الواجهة الرئيسيةتكنولوجياشؤون دولية
التكنولوجيا والتجارة الخضراء.. هل تجعلان عالمنا أفضل عما قريب؟
إن التحول إلى التجارة الخضراء واستغلال التكنولوجيا لتحقيق ذلك التحول يمكن أن يكون له منافع عظيمة في تحسين بيئتنا وجعلها مكاناً أفضل للعيش، وزيادة رخاء وازدهار المجتمعات؛ بما في ذلك الدول منخفضة ومتوسطة الدخل.

كيوبوست- منير بن وبر
تشير التقديرات إلى أن 25 في المئة من غازات الاحتباس الحراري تعود إلى حركة التجارة العالمية. كما يشير تقرير صدر حديثاً عن البنك الدولي، إلى أن الدول منخفضة ومتوسطة الدخل تتحمل وطأة العلاقة بين المناخ والتجارة، إضافة إلى كونها أكثر عرضة إلى آثار التغير المناخي.
تُعد كل من الصناعة والتجارة العالمية المحركَين الرئيسيَّين لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري؛ حيث تتسبب الصناعة في انبعاث ثاني أكسيد الكربون نتيجة حرق الوقود، بينما تُسهم التجارة العالمية في الانبعاثات من خلال الغازات الناتجة عن وسائل نقل البضائع حول العالم. ومع ذلك، لا يمكن للبشرية -ببساطة- التخلي عن الصناعة والتجارة لخفض التلوث البيئي؛ إذ يمكن أن تؤدي القيود الصارمة على الصناعة والتجارة العالمية، أو خفض الاعتماد عليهما كثيراً، إلى نتائج سلبية؛ بما في ذلك فقدان الوظائف، وانخفاض مستويات المعيشة، وزيادة التوترات الجيوسياسية.
اقرأ أيضاً: مكافحة تغير المناخ تتطلب نهجاً جديداً عابراً للحدود
على مدى السنوات الماضية، أصبحت قضية تلوث البيئة مصدر قلق أكبر في مجال العلاقات الدولية لعدد من الأسباب، أولاً؛ لأنها مشكلة تتجاوز الحدود الوطنية.
ثانياً؛ غالباً ما تشعر المجتمعات الفقيرة والضعيفة بآثار التلوث البيئي وتقع تحت ضغط الافتقار إلى الموارد اللازمة لحماية نفسها. ثالثاً؛ يمكن أن يكون للتلوث البيئي تأثير على الأمن الإقليمي والعالمي، وكذلك على التنمية الاقتصادية. من هنا تأتي أهمية التجارة الخضراء والتكنولوجيا التي يمكنها أن تجعل عالمنا أنظف، مع الحفاظ على نفس المكاسب، بل ربما زيادتها.
التجارة الخضراء
يُقصد بالتجارة الخضراء؛ تجارة السلع والخدمات ذات التأثير الإيجابي على البيئة. يمكن أن يشمل ذلك الطاقة المتجددة والمنتجات المُعاد تدويرها أو المُستعادة أو المصنوعة من موارد متجددة. ويشمل أيضاً خدمات؛ مثل تعويض الكربون، مما يساعد على تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
للتجارة الخضراء فوائد عديدة؛ سواء بالنسبة إلى الشركات أو البيئة أو الدول. بالنسبة إلى الشركات؛ يمكن أن تساعد التجارة الخضراء في توفير التكاليف عن طريق تقليل النفايات والهدر واستخدام طاقة أقل، كما يمكن أن تخلق المزيد من الوظائف في الاقتصاد الأخضر وتساعد الشركات على أن تصبح أكثر استدامة.
بالنسبة إلى البيئة؛ تساعد التجارة الخضراء على تقليل التلوث والحفاظ على الموارد وحماية بيئتنا. أما في ما يتعلق بالدول؛ فإن التجارة الخضراء تساعدها على تنويع مصادر الدخل وزيادة فرص العمل المتاحة وتعزيز النمو الاقتصادي، علاوةً على تحسين الصحة العامة من خلال تحسين الوصول إلى المياه النظيفة والهواء.

يمكن للدول الحريصة على مستقبل أنظف وأكثر استدامة وصحة لشعبها تعزيز التجارة الخضراء من خلال عدد من التدابير؛ منها تحسين كفاءة أنظمة النقل عبر الاستثمار في مركبات أنظف وأكثر كفاءة في استهلاك الوقود، فضلاً عن تطوير بنية تحتية أفضل للنقل العام. يمكن كذلك تشجيع استخدام مصادر الطاقة المتجددة من خلال تقديم الحوافز للشركات؛ للتحول إلى الطاقة المتجددة، أو الاستثمار في البحث والتطوير في تقنيات الطاقة المتجددة الجديدة.
هناك طريقة أخرى تتمثل في تقليل الحواجز أمام تجارة السلع والخدمات الخضراء. يمكن القيام بذلك عن طريق تبسيط اللوائح وتحسين البنية التحتية؛ لتسهيل التجارة بطريقة صديقة للبيئة. أخيراً؛ ينبغي على الحكومات زيادة الوعي بأهمية التجارة الخضراء والفوائد التي يمكن أن تجلبها. يمكن القيام بذلك من خلال برامج التعليم والتوعية التي تسلط الضوء على الفوائد الاقتصادية والبيئية والاجتماعية.
تكنولوجيا النقل البحري
يمكن أن تلعب التكنولوجيا دوراً حاسماً في جعل الصناعة والتجارة الدولية أكثر صداقة للبيئة. يمكن للشركات تقليل تأثيرها البيئي مع الاستمرار في المنافسة من خلال الاستثمار في عمليات إنتاج أكثر كفاءة وتقنيات أنظف. في قطاع النقل، على سبيل المثال، تظهر تقنيات جديدة يمكن أن تساعد بشكل كبير في تقليل الانبعاثات من السفن والشاحنات.
اقرأ أيضاً: التغيرات المناخية أسهمت في تدمير أربع حضارات قديمة.. فهل حان دورنا؟
يتم نقل أكثر من 80٪ من حجم التجارة الدولية عن طريق البحر؛ وهي نسبة تزداد بالنسبة إلى معظم البلدان النامية؛ لذلك تتنامى التوجهات لاستغلال التكنولوجيا لصناعة قطاع نقل بحري صديق للبيئة وأكثر كفاءة؛ حيث يتم التركيز على تقليل الانبعاثات وازدحام الموانئ وتنظيم خطوط الشحن البحري العالمية، فضلاً عن زيادة كفاءة الوقود.
يمكن للتكنولوجيا المساعدة في تصميم هياكل سفن ومحركات أكثر كفاءة أن تقلل من استهلاك الوقود، كما يتم استخدام تقنيات التتبع لتنسيق حركة المرور البحرية بشكل أكثر كفاءة وتقليل الازدحام في الموانئ. ويمكن للبنية التحتية المتطورة في الموانئ أيضاً أن تجعل عمليات الشحن والتفريغ أسرع وأكثر أمناً؛ مما يقلل من استهلاك الوقود وتكاليف التشغيل.
يمكن أن تذهب التجارب الجريئة في تكنولوجيا النقل البحري إلى مراحل أبعد من كل ذلك؛ حيث كشفت العديد من الشركات، مؤخراً، عن إمكانية تركيب أشرعة تشبه الأجنحة على السفن تساعدها على استخدام طاقة الرياح في الإبحار، جنباً إلى جنب مع المحركات التقليدية. يُعتقد أن مثل هذه التقنيات يمكنها توفير ما يصل إلى 20 في المئة من الوقود. تستخدم الأشرعة تقنيات تمكنها من تحسس اتجاه وقوة الرياح وتغيير اتجاه الشراع تلقائياً، إضافة إلى إمكانية الطي والنشر آلياً.

ضرورة التعاون الدولي
نظراً لأن العالم أصبح مترابطاً بشكل متزايد؛ فمن الضروري أن تعمل البلدان معاً لتطوير القوانين واللوائح والمعايير التي تحكم التجارة الدولية. هذا مهم بشكل خاص في مجال التجارة الخضراء؛ حيث يجب أن تتعاون البلدان لضمان تداول السلع والخدمات بطريقة مستدامة بيئياً.
هناك عدد من الاتفاقيات الدولية الحالية التي توفر إطاراً للتعاون التجاري الأخضر؛ مثل اتفاقية (تريبس) حول الجوانب التجارية لحقوق الملكية الفكرية، والتي تهدف إلى تعزيز وتعميم الابتكار التكنولوجي، واتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ. ومع ذلك، لا تزال هناك حاجة إلى مزيد من التعاون بين البلدان؛ من أجل تطوير تدابير أقوى وأكثر فعالية للتجارة الخضراء. من ذلك مثلاً تطوير معايير بيئية مشتركة، بدلاً من المعايير المختلفة التي تجعل من الصعب على الشركات الامتثال لها جميعاً.
اقرأ أيضاً: ما هو أسوأ من السيناريو الأسوأ لتغير المناخ!
إن التحول إلى التجارة الخضراء واستغلال التكنولوجيا لتحقيق ذلك التحول يمكن أن يكون له منافع عظيمة؛ ليس في ما يتعلق بتحسين بيئتنا وجعلها مكاناً أفضل للعيش فحسب، بل أيضاً لزيادة رخاء وازدهار المجتمعات؛ بما في ذلك الدول منخفضة ومتوسطة الدخل. تشعر تلك الدول أنها تتحمل آثار تغير المناخ الذي أسهمت التجارة والصناعة للدول الكبرى في تفاقمه؛ لكن من خلال مساعدتها على التحول نحو التجارة الخضراء يمكن التعويض عن الكثير من إحباطها.
على سبيل المثال، يوفر قطاع الزراعة ملايين الوظائف لسكان الدول النامية، وهو قطاع تؤدي فيه المرأة دوراً بارزاً بشكل حاسم. تشير التقديرات إلى أن الانتقال إلى الزراعة المستدامة يمكن أن يخلق أكثر من 200 مليون وظيفة بدوام كامل عبر نظام إنتاج الغذاء بأكمله بحلول 2050. وهكذا فإن إسراع الخُطى نحو التحول المدروس إلى التجارة الخضراء يعني عالماً أنظف، وأكثر صحةً وعدالةً ورخاءً لجيل المستقبل.