الواجهة الرئيسيةترجمات

التهديد العثماني الجديد في “المتوسط” وشهية السلطان أردوغان للنفوذ

منذ أن أظهر أردوغان وجهه القومي الإسلامي فإن العقيدة العثمانية الجديدة تخفي أطماعًا في احتياطيات الغاز والنفط في البحر المتوسط.. وباتت تشكل تهديدًا رئيسيًّا ليس فقط لقبرص واليونان بل حتى بالنسبة إلى ليبيا ومصر وسوريا.. حيث تدعم أنقرة الجماعات الإسلامية الجهادية هناك

كيوبوست – ترجمات

ألكسندر ديل فال

يتم التعبيرعن الإسلاموية التركية أو “العثمانية الجديدة” كما يحلو للبعض وصفها بعدة وسائل؛ بعضها غير سلمي وبعضها الآخر يرتدي وجهًا حضاريًّا مسالمًا، لا سيما من خلال القوة الناعمة التركية التي يمكن تلمُّسها في الإنتاج السينمائي أو التليفزيوني، أو عبر التعليم داخل المدارس الدينية، أو حتى إرسال الدعاة وشبكات المساجد.

وتحاول تركيا أحيانًا التعبيرعن طموحها بأساليب أكثر عنفًا؛ كما يحصل اليوم من نشاط عسكري في قبرص واليونان، أو دعم الإسلاموية والجهادية في كلٍّ من سوريا وليبيا. كما تهدف تركيا إلى دعم الإخوان المسلمين وليس فقط هؤلاء المنتمين منهم إلى حركة حماس في غزة؛ بل يصل هذا الدعم حتى آسيا الوسطى والقوقاز، وهذا النشاط التركي يزداد حدَّةً في البلقان وبين الأقليات التركية المسلمة في أوروبا الشرقية.

اقرأ أيضًا: جنيف تكشف عن مسوَّدة اتفاق لوقف إطلاق النار.. وشكوك حول نيَّات أردوغان

للتستر على أعمال القرصنة وإلباسها نوعًا من “الشرعية”، سارعت الأوتوقراطية التركية، في نهاية نوفمبر 2020، إلى توقيع اتفاق مثير للجدل مع حكومة الاتحاد الوطني الليبي بزعامة فايز السراج؛ لترسيم الحدود البحرية، بهدف تأكيد سيطرتها على مناطق واسعة في شرق البحر المتوسط، من خلال تقديم مشروع قرار يأذن لأردوغان بإرسال جنود إلى ليبيا، وبعد التصويت عليه من قِبَل البرلمان التركي، اتخذ أردوغان خطوةً أعلى نحو التصعيد المسلح الذي يهدد بإشعال المنطقة بأسرها؛ بدءًا من البلدان الحدودية مع ليبيا (مصر والجزائر وتونس والسودان وتشاد والنيجر).

في بداية الأزمة السورية، نقل أردوغان، بدعم مالي ولوجستي من دولة قطر، قواته التي كانت تعمل لصالحه في سوريا والعراق، إلى الأراضي الليبية، جنبًا إلى جنب مع الآلاف من المتمردين “الإسلاميين” وحتى الإرهابيين من عناصر “القاعدة” و”النصرة”، وغيرهم من الجيوش التركمانية العثمانية؛ مثل كتائب “السلطان مراد”، واليوم وصل بالفعل عدة آلاف من الجهاديين السوريين إلى ليبيا.

تحالف تركيا وقطر تسبب في تدمير سوريا- “أ ف ب”

تحالف تركي- قطري

بمساعدة قطر، كانت تركيا هي الدولة التي أسهمت بأكبر قدر من النشاط في تدمير سوريا من خلال أربع طرق؛ أولًا: عبر كونها راعيةً لجماعة الإخوان المسلمين الإجرامية التي أرادت الاستيلاء على السلطة في سوريا. وثانيًا: من خلال تسليمها الأسلحة إلى الفصائل الإسلامية المختلفة. وثالثًا: عبر التدخل المباشر والعسكري في الصراع السوري. ورابعًا: من خلال تنظيم وتجنيد ونقل الآلاف من الإرهابيين الجهاديين الأجانب على طول حدودها مع سوريا.

خرجت الدولة السورية منتصرةً من هذه الحرب، إلا أن أردوغان تمكَّن من احتلال جزء من شمال شرق سوريا. الهدف الاستراتيجي والمعلن لأنقرة هو إنشاء منطقة عازلة آمنة، بعمق 30 كيلومترًا، وتمتد إلى مسافة 480 كيلومترًا من الفرات إلى الحدود العراقية؛ الغرض من هذه المنطقة كما بات معروفًا هو الترحيب بأكثر من ثلاثة ملايين ونصف مليون لاجئ سوري دخلوا تركيا خلال سنوات الحرب (بما في ذلك عديد من رجال الميليشيات الإسلامية)، وستكون على عاتق هؤلاء مسؤولية فصل الحدود التركية عن الأراضي التي سيطر عليها المقاتلون الأكراد بعد دحرهم تنظيم داعش.

اقرأ أيضًا: سوريا.. تنسيق عسكري سري بين الجيش التركي وجبهة النصرة في إدلب

إن علاقات أردوغان تبدو سيئة بنفس القدر مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الذي أطاح بالرئيس الإسلامي الراحل محمد مرسي، الحليف الكبير لأردوغان. تقوم أنقرة الآن بإيواء كل المعارضة الإسلامية المصرية، وتواصل تنفيذ أعمالها التخريبية؛ لزعزعة استقرار الدولة المصرية، ثم تدعم الجماعات الإسلامية المسلحة في شمال سيناء.

في الواقع، لم يقتنع أردوغان بعدم أحقيته في الحصول على احتياطيات الغاز الضخمة المكتشفة في المياه الإقليمية القبرصية التي تتصل بالمياه الإقليمية لليونان ومصر؛ اللتين أبرمت قبرص معهما اتفاقًا ثلاثيًّا. ففي فبراير 2018، اشتبكت عناصر تابعة لأنقرة مع زورق سريع لخفر السواحل اليوناني، كما تتخذ البحرية المصرية استعدادات بحرية قتالية ترابِط بشكل دائم في محيط حقل “ظُهر” النفطي، مؤلفة من حاملة طائرات الهليكوبتر “ميسترال أنور السادات” وعدة سفن أخرى؛ بما في ذلك الغواصات، وهناك احتمالات عدة للتصعيد بين أقوى بحريتَين في شرق البحر المتوسط​​، المصرية والتركية، قبالة سواحل قبرص وليبيا.

لا انسجام بين أوروبا وأردوغان- وكالات

نقاط ضعف أوروبية

تتلخص نقاط الضعف الأوروبية تجاه تركيا في أربع نقاط؛ أولًا: هناك مسألة الخطر الإرهابي الإسلامي على أوروبا، حتى لو أن الأمر قد استغرق وقتًا طويلًا، إلا أن القادة الأوروبيين يدركون الآن أن النظام التركي قد أقام علاقات وثيقة مع المنظمات الإرهابية الكبرى المنتشرة في العالم؛ بما في ذلك مع “داعش”.

خلال مؤتمر مشترك في لندن مع دونالد ترامب، في 3 ديسمبر 2019، صرَّح الرئيس الفرنسي ماكرون، بوضوح: “عندما أنظر إلى تركيا، فإنها تقاتل الآن أولئك الذين قاتلوا معنا، بالإشارة إلى (الأكراد)، قاتلوا إلى جانبنا ضد تنظيم الدولة الإسلامية؛ إنها مشكلة استراتيجية.. العدو المشترك اليوم هو الجماعات الإرهابية، وأنا آسف، فنحن لا نملك نفس التعريف للإرهاب”.

اقرأ أيضًا: ماكرون يدق ناقوس الخطر في وجه التهديد التركي داخل فرنسا

نقطة الضعف الثانية في أوروبا تجاه تركيا هي الهجرة غير الشرعية، فعلى الرغم من الإعانات الضخمة التي تتلقاها تركيا من الاتحاد الأوروبي لمراقبة حدودها؛ فإن النظام التركي يهدد بانتظام بفتح معابرها المائية لإغراق أوروبا بالمهاجرين.

بينما النقطة الثالثة هي ملايين المسلمين والأتراك الذين يفتقرون إلى الاندماج ويعيشون في ألمانيا وفرنسا وبلجيكا وإسبانيا واليونان والدنمارك وهولندا، وترغب أنقرة في استخدامهم كمرتكزات للسيطرة التركية في الغرب.

النقطة الرابعة والأخيرة هي عضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي؛ حيث توجد في أنقرة خمسون رأسًا نوويًّا أمريكيًّا في القاعدة العسكرية التركية “أنجرليك”، على بُعد 110 كيلومترات من الحدود السورية.

صحفي فرنسي متخصص في الإسلام السياسي

المصدر: Valures

اتبعنا على تويتر من هنا

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة