
كيو بوست –
في خطوة من شأنها تعقيد الأمور، دخل آلاف المعلمين في المدارس التونسية في إضراب مفتوح عن العمل، حتى الاستجابة لمطالبهم، بعد أن هددت الحكومة بخصم الرواتب.
وشهدت المعاهد الإعدادية والثانوية الحكومية التونسية، تعليقًا للدوام، بدأ الثلاثاء 17/4/2018، ويتوقع أن يستمر حتى فترة طويلة، إذا لم يجرِ تحقيق مطالب المعلمين.
وقال وزير التعليم التونسي حاتم بن سالم إن المطالب التي قدمها الأساتذة هي مطالب تعجيزية، الأمر الذي يتوقع مراقبون أنه سيكون مقدمة لإضراب طويل، قد يكون له تداعيات كثيرة، قد تصل إلى تعطيل العام الدراسي بالكامل.
أما كاتب عام نقابة التعليم الثانوي الأسعد اليعقوبي فقد أكد أن الحلول الجدية هي التي ستؤدي إلى تجنب التصعيد، خصوصًا أن تعليق التدريس سيتواصل حتى الاتفاق مع الحكومة على حلول مرضية للأطراف كافة.
بداية القصة
لم تكن الأزمة بين الحكومة التونسية ونقابة التعليم الثانوي أمرًا جديدًا؛ إذ بدأت المناوشات بين الطرفين منذ فترة طويلة، حين طالب المعلمون برفع أجورهم، وتصنيف مهنتهم على أنها إحدى المهن الشاقة، الأمر الذي يعني تخفيضًا في سن التقاعد حتى سن 55، والاستفادة من مزايا عديدة.
ترفض الحكومة ذلك، وتعتبرها مطالب مادية، خارج السياق العام، خصوصًا في ظل الصعوبات المالية التي تفرض على الحكومة إجراءات التحكم في الموارد المالية.
ويقدر وزير العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان التونسي مهدي بن غريبة أن حجم المطالب المادية تقدر بـ400 مليون دينار تونسي، فيما أوضح أن تقديم سن التقاعد لن يكون منطقيًا بالمقارنة مع قطاعات أخرى يصل فيها سن التقاعد إلى 62 عامًا.
Posted by وزارة التربية التونسية on Monday, April 16, 2018
أما التلاميذ فكانوا أكبر المتعطلين من عملية الإضراب، لأنهم توقفوا عن التعليم. وكانت الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ قد دعت أصحاب القرار إلى تحمل مسؤولياتهم، والتدخل من أجل حماية التلاميذ وحماية مستقبلهم، من خلال التركيز على استمرار العملية التعليمية.
وقالت الجمعية إن تكرار الإضرابات لا يؤدي إلا إلى حرمان التلاميذ من حقهم في تعليم جيد مستقر.
الاتحاد التونسي للشغل، وقف إلى جانب النقابة، باعتبار أنه منظمة عمالية، قائلًا إن نسبة نجاح عمليات تعليق التدريس بلغت قرابة 97%، مضيفًا أن قرار تعطيل الدوام سيبقى مفتوحًا حتى تقوم وزارة التربية بتنفيذ مطالب الأساتذة المتمثلة في تمكينهم من حق التقاعد الاختياري في سن 55 عامًا، والإصلاح الجوهري للمنظومة التربوية، وتحسين الأوضاع المالية للمعلم.
واندلعت أولى شرارات الأزمة الحالية في يناير/كانون ثانٍ الماضي، حين حجبت نقابة التعليم الثانوي نتائج امتحانات منتصف العام، بسبب رفض الوزارة الاستجابة للمطالب. وكان الرد الأولي الذي اتخذته الوزارة فورًا هو التهديد بحجب أجور الأساتذة إذا ما واصلوا حجب نتائج الامتحانات. ثم اتخذت الاحتجاجات أشكالًا عدة شملت التظاهر، وحجب النتائج، وتعليق التدريس، الذي أشعل الأزمة من جديد.
ردود فعل
يرى مراقبون أن خطوة تعليق التدريس في المدارس هي خطوة غير مسبوقة، خصوصًا أنه يهدد سير العام الدراسي، وينبئ بعام “أبيض”، أي بدون أي إنجازات.
ويرى هؤلاء أن ذلك الإجراء ينبئ بأزمة مفتوحة بين الحكومة والاتحاد التونسي للشغل، خصوصًا بعد إعلان الوزارة عدم قبولها الدخول في مفاوضات طالما استمر التعليق، ورفض النقابة العودة إلى الصفوف إلا إذا تحققت مطالبها.
ويقول محللون إن الحكومة ترى في هذه الإجراءات محاولة لابتزازها، في الوقت الذي ترى فيه النقابة أن الحكومة تتنصل من الاتفاقات بين الطرفين. ويزيد من تلك الأزمة تعقيدًا الوضع المادي الصعب الذي تعيشه البلاد، في ظل تراجع نسبة النمو وعائدات التصدير والسياحة.
الأمر الآخر الذي زاد من تعقيدات الوضع هو أن وزير التربية الحالي الذي يتصدر الأزمة، كان آخر وزير للتربية في عهد زين العابدين بن علي، الذي سقط مع انطلاقة ما اصطلح على تسميته “الربيع العربي”، ما يعني أن الأزمة تمثل بالنسبة للكثيرين، صراعًا بين أحد مكونات الثورة وفلول النظام السابق الذين عادوا إلى مفاصل الدولة.
ويؤشر ذلك على تجدد الصراع بين الاتحاد العام للشغل والحكومة التونسية، فيما لا يتوقع أن تشهد الأزمة حلًا قريبًا، إلا إذا حدثت تغييرات جوهرية، من طرف الحكومة أو من طرف اتحاد الشغل.
أما الخيار المتبقي أمام عدم ضياع العام الدراسي فهو التوجه إلى الدراسة في المدارس الخاصة، ذات التكاليف العالية، التي تتسم بالاستقرار النسبي مقارنة بالتعليم الحكومي. ولا يستطيع التونسيون كافة أن يرسلوا أبناءهم إلى مثل هذه المدارس، نظرًا لارتفاع تكاليفها، وعدم قدرة المدارس الخاصة على استيعاب أعداد كبيرة.
يذكر أن عدد المعلمين العاملين في تونس يبلغ نحو 77260 مدرّسًا في المرحلتين الإعدادية والثانوية، فيما يبلغ عدد التلاميذ المنخرطين في التعليم قرابة 950 ألف تلميذ.
برأيكم، هل تعتبر تبريرات الحكومة منطقية فيما يتعلق برفضها الاستجابة لمطالب القطاع التعليمي؟ شاركونا التعليقات أدناه.