الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةشؤون عربية
الجنس مقابل الغذاء.. معاناة اللاجئات الإفريقيات في ليبيا
حلم الوصول إلى أوروبا يتحطم على صخرة الانتهاكات وسط صمت دولي

كيوبوست
يعيش المهاجرون وطالبو اللجوء أوضاعاً مأساوية في ليبيا؛ كشف عنها تقرير البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق في ليبيا، التابعة للأمم المتحدة، بحق المهاجرات، اللاتي يتعرضن إلى الاغتصاب لقاء منحهن الطعام والماء، فضلاً عن لعبة الاتجار التي يتعرض إليها هؤلاء المساكين الذين فروا من بلدان الجنوب باتجاه أوروبا؛ لكنهم سقطوا في بحر الانتهاكات اللا نهائية في بلد تحكمه قوة السلاح والميليشيات المسلحة.
اقرأ أيضاً: طريق الموت.. رحلة الهجرة غير الشرعية من إثيوبيا إلى السعودية
وحسب حقوقيين ليبيين تحدثوا إلى “كيوبوست”، تتعرض النساء إلى انتهاكات مركبة؛ لأنهن إما مهاجرة وإما طالبة لجوء مرة، وإما امرأة مرات عديدة، ولا تتوفر في البلاد أماكن احتجاز إنسانية؛ بل العكس تعاني النساء المهاجرات سوء التغذية الذي ينعكس على أطفالهن، فضلاً عن عدم تمكنهن من تسجيل أو قيد مواليدهن في السجلات.
وأصدرت البعثة الأممية تقريرها في نهاية يونيو الماضي، والذي تضمن إفادات خطيرة تؤكد تعرض المهاجرين وطالبي اللجوء من الجنسَين إلى أعمال عنف جنسية، ترقى إلى وصفها بأنها جرائم ضد الإنسانية، حيث يتم احتجازهم في مراكز يشرف عليها جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية، داخل منشآت تسيطر عليها مجموعات مسلحة غير تابعة للحكومة. أو يتم احتجازهم من قِبل مهربين.

وحسب الخبراء، لا يتمتع المهاجرون وطالبو اللجوء بأية حماية قانونية داخل البلاد، وإن كانت الحكومة ملزمة بحمايتهم وفقاً لالتزاماتها الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وتتم معاملة طالبي اللجوء بشكل مهين، واعتبارهم مهاجرين غير شرعيين، وإعادتهم قسرياً إلى بلدانهم الأصلية، بعد دوامة من الانتهاكات المريعة التي يتعرضون إليها؛ سواء في مقرات الاحتجاز الرسمية، أو تحت رحمة الميليشيات وعصابات الاتجار في البشر.

وأكد الناشط الحقوقي الليبي جمال المبروك، رئيس منظمة التعاون والإغاثة العالمية، أن المهاجرات يواجهن الكثير من المشكلات؛ لأنهن يقعن ضحية للاتجار بالبشر، وشبكات التهريب النشطة، التي تستغل هشاشة الوضع العام، وانتشار المهربين في طول البلاد وعرضها، ومن هذه الانتهاكات الاعتداء الجسدي والجنسي واللفظي؛ فالمهاجرون واللاجئون ومن بينهم النساء، عرضة للاتجار من شبكة إلى شبكة؛ حتى محطاتهم الأخيرة في مدن التهريب على السواحل، مثل صبراتة والزاوية، تنطلق منها قوارب الهجرة نحو أوروبا.
وقال المبروك، في تصريحات أدلى بها إلى “كيوبوست”، إن مراكز الإيواء التابعة لوزارة الداخلية تشهد انتهاكات مشابهة للتي يرتكبها المتاجرون، ربما بدرجة أقل، ولا توجد شرطة نسائية في مراكز احتجاز المهاجرين، ولا حتى مراكز مخصصة للنساء، “يضعونهن في مراكز مختلطة مع الرجال مع فصل العنابر، ومع هذا تحدث انتهاكات فظيعة”.

أوضاع سيئة
وأضاف الناشط الحقوقي أن المهاجرات واللاجئات يتعرضن إلى أوضاع سيئة جداً، في حالة “الحمل أو الولادة”؛ فلا يتم تسجيل أطفالهن، أو الغذاء والألبان اللازمة، إضافة إلى سوء التغذية داخل مراكز الاحتجاز، لافتاً إلى أن الإفلات من العقاب أصبح ظاهرة عامة، تنطبق حتى على الليبيين في ما بينهم؛ لضعف آليات إنفاذ القانون، وانتشار الجماعات المسلحة، وشبكات ممارسة العنف بمختلف أشكاله، ما أدى إلى تفاقم الظاهرة، وإذا كان المواطن الليبي لا يستطيع حماية نفسه فما بالنا بالمهاجرين.
اقرأ أيضاً: إسرائيل.. الهجرة غير الشرعية تؤجج الصراع بين الديمقراطية والليبرالية
وتابع المبروك: لا يوجد قانون في ليبيا يحمي اللاجئين. ورغم أنها دولة منضمة إلى الاتفاقية الإفريقية لحماية اللاجئين؛ فإنها لم تنضم إلى الاتفاقية الدولية لعام 1951، ولا تعترف بحاملي صفة “لاجئ” من الأمم المتحدة أو غيرها؛ فالسلطات تعتبر الجميع في حالة هجرة غير شرعية، وتفعل نصوص قانون مكافحة الهجرة، وتقوم بترحيل الغرباء فوراً.

وأوضح الناشط الحقوقي أنه لا توجد حماية قانونية للاجئين وطالبي اللجوء في ليبيا؛ ما يفقدهم حق الحماية من الانتهاكات وكل صنوف التعذيب القاسي جداً الذي يتعرضون إليه رجالاً ونساءً، وحتى الأطفال الذين يتعرضون إلى التجنيد في الميليشيات والعمل كمرتزقة، بعد أن تقطعت بهم السبل، وفقدوا الأمل في العودة إلى بلدانهم أو الوصول إلى أوروبا.
وأشار المبروك إلى أن عمليات الصد والاعتراض في البحر ضد المهاجرين واللاجئين الذين تمكنوا من ركوب البحر على أمل الوصول إلى أوروبا، والتي تنفذها قوات خفر السواحل الليبية بالتنسيق مع إيطاليا، وَفق مذكرة تفاهم وقعت بين فايز السراج رئيس المجلس الرئاسي السابق، والحكومة الإيطالية، تعرِّض طالبي اللجوء والمهاجرين إلى الاتجار بهم مرة أخرى، من عصابة إلى عصابة.

وأكد الناشط الحقوقي أن إيطاليا زودت خفر السواحل الليبي بزوارق وقوارب حديثة، تمكنه من صد محاولات الهجرة، وإعادة الضحايا إلى الاحتجاز، ثم بيعهم إلى عصابات جديدة تعمل على تهريبهم، وإلقاء القبض عليهم وإعادتهم، في حلقة انتهاكات مروعة ولا نهائية.
اقرأ أيضاً: 4 أسباب وراء رفض بعض الدول ميثاق الهجرة العالمي
اتفاقيات دولية
من ناحيته، قال الخبير الحقوقي وأمين المنظمة العربية لحقوق الإنسان (فرع ليبيا) الدكتور عبدالمنعم الحر، إن اللاجئات والمهاجرات في ليبيا يمكن اعتبارهن من ضحايا الاتجار بالبشر، وهذه الفئة من الأشخاص يجب أن تتمتع بالمركز القانوني الدولي من خلال ما نصت عليه المعاهدات والاتفاقيات الدولية.

وأضاف الحر، في تصريحات أدلى بها إلى “كيوبوست”، أن الصكوك الدولية لحقوق الإنسان، التي تشمل الإعلان المتعلق بحقوق الإنسان للأفراد الذين ليسوا من مواطني البلد الذي يعيشون فيه، 1985، واتفاقية حظر الاتجار بالأشخاص واستغلال دعارة الغير، 1949، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية 2000، وبروتوكول منع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال 2000، وبروتوكول منع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص وبخاصة النساء والأطفال، الذي نص صراحة على منع الاتجار بالأشخاص وبخاصة النساء والأطفال، مكملاً بهذا اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمـة عبر الوطنية.. كلها مواثيق توفر الحماية القانونية لهذه الفئات.
اقرأ أيضاً: بعد إغلاق حدود إيطاليا: سيل الهجرة يغرق إسبانيا
وتابع الخبير الحقوقي بأن ليبيا صادقت على كل هذه المواثيق والصكوك الدولية، وبالتالي هي ملزمة ولا يعفيها كل ما يحصل من التزاماتها ببدل الجهود لحماية المهاجرات غير القانونيات طبقاً لما اسـتقرت عليه المعايير الدولية، وأفضل التجارب والممارسات التي تشمل معاملاتهم كضحايا لا كمجرمات.

وشدد الحر على ضرورة بذل الحكومة الجهود لتوفير الدعم والتأهيل للمهاجرات وطالبات اللجوء عبر برامج وطنية متخصصة تحظى بالدعم المالي والتقني الدولي، والعمل على إنهاء ممارسات الاستغلال الجنسي والفساد على نقاط التفتيش وبمراكز الاحتجاز، وإصدار بيانات إدانة علنية، وتبني عقوبات جنائية، وبدء حملات توعية عامة، فضلاً عن العمل على تطوير سياسات للهجرة في إطار سيادة القانون واحترام القانون الدولي.
اقرأ أيضاً: بعد فشل باشاغا في طرابلس.. ليبيا نحو انقسام آخر
وأشار الحر إلى أن ليبيا دولة مترامية الحدود، وكل الدول المحيطة بها مصدرة للمهاجرين واللاجئين، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى سهولة الدخول والخروج إليها؛ لغياب سلطة مركزية مسيطرة على الحدود والمنافذ، بالإضافة إلى سيطرة المافيات وتجار البشر واتخاذها نقطة تجميع للمهاجرين للعبور بهم نحو إيطاليا تحديداً.