الواجهة الرئيسيةشؤون خليجيةشؤون دوليةشؤون عربية
التواطؤ القطري- الإيراني في دعم الإرهاب بالقرن الإفريقي
المكالمة الهاتفية التي جمعت رجل الأعمال المهندي بسفير قطر تؤكد حرص الدوحة على الإضرار بمصالح الدول المناوئة لها

كيوبوست
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز”، مؤخرًا، تفاصيل مكالمة هاتفية دارت بين رجل الأعمال القطري خليفة كايد المهندي، والسفير القطري في مقديشو حسن بن حمزة هاشم؛ إذ أكد الأول أن العملية الإرهابية في ميناء بوصاصو الصومالي، التي أعلنت حركة الشباب مسؤوليتها عنها، هدفت إلى تعزيز مصالح الدوحة.
ولم تنفِ قطر هذه التسجيلات، أو تشكك في صحتها، بل أكد تصريح مكتب الاتصال الحكومي، في بيان له، صحة هذه التسجيلات، مشيرًا إلى أن رجل الأعمال المذكور “لا يمثل الدوحة، وليس له الحق في إصدار تعليقات نيابة عن الحكومة”، وذلك رغم أنه من المعروف أنه مقرب من أمير قطر تميم بن حمد. كما أعلنت قطر أنها سوف تحقق معه، وسيتحمل تبعات مسؤولية تعليقه؛ في محاولة لدرء شبهة تورط قطر في دعم الإرهاب. غير أن البيان تجاهل حقيقة أن المهندي كان يتحدث إلى السفير القطري في مقديشو، والذي يمثل دولته؛ بل إن تجاوبه مع ما ذكره المهندي دون إدانته أو شجبه يكشف عن مواصلة الدوحة سياساتها التي لا تحيد عنها في دعم التنظيمات الإرهابية في الإقليم.
اقرأ ايضًا: شبهات حول تورط قطر في دعم انفصاليي أوكرانيا

ومن الغريب أن تتبع السياسة القطرية في الإقليم يكشف عن ملمح مهم، وهو أنها تتفق مع طهران في اتباع الأدوات نفسها، ممثلًا في توظيف الإرهاب، بل وفي دعم نفس التنظيمات الإرهابية أحيانًا، وإن اختلفت الأهداف الاستراتيجية لكلتيهما.
فقد كشفت تقارير الأمم المتحدة عن تورط طهران في دعم حركة الشباب الإرهابية، الموالية لتنظيم القاعدة. وأفاد خبراء من الأمم المتحدة، في تقرير رُفع مؤخرًا إلى مجلس الأمن، أن حركة الشباب تقوم ببيع كميات من الفحم المنتج في الصومال إلى الخارج؛ من خلال إرساله عبر إيران باستخدام شهادات منشأ مزورة، في خرق للحظر الدولي. ووفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، جَنَت حركة الشباب عائدات لا تقل عن 7,5 مليون دولار وفقًا لفرانس24.

أهداف متباينة
يسعى كلا البلدَين من خلال دعم نفس التنظيم الإرهابي في الصومال لتحقيق عدد من الأهداف؛ فبالنسبة إلى إيران تسعى طهران لتوظيف حركة الشباب للحصول على اليورانيوم، فقد حذَّر وزير الخارجية الصومالي في رسالة موجهة إلى السفير الأمريكي في الصومال، من أن قوات حركة الشباب استولت على مناطق في منطقة جالمودوج في الصومال؛ حيث يمكن الحصول على رواسب اليورانيوم، وأن حركة الشباب تتطلع إلى التنقيب عن ثلاثي أكسيد اليورانيوم؛ لنقله إلى إيران. ومن المعروف أن “الكعكة الصفراء” المستخدمة في المفاعلات النووية تتكون من نحو 70- 90% من أول أكسيد اليورانيوم، وعند معالجة وتخصيب الكعكة الصفراء، يمكن إنتاج اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة النووية.
اقرأ أيضًا: قطر.. كلمات فارغة وجيوب عامرة
ومن جهة ثانية، تطمح إيران إلى استخدام الصومال كأحد الممرات لتهريب السلاح إلى الحوثيين في اليمن، نظرًا لقرب موقع الصومال الجغرافي من اليمن، بالإضافة إلى إيجاد حلفاء محليين لها، ممثلين في حركة الشباب التي يمكن توظيفها ضد القوات الأمريكية والمصالح الغربية هناك؛ خصوصًا في حالة تم استهداف إيران أو مصالحها في الخارج.

أما قطر، فقد دأبت على توطيد علاقاتها بمختلف الأفرع الإقليمية لتنظيم القاعدة الأم، على نحو ما يتضح في علاقاتها بهيئة تحرير الشام، أو جبهة النصرة سابقًا في سوريا، والموالية لـ”القاعدة”، أو في علاقاتها بالتنظيمات القاعدية في ليبيا ومالي، بالإضافة إلى علاقاتها بحركة طالبان في أفغانستان. وتسعى الدوحة إلى استثمار هذه العلاقات؛ من أجل تعزيز نفوذها الإقليمي من خلال الدفع بهذه القوى لتصدر المشهد السياسي في دولها.
دعم الإرهابيين للوصول إلى الحكم
رغم القول إن سياسة الدوحة ترتكز على محاولة إيصال الإرهابيين إلى سُدة الحكم قد يعتبره البعض مبالغًا فيه؛ فإن الواقع العملي يؤكد اتباع الدوحة هذه السياسة، ومن الأمثلة في هذا الإطار استضافة عدة جولات من المفاوضات بين حركة طالبان الأفغانية والحكومة الأمريكية، والتي تهدف من خلالها واشنطن إلى سحب القوات الأمريكية من أفغانستان مقابل تعهُّد الأخيرة بتحجيم تنظيم القاعدة الأم ومنعه من استهداف المصالح الأمريكية حول العالم، بالإضافة إلى إبرام اتفاق سلام بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان؛ بما يسمح للأخيرة بالمشاركة في السلطة.
والمثال الثاني على هذه السياسة هو إعلان زعيم جبهة النصرة بصورة حصرية لقناة “الجزيرة” القطرية، في يوليو 2016، فك ارتباطه عن تنظيم القاعدة الأم في أفغانستان، وهو الخطوة التي رعتها الدوحة، وحثَّت التنظيم عليها؛ من أجل تقديمه إلى الغرب كتنظيم معتدل، ومن ثَمَّ الاعتراف به كمعارضة مسلحة مشروعة، وطرحه كبديل لنظام بشار الأسد، وهي الخطوة التي رفضتها الولايات المتحدة والغرب عمومًا.
اقرأ أيضًا: قطر تُمَوِّل الإرهاب.. بالوثائق السرية والرسمية وبيانات الإنتربول ووسائل الإعلام
أما في ليبيا، فقد وظَّفت قطر تنظيم الجماعة المقاتلة الليبية؛ من أجل محاربة نظام القذافي، وأمدَّته بالسلاح الأمريكي، وفور سقوطه دعمت زعيمه السابق عبد الحكيم بلحاج ماليًّا وسياسيًّا؛ لكي يؤسس حزبًا سياسيًّا تحت اسم “الوطن”، وسوَّقته إلى القوى الغربية باعتباره وجهًا معتدلًا، وعندما أخفق حزبه في الفوز في الانتخابات الليبية البرلمانية، كما أخفق الإخوان المسلمون في الحصول على أغلب مقاعد البرلمان الليبي، عمدت الدوحة إلى دعم التنظيمات الإرهابية للاستيلاء على السلطة في طرابلس، ومنع البرلمان المنتخب من تولِّي الحكم.
ولا تختلف الأهداف القطرية في الصومال عما سبق، وتحديدًا إيصال حركة الشباب إلى الحكم، ولعل نشر مركز “الجزيرة” للدراسات، دراسة باللغة الإنجليزية في عام 2012، يدعو فيها إلى التفاوض مع حركة الشباب الصومالية، بمثابة مؤشر ثانٍ على دعم الدوحة هذه السياسة؛ خصوصًا أن الدراسة المذكورة ترجح أن تقوم قطر أو تركيا بلعب دور الوسيط بين الحكومة الصومالية وحركة الشباب.. ويكشف ما سبق عن أن سياسة الدوحة في الإقليم لم تتغير أو تتخلَّى عن إيصال التنظيمات الإرهابية إلى الحكم في البلدان العربية، وتقديمها كوجه معتدل؛ لتعزيز نفوذها الإقليمي.

وفي ضوء القراءة المتأنية لسياسة طهران والدوحة، نكتشف أن دعم طهران للإرهاب في الصومال هو هدف تكتيكي، في حين أنه يظل بالنسبة إلى الدوحة هدفًا استراتيجيًّا، لم تحِد عنه على الرغم من كل الادعاءات القطرية بوقف دعمها للتنظيمات الإرهابية، أو حتى نفي صلتها بها من الأساس. ولعل هذا التعاون التكتيكي الذي يجمع بين طهران والدوحة في دعم التنظيمات الإرهابية هو ما يفسِّر لنا أسباب قرب العلاقات القطرية- الإيرانية، وتفهُّم الدوحة الدائم لسياسة طهران المثيرة للاضطرابات الإقليمية، بل ودعوتها دائمًا إلى التفاوض معها رغم ذلك.
وفي الختام، فإن المكالمة الهاتفية التي جمعت رجل الأعمال المهندي بسفير قطر، لا تعدو إلا أن تكون تأكيدًا على حرص الدوحة الدائم على الإضرار بمصالح الدول المناوئة لها، وتوظيف الإرهاب؛ سواء للإضرار بمصالحها أو لتعزيز نفوذها الإقليمي، فكلاهما وجهان لعملة واحدة في السياسة القطرية.