الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
التعلم من إخفاقات الاستخبارات

كيوبوست – ترجمات
جون هوليستر هدلي♦
تعرَّضت وكالة الاستخبارات الأمريكية المركزية (سي آي إيه) إلى انتقاداتٍ حادة في أعقاب هجمات 11 سبتمبر المأساوية، وعدم العثور على أسلحة الدمار الشامل في العراق. هذه الانتقادات طبيعية؛ بل ومستحبة. إنها جزءٌ لا يتجزأ من “مدرسة الحياة”، والدروس العملية للاستخبارات. ولفهم ذلك، تنبغي الإشارة إلى أربع ملاحظات مهمة:
- ادعاءات فشل الاستخبارات أمر حتمي.
- الفشل في الاستخبارات أمر حتمي.
- وكالات الاستخبارات تتعلم (وتعاني أيضاً) من الادعاءات والإخفاقات.
- رغم أنه من المستحيل التعلم لمرة واحدة وللأبد كيفية منع تكرار وقوع شيء حتمي، فإنه يمكن تحسين نسبة النجاح إلى الفشل في الاستخبارات.
ادعاءات فشل الاستخبارات أمر حتمي
من وجهةِ نظر الولايات المتحدة، أي شيء يحدث في العالم لم تكن تريد واشنطن أن يحدث يعتبره البعض فشلاً استخباراتياً. وأي حدث يشكل مفاجأة للولايات المتحدة، ويكون خبراً سيئاً يعتبر فشلاً استخباراتياً. ومهما كان التأكيد أنه من غير المعقول أن نتوقع أن تستطيع الاستخبارات التنبؤ أو منع المفاجآت جميعها، فإن الواقع هو أن هذا ما يحدد فشل الاستخبارات. التنبؤ غير المتحقق هو فشل؛ خصوصاً عندما يعلن مَن يمولون ويراقبون أداء وكالات الاستخبارات، أن الأمر كذلك.
لذا، ادعاءات فشل الاستخبارات أمر مسلم به، إن لم يكن لشيء سوى حقيقة أن الساسة والمسؤولين يكرهون أن يؤخذوا على حين غرة؛ لا سيما بحدوث تطور يقع ضمن نطاق اختصاصهم. ولا شك أن بعض الادعاءات بفشل الاستخبارات تكون غير عادلة؛ كونها تنبع من جهل بالحقائق، ومن توقعات غير واقعية. وسواء كانت الادعاءات عادلة أو غير عادلة، فإنها متوقعة في أي نظام سياسي ديمقراطي قوي يوجد به ذلك المزيج دائم التقلب من حرية التعبير، والساسة، ووسائل الإعلام.
بصفةٍ عامة، ستظل حقيقة أن الادعاءات بفشل وكالات الاستخبارات هي ضريبة العمل في مجتمع حر ومفتوح. ونظراً للتداعيات بعيدة المدى التي تترتب على التقديرات الاستخباراتية، سيتواصل وضع إنجازات وإخفاقات الاستخبارات، تحت مجهر الرأي العام، والسياسيين والمتخصصين.
في الاستخبارات.. الإخفاقات حتمية
مقولة إن فشل الاستخبارات أمر حتمي تتمتع بيقين قانون الفيزياء. لا يمكن لأي شخص أو منظمة واحدة أن تكون على حق في جميع المواضيع في جميع الأوقات، كما أنه ليس من المعقول أو الواقعي أن يكون لدينا مثل هذا التوقع. لكي يقوم محللو الاستخبارات بعملهم بشكل جيد، يجب أن يكونوا على استعداد لتحمل المخاطر. وبغض النظر عن مدى اكتمال المعلومات أو عدم اكتمالها، وعدم كفايتها، وعدم اليقين بشأنها، أو تناقضها، فيجب إصدار تقدير بشأنها. وهذا بالضرورة ينطوي على إدراك خطر أن التقدير قد يجانبه الصواب. هذا يجب أن يكون متوقعاً ومفهوماً. هذه هي ضريبة العمل في دولة حرة.
ربما تكون دراسة إخفاقات الاستخبارات هي الحقل الأكاديمي الأكثر تقدماً في دراسة الاستخبارات. وقد بدأ مع التحليل الذي أجراه روبرتا ولستيتر بشأن فشل الولايات المتحدة في التنبؤ بالهجوم الياباني على بيرل هاربر، وهو الفشل الذي أسهم، أكثر من أي عامل آخر، في إطلاق نظام الاستخبارات الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية.

ومن ذلك الوقت، أجريت دراسات باهرة بحثت ظاهرة فشل الاستخبارات وخلصت إلى أن فشل الاستخبارات أمر لا يمكن تجنبه. ومنذ قرابة 25 عاماً، أكد الباحث ريتشارد بيتس، أن فشل الاستخبارات ليس حتمياً فقط، بل طبيعي أيضاً.
تعلم الدروس
نظراً لطبيعة العمل السري لـ”السي آي إيه”، واستحالة نشر سجلها بالكامل للعلن، لا يمكن بالضبط معرفة عدد الإخفاقات وكيفية الاستجابة لها والدروس المستفادة منها؛ ولكن هناك بعض العينات والأمثلة التوضيحية.
لقد نضج نظام الاستخبارات الأمريكية بشكل عام، ووكالة الاستخبارات المركزية بشكل خاص، بعد الفشل الضخم لوكالات الاستخبارات في فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية في إصدار تحذير بالهجوم الياباني على بيرل هاربر في عام 1941. وفي عام 1950، لم يكن قد مضى على إنشاء الـ”سي آي إيه” سوى ثلاث سنوات عندما فشلت في إصدار تحذير بهجوم كوريا الشمالية على الجنوبية. وعادة ما كانت تتبع هذه الإخفاقات زيادة حجم الوكالة وتمويلها، ومن ثمَّ المهام المطلوبة منها. على سبيل المثال، عقب الغزو الشيوعي لكوريا الجنوبية، تمت زيادة عدد موظفي الـ”سي آي إيه” من 5 آلاف إلى 15 ألف شخص.
اقرأ أيضًا: كيف استخدمت المخابرات الأمريكية الجراحة الدماغية من أجل إنتاج 6 كلاب يجري التحكم بها عن بعد؟
التفكير العقلاني
كرد فعل على فشل الاستخبارات الأمريكية في التحذير من غزو كوريا الشمالية للجنوبية، تم إنشاء مكتب التقديرات الوطنية (Office of National Estimates). وعندما نشبت أزمة الصواريخ الكوبية في عام 1962، تولى هذا المكتب برئاسة شيرمان كينت، أستاذ التاريخ الأوروبي، إصدار التقدير.
وخلص التقدير الاستخباراتي، الذي صدر في 19 سبتمبر 1962، إلى أنه من غير المرجح أن ينشر الاتحاد السوفييتي أسلحة هجومية استراتيجية في كوبا. وبعد أقل من شهر، عندما أُتيحت الصور الفوتوغرافية في 14 أكتوبر، ثبت خطأ التقدير. وفي تفسير كينت لهذا الفشل، قال إنه وزملاءَه لم يصدقوا أن الزعيم الروسي نيكيتا خروتشوف، يمكن أن يرتكب مثل هذا الخطأ.

الدرس المستفاد من هذا الفشل هو الحاجة إلى التأني وإبداء الشك في افتراض أن الشخص موضوع التقدير هو فاعل عقلاني وَفق طريقة التفكير الغربية. ورغم أن الخروج من العقلية “الغربية” لا يزال صعباً؛ فإن محللي الـ”سي آي إيه” يقرِّون أنه أمر مهم في تقييم دوافع وسياسات القادة غير الغربيين على جه الخصوص.
في وقتٍ لاحق، أوضحت حربا 1967 و1973 بين العرب وإسرائيل، تضاداً مثيراً للاهتمام من حيث نجاح وفشل الاستخبارات في ترشيد عملية صنع القرار. في عام 1967، قدَّمت “سي آي إيه” تحذيرات قيِّمة، وتبنى الرئيس ليندون جونسون، سياسة تعتمد على تحليلات الاستخبارات التي حذرتهم من تحركات الجيوش العربية، واحتمال تدخل السوفييت لدعم العرب، وقدرة إسرائيل على هزيمة الجيوش العربية.

على النقيضِ من ذلك، كانت وكالات الاستخبارات الأمريكية مخطئة كلها في عام 1973، حيث خلصت، حتى ليلة الهجوم المصري، إلى أن العرب لن يهاجموا إسرائيل. وكانت النتيجة هجوماً مصرياً- سورياً مشتركاً على قناة السويس وهضبة الجولان، فاجأ صناع القرار في الولايات المتحدة وإسرائيل.
ما الذي اختلف؟ جزء من المشكلة كان يكمن مجدداً في افتراض “الفاعل العاقل” الذي تسبب في القراءة الخاطئة لشخصية خروتشوف في أزمة الصواريخ في كوبا في عام 1962. وفي هذه المرة، ذكر تحليل الـ”سي آي إيه” صراحةً أنه “بالنسبة إلى مصر، أية مبادرة عسكرية غير منطقية في هذه الفترة الحساسة من توجه الرئيس أنور السادات في ما يخص السياسات الداخلية والخارجية. ومن شأن شنّ جولة جديدة من الأعمال العدائية أن يدمر جهود السادات الشاقة لإعادة إنعاش الاقتصاد.. بالنسبة إلى الرئيس السوري الحريص عادة، المغامرة العسكرية ستكون بمثابة انتحار، لقد قال ذلك بنفسه”.

وبعد مرور 30 عاماً على الواقعة، في ما يلي بعض النقاط المهمة التي ربما تفسر فشل هذا التقدير الاستخباراتي:
- قبول التصريحات، ومغزاها، كما هي دون الشك فيها (أخذ تصريحات الرئيس المصري أنور السادات، والرئيس السوري الأسد، عن التفوق العسكري لإسرائيل التي تشير إلى أنهما لن يشنا حرباً).
- الفشل في البحث عن أو استكشاف (أو التدريب على) الإنكار والخداع.
- التصديق الأعمى بتقدير وكالة الاتصال الاستخباراتي، التقدير الإسرائيلي في هذه الحالة.
- الفشل في نقد أو مراجعة التقديرات الإسرائيلية التي لم تعترف بأهمية الاستعدادات العسكرية العربية.
حركة المراجعات (فحص أسباب الفشل)
أطلقت وكالات الاستخبارات الأمريكية العديد من المبادرات الذاتية؛ للوقوف على الأسباب التي أدت إلى حدوث مثل هذه الإخفاقات بغية تحديد الإجراءات التي ينبغي اتخاذها لتحسين الأداء المستقبلي. وفي إطار هذه الجهود، أطلقت الاستخبارات الأمريكية في أوائل فترة السبعينيات برنامج مراجعات للعمليات الاستخبارية. وتم تكليف “قسم مراجعة المنتجات” (Product Review Division) بإجراء الدراسات ومراجعة معظم التقارير التي استندت إليها التقديرات الاستخبارية، ومراجعة التقديرات الاستخبارية المنشورة ذاتها، وعقد مقابلات مع أكبر عدد من الأطراف التي شاركت في إعداد التقارير النهائية. وتم اختيار سبع موضوعات؛ منها، على سبيل المثال، الحرب العربية- الإسرائيلية عام 1973، والاختبار النووي الهندي في مايو 1974، والانقلاب الذي وقع في قبرص في يوليو عام 1974.
اقرأ أيضًا: كيف تعاون “الموساد” و”CIA” لاغتيال سليماني؟
أثمرت هذه المراجعات بعض التحسينات التنظيمية والإجرائية الملموسة في طريقة عمل دوائر الاستخبارات. وكان من بينها إنشاء شبكة أفقية لربط كل مراكز العمليات الاستخبارية بمراكز مماثلة في البيت الأبيض، ووزارة الخارجية، والدفاع. غير أن برنامج المراجعات هذا قد توقف في منتصف السبعينيات لأسباب عدة؛ تنظيمية وسياسية تتعلق بسرية المعلومات.
إخفاقات خطيرة
في وقتٍ لاحق من فترة السبعينيات، كان فشل الـ”سي آي إيه” في التنبؤ بسقوط شاه إيران واندلاع الثورة الإسلامية، وتحول النظام الإيراني إلى نظام عدائي بمثابة جرس إنذار للاستخبارات الأمريكية، التي ركزت جل اهتمامها على الشيوعية، والتهديد القادم من الاتحاد السوفييتي. ومن ثم، أدى الفشل في التحذير من الثورة الإيرانية إلى إعادة هيكلة “سي آي إيه”، وإعادة ترتيب أولويات الاستخبارات، من بين أمور وأخرى.
بناء على ذلك، تم تسريع الاستجابة لحالات عدم الاستقرار الإقليمي، والقوى ذات النزعات القومية، وتنامي الإرهاب. وتم دمج خبراء سياسيين واقتصاديين وعسكريين في منظومة جديدة تهدف إلى تعزيز البحث والتحليل متعدد التخصصات. وتم إنشاء مكتب جديد للتعامل مع الموضوعات عبر الوطنية، أطلق عليه اسم مكتب القضايا العالمية (Office of Global Issues).
غير أن فشل دوائر الاستخبارات في التنبؤ بغزو الاتحاد السوفييتي لأفغانستان سرعان ما أشعل جدلاً جديداً. لقد ذكر تقدير الاستخبارات أن للتدخل مزايا ومساوئ، وأن المساوئ تفوق المزايا، وخلص إلى أن السوفييت سيتصرفون بعقلانية، وفقاً للتصورات الأمريكية عن مصالح السوفييت. وهكذا، وقعت وكالات الاستخبارات مجدداً في افتراض عقلانية صانع القرار موضوع التحليل.
مراجعة التقديرات الاستخبارية
فشل الـ”سي آي إيه” في التنبؤ بالغزو السوفييتي لأفغانستان كان دافعاً لإطلاق جهود داخلية جديدة، وهذه المرة في أوائل فترة الثمانينيات؛ لتحديد أسباب حالات فشل الاستخبارات في التوقع بشكل كافٍ لأحداث مهمة على الساحة العالمية، وتطوير سُبل تحسين الأداء المستقبلي. وفي هذه المرة، تم تشكيل “فريق رفيع المستوى للمراجعة” (Senior Review Panel)؛ لبحث التقديرات الاستخباراتية الفاشلة السابقة على مدى السنوات العشرين الماضية أو نحو ذلك. وتم ترشيح اثني عشر موضوعاً؛ كما يلي:
اقرأ أيضًا: لماذا أرسل ستالين الجيش الأحمر لغزو أفغانستان؟
- احتمال تدخل فيتنام الشمالية في فيتنام الجنوبية.
- احتمال الدعم السوفييتي الشامل لهانوي.
- كوبا.
- الانقسام الصيني- السوفييتي.
- أول تجربة نووية صينية.
- الغواصات السوفييتية من طراز “ألفا”.
- ليبيا.
- ارتفاع أسعار “أوبك” في ديسمبر 1973.
- إثيوبيا.
- أفغانستان.
- إيران.
- نيكاراجوا- طبيعة المعارضة لنظام سوموزا.
طريقة المراجعة والاستنتاجات
ركز فريق العمل على منشورات الـ”سي آي إيه” ووكالات الاستخبارات في العامين أو الأعوام الثلاثة التي سبقت كل تقدير استخباراتي حساس. وفحص مدى دعم الخطوط الرئيسية للتقدير الاستخباراتي بافتراضات وتحليلات بديلة تتجاوز التطورات التي يدعمها الدليل القائم.
خلص فريق المراجعة إلى أن المشكلة المتكررة في التقديرات التي فشلت هي في إدراك وجود تغيير نوعي في الحالات التي ثبت أن استمرارية الاتجاه والسوابق ذات قيمة هامشية، إن لم تكن ذات نتائج عكسية. وفي هذا الصدد، قال فريق المراجعة: لقد “كان العامل الرئيس في التقديرات الفاشلة هو الحذر بشكل مفرط، والتوقعات المتحفظة بشكل مفرط، الذي يخلص إلى نتيجة واحدة”.
كما خلص الفريق التابع للـ”سي آي إيه”، الذي أجرى الدراسة منذ قرابة 20 عاماً مضت، إلى أن المشكلة الرئيسية هي كيفية التعامل مع حالات اللا يقين الحتمي، وكيفية التعامل مع الاحتمالات الضعيفة والقوية التي تتزامن معاً. وأوصى الفريق بأنه في حالة وجود اتفاق عام بشأن نتائج محتملة، ينبغي أن تدرج التقديرات الوطنية قسم يعرض “نتائج بديلة” ويشرح الاحتمالات الأقل قوة وغيرها من التطورات الممكنة التي لا توجد أدلة قوية تدعمها.
مواجهة الإخفاقات مجدداً
بغض النظر عن اتباع النهج السابق من عدمه، تواصلت الإخفاقات. أدى سقوط جدار برلين في عام 1989 وما تلاه من سقوط سريع للاتحاد السوفييتي في عام 1991، إلى موجة ادعاءات من أن الاستخبارات الأمريكية فشلت في التنبؤ بأهم تطور دولي في النصف الثاني من القرن العشرين. وأن الاستخبارات الأمريكية قد أُخذت على حين غرة بهذا التطور. نتيجة لحساسيتها من هذه الادعاءات، وتألمها من الإخفاقات الأخرى في فترة التسعينيات؛ مثل الإدراك المتأخر بأن العراق ينوي غزو الكويت، واختبار كوريا الشمالية لصواريخ بتكنولوجيا ومدى غير متوقعين، والاختبار النووي الهندي المفاجئ، دعا قادة قسم التحليلات في الـ”سي آي إيه” إلى تركيزٍ غير مسبوق على تعزيز المهارات التحليلية.

ومع ذلك، فلم تمنع كل هذه الجهود المكثفة، لإيجاد طرق لتعظيم الاستفادة من الدروس المستقاة من التقديرات الاستخبارية الفاشلة، من وقوع مفاجآت وتقديرات خاطئة. ولعل الهجمات الإسلاموية الانتحارية على مركز التجارة العالمي والبنتاجون في 11 سبتمبر، وعدم وجود أسلحة دمار شامل بعد غزو العراق، هي أكثر التقديرات الاستخبارية خطورة من حيث تداعياتها، ومن حيث التحقيقات المطولة لبحث أسباب فشلها. وكان من نتيجة ذلك صدور تشريع في ديسمبر 2004 بإعادة هيكلة وكالات الاستخبارات الأمريكية بشكلٍ جذري.
وفي هذا الصدد، تنبغي الإشارة إلى بعض الملاحظات المهمة:
- هناك عدم فهم كبير لطبيعة إجراء التقديرات الاستخبارية. ينبغي أن يعلم الصحفيون المخضرمون، وأولئك الذي يقومون على مراقبة وكالات الاستخبارات، المزيد عن كيفية إجراء هذه التقديرات، وما هي أوجه القصور الكامنة.
- الدروس المستفادة لا تظل مستفادة. ذلك أن التحليل الجيد يعتمد على المعلومات الجيدة، وعلى الاستغلال الجيد لهذه المعلومات. لكن في بعض الأحيان لا توجد معلومات جيدة. والأهم من ذلك هو أن التقدير الاستخباراتي لا يمكن في نهاية المطاف أن يتجنب الطبيعة/ التأثيرات البشرية، بمعنى أن التقديرات عرضة للتغيُّر بسبب الأشخاص الذين يقومون بهذه المهمة، الذين يأتون بخبرات مختلفة وفي ظروف مختلفة، علاوة على ضغط الوقت والأحداث، وغيرها من العوامل الإنسانية.
- بعض الدروس المستفادة يتم تعلمها والعمل بها. ذلك أن ردود الفعل على الفشل الاستخباراتي في هجمات 11 سبتمبر، أدى إلى اتخاذ تدابير بعيدة المدى. وكان من بين هذه الإجراءات توسيع وإعادة توجيه مهام مكتب التحقيقات الفيدرالية (إف بي آي)، وإنشاء وزارة الأمن الوطني، ومركز دمج التهديدات الإرهابية.
- وكالات الاستخبارات قد تعاني حقاً في عملية التحقيق العلني من إخفاقاتها لكي تفهم وتتعلم جيداً منها؛ لكن الجانب السيئ في هذا الأمر هو الإرباك والتشتيت الذي تسببه عمليات التحقيق المطولة. ومع ذلك، هذ الإرباك هو جزء من “العملية”، وجزء من ضريبة العمل في دولة ديمقراطية. وتكلفة خطورة تجنب المخاطر الفكرية، أي محاولة عدم الوقوع في الخطأ، قد تكون أكبر. ومحاولة اللعب على المضمون قد تضعف المنتج الاستخباراتي وتقلل من قيمته.
تحسين نسبة النجاح إلى الفشل
تحسين نسبة نجاح التقديرات الاستخبارية جهد حساس ومتواصل ودؤوب. ورغم استحالة التعلم مرة واحدة وللأبد لمنع تكرار الفشل؛ فإن الأمل هو تحسين نسبة النجاح إلى الفشل. وهناك دائماً مجال للتحسين. ورغم توقع قيام “سي آي إيه” بالتكيف مع الظروف وتفادي الفشل، ينبغي على أية إدارة أمريكية، بغض النظر عن الحزب الذي تنتمي إليه، أن تدرك أن الفشل جزء من العملية. ذلك أن دوائر الاستخبارات الأمريكية لا توجد فقط لسرقة الأسرار في الخارج؛ بل لتقديم تقديرات قاسية وأمينة، مستقلة عن الأجندة السياسية. وهذا يعني، بالنسبة إلى دوائر الاستخبارات، مقاومة الضغوط السياسية التي لا مفر منها من حملة الأجندات لأية إدارة رئاسية. هذا يعني قول الحقيقة للسلطة؛ التحلي بالشجاعة لتقديم تقديرات غير مرحب بها عندما يُرى أنها التقديرات الأكثر دقة وموضوعية.
تظل مشكلة منع التقديرات الاستخباراتية الخاطئة من دون حل؛ لأن عدم اليقين نفسه هو المشكلة. والوضع الذي يبدو مجهولاً يتفاقم بسبب المعلومات المجزأة والمتناقضة الآتية من مصادر مشكوك في مصداقيتها. وحول التحدي الذي يكتنف إصدار التقديرات الاستخباراتية في الولايات المتحدة، قال شيرمان كينت:
“لو أن الأمر يقتصر على إصدار بيان بحقيقة لا جدال فيها، لكانت المهمة سهلة وآمنة. لكن هذا بالطبع لا يمكن تسميته تقديراً. التقدير، بطبيعته، هو محاولة الإبحار بعيداً عن الحقيقة الراسخة إلى المجهول، مغامرة يحصل فيها القائم بالتقدير على المساعدة عبر القياس والاستقراء والمنطق والتقدير. وبطبيعة الأشياء، قد يصل في بعض الأحيان إلى استنتاج يثبت مع مرور الوقت أنه خطأ.. وهذا لا يعني الاستكانة إلى أوجه القصور؛ بل يعني أننا ندرك تماماً أننا ننخرط في مهنة محفوفة بالمخاطر”.
وختاماً، لا توجد حتى الآن ضمانات من أنه سيتم الوصول إلى استنتاجات دقيقة من المعلومات التي عادة ما تكون غير مكتملة وغامضة، من تلك التي يجب أن تعتمد عليها التقديرات الاستخباراتية. لذا، يجب تقبل المخاطر الفكرية. الإخفاقات ستحدث. وسيتبعها نقد ومراقبة. وسيظل التعلم من التجارب العملية مستمراً.
♦عمل الدكتور هوليستر في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، لقرابة 30 عاماً، وتقلَّد مناصب عدة فيها. وكان من بين مهامه، تحرير الإيجاز اليومي للرئيس جورج دبليو بوش. كما شغل منصب رئيس مجلس إدارة مراجعة منشورات الوكالة.
لقراءة الموضوع PDF: اضغط هنا
المصدر: International Journal of Intelligence and CounterIntelligence
Learning from Intelligence Failures John Hollister Hedley Volume 18, 2005 – Issue 3