعالج ابنتها ذات السنوات الست من سوء التغذية: “أولادنا يصرخون من الجوع، ولا نستطيع أن نفعل شيئاً، وهذا ليس حالنا فقط؛ بل هو واقع يعيشه معظم الناس في قريتي”.
هذا هو واقع مئات الملايين من البشر حول العالم، بينما يعاني الاقتصاد العالمي أسوأ أزماته منذ الكساد الكبير. ويتوقع برنامج الغذاء العالمي أن يرتفع عدد المهددين بالمجاعة إلى أكثر من 265 مليون نسمة خلال هذا العام. ويتركز العدد الأكبر من المجتمعات الفقيرة في جنوب آسيا وإفريقيا؛ في الدول التي تعاني الأزمات أو الحروب أو الجفاف أو الفيضانات.
اقرأ أيضاً: لماذا يزداد الجوع حول العالم؟
وحتى الآن، لم يصل الأمر إلى مستوى المجاعة في معظم دول العالم؛ حيث يتوفر الطعام ولكن بأسعار مرتفعة بعد أن عطَّل الوباء وسائل النقل، وتسبب في انخفاض قيمة العملات المحلية، وزيادة تكاليف المواد المستوردة.
صدمات متتالية
في جنوب إفريقيا، لا تزال معظم الغالبية السوداء تعيش في قرى فقيرة بعيداً عن الوظائف والخدمات في المدن، وعند ظهور الوباء أمرت الحكومة بإغلاق المتاجر الشعبية في القرى، وبدأ الجيش في مطاردة المخالفين؛ الأمر الذي اضطر المواطنين إلى الاعتماد على المتاجر الكبرى في المدن في ظلِّ توقف خدمات الحافلات المنهكة أصلاً. بالإضافة إلى ذلك، أغلقت المدارس، وفقد ملايين الطلاب الوجبة المدرسية التي كانوا يعتمدون عليها، وفقد أهاليهم وظائفهم. وفي نهاية أبريل كان أكثر من نصف الأُسر في جنوب إفريقيا قد استنفد قدراته على شراء الطعام؛ ما أدى إلى اضطرابات أجبرتِ الحكومة على تخفيف القيود.

يقول مايكل دانفورد؛ المدير الإقليمي لشرق إفريقيا في برنامج الغذاء العالمي: “لقد شكَّل وباء كوفيد صدمة أخرى في عام مروع في هذه المنطقة؛ فبالإضافة إلى 21 مليون شخص يعانون المجاعة في بداية العام، عانينا الفيضانات والجراد، والآن لدينا كوفيد؛ إنها صدمات متتالية تزيد المعاناة في المنطقة”.
ولا يقتصر الخطر على الدول الفقيرة وحدها؛ فالجوع أصبح بلاءً متنامياً حتى في أغنى الدول، وأصبح الناس يصطفون لتلقي المساعدة في دول غنية؛ مثل الولايات المتحدة وإسبانيا وبريطانيا، واضطر متوسطو الدخل إلى اختصار مشترياتهم من الفواكه والخضراوات الطازجة.
ومع اشتداد الحاجة إلى المساعدة، يجبر تهديد الوباء وكالات الإغاثة على إلغاء حملات الصحة العامة والحد من نشاطاتها. وسوف تؤدي عمليات الإغلاق هذا العام إلى حرمان 250 مليون طفل من المكملات الغذائية المقررة لهم وفقاً لـ”اليونيسف”. كما أن الفيروس قد أدى إلى تأخير برامج اللقاحات التي عادة ما تُعطى مع أدوية التخلص من الديدان التي تشكل حصناً آخر في وجه سوء التغذية.
اقرأ أيضاً: بيع الفتيات مقابل الغذاء.. سوق جديدة صاعدة في أفغانستان
أحدث المصائب
أما في جوبا عاصمة جنوب السودان، فقد شكَّل الوباء أحدث الأخطار التي تحدق بالسكان. فبعد أحداث العنف التي سادت لأكثر من أربع سنوات، أصبح معظم السكان يعتمدون على الغذاء الذي توزعه وكالات الإغاثة، وبعد أن قامت الحكومة بطباعة الأوراق النقدية لتغطية نفقاتها ارتفع التضخم بشكل هائل، وانخفض راتب المعلمين على سبيل المثال من 100 دولار إلى دولار واحد شهرياً، ونتيجة لذلك ارتفعت أسعار المواد الغذائية المستوردة بشكل كبير، وتم تسعيرها بالدولار.
وقد ثبت أن الفقر والجوع يكرِّس كل منهما الآخر؛ فمع ارتفاع أسعار الناموسيات ازدادت مخاطر الإصابة بالملاريا، وأدى هطول الأمطار الغزيرة، العام الماضي، إلى حدوث فيضانات أتلفتِ الزرع وأهلكت الماشية. وفي بداية العام الجاري، كان هنالك ستة ملايين شخص في جنوب السودان يعانون انعدام الأمن الغذائي. كل ذلك كان قبل وصول أسوأ جائحة منذ قرن، والتي أدت إلى شلل شبكات النقل في شرق إفريقيا، وإلى ارتفاع إضافي في أسعار المواد الغذائية في جوبا بمعدل 25%، فضلاً عن إجراءات الإقفال التي اتخذتها الحكومة وأدت إلى شلل الاقتصاد المحلي وانخفاض الدخل.
دفعت هذه الظروف ماري بيكا، إلى مركز الرعاية الصحية الذي تديره منظمة الإغاثة الدولية “وورلد فيجين”؛ وهي تحمل طفلها البالغ من العمر 10 أشهر. كان الطفل يزن 5,4 كيلوجرامات فقط، بعد أن فقدت قدرتها على إرضاعه بسبب سوء التغذية الذي تعانيه بعد حملها مجدداً، وبعد أن فقد زوجها عمله.
كان مركز الرعاية يقدم لها عبوة من معجون الفول السوداني كل أسبوعين، وبدأ طفلها يستعيد شيئاً من وزنه؛ ولكن الخطر ما زال يحيط بها من كل صوب، فالسيدة بيكا تعيش مع عائلة من تسعة أشخاص في منزل صغير، وابن شقيقة زوجها مصاب بالملاريا.
تقول السيدة بيكا عبر الهاتف من جوبا: “أنا أشعر بالقلق؛ ليس لديَّ أمل في أن يتغيَّر الوضع في المستقبل، ولا يسعني إلا أن أدعو الله لكي يتحقق ذلك”.
شاهد: فيديوغراف.. مساعدات إماراتية عاجلة لإغاثة السودان
المال هو القانون
لم يرَ صامويل أوموندي زوجته وأولاده الخمسة في كينيا منذ نحو 6 أشهر؛ بسبب الفوضى التي أصابت الطرق. يعمل أوموندي سائق شاحنة لنقل القمح، وقد اعتاد أن يتم رحلته بين ميناء مومباسا الكيني والعاصمة الأوغندية كمبالا في أربعة أيام. أما الآن فالرحلة تستغرق من ثمانية إلى عشرة أيام؛ بسبب إجراءات الفحص الطبي على الحدود وتأخر نتائجها لأيام عدة.
ازدادت الإجراءات الحدودية تعقيداً في جميع أنحاء المنطقة، وامتدت طوابير الشاحنات على الحدود مسافة 40 ميلاً؛ بينما السائقون ينتظرون ويتحملون التكاليف الإضافية لهذا الانتظار، بالإضافة إلى تعرضهم إلى العداء من المجتمعات التي يمرون بها؛ لأن الناس يعتبرونهم حاملين للفيروس. وفي حال عودتهم إلى بيوتهم سوف يجبرون على الحجر الصحي لأيام عديدة.
كل ذلك أدى إلى أن يقوم السائقون بعدد أقل من الرحلات، ومن ثمَّ انخفض دخلهم، كما انخفضت إمدادات الغذاء في العديد من المدن. وبينما تزحف القوافل ببطء على المعابر الحدودية تتعفن حمولاتها من الأسماك والأغذية القابلة للتلف. كذلك كان للفساد دوره في العرقلة في العديد من البلدان؛ حيث توقف الشرطة سائقي الشاحنات للتأكد من شهادات خلوهم من فيروس كورونا، ما أدى إلى ازدهار تجارة الوثائق المزورة وخلق فرص جديدة لانتزاع الرشاوى.
يقول جويل أومباسو؛ وهو تاجر فواكه وخضار في نيروبي: “لا يوجد قانون على الحدود، المال هو القانون”.
اقرأ أيضاً: لماذا يحتاج اليمن إلى أكبر عملية إغاثة في العالم؟
كما أدَّتِ التوترات القومية المرتبطة بالوباء، حيث تلوم الدول بعضها بعضاً على تفشِّي الفيروس، إلى المزيد من الحواجز التجارية التي ضاعفت المشكلات على الطرقات. فرواندا على سبيل المثال، منعت سائقي الشاحنات التنزانية من الدخول إلى أراضيها؛ الأمر الذي أوجد الحاجة إلى عملية تبديل السائقين عند الحدود، وإلى مزيد من التكاليف المالية وهدر الوقت.
كل هذه العوامل مجتمعة أدت إلى الحد من توفر الغذاء، وارتفاع أسعاره واستنفاد مداخيل أعداد كبيرة من الناس؛ حيث أظهر مسح جديد أجرته اللجنة الدولية للصليب الأحمر في 11 دولة إفريقية أن 85% من الناس قالوا إن الغذاء متوفر في الأسواق المحلية؛ ولكن 94% قالوا إن أسعاره ارتفعت كثيراً، كما قال 82% منهم إن دخلهم قد انخفض.
مشكلة غير متوقعة.. انخفاض الطلب
في العاصمة الهندية نيودلهي، استجابت شامبا ديفي وعائلتها لانخفاض دخلهم بتخفيض نظامهم الغذائي. فهي تعمل في تنظيف البيوت، وزوجها الذي يعمل سائقاً فقد عمله، وأصبح من المستحيل أن يجد عملاً آخر بسبب إجراءات الإغلاق التي فرضتها السلطات. تقول السيدة ديفي: “علينا أن نقتصد في مصاريفنا؛ لقد أصبح غذاؤنا يقتصر على الخبز والعدس”.
أدى الإغلاق إلى توقف رواتب الموظفين في المدن الرئيسية، وفقد عمال البناء عملهم وحُرم أفقر الفقراء من سُبل عيشهم الذي يكسبونه من جمع المخلفات المعدنية والبلاستيكية من الشوارع، وانعكس كل ذلك على انخفاض القوة الشرائية في بلد تعداد سكانه 1,3 مليار نسمة؛ الأمر الذي أدى إلى مشكلة لا يتوقع حدوثها في أوقات المجاعة، وهي انخفاض الطلب على المحاصيل التي تركت لتتعفن في الحقول؛ لأن سعرها لم يكن ليغطي تكاليف حصادها ونقلها.
اقرأ أيضاً: كيف تعيد الجائحة تشكيل الهند بشكل يفوق الخيال؟
مخاطر طلب المساعدة
في أفغانستان، تملَّك الرعب قلب السيدة بيبي وهي ترى ابنتها زينب، ذات السنوات الست، تغرق في سوء التغذية، وبعد أن عجز الأطباء المفترضون في منطقتها عن شفائها بالعلاجات الشعبية نصحوا السيدة بيبي بالصلاة، وحثوا زينب على أن تأكل أكثر. ولكن لم يكن يتوفر لها إلا القليل؛ فأسعار الدقيق والأرز والزيت والسكر كانت مرتفعة جداً، لأنها تأتي بطريق البر من باكستان وإيران وكازاخستان، ووالدها ما زال عاطلاً عن العمل؛ لأن الأسواق لا تزال مغلقة.
وبحلول منتصف شهر يوليو، أصبحت زينب بحاجة إلى رعاية طبية متخصصة؛ ما يعني ضرورة السفر إلى عاصمة إقليم خوست في رحلةٍ محفوفة بالمخاطر، بسبب الصراعات المسلحة والعبوات الناسفة على الطريق، والتي أُضيف إليها اليوم وباء كورونا الذي قتل أكثر من 15 شخصاً في قريتها التي يبلغ عدد سكانها 500 نسمة فقط.
كانت هذه الأسباب هي نفسها التي تمنع الناس في أفغانستان من طلب الساعدة الطبية. ففي الفترة بين يناير ومايو، ارتفع عدد الأطفال الأفغان الذين يعانون سوء التغذية الحاد من 690000 إلى 780000 طفل، كما تقول زكية معروف؛ خبيرة التغذية في الـ”يونيسف” في كابول، كما انخفض عدد الأطفال الذين دخلوا المستشفيات بمعدل 40%.
ولكن خوف السيدة بيبي من الرحلة كان أقل من خوفها من نتائج عدم المخاطرة بأن تقوم بها.

استدان زوجها بعض النقود، وتوجهوا إلى مشفى بدائي في مدينة خوست؛ حيث فشل الأطباء في مساعدتها على مدى ثلاثة أسابيع. وكان على العائلة السفر إلى العاصمة كابول في رحلة شاقة قادتهم إلى مستشفى أنديرا غاندي الذي تديره الحكومة الهندية بدعم من الـ”يونيسف”.
أدخلت زينب إلى المستشفى؛ حيث جرَت تغذيتها بانتظام بواسطة أنبوب عبر أنفها. كان وزنها 8,5 كيلوغرام، وبعد أسبوعين ها هي ذي لا تزال تفقد المزيد من وزنها؛ لأن جسمها الضعيف لا يقوى على الاحتفاظ بالطعام. وأُمها تسهر بجانبها، يأكلها القلق بشأن تسديد فواتير المشفى، وتكاليف عودتهم إلى ديارهم.