الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

التهديد الكوري الشمالي الجديد.. خطر حقيقي يواجه العالم

كيوبوست- ترجمات

في هذا التحليل تحاول الباحثة السابقة في مجلس الأمن القومي الأمريكي ووكالة الاستخبارات الأمريكية سو مي تيري، تقديم رؤيتها للتهديد الذي يمثله برنامج كوريا الشمالية التسليحي النووي على الولايات المتحدة والعالم. ومن منطلق عملها مديرة لبرنامج آسيا في معهد ويلسون، توضح تيري تفاصيل ونقاط مهمة قد تغيب أحياناً عن صناع القرار، في ظل العديد من التطورات غير المتوقعة التي يمر بها العالم، والتي دفعت، وفقاً لتيري، العديد من دول العالم إلى تجاهل برنامج الأسلحة النووية لكوريا الشمالية خلال عام 2022 على الرغم من نهوضها بما يقرب من 100 تجربة صاروخية؛ وهو رقم يعد قياسياً.

في نوفمبر 2022، أطلق النظام صاروخ هواسونغ- 17 الباليستي عابر القارات، والمحمل برؤوس حربية متعددة، والقادر على الوصول إلى الولايات المتحدة. بعد شهر من هذه التجربة، أشرف الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون، شخصياً، على اختبار محرك صاروخي قوي يعمل بالوقود الصلب؛ وهي قدرة جديدة تعتبر إضافة كبيرة للقدرات الكورية الشمالية، لأن صواريخ الوقود الصلب يمكن إطلاقها بسرعة أكبر من الصواريخ التي تعمل بالوقود السائل.

اقرأ أيضًا: لماذا تصعّد كوريا الشمالية من استفزازاتها العسكرية؟

تقديرات متخاذلة لخطر متفاقم

على الرغم من هذه التطورات التي تصب في صالح كوريا الشمالية؛ فلم تكن هذه الدولة ضمن أولويات السياسة الخارجية الأمريكية في السنوات الأخيرة، رغم أنها شكَّلت تهديداً متزايداً منذ عام 2006 عندما قامت بأول اختبار نووي لها. واللافت هو تراجع الجهود الدولية لإبطاء برنامجها النووي أو إيقافه، وقد فشلت الولايات المتحدة في إنهاء برنامج الأسلحة النووية في قمة 2019 في هانوي بين كيم ودونالد ترامب. ومن جانبها، لم تتوصل إدارة بايدن إلى أية أفكار جديدة حول كيفية تحقيق ذلك.

الرئيس الأمريكي جو بايدن

قد يكون مرد هذا السلوك جزئياً، وفقاً لتيري، انشغال الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين بمخاوف ملحة أخرى مثل الحرب في أوكرانيا، من جانب آخر قد يكون الغرب أصبح معتاداً على التهديد الكوري الشمالي. هذا النقص في الانتباه أمر خطير، يزيد من حدته تسارع مرات التجارب والمؤشرات الأخرى التي تشير إلى أن جهود بيونغ يانغ لبناء أسلحة الدمار الشامل تتوسع وتتطور بسرعة.

إن سعي كوريا الشمالية لامتلاك صواريخ تعمل بالوقود الصلب يعطي مؤشراً واضحاً على أهدافها الحالية. جميع الصواريخ الباليستية العابرة للقارات الثلاثة التي اختبرتها كوريا الشمالية حتى الآن: هواسونغ 14، و15، و17؛ تعمل بالوقود السائل. الجهود الكورية الشمالية المبذولة في هذا الصدد تعتبر تنفيذاً للخطة الخمسية التي وضعها النظام في يناير 2021 في مؤتمره الثامن للحزب حينما أعلن أنه سيكشف قريباً عن صواريخ باليستية عابرة للقارات تعمل بالوقود الصلب يمكن إطلاقها من البحر والأرض. يبدو الآن أن بيونغ يانغ تحرز تقدماً سريعاً نحو هذا الهدف؛ فلقد تمكنت من إطلاق صواريخ باليستية قصيرة المدى في السنوات الأخيرة تستخدم الوقود الصلب. من المتوقع الآن أن تجري كوريا الشمالية المزيد من اختبارات محركات الوقود الصلب على صواريخ أكبر. تشمل هذه الاختبارات المحتملة صاروخاً باليستياً “Pukguksong” يُطلق من الغواصات أو صاروخاً باليستياً عابراً للقارات يعمل بالوقود الصلب. حذرت شقيقة كيم كيم يو جونغ، مؤخراً، من أن الأخير قد يتم اختباره على مسار طويل المدى نحو الولايات المتحدة.

كيم يونغ أون- أرشيف

كوريا الشمالية تهدد بشكل صريح باستخدام الأسلحة النووية!

إذا كانت اختبارات الصواريخ هذه ليست مثيرة للقلق بدرجة كافية؛ فهناك العديد من المؤشرات على أن بيونغ يانغ ستجري قريباً تجربتها النووية السابعة، وفيها ستستخدم رأساً حربياً نووياً تكتيكياً للاستخدام في ساحة المعركة؛ وهو سلاح من شأنه أن يزيد من التهديد الذي تشكله كوريا الشمالية على اليابان وكوريا الجنوبية، وكذلك على القوات الأمريكية المتمركزة في كلا البلدَين. وقد أوضحت صور الأقمار الصناعية على سبيل المثال، أن موقع اختبار Punggye-ri، الواقع في تضاريس جبلية شمال بيونغ يانغ، وعلى مقربة من الحدود مع الصين، جاهز لمثل هذا التفجير في أي وقت. اختبار رأس نووي تكتيكي سيكون أيضاً متسقاً مع أهداف تطوير الأسلحة التي أعلن عنها كيم.

وتؤكد تيري، في تحليلها، أن كوريا الشمالية أثبتت بالفعل قدرتها على نشر أسلحة نووية تكتيكية خلال العام الماضي. ففي سبتمبر وأكتوبر، أجرت سلسلة من الاختبارات لصواريخ قصيرة المدى، أحدها يحاكي إطلاق صاروخ نووي من منصة إطلاق تحت الماء وأخرى تتدرب على إطلاق رؤوس حربية نووية يمكن أن تستهدف مطارات في كوريا الجنوبية؛ لكن النظام لم يثبت بعد أنه طوَّر رأساً حربياً أصغر يمكنه تسليح هذه الصواريخ بها.

الصواريخ الباليستية

بالإضافة إلى التعزيز السريع لترسانة أسلحة الدمار الشامل لكوريا الشمالية، قام كيم أيضاً بتخفيض عتبة استخدامها. في سبتمبر، أعلنت كوريا الشمالية خمسة شروط ستبدأ بموجبها إجراءات استباقية يمكنها من بعدها توجيه ضربة نووية. اللافت أن هذه الشروط لا تشمل فقط تعرضها إلى التهديد بهجوم نووي وشيك، بل عندما يعتقد قادتها أن الاستعدادات قد تكون جارية لضربة غير نووية على القيادة الكورية الشمالية، أو هيكل القيادة النووية في كوريا الشمالية، أو أهداف استراتيجية مهمة لكوريا الشمالية. بمعنى أن كوريا الشمالية يمكنها اتخاذ قرار الحرب النووية إذا قررت أنه ليست لديها طريقة أخرى لمنع توسع حرب تقليدية إلى حرب تهدد بقاء النظام. من الواضح أن كيم يشير إلى أنه إذا تم توجيه ضربة استباقية تقليدية ضد كوريا الشمالية أو حتى بدا أنها وشيكة؛ فإنه يحتفظ بالحق في الرد باستخدام الأسلحة النووية. ومن ثم فكوريا الشمالية هي الدولة الوحيدة في العالم التي هددت بشكل صريح باستخدام الأسلحة النووية لأول مرة.

وترى الباحثة في هذا التحليل أن الولايات المتحدة وحلفاءها المقربين في آسيا لم يشرعوا في الرد الذي يمكن أن يردع كوريا الشمالية عن مسارها الحالي. جزء من القضية هو أن صانعي السياسة والمراقبين الغربيين ليسوا مهتمين بالتطورات الأخيرة كما ينبغي. على سبيل المثال، افترض بعض مراقبي كوريا الشمالية أن البرنامج لأغراض دفاعية فقط، وأن فورة الاختبارات في بيونغ يانغ هي مجرد وسيلة لتحديث ترسانتها؛ مما يسمح للنظام باستخدامها كوسيلة ضغط في المفاوضات المستقبلية للفوز بتخفيف العقوبات وامتيازات أخرى. مثل هذا المنطق يغفل الاحتمالات الأكثر إثارة للقلق. فقد يعتقد كيم أنه لو استخدم الأسلحة النووية بشكل استباقي ضد القواعد الكورية الجنوبية أو الأمريكية في المنطقة؛ فإن الولايات المتحدة لن ترد ما دامت قوة كوريا الشمالية الباليستية طويلة المدى العابرة للقارات تهدد الأراضي الأمريكية، وأنه بذلك ينجح في تقويض التحالف الأمريكي- الكوري الجنوبي؛ فلن تدافع عن كوريا الجنوبية إذا كانت بفعلها ذلك تخاطر بحرق المدن الأمريكية.

اقرأ أيضاً: ميزان القوى العسكرية بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية

الأمر الخطير، وفقاً لتيري، أن التاريخ يقدم أمثلة وافرة؛ سواء من الحرب العالمية الأولى إلى أزمة الصواريخ الكوبية، تشير إلى المواقف التي أدت فيها سلسلة من الحسابات الخاطئة أو كان من الممكن أن تؤدي إلى صراع كارثي. تخيل ماذا سيحدث إذا ضرب صاروخ كوري شمالي استهدف المياه الإقليمية لكوريا الجنوبية سفنَ صيد كورية جنوبية، مما أسفر عن مقتل البحارة الكوريين الجنوبيين. يمكن أن يأمر رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول، بضربة انتقامية محدودة؛ مما يؤدي إلى مزيد من التصعيد وإلى صراع أوسع. هذا ليس سيناريو بعيداً؛ ففي عام 2010، تصاعدت التوترات بين البلدَين بشكل كبير بعد أن أغرقت كوريا الشمالية السفينة الحربية الكورية الجنوبية تشونان. وعلى الرغم من أن لي ميونغ باك، رئيس كوريا الجنوبية، آنذاك، أظهر ضبط النفس تحت الضغط الأمريكي بعد الهجوم على تشونان؛ فإنه كان يمكن لمثل هذه المواجهة أن تخرج عن نطاق السيطرة بسهولة.

لي ميونغ باك

التهديدات الكورية الشمالية لا تتوقف على التسليح النووي فقط

التهديدات النووية والصاروخية ليست التهديدات الوحيدة من كوريا الشمالية التي تحتاج الولايات المتحدة وحلفاؤها الآسيويون إلى القلق بشأنها. فوفقاً لوزير الأمن الداخلي الأمريكي، سرقت كوريا الشمالية ما يقدر بمليار دولار من العملات المشفرة والعملة الصعبة في العامَين الماضيَين لتمويل برنامجها النووي للتعويض عن التكلفة الاقتصادية للعقوبات الدولية وإغلاق حدود كوريا الشمالية مع الصين خلال وباء كورونا، كما زادت من سرقة الإنترنت. في المستقبل، يمكن للقراصنة الكوريين الشماليين استخدام قدراتهم في مجال الأمن السيبراني للهجمات وكذلك السرقة.

الطائرات دون طيار هي مصدر قلق آخر؛ ففي 26 ديسمبر انتهكت كوريا الشمالية المجال الجوي الكوري الجنوبي؛ من خلال تحليق طائرات استطلاع دون طيار عبر الحدود لأول مرة منذ خمس سنوات. دخلت بعض الطائرات دون طيار الطرف الشمالي لمنطقة حظر الطيران البالغ طولها 2.3 ميل؛ المحيطة بالمكتب الرئاسي في سيول. دفع هذا التوغل الجنوب إلى التدافع بطائرات نفاثة وإطلاق طلقات تحذيرية وطائرات دون طيار في المجال الجوي لكوريا الشمالية.

يقول خبراء الأمن السيبراني إن ساحة الحرب السيبرانية ستغطي الكوكب بأكمله- “فورين أفيرز”

رد فعل دول الجوار ضد التهديدات

في أواخر ديسمبر، وافقت الجمعية الوطنية في كوريا الجنوبية على زيادة بنسبة 4.4% الإنفاق الدفاعي لعام 2023، وبذلك يصل إجمالي ميزانية الدفاع لسيئول العام المقبل إلى نحو 45 مليار دولار. وتشمل الزيادة تمويل قدرات الضربات الوقائية الجديدة وخطة بقيمة 440 مليون دولار؛ لمواجهة طائرات كوريا الشمالية دون طيار. وذهب الرئيس يون إلى أبعد من ذلك في يناير؛ حيث أعلن أنه في حال استمر التهديد النووي لكوريا الشمالية في النمو، فإن كوريا الجنوبية ستفكر في بدء برنامج الأسلحة النووية الخاص بها أو تطلب من الولايات المتحدة إعادة نشر الأسلحة النووية في شبه الجزيرة الكورية.

في الوقت نفسه، قامت اليابان بتغيير غير مسبوق في استراتيجيتها للأمن القومي؛ رداً على التهديدات المتزايدة من كل من كوريا الشمالية والصين. بموجب الخطة التي كشف عنها رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، في منتصف ديسمبر، ستزيد اليابان من إنفاقها الدفاعي بنسبة تبلغ 26.3% هذا العام، وأكثر من 50% على مدى السنوات الخمس المقبلة؛ مما يؤدي إلى تغيير تام في عقيدتها القائمة منذ عقود على تقييد الإنفاق الدفاعي إلى 1% من الناتج المحلي الإجمالي. وتخطط اليابان أيضاً للحصول على قدرات هجوم مضاد بعيدة المدى طالما تجنبتها؛ بما في ذلك عدة مئات من صواريخ توماهوك كروز أمريكية الصنع، التي يمكن أن تصل إلى أهداف في كل من الصين وكوريا الشمالية.

اقرأ أيضًا: صاروخ كوريا الشمالية الجديد قد يغير المعادلة العسكرية في شرق آسيا

تعتبر تيري أن المقاربات الجديدة في سيول وطوكيو هي خطوات مهمة لمواجهة التهديد الكوري الشمالي؛ لكن من الأهمية بمكان أن يتعاون كلا البلدَين بشكل وثيق مع الولايات المتحدة. وقد يشمل ذلك المزيد من التدريبات العسكرية المشتركة؛ مثل تلك التي أجرتها كوريا الجنوبية واليابان والولايات المتحدة في أكتوبر ونوفمبر، بما يشمله ذلك من تدريبات محاكاة لهجوم كوري شمالي.

ويجب على واشنطن أيضاً أن تتخذ خطوات لتعزيز المظلة الأمنية الخاصة بها في المنطقة. يجب على الولايات المتحدة إعادة تأكيد التزاماتها الدفاعية الجماعية القائمة على المعاهدات لكل من اليابان وكوريا الجنوبية، مع تعزيز قدرات الردع والدفاع الإقليمية بعدة طرق. من جانب آخر، على الولايات المتحدة العمل على زيادة صعوبة وصول كيم إلى العملة الصعبة التي يحتاج إليها لتمويل برنامج أسلحة الدمار الشامل الخاص به.

المصدر: فورين أفيرز

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة