الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

الثورة الإيرانية التالية: لماذا يجب على واشنطن أن تسعى لتغيير النظام في طهران؟ (2)

كيوبوست – ترجمات

إريك إيدلمان-راي تقي

على الرغم من أن إيران مليئة بالانشقاقات؛ فإنه لم تظهر حركة مقاومة واحدة متماسكة. ولا يمكن لواشنطن أن تخلق مثل هذه الحركة؛ ولكن من خلال إضعاف النظام بشكل علني، ومساعدة القوى الثورية داخل إيران في الخفاء، ويمكن للولايات المتحدة مساعدة فروع المعارضة المنفصلة حالياً على توطيد موقفها في تعزيز المطالب الشعبية. ويجب أن تسعى واشنطن إلى زيادة استنزاف الاقتصاد الإيراني، ودعوة الانشقاقات من صفوف مراكز قوة النظام، وتمكين أولئك الذين يجرؤون على تحدي النظام خلسة.

اقرأ أيضاً: الاحتجاجات الإيرانية تفاقم صراع أقطاب النظام الإيراني

لكن لا يمكن أن يذهب الأمر أبعد من ذلك؛ فتغيير النظام نفسه، أي إزالة واستبدال الثيوقراطية، يجب أن يأتي من قِبَل الإيرانيين أنفسهم. ولن يكون تبني هدف تغيير النظام مكلفًا للغاية؛ لكنه يتطلب برنامجاً متصاعدًا للعمل السري لمساعدة تلك العناصر داخل المجتمع المدني الإيراني التي تتنازع على شرعية النظام. ومن بين أهم هؤلاء تأتي النقابات المهنية؛ مثل النقابات العمالية، ونقابات المعلمين، التي شنت احتجاجاً على سياسات الحكومة وإجراءاتها، وأيضاً مجموعات الطلاب التي نظمت احتجاجات في حرم الجامعات.

اقرأ أيضاً: ما مصير صراع تكسير العظام بين واشنطن وطهران؟

ويكتب الإصلاحيون الرافضون للنظام بشكل روتيني رسائل مفتوحة احتجاجاً على انتهاكاته، وقد واصلوا القيام بذلك في أعقاب قمع التظاهرات. وفي نوفمبر الماضي، نشر زعيم التحرك الأخضر حسن موسوي، من إقامته الجبرية، بياناً قارن فيه سلوك النظام بمذبحة سيئة السمعة قامت بها قوات الشاه في سبتمبر 1978. وهو السبب في أنه من الضروري للولايات المتحدة تزويد منتقدي النظام ومعارضيه بالتكنولوجيا والبرامج التي يمكنهم استخدامها؛ للتهرب من الرقابة والتواصل بعضهم مع بعض وإيصال رسائلهم.

ولعل مثل هذه المساعدة التقنية السرية أمر بالغ الأهمية؛ لكنها ليست الطريقة الوحيدة التي يمكن لواشنطن أن تساعد من خلالها في تعزيز المعارضة، إذ يجب أن يلعب الدعم المالي (السري) المباشر دوراً أيضاً. كما يجب أن تكون النقابات العمالية الإيرانية محور تركيز خاص للجهود الأمريكية. فخلال الثورة الإيرانية عام 1979، كانت الضربات التي قام بها عمال النفط والنقل ضرورية لشل نظام الشاه.

تظاهرة نسائية لمناصرة التحرك الأخضر- طهران 2009

وفي السنوات الأخيرة، دعا عمال الصلب وسائقو الشاحنات والحافلات وعمال السكك الحديدية والمعلمون وعمال قصب السكر إلى الإضراب؛ لتحدي النظام الحالي. ومن خلال توجيه الأموال سراً إلى مجموعات يمكنها تنفيذ إضرابات مماثلة، يمكن للولايات المتحدة أن تشلَّ الاقتصاد الإيراني.

وبالإضافة إلى اتخاذ مثل هذه الخطوات السرية، يجب على واشنطن إجراء تعديلات على دبلوماسيتها العامة في ما يتعلق بإيران. ويجب على المسؤولين الأمريكيين اغتنام كل فرصة لتسليط الضوء على انتهاكات النظام لحقوق الإنسان، وللتحذير من أن المخالفين؛ خصوصاً أولئك الضالعين في استخدام القوة لقمع الاحتجاجات الشعبية، سيحاسبون من قبل المجتمع الدولي عندما يكون هناك نظام جديد في إيران.

احتجاج طلاب جامعة آزاد فرع طهران وتعامل الأمن معهم بعنف- 2010

في الوقتِ نفسه، ينبغي على واشنطن أن تؤكد أن أي عضو في النظام الإيراني يرغب في الانشقاق ستتم حمايته في الولايات المتحدة. وعلى وكالة المخابرات المركزية إنشاء آلية للاتصال واستخراج جميع الراغبين في المغادرة؛ لأنه حتى عدد قليل من المنشقين يمكن أن يزرع عدم الثقة في النظام، مما يجبر الأجهزة الأمنية على البحث باستمرار عن عناصر غير موثوقة بين صفوفها وإجراء عمليات تطهير دورية. وهذا من شأنه أن يعيق الكفاءة التشغيلية من خلال القضاء على بعض الكوادر التي تعتمد عليها الأجهزة الأمنية وخلق عدم الثقة والشك في جهاز القمع بالدولة.

اقرأ أيضاً: إجراءات يعتمدها نظام الملالي لعزل الشعب الإيراني عن العالم

تكثيف الضغط

وبعيداً عن هذه السياسات والخطاب الرسمي، على الولايات المتحدة أن تفعل المزيد للتغلب على دعاية النظام من خلال توفير معلومات دقيقة وتحليلات موثوقة للشعب الإيراني؛ حيث تنفق واشنطن حالياً نحو 30 مليون دولار سنوياً على وسائل الإعلام الناطقة بالفارسية، والتي تديرها الوكالة الأمريكية لوسائل الإعلام العالمية؛ بما في ذلك “راديو فاردا” و”سيداي أمريكا”، التي تقدم الأخبار والبرامج عبر الراديو والتليفزيون والإنترنت. وحسب الوكالة، تصل هذه البرامج إلى ما يقرب من ربع عدد البالغين في إيران.

اقرأ أيضاً: إيران تهدد عائلات صحفيين معارضين في بريطانيا

وعلى الولايات المتحدة أيضاً رفع قيمة الثمن الذي تدفعه إيران مقابل مغامراتها العسكرية في المنطقة. وكانت الضربة ضد سليماني خطوة أولى مهمة نحو فرض تكاليف مباشرة على إيران بدلاً من مجرد استهداف وكلائها. ففي العراق، شهدت الأشهر الأخيرة خروج الناس إلى الشوارع بأعداد كبيرة احتجاجاً على نفوذ طهران المفرط. كما أثار الغضب من التمدد الإيراني احتجاجات مؤخراً في لبنان؛ حيث سئم الكثيرون من “حزب الله”، وهي الميليشيا والجماعة السياسية التي تدعمها إيران.

مظاهرة لمنظمة الجاليات الإيرانية الأمريكية تدعو إلى إسقاط الحزب الديني الحاكم في إيران- واشنطن 2019

وبالتالي على واشنطن الاستفادة من حظوظ طهران المتداعية في المنطقة عبر مساعدة القوى التي تقف في وجه إيران؛ بما في ذلك توفير الدعم المالي عبر وسائل سرية، وفي حال سنحت الفرصة يمكن استخدام الأصول البحرية والجوية لاعتراض تدفق الإمدادات العسكرية الإيرانية إلى وكلاء النظام.

إن الحاجة إلى تكثيف الضغط على إيران يجب أن تنعكس على الخطط الاستراتيجية والوضع العسكري الأمريكي في المنطقة. ويجب أن تحافظ الولايات المتحدة على وجود عسكري صغير في سوريا؛ لمراقبة وعرقلة الجهود الإيرانية لتحويل الأراضي السورية إلى “جسر بري” يتم من خلاله دعم وكلائها في المنطقة.

اقرأ أيضاً: 5 عقود من الصلح والصراع بين السعودية وإيران

كما ينبغي على واشنطن تشجيع إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات على التعاون في تطوير أنظمة الإنذار المبكر المشتركة والدفاعات ضد صواريخ كروز والصواريخ البالستية متوسطة المدى التي من المحتمل أن تنشرها إيران في أي صراع مع جيرانها.

اقرأ أيضاً: لماذا يتوجب على الدول العربية مواجهة إيران؟

التغيير قادم

يريد الشعب الإيراني حكومة خاضعة للمساءلة، ولا يشاطر قيادته عداواتهم تجاه الغرب. لكن الأشياء لا تحدث دائماً لمجرد أنها يجب أن تكون. ولتجنب نتائج مثل تلك الموجودة في العراق وليبيا، يجب أن تتضمن سياسة الولايات المتحدة لتغيير النظام خططاً لتوجيه إيران ما بعد الثيوقراطية في الاتجاه الصحيح؛ حيث تشارك واشنطن درجةً كبيرة من المسؤولية عن النتيجة.

احتجاجات واسعة النطاق في شوارع طهران على سياسات الحكومة- يناير 2018

وبعد انهيار النظام، سيتعين على الولايات المتحدة أن ترفع جميع العقوبات على الفور، وأن تعقد مؤتمراً دولياً للمانحين؛ لضخ الأموال في الاقتصاد الإيراني وإعادة نفط البلاد إلى السوق. وحتى لو ساعدتِ الولايات المتحدة في التخلص من النظام القديم؛ فلن يكون لها تأثير على حكومة إيرانية جديدة، إلا إذا كانت مستعدة لتقديم التزام طويل الأمد بإعادة تأهيل البلاد.

اقرأ أيضاً: قادة النظام الإيراني يمولون الإرهاب بينما ينهار الاقتصاد

إن حكم إيران سيكون مهمة صعبة لأي قادة جدد. وعلى الرغم من أنه سيكون من المحتم أن تكون هناك عمليات تطهير في أعقاب الانهيار، وسيتعين على واشنطن الضغط على الحكام الجدد لإفساح المجال لأعضاء النخبة القديمة الذين يرغبون في أن يكونوا جزءاً من النظام الجديد. كما سيترك برنامج إيران النووي وراءه مخلفات خطيرة.

اقرأ أيضاً: من تاريخي إلى “كارثي”.. قصة الاتفاق النووي مع إيران

ومن الناحية المثالية، فإن الجهود القوية التي تقودها الوكالة الدولية للطاقة الذرية ستمثل كل التكنولوجيا النووية الإيرانية واليورانيوم المخصب. ولكن إذا فشل ذلك، فسيحتاج الجيش الأمريكي إلى اتخاذ إجراء من جانب واحد لإزالة الجوانب الأكثر حساسية في البرنامج؛ لمنعه من الوقوع في أيدٍ خطيرة. ولن يكون تغيير النظام في إيران جميلاً. كما لن تُحل على الفور جميع المشكلات بين واشنطن وطهران، ناهيك بصعوبة تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط على الفور؛ لكن على الولايات المتحدة محاولة تمكين الشعب الإيراني من الحصول على هذا النوع من الحكومة التي يستحقها.

لقراءة الجزء الأول: اضغط هنا 

الكاتبان:

إريك إيدلمان: مستشار أول في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات. وشغل منصب وكيل وزارة الدفاع الأمريكية للسياسة بين عامي 2005 و2009.

راي تقي: خبير دراسات الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية، ومؤلف كتاب “الشاه الأخير: إيران وأمريكا وسقوط آل بهلوي”.

المصدر: فورين أفيرز

 اتبعنا على تويتر من هنا

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة