شؤون خليجيةشؤون عربية
الثابت والمتغير في العلاقات الإماراتية المغاربية
ما هي طبيعة العلاقات الإماراتية مع دول المغرب العربي؟

خاص كيو بوست – كتب رشيد العزوزي
تكتسي علاقة دولة الإمارات العربية المتحدة مع دول المغرب العربي أهمية خاصة بالنسبة لأبو ظبي؛ رغبة منها في تقاسم تجربتها الرائدة مع الدول المغاربية، رغم تفاوت حضورها من دولة إلى أخرى، لأسباب سياسية بالدرجة الأولى، إلا أنها مع ذلك تبقى على العموم محركًا اقتصاديًا مهمًا في شمال إفريقيا، ولاعبًا سياسيًا أساسيًا في المنطقة، حاضرًا بقوة على جميع الأصعدة، خدمة للمصالح المشتركة العليا لجميع الأطراف.
تمثل الإمارات العربية المتحدة اليوم نموذجًا تنمويًا حديثًا لدول المغرب العربي؛ نظرًا لما أظهره هذا البلد الخليجي من قدرة عجيبة على تسخير موارده بطريقة مبتكرة وخلاقة وتنافسية، انخرط من خلالها مبكرًا في الاقتصاد العالمي، ليعلن عن نفسه مركزًا إقليميًا ودوليًا للتجارة والسياحة والمال والأعمال، في جو يسوده الأمن والتسامح مع الثقافات والمعتقدات الوافدة.
عام 1971، وحّد الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان 7 إمارات منعزلة، معلنًا عن ولادة دولة منفتحة وقوية، قادرة على بناء اقتصاد غير ريعي، رغم أن بدء تصدير النفط بها يعود إلى عام 1962.
وقد استطاعت الإمارات العربية الوصول إلى ما وصلت إليه، نتيجة دبلوماسية نشطة ومرنة، عملت بموجبها على تصفير مشاكلها مع مختلف دول العالم، لصالح التعاون في مجالات عدة، كما هو حاصل مع دول المغرب العربي.
الإمارات والمغرب: علاقات متجذرة ذات أبعاد إستراتيجية
ترجع جذور العلاقات بين المملكة المغربية ودولة الإمارات العربية المتحدة إلى عقود مضت، وضع لبناتها الأساسية الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والملك الحسن الثاني. وتصلبت العلاقة في عهد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة والملك محمد السادس، اللذين تتطابق وجهات نظرهما في أغلب القضايا الإقليمية والدولية.
الزيارات التي لا تكاد تنقطع بين القيادة العليا للبلدين، عادة ما يتم خلالها توقيع اتفاقيات استثمارية بالملايين، وفي القطاعين العام والخاص، وصلت مؤخرًا إلى أكثر من 60 اتفاقية تعاون تغطي مختلف المجالات، انطلاقًا من الصناعة والفلاحة، ومرورًا بالسياحة؛ بما في ذلك الاتفاقيات الثلاث التي وقع عليها وزير الفلاحة والصيد البحري عزيز أخنوش مع مستثمرين إماراتيين، بقصد إنجاز مشاريع في القطاع الفلاحي باستثمارات إجمالية بلغت 407 مليون درهم.
كما أن الإمارات العربية تخصص قسمًا كبيرًا من وظائفها الخاصة بالعمالة الأجنبية للمغاربة، مساهمة منها في حل مشكلة البطالة، التي تؤرق الدولة المغربية.
وعلى المستوى الاجتماعي تنتشر في البلاد طولًا وعرضًا مؤسسات إماراتية عدة، أبرزها مستشفى صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان في الدار البيضاء، الذي يعد أكبر مؤسسة استشفائية في القارة الإفريقية.
وبلغت صادرات المغرب (من الملابس والسيارات…) في اتجاه الإمارات العربية المتحدة حوالي 217.35 مليون درهم سنة 2015، في حين أن وارداته (من المعادن والألمنيوم والتمور…) من هذا البلد الخليجي وصلت إلى 2.44 مليار درهم سنة 2014، حسب تقارير رسمية.
كل ذلك وغيره جعل من الإمارات أول مستثمر عربي، وثالث مستثمر أجنبي مباشر في المغرب، حسب وكالة المغرب العربية للأنباء.
الإمارات والجزائر: آفاق استثمارية رحبة ومتنوعة
رغم اختلاف التقدير السياسي بين البلدين الشقيقين الجزائر والإمارات، في بعض الملفات، كالموقف من جبهة البوليساريو وحزب الله، وعدم انخراط الجزائر في التحالف العسكري في اليمن، فضلًا عن موقفها من التدخلات الإيرانية في المنطقة العربية، فإن العلاقة بين الطرفين ظلت أخوية على الدوام، وتتطور بسرعة في المجالات السياسية التجارية والاستثمارية، منذ سنة 1974.
وحسب وكالة الأنباء الإماراتية، فقد شهدت حركة التبادل التجاري بين البلدين نموًا مضطردًا خلال السنوات الأخيرة، لاسيما بعد الزيارات المتبادلة بينهما؛ فقد ارتفع حجم التبادل التجاري من 20 مليون دولار في العام 1999 إلى 200 مليون دولار في عام 2004.
وتصدّر الإمارات إلى الجزائر الزيوت والمواد الاستهلاكية والملابس والإلكترونيات وقطع الغيار ومواد البناء والسيارات… كما تستثمر بقوة في مجال الاتصالات؛ في حين تستورد منها التمور وزيوت التشحيم ومواد صناعية وغيرها.
الإمارات وليبيا: مساهمة في دحر الإرهاب ومساعدات لبناء الدولة
ساهمت الإمارات العربية المتحدة بست طائرات من طراز “إف – 16″، وست طائرات من طراز “ميراج”، لخلق منطقة حظر الطيران في ليبيا، ناهيك عن عن طائرات “آباتشي” و”شينوك” وطواقمها للبحث والإنقاذ؛ بعدما أصبح تهديد القذافي لشعبه بالإبادة التامة حقيقًا، وغدا التدخل الدولي مطلبًا شعبيًا، زيادة على الدعم السياسي والإعلامي، والمساعدات الإنسانية واللوجيستية.
وفي هذا السياق، اندرجت زيارة وزير الخارجية الإماراتي “عبد الله بن زايد آل نهيان” إلى طرابلس، في 22 ديسمبر/كانون الأول 2011، التي تعد أول زيارة لمسؤول عربي رفيع المستوى بعد الثورة، هدفت إلى بدء صفحة جديدة في علاقات البلدين، تم خلالها توقيع مذكرتي تفاهم؛ واحدة تهم التشاور السياسي بين وزارة الخارجية الليبية والإماراتية، وثانية مهمتها تفعيل “اللجنة المشتركة الليبية – الإماراتية”، برئاسة وزيرا الخارجية في البلدين.
ومن بين نتائج هذه المشاورات، تدشين خط طيران الاتحاد (أبو ظبي-طرابلس)، والعمل على توسيع دائرة الشراكة بين البلدين في المجالات كافة؛ إذ تتطلع ليبيا إلى استثمارات إماراتية بــ100 مليار دولار، حتى يساير الاقتصاد جودة العلاقات السياسية؛ خصوصًا إذا علمنا أن ليبيا واحدة من أسرع الأسواق نموًا في اتحاد المغرب العربي؛ إذ سجلت معدل نمو أقوى في ناتجها الإجمالي المحلي؛ بلغ 8٪، ومعدل نمو حقيقي بلغ 2.1٪ خلال العام الماضي، ما يجعلها من أبرز الوجهات الاستثمارية التي يمكن أن تعول عليها الإمارات.
ولما كادت تتحول ليبيا إلى أفغانستان جديدة بفعل توافد جماعات إرهابية عدة، كان أبزها “تنظيم داعش”، انحازت الإمارات إلى المؤسسة العسكرية الوطنية، إيمانًا منها بأنها الجهة الوحيدة القادرة على جعل ليبيا تقف على قدميها مرة ثانية. لذلك، قدمت الإمارات مختلف أنواع الدعم للجيش الوطني الليبي وقائده “خليفة حفتر”، الذي استطاع دحر جماعات إرهابية عاثت فسادًا في البلاد، وكادت تحولها إلى دولة فاشلة تمامًا، وبفضل هذا الدعم حرر منها مدنًا ومناطق إسترتيجية في أفق تحرير البلاد بأكملها، واسترجعت الدولة بعض مقوماتها.
القائد العام للجيش الوطني المشير خليفة حفتر
#عاجلالقائد العام للجيش الوطني المشير #خليفة_حفتر : نزف إليكم تحرير #بنغازي تحريرا كاملا غير منقوص#أخبار_ليبيا #ليبيا #218TV
Posted by 218TV on Wednesday, July 5, 2017
الإمارات وموريتانيا: تطور تدريجي ومستقبل واعد
تكتسي سنة 2013 أهمية خاصة بين البلدين، ففيها شيدت شركة أبو ظبي لطاقة المستقبل، محطات جديدة للطاقة الشمسية في جمهورية موريتانيا، بالتنسيق والتعاون مع الشركة الموريتانية للكهرباء.
وهكذا ستساهم المحطات الجديدة -التي تبلغ قدرتها الإنتاجية 16.6 ميغاواط موزعة على 8 مواقع- في مضاعفة مساهمة دولة الإمارات في الناتج الإجمالي للطاقة النظيفة في موريتانيا، لتصل إلى 31.6 ميغاواط.
الموضوع ذاته كان من بين الملفات التي نوقشت في الزيارة الأخيرة للشيخ محمد بن زايد آل نهيان، التي التقى فيها الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز.
ولتحسين المناخ الاستثماري وحمايته أكثر، وقعت الإمارات وموريتانيا سنة 2016، اتفاقيتين بشأن تجنب الازدواج الضريبي وحماية وتشجيع الاستثمار بين البلدين.
وفي ميدان التعاون الثقافي، أقامت الإمارات “كلية محمد بن زايد للدفاع” في نواكشوط، وأنشأت مراكز ثقافية مهمة كـ”بيت الشعر”، و”مجلس اللسان العربي”.
كل هذه المؤشرات الدالة على تطور التعاون الاقتصادي بين البلدين جعلت الإمارات العربية المتحدة تصبح من أهم الشركاء التجاريين لموريتانيا، بحجم واردات قياسي بلغ 318 مليون دولار عام 2017، بزيادة 26% مقارنة بالسنة التي سبقتها، في وقت وصلت نسبة صادرات موريتانيا إلى الإمارات حوالي 7 ملايين دولار في السنة نفسها.
الإمارات وتونس: مد وجزر
رغم قوة العلاقات الأخوية التي جمعت الإمارات بتونس على الدوام، فإنها مؤخرًا عاشت نوعًا من البرودة، منذ وصول حزب النهضة إلى الحكم لأسباب خفية وأخرى معلنة؛ أبرزها ارتباط حركة النهضة بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وطبيعة علاقتهما بإيران، التي لا يجد مؤسسها راشد الغنوشي أي حرج فيها، بل نوه بثورة الولي الفقيه سنة 1979 وفكر الخميني في أكثر من مناسبة، رغم جراح إيران الغائرة في جسد الأمة العربية، من بيروت إلى صنعاء، إلى عواصم عربية أخرى.
ومن الجانب التونسي، علق رئيس الجمهورية “الباجي قائد السبسي” سنة 2015، في الموضوع قائلًا: “لا وجود لأزمة ما تكبروش الحكاية… الوضع أن كل دولة تستعمل سيادتها والوضع ليس خاصًا بالتونسيين فقط بل بعديد الدول”.
قبلها عرفت العلاقات أزمة حقيقة في أيلول/سبتمبر 2013، استدعت معها الإمارات سفيرها في تونس على خلفية “تصريحات عدائية”، متتالية للرئيس التونسي السابق «المرزوقي».
وهو ما سارعت وزارة الخارجية التونسية لنفيه ببلاغ اعتبرت فيه هذه التصريحات لا مسؤولة على حد تعبيرها، مبرزة وقوف دولة الإمارات حكومة وشعبًا مع تونس على جميع المستويات.
ومع دخول الباجي قائد السبسي إلى قصر قرطاج، حاول التخلص من تركة “الترويكا” على أمل ضخ دماء جديدة حتى تعود العلاقات بين البلدين الشقيقين، كما كانت على الدوام، لا سيما أن هناك استثمارات كبرى للإمارات في تونس.