الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

التهديد المتنامي لذراع إيران “المفضلة” في العراق (2 – 2)

تكمن مشكلة كتائب "حزب الله" والتنظيمات المشابهة في حقيقة أن كبار علماء الدين الشيعة في النجف -حيث توجد إحدى كبرى الحوزات الشيعية تأثيراً- لا يؤمنون بهذه العقيدة

كيوبوست – ترجمات

حمدي مالك♦

تضع كتائب “حزب الله” قضية استقطاب الشباب في أول قائمة أولوياتها؛ فهي لم تكتفِ بإنشاء جمعية كشافة الإمام الحسين، للقيام بنشاطات اجتماعية بهدف تجنيد “أجسام” مستقبليين أوفياء وموثوقين؛ بل تقوم بتجنيد الشباب اليافعين للتجسس على القوات الأمريكية. وقد طلبت قناة “صابرين” التابعة لكتائب “حزب الله”، على تطبيق “تيليغرام”، من العراقيين الانضمام إلى خلايا الظلّ التابعة لكتائب “حزب الله”. وجاء في رسالتها التي ظهرت في 21 أغسطس ثم أُزيلت: “كن مُقاوماً من حيث أنت، وانضم إلى خلايا الظل لإرسال صور ومقاطع مصورة أو معلومات عن أي تحركات للعدو الأمريكي”. المجموعات الموالية لإيران هي جزء من محور المقاومة الذي تقوده إيران، الذي “يقاوم” سياسات أمريكا في الشرق الأوسط وإسرائيل وحلفائها في المنطقة. وقد حصد إعلان قناة “صابرين” 14.400 مشاهدة قبل أن يُحذَف في أوائل سبتمبر، وكان من الواضح أنه كان دعوة موجهة إلى الشباب العراقيين للانضمام إلى صفوف كتائب “حزب الله” من مدنهم وقراهم، وقناة لتجنيد مقاتلين مستقبليين.

اقرأ أيضاً: 4 تحركات تكشف خطة إيران لخطف البصرة وتهجير سكانها

المعركة الأيديـولوجيـة في البحث عن فقيه

عملت كتائب “حزب الله” على كسب الرأي العام إلى صفها، ولتحقيق ذلك أسست قنوات تليفزيونية وإذاعية وصحفاً ووكالات أنباء وقنوات وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي. وبالإضافة إلى ذلك، ينتج المركز الإعلامي لكتائب “حزب الله” مقاطع مصورة تبرز فيها صفات القوة والمناعة. كذلك أسست الميليشيا عدة مراكز ثقافية؛ معظمها في بغداد، وكذلك في المدن ذات الأغلبية الشيعية في الجنوب للنساء وطلاب الجامعات والأكاديميين وعائلات مقاتلي الكتائب الذين قتلوا في المعارك.

وتشكل فكرة ولاية الفقيه أحد المرتكزات الأساسية التي تركز عليها دعاية كتائب “حزب الله”؛ وهي الأيديولوجيا نفسها التي تقوم عليها السلطة الدينية الشيعية في إيران. وتعطي ولاية الفقيه دور القيادة السياسية للفقيه؛ مما يرسي أسس السلطة الدينية الشيعية. أسس هذه الأيديولوجيا ووضعها موضع التنفيذ آية الله روح الله الخميني، إبان الثورة الإيرانية عام 1979، ليصبح أول وليٍّ فقيه في إيران ما بعد الثورة. ووفقاً لقواعد ولاية الفقيه، فإنه لا يحق إلا لرجل دين شيعي بمواصفات خاصة أن يتولَّى قيادة المنظومة السياسية في البلاد. وحسب الدستور الإيراني، يقوم مجلس من كبار العلماء يُسمى “مجلس الخبراء”، باختيار علماء شيعة لمنصب المرشد الأعلى الذي يتمتع بسلطات حصرية ومطلقة في شؤون الدولة.

تكمن مشكلة كتائب “حزب الله” والتنظيمات المشابهة في حقيقة أن كبار علماء الدين الشيعة في النجف؛ حيث توجد إحدى كبرى الحوزات الشيعية تأثيراً، لا يؤمنون بهذه العقيدة. فقد أعرب آية الله علي السيستاني؛ المرجع الشيعي الأعلى في العراق، بوضوح، عن معارضته نظاماً سياسياً يحكمه رجال الدين. فهو يرى أن الدور الرئيسي لرجال الدين هو تقديم الإرشاد الديني لأتباعهم في ما يتعلق بحياتهم الشخصية، ويرى أن تنظيم حياة المواطنين هو أمر من مهام الدولة. ويعتقد السيستاني، مثل العديد من علماء النجف البارزين، أنه يمكنهم فقط التعليق من حين لآخر على المسائل السياسية، وأن الأمر متروك لأتباعهم في أن يأخذوا بآرائهم أو يتركوها. وهذه العقيدة متجذرة في الفكر الشيعي المحافظ في النجف منذ مئات السنين.

المرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله علي السيستاني- وكالات

لقد أدركت كتائب “حزب الله” والمجموعات الأخرى التي تدعمها إيران أن هذا الأمر يشكل عقبة رئيسية أمام المضي قدماً في تنفيذ المخططات الإيرانية في العراق وخارجه. لذلك تعمل مؤسساتهم على نشر أيديولوجيا ولاية الفقيه. وإحدى المؤسسات التابعة لكتائب “حزب الله” التي تعمل على نشر هذه العقيدة هي “مركز الهدف للأبحاث” الذي يقوم، من ضمن العديد من نشاطاته، على إقامة ورشات عمل للكوادر العاملة في مختلف المؤسسات المرتبطة بكتائب “حزب الله”. ونظراً لأن أعضاء محور المقاومة يؤمنون بالطبيعة العالمية لحركتهم؛ فإن ورشات العمل تعِد بمساعدة المشاركين فيها في “الوصول إلى المكانة الرفيعة التي يستحقونها في الحركة العالمية“، ويوظَّف جزء كبير من هذه الورشات لترسيخ مبدأ ولاية الفقيه.

شاهد: فيديوغراف.. ميليشيا الحشد الشعبي دولة إيرانية داخل العراق

إن أحد أوجه الاختلاف الرئيسية بين أيديولوجيا ولاية الفقيه ومدرسة النجف، هو أن الأولى لها أطماع عالمية. فبينما سارعتِ الميليشيات العراقية الموالية لإيران؛ بما فيها كتائب “حزب الله” إلى الدفاع عن نظام الأسد تحت قيادة “فيلق القدس” بعيد اندلاع الحرب في سوريا عام 2011، عارض السيستاني إرسال قوات إلى سوريا للقتال إلى جانب نظام الأسد. ومن أجل الحفاظ على مستقبلها في العراق وتوسيع نفوذها في المنطقة، فإن كتائب “حزب الله” والتنظيمات المشابهة كان عليها أن تعمل على نشر مبدأ ولاية الفقيه؛ لإضفاء الشرعية الدينية على طموحاتها. وقد أخبرتني مصادر في الحشد الشعبي أن كتائب “حزب الله” قد أسست مدارس دينية يتضمن منهاجها تكريس مبدأ ولاية الفقيه. ومن ناحية أخرى، هي أيديولوجية ثورية أسست لحركة إسلامية عابرة للحدود، لها أتباع في أفغانستان وباكستان واليمن والعراق وسوريا ولبنان.. وغيرها من الدول. ومن المهم جداً لكتائب “حزب الله” والتنظيمات المشابهة لها العمل على أن تستبدل بأيديولوجيا النجف ولاية الفقيه في العراق.

اقرأ أيضاً: ماذا يعني تهديدكتائب سيد الشهداءالعراقية بالمشاركة في الحرب اليمنية؟

ترقب عودة الإمام الثاني عشر

إن أيديولوجيا كتائب “حزب الله” ليست عالمية فحسب؛ بل هي الخاتمية أو النهائية (أبوكاليبتيك). (أبوكاليبتيك، صفة من أبوكاليبس؛ وهي كلمة ذات أصل يوناني، تعني رفع الغطاء، أو “كشف الحجاب”. وهي تشير عادة إلى نهاية العالم، أو كشف نهاية العصر. ويرى أصحاب هذا المذهب أن الله سيدمر الشر ويملأ الأرض خيراً وعدلاً- المترجم)، فهي ترى لنفسها دوراً في تمهيد الطريق لعودة حكم المهدي المروعة؛ بمعنى أنها ترى العالم من منظور نهاية العالم القادمة. القسم الأكبر من المسلمين الشيعة هم من أتباع الشيعة الاثني عشرية، وترجع هذه التسمية إلى أن أتباع هذا المذهب، وهو يشكل غالبية الشيعة في إيران والعراق، يؤمنون بأن 12 إماماً من أحفاد النبي محمد، هم خلفاؤه الحقيقيون، وهم الأئمة المعصومون. ويؤمنون بأن الإمام الأول قد اغتيل على يد جماعة متمردة؛ بينما قُتل الأئمة العشرة الذين تلوه على يد حكام ذلك الوقت، وعندما وضعت الخطط لقتل الإمام الثاني عشر، ويُدعى “المهدي”، دخل بمشيئة الله في ما يُعرف بـ”الغيبة”. ويعتقدون أن المهدي سيظهر قبيل نهاية العالم؛ “ليملأ الدنيا عدلاً”. وقد أدخلت كتائب “حزب الله” والعديد من الميليشيات التي تدعمها إيران هذه الأيديولوجيا في عقيدتها. وتعرِّف كتائب “حزب الله” نفسها على موقعها الإلكتروني بأنها “مجموعة مقاومة جهادية إسلامية.. تحاول إقامة حكم الإسلام.. بما يؤدي إلى تأسيس حكم إلهي عادل تحت قيادة المهدي”، وتواصل قولها بأن التأسيس لحكم المهدي يتطلب عملاً جاداً، وإن ولاية الفقيه هي الطريق الأمثل للاستعداد للعالم المليء بالعدل الذي سوف يأتي.

صواريخ إيرانية في حوزة مجموعات عراقية موالية لإيران- “ميسايل ثريت”

ووفقاً لبعض النصوص الدينية الشيعية، فإن الأراضي المقدسة في بلاد الشام؛ بما فيها فلسطين، وكذلك شبه الجزيرة العربية، سوف تشهد ظهور شخصيات شريرة، مما يؤدي إلى ظهور الإمام الثاني عشر. بالنسبة إلى كتائب “حزب الله”، فإن إيران تلعب الدور الرئيسي في عودة المهدي من غيبته. ويستعمل جاسم الجزائري؛ رجل الدين المؤثر في كتائب “حزب الله”، مصادر دينية متعددة؛ ليبرهن على أن الإيرانيين هم مَن يقود المسيرة تمهيداً لعودة المهدي، ولذلك يجب على العراقيين أن يدينوا بالولاء لإيران. وهذا ما يفسر أيضاً حرص “مؤسسة النخبة الأكاديمية” التابعة لكتائب “حزب الله” التي تستقطب الطلاب والأكاديميين لخدمة قضيتها، على تعليم اللغة الفارسية لأعضائها.

اقرأ أيضاً: ميليشيات الحشد الشعبي.. دولة إيرانية داخل الدولة العراقية

سيطر على السرديات.. تسيطر على العالم

لدى كتائب “حزب الله” طموحات كبيرة؛ فقادتها قد أوجدوا منظمة سرية إلى أبعد الحدود، تقوم على عقيدة مفروضة وتتمتع بنظام هرمي تسلسلي صارم ومسلحة بأسلحة وتدريب نوعيَّين لمجموعاتها المقاتلة؛ وهي تبسط سيطرتها تدريجياً على سرديات المقاومة في العراق، وتحاول وضع نفسها في منزلة أعلى من بقية المجموعات التي تدعمها إيران، ولا تجد غضاضة في انتقاد هذه المجموعات لناحية صدقها أو شجاعتها في العمل المقاوم. عندما توافقت معظم الكتل البرلمانية؛ بما فيها تلك التي تمثل ميليشيات رئيسية في المقاومة على تسمية الكاظمي لمنصب رئيس الوزراء، اتهمتها كتائب “حزب الله” بـ”خيانة تاريخ العراق“. فبالنسبة إلى المجموعات الشيعية الموالية لإيران، فإن التاريخ العراقي يتمثل بشكلٍ رئيسي في مقاومة الظالمين؛ بما في ذلك الثورة العراقية عام 1920 ضد الإمبراطورية البريطانية، والولايات المتحدة بالنسبة إليهم هي رمزٌ للقمع. واختيار رئيس وزراء مثل الكاظمي الذي يرونه موالياً للولايات المتحدة يعد خيانة لهذا التاريخ. وتعمل كتائب “حزب الله” على وضع معايير أعلى لمجموعات “المقاومة الحقيقية”، وتهاجم المجموعات التي لا ترتقي إلى معاييرها وتتهمها بالخيانة. وهذا ما يزيد تكلفة أية تسويات مستقبلية قد تقوم بها هذه المجموعات. كما أن كتائب “حزب الله” تقدم نفسها على أنها المثال الذي يُحتذى به في تبنِّي معايير أعلى ونهجٍ أكثر تشدداً.

اقرأ أيضاً: مراقبون لـ”كيوبوست”: ميليشيا “حزب الله” في العراق تخطط لشن هجوم على دول مجاورة

وقد برهنت كتائب “حزب الله” عن تجاهلها المطلق لسلطة الحكومة وميلها إلى التطرف في إرهاب السياسيين العراقيين. فعندما اعتقل جهاز مكافحة الإرهاب العراقي 14 عنصراً من مقاتليها، في يونيو، بتهمة التخطيط لإطلاق صواريخ على المنطقة الخضراء، حشدتِ المجموعة نحو 150 مقاتلاً توجهوا إلى مقر إقامة رئيس الوزراء، وأجبروه على إطلاق سراح المعتقلين. لا تمتلك أيٌّ من الميليشيات الموالية لإيران مثل هذه القوة في التأثير على قرارات رئيس الوزراء إلى هذا الحد. إلا أن هذا لا يعني أن رئيس الوزراء العراقي لن يتخذ في المستقبل أي قرارات تعارضها كتائب “حزب الله”؛ بل هو إشارة إلى التأثير المتزايد للقوة العسكرية على الطبقة السياسية، سواء من خلال الضغط على الميليشيات الأخرى المنخرطة في العملية السياسية أو من خلال التهديد المباشر لكبار المسؤولين. ومن خلال هذه التصرفات تعطي كتائب “حزب الله” إيران نفوذاً هائلاً على الطبقة السياسية، وهذا يعتبر هدية قيمة لإيران لا تستطيع أية مجموعة أخرى موالية لإيران تقديمها.

اقرأ أيضاً: دعم واسع في العراق لعمليات “مكافحة الإرهاب” ضد ميليشيا “حزب الله”

كيف يمكن الحد من تأثير كتائب “حزب الله”؟

يبدو أن السبب في عدم اتخاذ رئيس الوزراء العراقي إجراءاتٍ حاسمة حتى الآن ضد كتائب “حزب الله” هو خشيته من تسبب مثل هذه الإجراءات في المزيد من زعزعة الاستقرار في البلاد؛ ولكن على هذه الوتيرة وبالمسار الذي تتخذه كتائب “حزب الله”، فإن البلاد تتجه نحو الفوضى العارمة في جميع الأحوال. يعتقد العديد من السياسيين الشيعة في العراق أنه في حال فشل الحكومة في إخضاع التنظيمات العسكرية لسلطة الدولة العراقية، فإن البلاد ستشهد حرباً أهلية أخرى ستكون هذه المرة بين الشيعة أنفسهم. ولتجنب هذا السيناريو القاتم، يجب على الحكومة أن تبدأ فوراً في تقليص نفوذ كتائب “حزب الله” في قوات الحشد الشعبي. أعربتِ المجموعات الموالية للسيستاني في الحشد الشعبي، صراحة، عن استيائها من الهيمنة الإيرانية داخل قوات الحشد الشعبي من خلال كتائب “حزب الله”، وأعلنت انشقاقها عن قوات الحشد الشعبي، واستعدادها لتسهيل المزيد من الانشقاقات. وهذا أكثر ما تخشاه الميليشيات الموالية لإيران. قال قيس الخزعلي؛ قائد عصائب أهل الحق، التنظيم المتطرف الموالي لإيران، في مقابلة له في شهر يونيو، إن ذلك الانشقاق إذا ما حدث فسوف يحمل معه نهاية قوات الحشد الشعبي. يجب على رئيس الوزراء أن يستفيد من تهديد الانشقاقات المتزايدة في تنويع سلسلة قيادة قوات الحشد الشعبي من خلال تعيين قادة أكثر وطنية.

مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء العراقي – وكالات

كما ينبغي على الكاظمي أن يحد من النشاطات الاقتصادية لكتائب “حزب الله”؛ فهذه الميليشيا تحرص على زيادة وتنويع مصادر دخلها من خلال اختراق قطاعات اقتصادية عدة؛ مثل قطاع البناء والزراعة والنفط والتجارة غير المشروعة عبر الحدود مع سوريا، والابتزاز واستغلال مزاد العملات العلني سيئ السمعة للبنك المركزي. وقد اتخذ الكاظمي بعض الخطوات للحد من الفساد على النقاط الحدودية؛ بهدف حرمان مجموعات مثل كتائب “حزب الله” من عائداتها، إلا أن هذه الخطوة لم تحقق الكثير من النجاح حتى الآن.

اقرأ أيضاً: هل يستطيع الكاظمي إنهاء هيمنة الميليشيات على المنافذ الحدودية؟

كما أن حرمان كتائب “حزب الله” من مناطقها الآمنة يعتبر أيضاً عاملاً أساسياً للتخفيف من قبضتها على البلاد. تحرص كتائب “حزب الله” على منع أية جهة حكومية من الدخول إلى مناطقها في بغداد وجرف الصخر والشريط الحدودي مع سوريا، وهذا الوضع يجب أن ينتهي، وإلا فسوف تتمكن الكتائب من استعمال هذه المناطق للاستمرار في بناء قوة موازية يمكنها أن تتحدى قوات الأمن العراقية إلى حد كبير، وأن تجر العراق أكثر باتجاه صراع إقليمي مدمر.

♦محلل متخصص في شئون الشرق الأوسط

المصدر: وور أون ذي روكس

لقراءة الجزء الأول: اضغط هنا

اتبعنا على تويتر من هنا

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة