الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
التطرف عبر الإنترنت: كيفية اكتشاف المحتوى المتطرف والتعامل معه (المملكة المتحدة نموذجًا)

كيوبوست- ترجمات
إليسا أوروفينو♦
في مجتمع ما بعد الجائحة، يقف التطرف عبر الإنترنت كتهديدٍ حقيقي وملِّح. فلقد تنامى استخدام الإنترنت من قبل الجماعات المتطرفة في نشر أيديولوجياتها بسبب جائحة كوفيد-19، التي أبقت الناس محصورين في منازلهم، يتفاعلون ويقضون معظم وقتهم أمام الشاشة. وقد سلّطت الدراسات الحديثة الضوءَ على تحول المجتمعات الافتراضية على الإنترنت كأرضيّة خصبة للتطرف. وبتعبير أدّق، أضحت وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر ويوتيوب أدوات فعّالة للجماعات المتطرفة والإرهابية لتجنيد وتدريب أشخاص جدد، وفي الوقت ذاته نشر المعلومات التي ترغب في تمريرها للجمهور المستهدف.
بيئات الألعاب
تشير الأبحاث ذات الصلة إلى أن العديد من الجهات الفاعلة والمجتمعات التي تنشر التطرف والكراهية والمعلومات المضللة تنتقل بشكلٍ متنامٍ من وسائل التواصل الاجتماعي إلى مجموعة أكثر تنوعًا من الفضاءات عبر الإنترنت التي توفر قدرًا أقل من الاعتدال، ولكن قدرًا أكبر من الخصوصية أو الأمان أو عدم الكشف عن الهوية. ترتبط بعض هذه المنصات ببيئة الألعاب وتشمل هذه ريدت وفور تشان، وايت تشان، وديسكورد، وتويتش. تحتوي هذه المنصات في الغالب على أشكال التطرف اليمينية المتطرفة/ البيضاء التي غالبًا ما تكون متشابكة مع المفاهيم النموذجية للفضاء ذي النزعة الذكورية (مثل معاداة النساء)، فضلًا على تمجيد الممارسات الإرهابية الإسلاموية (مثل قطع الرؤوس)، وقد استخدمت هذه المنصات بالفعل كوسيلة افتراضية لبث الرعب في جميع أنحاء العالم. على سبيل المثال، استخدمت منصة تويتش لبث هجوم كرايستشيرش (نيوزيلندا) في عام 2019، وفي وقتٍ لاحق من عام 2022، لبث هجوم بوفالو في تكساس. وكان لكلا العملين الإرهابيين مرجع أيديولوجي يميني متطرف. وبمجرد تحميل مقاطع الفيديو هذه، يكون من الصعب جدًا حذفها. لقد شاهدها آلاف الأشخاص حول العالم، وتواصل إلهام البعض لارتكاب أعمال إرهابية حتى تاريخه.

ويبدو أن المنظومة البيئية للألعاب عبر الإنترنت غزيرة الإنتاج فيما يتعلق بالمواد التي تشجع على التشدد والتطرف. وفي هذا السياق، تشير الإحصائيات إلى أن جُّل الإحالات الواردة إلى خطة المنع -أحد أقدم برامج دعم مكافحة التطرف في المملكة المتحدة- هي من فئة من الشباب (أقل من 18 عامًا) ويبدو أن هذه هي السمة السائدة في جميع أنحاء العالم. تستخدم الجماعات المتطرفة ألعاب الفيديو لجذب الشباب بلغة وشكل يسهل الوصول إليهما. وتعزِّز الألعاب الشعبية، مثل “نداء الواجب” (Call of Duty) و”ميدالية الشرف” (Medal of Honor)، سرديّة “نحن مقابل هم” حيث يتعاون اللاعبون لمحاربة العدو المشترك، وغالبًا ما ينتج عن ذلك شعورٌ بالتشويق المشترك للمهمة التي يقومون بها. لقد نجحت الألعاب التي تأخذ صيغة المعارك الحربية بشكلٍ جيد للغاية بالنسبة للجماعات المسلحة، مثل حزب الله، التي طوّرت ألعابها الخاصة لتجنيد الأعضاء ومشاركة نظرتهم للعالم. وفي عام 2007، أصدر حزب الله “القوة الخاصة 2″: حكاية الوعد الصادق” كإصدار ثانٍ للعبة “القوة الخاصة” (التي أصدرها حزب الله في عام 2003). مسرح اللعبة هو حرب لبنان عام 2006 بين حزب الله وإسرائيل، واللاعبون هم من نوع “مطلق النار من منظور الشخص الأول” ومقاتلي حزب الله.
لكن من الناحية النظرية، يمكن للألعاب دعم عمليات التطرف العنيف، من خلال تطبيع العنف عن طريق تعزيز الشعور بالكفاءة الذاتية للفرد وتماهيه مع الصور الرمزية العنيفة أو ما يعرف باسم (آفاتار)، ولا يوجد دليل تجريبي على أن الألعاب العنيفة تعزِّز السلوك العنيف لدى مستخدميها.
إلى جانب ألعاب الحروب، يستخدم المتطرفون أنماطًا أخرى من ألعاب. مثال على ذلك لعبة قيادة “روبلوكس” (Roblox) التي تدعو اللاعبين إلى “العنصرية”، ومحاكاة قتل الأشخاص الذين ينتمون إلى أقليات عرقية عن طريق دهسهم بالسيارة.
اقرأ أيضًا: أثر استخدام “التلعيب gamification” في التطرف والعنف
في حين أن الكثير من المحتوى المتطرف، مثل الأمثلة الموضحة أعلاه، يخرج إلى العلن، يمكن أيضًا إخفاء بعض المواد المتطرفة بشكلٍ جيد في النظم الإيكولوجية عبر الإنترنت. يمكن أن تحتوي الأخبار المزيفة والمدونات الشخصية، ونظريات المؤامرة وقنوات يوتيوب الناشئة، وملفات التعريف الاجتماعية وصفحات المجموعة، على بعض الرسائل والمحادثات حول الموضوعات التي يمكن اعتبارها “متطرفة”.
تعريف التطرف
ماذا يعني “التطرف”؟ على الرغم من أن هذا التعريف محل خلاف كبير، فإن حكومة المملكة المتحدة تعرِّفه بأنه “معارضة صريحة أو نشطة للقيم الأساسية، مثل الديمقراطية وسيادة القانون والحرية الفردية والاحترام المتبادل والتسامح بين الأديان والمعتقدات المختلفة”. وعلى الرغم من أن هذا التعريف الحكومي فضفاض عن قصد، فإنه يمكن استخراج بعض العناصر المفيدة للمساعدة في تحديد المحتوى المتطرف عبر الإنترنت.
بغض النظر عن الأيديولوجية والروايات المحددة التي تعارض “القيّم الأساسية” المذكورة أعلاه، عادة ما يتقاسم المتطرفين ثلاثة عناصر: عدو يقاتلونه، ومجموعة من الضحايا يرغبون في حمايتهم، وتغيير ينشدون تحقيقه. الأيديولوجيات المتطرفة كافة (والجماعات المرتبطة بها) سيكون لها عدو واضح في الاعتبار يحتاج إلى إبادة. سواء كانت مجموعة محددة في المجتمع (مثل الأقليات العرقية والنساء والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية وحاملي صفات الجنسين) أو الجهات الفاعلة السياسية (مثل الدول والمنظمات الحكومية) والشركات الخاصة (مثل العلامات التجارية لمستحضرات التجميل والأزياء)، يجب معارضة العدو بنشاط.

تختلف أساليب القتال ضد العدو من مجموعةٍ إلى أخرى أيضًا ضمن الاتجاه الأيديولوجي الواحد وهذه هي الطريقة التي نُفرّق بها بين التطرف العنيف والفكري. وعلى سبيل المثال، بالنسبة للإسلامويين، فإن العدو الذي يجب محاربته هو الغرب، الذي يقف كنظام سياسي واجتماعي واقتصادي وثقافي فاسد1. ومن شأن جماعات مثل داعش أو بوكو حرام أن تشجّع أعضاءها وأتباعها على القتال الفعلي ضد العدو، باستخدام العنف ودعم قتل الأبرياء لبثِّ الرعب. وعلى العكس من ذلك، تشجّع جماعات مثل حزب التحرير وجماعة التبليغ أعضاءها على القتال فكريًا ضد العدو، رافضين العنف كوسيلة قابلة للتطبيق لتحقيق التغيير المنشود.
وبصرف النظر عن وجود عدوٍ محدد يمكن إلقاء اللوم عليه، فإن الجماعات المتطرفة ستتعامل بوضوح مع مجموعة من الضحايا التي تزعم أنها تدافع عنهم، حيث يجري تصوير الضحايا على أنهم مُعرّضون لخطرٍ جسيم والجماعات المتطرفة على أنها الفاعل الوحيد القادر على توعيتهم والحماية2. كما تستغل الجماعات المتطرفة مظالم محددة في المجتمع لتحريض الناس. أولئك الذين يشعرون بالحرمان والوحدة وعدم الاندماج في المجتمع الذي يعيشون فيه أو يعانون من حالات الصحة العقلية (المتعددة)، يشكّلون على وجه التحديد مجموعة ضعيفة يمكن أن تقع في براثن التطرف بشكلٍ أسهل من غيرها. وغالبًا ما يكون هؤلاء الأشخاص متشوقين للتغيير، سواء على مستوى حياتهم الشخصية أو السياق الأوسع المحيط بهم. لذلك، فإن اختيار الانضمام إلى جماعةٍ متطرفة ما أو تبني مجموعة محددة من الأفكار المتطرفة يوفِّر لهم هدفًا في الحياة وشعورًا بالإثارة للتغيير المنشود3.
اقرأ أيضًا: كيف تُسهِمُ ألعابُ الفيديو في عملياتِ التطرف؟
منع الإرهاب
أظهرت دراسة حديثة أصدرها موقع “مونشوت” (Moonshot) كيف يمكن أن يلعب دعم الأقران دورًا محوريًا في فك ارتباط الأشخاص عن الآراء المتطرفة ومنع أعمال الإرهاب. وألقت الضوءَ على كيفية قيام العديد من مطلقي النار الجماعيين، مثل مطلق النار في باركلاند البالغ من العمر 19 عامًا بولاية فلوريدا في عام 2018، ومهاجم ريد ليك بولاية مينيسوتا في عام 2005، بنشر استغاثات طلبًا للمساعدة عبر الإنترنت، قبل ارتكاب الفعل. وتبرز الدراسة أيضًا الحاجة إلى القيام بتدخلاتٍ أكثر تحديدًا من جانب المارّة للمساعدة في منع أعمال الإرهاب، عن طريق التدخل المبكر.
واتساقًا مع النتائج التي توصلت إليها مونشوت مؤخرًا، أظهرت الأبحاث السابقة حول السمات اللغوية للبيانات الإرهابية سلوكًا تحذيريًا يمكن تعريفه بأنه “الإشارة المتعمدة أو غير المقصودة للعنف المخطط له في الاتصالات العامة أو غير العامة”4. يمكن ربط الغرض من هذا بلعب الفرد من أجل طلب الاهتمام أو المساعدة في التعامل مع القلق المتعلق بالفعل الذي يريد ارتكابه. وفي هذا الصدد، يُوجد في المملكة المتحدة عدد من الموارد لمساعدة المعلمين وأولياء الأمور على اكتشاف علامات التطرف لدى الشباب. يشمل بعضها مجموعات أدوات تقدم إرشادات حول علامات التطرف، ومحفّزات الأيديولوجيات المتطرفة، وموارد الفصول الدراسية لمناقشة المواضيع التي قد تكون غير مريحة في المدرسة. ومع ذلك، فهناك نقص في تدخلات المشاهدين والمراقبين لتلك المؤشرات ومواردهم، خاصة بالنسبة للشباب الذين يرغبون في مساعدة أقرانهم على التخلي عن الأفكار المتطرفة.

الخلاصة
مما سبق يعتبر التطرف عبر الإنترنت أحد أكبر التحديات التي تحتاج المجتمعات المعاصرة إلى مواجهتها. وفي حين أن المسارات المؤدّية إلى التطرف مختلفة ومتنوعة ولا يمكن التنبؤ بها بسهولة، هناك ثلاثة عناصر مشتركة في روايات الجماعات المتطرفة (أي عدو للقتال، ومجموعة من الضحايا لحمايتهم، والتغيير المنشود) ويمكن التعامل مع هذه كعلامات تحذيرية متى ظهرت عبر محتوى ما عبر الإنترنت. ويبدو أيضًا أن هذه المؤشرات التحذيرية -إلى جانب الحاجة إلى مزيد من المراقبة والتحكم في الفضاءات الافتراضية، حيث يقضي الشباب قدرًا كبيرًا من الوقت على مثل منصات الألعاب- هي أولويات في مكافحة التطرف عبر الإنترنت.
في المملكة المتحدة، إذا شعر الشاب بقلق تجاه أحد أصدقائه، فيمكنه التحدث إلى فريق الحماية في المدرسة أو إلى العائلة. ويمكن إحالة الشاب “المعرّض للخطر” إلى “خطة منع” الإرهاب التي وُضعت لتقييم خطر التهديد الإرهابي. البرنامج الرئيس داخل “خطة منع”، الذي يُعرف باسم القناة أو المسار (Channel)، هو عبارة عن برنامج دعم طوعي للأفراد المعرّضين لخطر أن يصبحوا إرهابيين. وتنبغي الإشارة هنا إلى أن برامج الدعم تُصمَّم وفقًا للحالة المحددة، وتُراجع بانتظام للتحقق من كيفية تقدم الشخص في البرنامج.
اقرأ أيضًا: لعبة الـ”pubg” التي أصبحت واقعًا في جريمة نيوزيلندا
وعلى الرغم من أن خطة منع تعرضت لانتقاداتٍ قاسية على مرِّ السنوات الماضية، بزعم وصم المجتمع المسلم بأنه “الآخر الخطير”، نادرًا ما يرفض الأفراد المشاركون في هذه البرامج، وفقًا لملاحظاتي ومقابلاتي مع الممارسين، الدعم المقدم ويشعرون عادة بأنهم يتلقون المساعدة والمؤازرة الجيدة طوال البرنامج.
وختامًا، فمن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن جميع أدوات وبرامج الدعم تحقق نجاحاتٍ أفضل إذا ما استخدمت جنبًا إلى جنب مع نهج متكامل يشمل الأشخاص الذين يهتم بهم الفرد (أي يرتبط بهم)، وإذا ما كانت تعالج المظالم التي دفعته/دفعتها إلى الانخراط مع مجموعاتٍ وأيديولوجياتٍ محددة، سواء عبر الإنترنت أو خارجها.
♦المشرفة الأكاديمية لبرنامج التطرف ومكافحة الإرهاب في معهد الشرطة للمنطقة الشرقية (PIER) في جامعة أنجليا روسكين
المصدر: عين أوروبية على التطرف