الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

الثورة الإيرانية التالية: لماذا يجب على واشنطن أن تسعى لتغيير النظام في طهران؟ (1)

كيوبوست – ترجمات

إريك إيدلمان -راي تقي•

يعتبر تعبير “تغيير النظام” عبارة سامة في واشنطن؛ لأنها ببساطة تستحضر صوراً لحرب العراق ووجود الولايات المتحدة عالقةً في مستنقعٍ من صنع أيديها. وهي السبب، كذلك، في أن أولئك الذين يفضلون التوجه القسري من إيران إلى الولايات المتحدة، يتم اتهامهم بشكل روتيني بدعم تغيير النظام سراً. ويظل هؤلاء المتهمون في حالة نفي دائمة لهذا الاتهام؛ فهم لا يريدون تغيير النظام، بل يصرون دائماً على أنهم يريدون من حكام الجمهورية الإسلامية الثيوقراطيين تغيير سلوكهم فقط.

ولعل دعم تغيير النظام بشكل قاطع لا يعني الدعوة إلى غزو عسكري لإيران؛ لكنه يعني الضغط على الولايات المتحدة لاستخدام كل أداة تحت تصرفها لتقويض دولة إيران الدينية، بما في ذلك المساعدة السرية للمنشقين. ولا تستطيع الولايات المتحدة إسقاط الجمهورية الإسلامية؛ لكنها يمكن أن تسهم في الظروف التي تجعل مثل هذا السقوط ممكناً.

اقرأ أيضاً: الإيرانيون الفارون من البلاد مستويات غير مسبوقة تنذر بالخطر

والنظام الإيراني أضعف مما يعتقد الكثير من المحللين الغربيين. ويمكن لحملة من الضغط الخارجي والمقاومة الداخلية أن تسقطه. وقد شهدت السنوات الأخيرة صوراً للمعارضة الشعبية للنظام واسعة النطاق، فالإيرانيون يتعطشون لقيادة أفضل. ويجب أن لا يكون السؤال بالنسبة إلى واشنطن هو ما إذا كانت ستتبنى تغيير النظام؛ ولكن كيف يمكنها مساعدة الشعب الإيراني على تحقيق ذلك.

اقرأ أيضاً: المواجهة الأمريكية- الإيرانية واللعب بالنار

لم يكن هناك تعاون في الماضي

طوال الأعوام الأربعين الماضية، حاول كل رئيس أمريكي تقريباً الوصول إلى نوع من التوافق مع إيران. وكانت محاولة رونالد ريغان قد قادته إلى أكبر فضيحة في رئاسته، عندما تم بيع الأسلحة لإيران مقابل إطلاق سراح أمريكيين تم احتجازهم كرهائن في لبنان من قبل ميليشيا “حزب الله” المدعومة من إيران. وسعى بيل كلينتون، دون جدوى، إلى تطوير خارطة طريق من أجل انفراجة مع طهران.

ترامب مع نائبه مايك بنس (إلى اليمين) ووزير الخزانة ستيفن منوشين في المكتب البيضاوي قبل إعلان عقوبات جديدة على إيران- يونيو 2019

وبينما جاء جورج بوش إلى منصبه مبدياً ازدراءً أخلاقياً لحكم رجال الدين، فإن إدارته أمضت قدراً كبيراً من الوقت في التحدث مع قادة إيران حول مستقبل أفغانستان والعراق. ثم جاء باراك أوباما، الذي أدى يأسه في ما يتعلق بإبرام صفقة مع طهران، إلى توقيع اتفاق يخفف عن إيران العقوبات، ويمهد طريقها إلى الحصول على القنبلة النووية.

اقرأ أيضاً: المواجهة الإيرانية- الأمريكية.. كيف آل الوضع إلى ما هو عليه؟

وفي عام 2018، سحب الرئيس ترامب الولايات المتحدة من ذلك الاتفاق وفرض عقوبات شديدة على إيران تجاوزت في شدتها كلَّ ما قبلها. كما شجب ترامب سلوكيات النظام مراراً. وفي وقت سابق من هذا العام، أمر بقتل قاسم سليماني، القائد الشهير في “فيلق القدس”؛ وهي وحدة من الحرس الثوري الإسلامي الإيراني. ورغم كل هذا العداء السطحي؛ فإن المنطق الداخلي لنهج إدارة ترامب يشبه منطق أسلافها وهو إلحاق الألم بإيران؛ من أجل كسب نفوذ في المفاوضات المرتقبة. ولا يزال ترامب يريد عقد صفقة، وفي الواقع هو أول رئيس أمريكي يقترح الاجتماع مع القادة الإيرانيين.

وقد فشلت كل هذه الإدارات في إدراك أن النظام الإيراني يبقى في جوهره منظمة ثورية. وبمجرد وصولهم إلى السلطة، غالباً ما يستسلم الثوار لإغراءات الاعتدال والواقعية. وتؤدي متطلبات إدارة الحكومة فعلياً ومعالجة المخاوف المحلية في النهاية إلى التكيف مع النظام الدولي السائد.

اقرأ أيضاً: 40 سنة على الثورة الإسلامية.. كيف يعيش الشعب الإيراني تحت حكم ولاية الفقيه؟

ورغم ذلك، وبعد أربعة عقود من إقامتها، تواصل الجمهورية الإسلامية تجنب هذا المصير. ولا تزال نخبها متمسكة بمبادئ الثورة حتى عندما تثبت أنها تهزم نفسها. ذلك لأن قائد الثورة، آية الله الخميني، لم يعتمد على المبادئ العلمانية، وجعل الدين عقيدة للحكم. وتستند أيديولوجية الخميني إلى نسخة مسيسة ومتطرفة من الإسلام الشيعي، وهو نموذج يتناقض غالباً مع تقاليد الإيمان القديمة.

إيرانيون يحرقون أعلام الولايات المتحدة وإسرائيل بعد اغتيال سليماني- طهران 2019

وفي الرواية المفضلة للملالي، تسعى الولايات المتحدة الإمبريالية إلى استغلال موارد المنطقة من أجل تعظيم الغرب الصناعي. ويتطلب تحقيق هذا الهدف من واشنطن إخضاع العالم الإسلامي؛ من خلال دعم الممالك العربية الفاسدة وكيان صهيوني غير شرعي. ويرى النظام الإيراني أن مقاومة تلك الهيمنة الأمريكية أمر إلزامي. وهذا هو السبب في أن الجمهورية الإسلامية لن تتطور أبدًا لتتبوأ مكانة الشريك الإقليمي المسؤول. ولن تسمح أبداً بخلاف سياسي حقيقي أو تسمح لمعارضة منظمة بالتشكل. ولن تتخلى أبداً عن طموحاتها النووية من أجل التجارة. ولن تعترف أبدًا بأية مصالح أمريكية في الشرق الأوسط على أنها مشروعة. كما أن الثوار لن يتخلوا أبداً عن ثورتهم.

اقرأ أيضاً: سيناريوهات الرد على التهديدات الإيرانية للقوات الأمريكية في العراق

لننتهز الفرصة

ونظراً لعدم وجود احتمال للتوافق المستدام مع الثيوقراطيين، فإن السياسة الأمريكية الوحيدة المنطقية هي السعي إلى تغيير النظام؛ أي القيام بكل ما هو ممكن لإضعاف الحكومة، وتعزيز أولئك الذين بداخل إيران ويعارضونها. ويجب أن يكون الهدف مساعدة العدد الكبير من الإيرانيين الذين يريدون استعادة الوعد الأصلي لثورة 1979 التي أطاحت بالشاه، وهي حركة استقطبت الدعم من قاعدة عريضة من الإيرانيين؛ بما في ذلك المجموعات الليبرالية والموالية للديمقراطية، قبل أن يختطفها الخميني وفصيله الإسلامي.

اقرأ أيضاً: هل يكشف المستقبل القريب عن قنبلة نووية إيرانية؟

ويجب على الولايات المتحدة أن تكون متواضعة بشأن قدراتها، وأن تفهم أنها لا تستطيع دائماً تشكيل الأحداث. ولكن بالنظر إلى نقاط الضعف الداخلية للنظام الثيوقراطي، لا يزال بوسع واشنطن أن تلعب دوراً مهماً في إضعاف قوة النظام. وربما لا تستطيع الولايات المتحدة اختيار الآليات الدقيقة لكيفية سقوط النظام أو الخطوط الدقيقة لما سيحل محله؛ لكنها يمكن أن تمارس قدراً كبيراً من التأثير على كليهما.

تظاهرات احتجاجية ومواجهة عنيفة من قِبَل قوات الأمن في إيران- نوفمبر 2019

وفي العامين الماضيين، هزت إيران أخطر تظاهرات منذ ثورة 1979، متخطيةً حتى الحركة الخضراء. وبالمقارنة مع الحلقات السابقة من المعارضة الجماعية، تشكل احتجاجات اليوم تهديداً أكبر بكثير للثيوقراطية؛ لأنها تمثل تمرداً للطبقات العاملة والفقراء الذين شكلوا غالبية المتظاهرين في السنوات الأخيرة.

شاهد: فيديوغراف.. تذكير بقوة المرأة الإيرانية وجلدها في وجه النظام

وفي يناير الماضي، وبعد غارة الطائرات الأمريكية دون طيار التي قتلت سليماني، غمرت حشود كبيرة من المشيعين شوارع المدن الإيرانية، ويعتقد الكثيرون أن الهجوم وحَّد الإيرانيين وراء نظامهم. لكن بعد أسابيع قليلة، تحطم وهم التضامن بسبب احتجاجات شعبية واسعة النطاق اندلعت عندما اعترفتِ الحكومة، بعد أيامٍ من الإنكار الرسمي، أن الدفاعات الجوية الإيرانية التي كانت في حالة تأهب قصوى للتوغلات الأمريكية، قد أسقطت بطريق الخطأ طائرة ركاب مدنية أوكرانية بعد إقلاعها من مطار طهران؛ ما أسفر عن مقتل 176 شخصاً. وبعيداً عن الارتداد لصالح الملالي، ذكَّرتِ المواجهة الأخيرة للنظام مع الولايات المتحدة الإيرانيين بتكاليف سياسة حكومتهم العدائية.

اقرأ أيضاً: بسبب أزمة “كورونا”.. إيران تطلب قرضًا من صندوق النقد.. ومساعٍ بريطانية سرية لتخفيف العقوبات

كما تلقت شرعية الحكومة صفعة أخرى مع اندلاع جائحة (كوفيد-19). ومع انتشار فيروس كورونا المستجد، لم تفشل الجمهورية الإسلامية في حماية صحة مواطنيها وسلامتهم فحسب، بل أعاقت بفاعلية قدرتهم على حماية أنفسهم، من خلال حجب المعلومات، وإخفاء حجم المشكلة، وهي استجابة من شأنها أن تقلل من مصداقية النظام بشكل أكبر، وسكب مزيد من الوقود على الغضب الذي يتصاعد منذ سنوات.

لقراءة الجزء الثاني: اضغط هنا

•الكاتبان:

إريك إيدلمان: مستشار أول في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات. وشغل منصب وكيل وزارة الدفاع الأمريكية للسياسة بين عامي 2005 و2009.

راي تقي: خبير دراسات الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية، ومؤلف كتاب «الشاه الأخير: إيران وأمريكا وسقوط آل بهلوي».

المصدر: فورين أفيرز

اتبعنا على تويتر من هنا

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة