الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
التطرف الإسلاموي والجماعات الجهادية في أمريكا اللاتينية: ظاهرة متجذرة لا تحظى باهتمامٍ كافٍ (2-2)

كيوبوست- ترجمات
جيوفاني جياكالوني♦
مقدمة
التطرف الإسلاموي موجود في أمريكا اللاتينية منذ مطلع الثمانينيات، تسهله سلسلة من العوامل، أبرزها: استشراء الفساد، والحكومات الصديقة للإسلامويين، وإمكانية استغلال الاتجار غير المشروع، لا سيّما المخدرات، وغسل الأموال، وعدم وجود قوانين مناسبة لمكافحة الإرهاب.
أول جماعة إسلاموية تطأ قدماها نصف الكرة الأرضية هي حزب الله، الفرع اللبناني للحرس الثوري الإسلامي الإيراني، الذي وجد على وجه التحديد المكان الذي تتقاطع فيه الكثير من هذه القضايا في منطقة الحدود الثلاثية بين البرازيل والأرجنتين وباراجواي1. وواصل حزب الله العملَ من هناك مع الإفلات التام من العقاب حتى بعد تخطيط وتنفيذ هجماتٍ إرهابية ضخمة في القارة، مثل تلك التي استهدفت أهدافًا يهودية وإسرائيلية في الأرجنتين في عامي 1992 و1994.
وكما لو أن ذلك لم يكن كافيًا، وجد حزب الله وإيران حليفًا جديدًا ومخلصًا عندما أصبح هوجو تشافيز رئيسًا لفنزويلا في عام 1999. كان لثورته البوليفارية بعض القواسم المشتركة الأيديولوجية والسياسية مع الخمينية، العقيدة الحاكمة للنظام الإيراني الذي يدين له حزب الله بالولاء، مثل معاداة أمريكا، والنضال ضد “الإمبريالية”، ودعم القضية الفلسطينية. وللدولتين أعداء مشتركون، ومصالح اقتصادية متبادلة قوية. وبالتالي، سرعان ما أصبحت فنزويلا بوابة إيران إلى أمريكا اللاتينية، مع كل التداعيات ذات الصلة.

ثم حذَت جماعات إسلاموية أخرى حذو حزب الله. فعلى سبيل المثال، كان هناك انتشارٌ للإسلاموية في أفقر ولاية في المكسيك، تشياباس، حيث تنشط ستة مساجد حاليًا في مدينةٍ يقل عدد سكانها عن 216 ألف نسمة. وقد جذبت هذه الظاهرة انتباه وسائل الإعلام الدولية، بما في ذلك “سي إن إن” و”بي بي سي” و”ناشيونال جيوجرافيك”. وفي حين أنه لا توجد حتى الآن صلة بين تلك المجتمعات والإرهاب الإسلاموي، فمن المثيرِ للاهتمامِ أن نلاحظ كيف أن الجماعة الأولى التي جلبت الإسلام إلى سان كريستوبال دي لاس كاساس في عام 1995، حركة المرابطين الإسبانية العالمية (MMM)، كانت مهتمة في ذلك الوقت، على وجه التحديد، بالتحالف مع جيش زاباتيستا للتحرير الوطني (EZLN)، التي نظمت تمردًا في عام 1994 بقيادة رافائيل فيسنتي المعروف باسمه الحركي “Subcomandante Marcos” التي تعني ماركوس نائب القائد، ضد الحكومة المركزية المكسيكية، من قاعدتها في سيلفا لاكاندونا.
منذ ذلك الوقت، وردت تقارير عن أنشطةٍ للسلفية، وجماعة التبليغ، في ثلاثة مراكز على الأقل من المراكز الإسلامية الستة النشطة حاليًا في المكسيك، في حين أن الأسر المحلية المعتنقة للإسلام ترسل أطفالها إلى الخارج للدراسة، وهو أمر تموّله هذه المنظمات، ظاهريًا لمساعدة الأسر المحتاجة في تعليم أطفالها.

العلاقات طويلة الأمد بين إيران وفنزويلا
في مطلع مايو 2022، زار وزير البترول الإيراني جواد أوجي فنزويلا لبحث سبل تجاوز العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على كلا البلدين، وتعميق أواصر الأخوة والتعاون في مجال الطاقة.
التقى أوجي أيضًا بحاكم فنزويلا الاستبدادي نيكولاس مادورو ونظيره الفينزويلي وزير البترول طارق العيسمي الذي صنّفته الولايات المتحدة كزعيم لتجار المخدرات، وأدرجته في قائمة المطلوبين الهاربين. وبث التلفزيون الرسمي الفنزويلي صورًا للاجتماع في القصر الرئاسي في ميرافلوريس.
زيارة أوجي إلى فنزويلا ليست سوى فصل آخر في العلاقة الممتدة والقوية بين الدولتين. وقبل ستة أشهر فقط، في أكتوبر 2021، زار وزير الخارجية الفنزويلي فيليكس بلاسينثيا طهران، حيث التقى بنظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان. وأعلن الجانبان عن اتفاقية تعاون اقتصادي مدتها عشرون عامًا، وزيارة مرتقبة لمادورو إلى إيران. وأكد مادورو الخبر في نهاية ديسمبر 2021.

كما التقى وزير الخارجية الفنزويلي بالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، الذي قال إن إيران ترغب في توسيع علاقاتها مع دول أمريكا اللاتينية: “نحن مصممون في هذه الإدارة على تنحية المشكلات التي خلقها الأعداء جانبًا ومواصلة مسار تقدم الدولة”.
وبعد بضعة أسابيع فقط، أبرمت الشركة الإيرانية الوطنية لهندسة وإنشاءات النفط عقدًا بقيمة 110 ملايين يورو لإصلاح وإعادة تشغيل مصفاة “إل باليتو” النفطية في فنزويلا.
إضافة إلى أوجه التعاون العلنية هذه، يضطلع ثلاثة ممثلين رفيعي المستوى من الحرس الثوري الإيراني بمهام رئيسية في صناعة النفط الفنزويلية، حسبما ذكر مؤخرًا الموقع الإخباري “إنفوباي” ومقره الأرجنتين و”المشروع الاستقصائي بشأن الإرهاب“. من بين هؤلاء، حجة الله غوريشي، نائب وزير الدفاع والخدمات اللوجستية للقوات المسلحة الإيرانية، وعظيم منزاوي، قائد وحدة سرية تابعة للحرس الثوري الإيراني، مخصصة لتهريب النفط الفنزويلي في مختلف الأسواق السوداء لصالح القسم الإرهابي في الحرس الثوري الإيراني، فيلق القدس.

الجدير بالذكر أن الدولتين، وكلتاهما عضوان مؤسسان لمنظمة أوبك، بدأتا في إقامة علاقاتٍ أوثق بعد فترة وجيزة من الثورة الإسلامية الإيرانية في عام 1979، التي أطاحت بالنظام الملكي الحديث في إيران، وأنشأت جمهورية إسلامية تحت قيادة آية الله روح الله الخميني. وكانت فنزويلا من بين أوائل الدول التي اعترفت بالنظام الإسلاموي الجديد.
ورغم أن التعاون بين إيران وفنزويلا كان مقتصرًا حتى عام 1999 على قطاع النفط بالأساس، فإن وصول تشافيز إلى السلطة في كاراكاس في عام 1999 غيّر ذلك: فقد كثّفت حكومته الثورية العلاقة مع إيران، وربطت بين الدولتين حول عددٍ من القضايا -دعم القضية الفلسطينية، فضلًا على العداء لإسرائيل والولايات المتحدة- كل ذلك باسم “معاداة الإمبريالية”. وفي الفترة بين عامي 2001 و2013، جرَت زيارات متكررة بين تشافيز والرئيسين الإيرانيين آنذاك، محمد خاتمي ومحمود أحمدي نجاد. وأبرمت مئات الاتفاقيات الثنائية في قطاعاتٍ مختلفة، مثل النفط والتصنيع والبناء والنقل والخدمات المصرفية والدفاع والطاقة النووية2.
اقرأ أيضًا: صديق خان مخطئ: التطرف الإسلاموي -وليس اليمين المتطرف- سيحدد هذا القرن
وفي هذا الصدد، اعتبر موسى ريندون وأنطونيو دي لا كروز، أن العلاقة بين إيران وفنزويلا خلال سنوات تشافيز كانت “تكافلية”:
“جهود التنمية الإيرانية داخل فنزويلا عزَّزت صورة تشافيز، ودعمت أجندته المناهضة للإمبريالية في جميع أنحاء المنطقة. بالنسبة لإيران، أصبحت فنزويلا نقطة انطلاق للتوسع الدبلوماسي والتجاري في أمريكا اللاتينية. وقدم شافيز الإيرانيين لحلفائه الإقليميين، وفتح قنوات اتصال قادت إلى اتفاقاتٍ بين أحمدي نجاد، وحكومات الإكوادور وبوليفيا ونيكاراجوا. وبينما واجهت إيران عزلة مالية متنامية بسبب العقوبات الأمريكية، ساعدت فنزويلا، من خلال تحالفها البوليفاري لشعوب أمريكتنا (ALBA)، في فتح روابط تجارية حيوية”.
على مرِّ السنين، عزَّزت إيران وجودها في فنزويلا وعلاقاتها معها. وفي غضون ذلك، وسّعت طهران أيضًا شبكاتها الاستخباراتية في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية، خاصة باستخدام وكيلها اللبناني، حزب الله، واستغلال مجتمعات الشتات اللبناني والسوري الواسع كبوابة، لا سيّما في الأرجنتين والبرازيل وباراجواي.
اقرأ أيضًا: كيف صنعت إيران من “حزب الله” قوة إلكترونية عظمى؟
بعد وفاة تشافيز في عام 2013، عندما تحوّل النظام الفنزويلي بسرعة إلى دولة مخدرات كاملة، انتهى الأمر بالرئيس الجديد، نيكولاس مادورو، فضلًا عن العديد من كبار المسؤولين، على قائمة وكالة مكافحة المخدرات الأمريكية (DEA) وقوائم المطلوبين في وزارة الخارجية الأمريكية. واستغل حزب الله الصلات غير المشروعة لنظام مادورو ووسّع شبكاته الإجرامية الإرهابية في جميع أنحاء فنزويلا، كما كشف جوزيف هومير في تقريره في “المجلس الأطلسي” حول العلاقة بين مادورو وحزب الله:
“في كثيرٍ من الأحيان، ومن دون أن يكون المجتمع اللبناني الأوسع على علمٍ بهذا النشاط السري، ظهر “جيش” من المهنيين اللوجستيين -رجال الأعمال والمحامين والمحاسبين وغيرهم- داخل مجتمع الشتات كشبكة دعم في فنزويلا تساعد في جمع وإخفاء ونقل وغسل الأموال غير المشروعة لحزب الله، التي يستخدم بعضها لتعزيز عملياته الإرهابية في جميع أنحاء العالم”3.
تشبه “آلية الشتات” تلك التي نفذها حزب الله في أوائل الثمانينيات في منطقة الحدود الثلاثية -تقاطع نهري إجوازو وبارانا، حيث تلتقي حدود الأرجنتين والبرازيل وباراجواي- من خلال استغلال المواطنين من أصل لبناني الذين غالبًا ما لا يعرفون حتى أنهم يتفاعلون مع حزب الله أو العملاء الإيرانيين. وخلال وقتٍ قصير جدًا، حوّل حزب الله المنطقة إلى مركزٍ لجميع أنواع الأنشطة غير المشروعة التي عزَّزت إيرادات الحزب، وكانت أيضًا بمثابة قاعدة انطلاق لشنِّ الهجمات. وكان الهجوم الذي شنّه حزب الله في مارس 1992 على السفارة الإسرائيلية في بوينس آيرس، وتفجيرُ مبنى الرابطة الأرجنتينية-الإسرائيلية في المدينة نفسها في يوليو 1994، اللذان أسفرا عن مقتل 114 شخصًا، مخططًا لهما في منطقةِ الحدود الثلاثية. لم يكن هذا سوى الدليل الأكثر بشاعة على أن إيران تعتمد على شبكةٍ واسعة ومتعددة المهام من حزب الله تنشط في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية، ولها جذور قوية في فنزويلا ومنطقة الحدود الثلاثية.

بالإضافة إلى ذلك، من المهم الإشارة إلى كيفية تداخل الأنشطة الإجرامية التي يقوم بها حزب الله/الحرس الثوري الإسلامي في كثيرٍ من الأحيان مع الأنشطة الإجرامية المنظمة، التي لجأت إليها طهران لتجاوز القيود المالية الناجمة عن العقوبات. وكما أفاد “معهد واشنطن”، تلقت وكالة مكافحة المخدرات الأمريكية معلوماتٍ عن استخدام السفارات الإيرانية في تعزيز الأعمال الإجرامية لحزب الله، مثل استخدام الحقائب الدبلوماسية في نقل المخدرات.
جماعات حزب الله بين كولومبيا وفنزويلا
في عام 2008، فكَّكت وكالة مكافحة المخدرات الأمريكية، بالتنسيق مع السلطات الكولومبية، عصابة دولية لتهريب الكوكايين وغسل الأموال استخدمت جزءًا من أرباحها لتمويل حزب الله. وأسفرت العملية، التي أُطلق عليها “تيتان” (Titan)، عن اعتقال عددٍ من الأفراد، بمن فيهم شكري حرب، زعيم لبناني مقيم في بوجوتا، الذي كان حلقة الوصل بين تجار المخدرات الكولومبيين وحزب الله.
في يونيو 2012، منعت وزارة الخزانة الأمريكية الأمريكيين من التعامل مع ثلاثة لبنانيين-فنزويليين ورجل لبناني، جميعهم متهمون بغسل أموال المخدرات لصالح حزب الله. هؤلاء الرجال هم: عباس حسين حرب، وعلي حسين حرب، وقاسم محمد صالح، وإبراهيم شبلي. واتهم الأربعة أيضًا بالارتباط بزعيم المخدرات الكولومبي اللبناني أيمن سعيد جمعة الذي اتهمته محكمة أمريكية العام السابق بتهريب الكوكايين مع عصابة المخدرات المكسيكية الوحشية “لوس زيتاس”.
تعمق هومير في دراسة عملية “تيتان” وأوضح أن الميسرين من حزب الله قاسم محمد صالح، وشقيقه علي محمد، كانا من كبار المسؤولين في جماعة صالح، التي تسيطر على الأسواق غير المشروعة للمخدرات والأسلحة، وتهريب الأموال، وغسل الأموال في منطقة مايكاو في شمال شرق كولومبيا، بالقرب من الحدود مع فنزويلا. بالإضافة إلى ذلك، تمر عصابات المخدرات عبر الحدود، إلى الأراضي الفنزويلية، التي يسيطر عليها أعضاء نظام مادورو الذين يستفيدون من هذه التجارة غير المشروعة4.
اقرأ أيضًا: لماذا يعتبر الاوربيون “حزب الله” خطرا يهدد قارتهم ؟
عندما اتخذت الولايات المتحدة إجراءات ضدهم في عام 2012، انتقلت جماعة صالح إلى ماراكايبو، وعملت بالتنسيق مع عصابة مخدرات قوية في فنزويلا تسمى “لوس ليليس”، يُعتقد أنها تسيطر على طريق الهجرة غير الشرعية في لا جواجيرا في كولومبيا.
جماعة لبنانية أخرى وثّقها هومير هي جماعة رضا، التي تُعتبر الأكبر في فنزويلا، مع معاقل مختلفة في جميع أنحاء الدولة، وقاعدتها الرئيسة في فالنسيا، العاصمة الصناعية لفنزويلا. وعلى عكس الجماعتين الأخريين (صلاح ونصر الدين)، فإن عناصر جماعة رضا لم يخضعوا بعد للعقوبات الأمريكية ويتجنبون لفت الأنظار5.
في عام 2017، اعتقلت السلطات الكولومبية ورحّلت الممول الفنزويلي-اللبناني لحزب الله، عبد الله راميل رضا، المتهم بالاتجار بالمخدرات والتهريب وغسل الأموال بين مايكاو وقرطاجنة، حيث كان مقره.
اقرأ أيضًا: جذور حزب الله العميقة في فنزويلا: سيناريوهات ما بعد الإطاحة بمادورو
ووفقًا للتصريحات التي أدلى بها عبد الله راميل نفسه، كان مشرفه سلمان رؤوف سلمان (صموئيل سلمان الرضا)، عضو بارز في منظمة الأمن الخارجي التابعة لحزب الله أو منظمة الجهاد الإسلامي في أمريكا اللاتينية، متورط في العديد من المؤامرات الإرهابية، بما في ذلك تفجيرات بوينس آيرس في عامي 1992 و1994. وفي عام 2009، أصدرت السلطات الأرجنتينية مذكرة اعتقال بحق رؤوف سلمان، ومكافأة قدرها 7 ملايين دولار للحصول على معلومات عن مكان وجوده6.
الجماعة الثالثة التي تناولها هومير هي جماعة نصر الدين، التي تتخذ من جزيرة مارجريتا مقرًا لها، ويقودها الأخوان غازي وعبد الله نصر الدين، وهما في الأصل من قرية بنت جبيل في جنوب لبنان، ورسميًا جزء من النظام الفنزويلي (على عكس الجماعتين السابقتين).
في عام 2008، فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية عقوباتٍ على غازي نصر الدين بسبب علاقاته مع حزب الله، فهو دبلوماسي رسمي وينخرط في علاقات مع وزارة الخارجية الفنزويلية. عندما كان غازي متمركزًا في السفارة الفنزويلية في دمشق، رتّب اجتماعات بين المسؤولين الفنزويليين وأعضاء رفيعي المستوى في حزب الله، وفي عام 2009 عقد اجتماع بين حزب الله ووزير الداخلية الفنزويلي آنذاك طارق العيسمي، ورئيس مكافحة التجسس في الجيش الفنزويلي، هوجو كارفاجال باريوس7.

كان عبد الله نصر الدين عضوًا بارزًا في الحزب الحاكم التشافيزي في فنزويلا، الحزب الاشتراكي الموحد الفنزويلي (PSUV)، حيث عمل منسقًا إقليميًا لولاية نيفا اسبرطة.
ويشير هومير إلى أن الجماعات الثلاث تتمتع بموقعٍ استراتيجي بالقرب من أهم ثلاثة موانئ في فنزويلا، حيث تتواجد شركة النفط الوطنية الإيرانية، وأيضًا بالقرب من المطارين الرئيسيين، حيث تعمل شركة الطيران الإيرانية الخاصة ماهان9. علاوة على ذلك، فإن أحد أبرز حلفائهم هو نائب الرئيس الفنزويلي السابق، ووزير النفط الحالي، طارق العيسمي، الذي يسيطر على جميع أنشطة التجارة البحرية في الدولة، الذي اتهمته السلطات الأمريكية أيضًا بتقديم جوازات سفر وبطاقات هوية فنزويلية لأعضاء حزب الله وضباط الحرس الثوري الإيراني من الشرق الأوسط، ومن بينهم سليمان غني عبد الوقيد، الذراع اليمنى لزعيم حزب الله حسن نصر الله10.
علاوة على ذلك، أوضحت ماريا زوبيلو، صحفية استقصائية إيطالية مقيمة في أمريكا اللاتينية، غطت على نطاقٍ واسع التطرفَ الإسلاموي في المنطقة، أن لدى إيران الآن عملاء مهمون يتسللون إلى جميع القطاعات الأساسية للاقتصاد الفنزويلي، وهم قادرون على شن حرب ضد أهداف أمريكية وإسرائيلية11.

ورغم أن إيران قد توقفت عن شنِّ هجماتٍ إرهابية في أمريكا الجنوبية، منذ الهجوم على مبنى الرابطة الأرجنتينية-الإسرائيلية، فإن ذلك قد يُعزى إلى حقيقة أن النظام الإيراني قد حوّل معظم جهوده إلى توسيع شبكاته ونفوذه في جميع أنحاء القارة، وتعزيز العلاقات مع عصابات الجريمة المنظمة، بدلًا من ارتكاب هجماتٍ إرهابية. من الواضح أن هذا لا يعني أنهم لا يملكون القدرات اللازمة لشنِّ هجمات مستقبلية.
وترى زوبيلو أن الموجة السياسية اليسارية الجديدة في تشيلي وبوليفيا وبيرو والأرجنتين، وعلى الأرجح كولومبيا والبرازيل، ستسهل الوجود الإيراني في المنطقة. إضافة إلى ذلك، ليس لإيران مصلحة في إحداث صراعات واضطرابات في تلك الدول التي تعتبر صديقة. باختصار، يمكن للإرهاب أن ينتظر، لأن التسلل إلى القطاعين السياسي والاقتصادي أكثر أهمية بكثير.
قد تُشكِّل التحالفات المحتملة بين إيران والحكومات اليسارية الجديدة ضربة خطيرة للولايات المتحدة في “فنائها الخلفي”، وقد تصبح أمريكا اللاتينية منصة إطلاق لعمليات حزب الله الإرهابية في الولايات المتحدة وأوروبا. وفي غضون ذلك، سوف يستخدم الخمينيون أمريكا اللاتينية كمركزٍ للنشاط غير القانوني، والتسلل السياسي المؤسسي، والدعوة.
اقرأ أيضًا: إيران تتطلع إلى الفرص في آسيا الوسطى
التسلل السلفي الصامت في المكسيك
إحدى دول أمريكا اللاتينية التي يبدو أنها مستبعدة من قصة تسلل الإسلامويين إلى نصف الكرة الغربي هي المكسيك. وعلى الرغم من العلاقات المزعومة بين عصابات المخدرات مثل لوس زيتاس وخاليسكو نويفا جينيريسيون، والجهاديين -التي أشارت إليها أحيانًا بعض وسائل الإعلام- وخطر تسلل الإرهابيين إلى الولايات المتحدة من المكسيك، فإنه لم تظهر أدلة تُذكر.
في عام 2011، اتهمت الولايات المتحدة إيران بالتآمر لقتل السفير السعودي في واشنطن دي سي، وتفجير السفارتين الإسرائيلية والسعودية في الأرجنتين، وكل ذلك بمساعدة لوس زيتاس. ووفقًا للائحة الاتهام الصادرة عن وزارة العدل الأمريكية، ناقش الكارتل والحرس الثوري الإيراني أيضًا صفقة جانبية لنقل الأفيون من الشرق الأوسط إلى المكسيك. وكانت هناك بعض الأدلة التي وصفها المحققون بأنها “قوية”، مثل الدفوعات التي تبلغ قرابة 100,000 دولار يُزعم أنها من الحرس الثوري الإيراني، وتسجيلات لشخصٍ يُشتبه أنه ضابط إيراني وهو يعطي أوامر لعميلٍ من تكساس، يعمل مع ممثلٍ مفترض لكارتل زيتاس، الذي كان في الحقيقة مخبر لوكالة مكافحة المخدرات الأمريكية. ومع ذلك، بدا المخطط كله “غريبًا“.

وحتى الآن، لم تُرتكب أي هجمات إرهابية على الأراضي الأمريكية من قبل إرهابيين قادمين عبر الحدود المكسيكية. ويمكن تفسير ذلك بأن عصابات المخدرات ليس لديها مصلحة في مساعدة الجهاديين المحتملين في مثل هذه العمليات، لأن ذلك من شأنه أن يثير رد فعل من الولايات المتحدة يضر في نهاية المطاف بأنشطة أباطرة المخدرات في كل من قطاعي المخدرات والاتجار بالبشر.
وحتى الآن لم يقع أي هجوم إرهابي في الولايات المتحدة من قبل فرد يدخل من المكسيك، يعمل دون دعمٍ مباشر من أي مجموعة (أي ما يسمى “الذئاب المنفردة”). واتضح أن الحدود الكندية أكثر خطورة، وآخر هجوم إسلاموي وقع في الولايات المتحدة ارتكب في يناير 2022 من قبل مواطن بريطاني دخل الولايات المتحدة بشكلٍ قانوني بالطائرة من لندن.
ومع ذلك، هناك ظاهرة صامتة مثيرة للقلق تحدث في المكسيك، تتركز في ولاية تشياباس الجنوبية، حيث يتنامى الوجود السلفي والإسلاموي باستمرار. ورغم أنه لا توجد حتى الآن أي صلات للمجتمعات المحلية بالإرهاب، فإن جهاز الاستخبارات المكسيكي في حالة تأهب بسبب غرابة الحالة.
الاهتمام المتنامي بالمنطقة من قبل المنظمات الإسلامية الدولية هو ظاهرة غريبة تمامًا لأنها دولة تتجذر فيها المسيحية وعقيدة المايا بعمق، ويمكن القول إن هناك توافقًا فريدًا من نوعه بين العقائد. بالإضافة إلى ذلك، تشياباس ليست بالضبط وجهة مفضلة للمهاجرين الذين يبحثون عن حياة أفضل أو للاستثمار نظرًا لضعف الفرص الاقتصادية في المنطقة.
اقرأ أيضًا: هل يستغل حزب الله المراكز الشيعية في أوروبا؟
تشياباس هي الولاية الأكثر فقرًا في المكسيك (يصل معدل الفقر 76,4%، وفقًا لأحدث البيانات) ويُعزى ذلك إلى أسباب عدة: يقطن تشياباس عددٌ كبير من السكان الأصليين، الذين عادة ما يكونون أكثر فقرًا من السكان غير الأصليين، وغالبًا ما يكونون مهمشين اجتماعيًا وسياسيًا، وضحايا التدابير السياسية التي تصب في صالح أصحاب الأراضي الأثرياء. وكثير من السكان الأصليين لا يتحدثون سوى لغات السكان الأصليين، وليس الإسبانية، الأمر الذي يمثل عقبة أمام التنمية السياسية والاقتصادية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الطبيعة الجغرافية الشاقة للمنطقة الجبلية تقف حجر عثرة أمام جعل التنمية الاقتصادية والصناعية. في أوائل التسعينيات، كان تشياباس معقل جيش زاباتيستا للتحرر الوطني سيئ السمعة.
في عام 2020، بلغ عدد سكان سان كريستوبال دي لاس كاساس 215،874 نسمة، عدد صغير إلى حدٍّ ما بالمقارنة مع المناطق الحضرية الأخرى في المكسيك. وعلى الرغم من ذلك، تفيد التقارير بوجود ستة مراكز إسلامية نشطة في المدينة: مركز للأحمدية، وثلاثة مراكز إسلامية سلفية التوجه (أحدها يستضيف أيضًا نشاط جماعة التبليغ)، ومركز يتبع أهل السنة والجماعة، ومركز للصوفية في ضواحي سان كريستوبال دي لاس كاساس.
هذه الظاهرة لفتت انتباه بالميرا بيريز، مراسلة مكسيكية معروفة مقرها كاليفورنيا، وتعمل حاليًا في قناة (نوتيسيرو استريلا) (Noticiero Estrella)، التي سافرت إلى تشياباس في عام 2021 لإجراء مزيدٍ من التحقيق في الوضع وإعداد تقرير إخباري تلفزيوني. من بين أمورٍ أخرى، اكتشفت بيريزا أن العديد من العائلات التي اعتنقت الإسلام ترسل أطفالها إلى تركيا للدراسات الدينية حتى يتمكنوا من العودة ونشر الرسالة. العديد من هؤلاء الأطفال يقرأون ويكتبون بالفعل باللغة العربية، على الرغم من أنه ليس من الواضح من أين تعلموا ذلك. كما أنه من الشائع جدًا بين المصلين ارتداء القبعات الأفغانية والباكستانية.
اقرأ أيضاً: سياسات مكافحة الإرهاب الغربية.. أخطاء وإخفاقات استخباراتية
من بين المراكز الإسلامية النشطة حاليًا، مسجد “الكوثر” في المنطقة الشرقية لمولينو لوس أركوس، المعروف بنشاطه في جماعة التبليغ وصلاته بالمجلس الإسلامي لأمريكا الشمالية12، الذي أنشئ كفرع من الجماعة الإسلامية، ويتمسك بالعقيدة السلفية، كما هو موضح في الجزء الأول من هذا التقرير13. وقد أكد تقرير مفصّل وجود جماعة التبليغ بشكلٍ أكبر في عام 2016 من قبل المؤرخ المكسيكي جاسبر موركيتشو14. ووفقًا للتقرير، استضاف مسجد الكوثر في 17 يونيو 2013 وفدًا من جماعة التبليغ لمساعدة المصلين على تقوية إيمانهم.
يوجد مركز إسلامي آخر في المدينة هو “مدرسة السليمانية”. يقع المسجد في منطقة دي سان دييجو، جنوب المدينة، ويرتبط بالرابطة الإسلامية الأمريكية المتحدة، ومقرها نيويورك. ويهدف إلى “توفير تعليم إسلامي استثنائي، وفقًا لعقيدة أهل السنة والجماعة، لكل مسلم تتوفر له، أو لا تتوفر، إمكانية الحصول على التعليم”، كما هو مبين على موقعه الإلكتروني.
يوجد مسجد آخر هو مسجد عمر، في حي تكسكالا. ووفقًا لموركيتشو، فقد أسس المسجد مهاجر سوري يعرف باسم “مظهر” في عام 2021، ولكن لا تتوفر سوى معلومات قليلة جدًا عنه.
اقرأ أيضًا: المنظمات الإسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية
من المثير للاهتمام ملاحظة أن ثلاثة على الأقل من هذه المراكز الإسلامية نشأت عن انقساماتٍ سابقة داخل أول منظمة إسلامية وطأت قدماها سان كريستوبال دي لاس كاساس، حركة المرابطين الإسبانية العالمية، التي أسستها مجموعة من المسلمين الإسبان، وقادها في تشياباس أوريليانو بريز يرويلا، المعروف أيضًا باسم “محمد نافعة”.
الحالة الغريبة لمحمد نافعة: جذور الإسلاموية في المكسيك
مثل الكاثوليكية الرومانية، جاء الإسلام إلى المكسيك من إسبانيا، على يد محمد نافعة (اسمه الأصلي أوريليانو بيريز يرويلا قبل اعتناق الإسلام) ورفاقه المسلمين، الذين التقوا في تشياباس مع مجموعةٍ من مدينة شامولا الذين طردوا من مجتمعاتهم في سان خوان شامولا لتحولهم من الكاثوليكية إلى البروتستانتية الإنجيلية. وجد أهل المدينة في الإسلام الحرية لإعادة بناء روابطهم المجتمعية، وشعورًا بالانتماء الذي كان قد بدده نزوحهم القسري.
في البداية سارت الأمور بشكلٍ جيد للمجتمع الجديد، ولكن سرعان ما أدَّت الاحتكاكات داخل حركة المرابطين الإسبانية العالمية إلى انقساماتٍ لاحقة، وتشكيل مجموعاتٍ جديدة. معظم المتاعب نتجت بسبب أسلوب نافعة الاستبدادي في القيادة. أراد أتباعه هجرة منازلهم والانتقال إلى المسجد، حيث يمكنهم العيش وفقًا لتقاليد السلف الصالح. وتوقّع أن يتوقف الأطفال عن الذهاب إلى المدارس العامة، والاعتماد على حركة المرابطين الإسبانية العالمية في التعليم. وطالب أتباعه بتجنب الاتصال بغير المسلمين، وهي عقيدة تعرف باسم الولاء والبراء، بما في ذلك أفراد الأسرة الذين لا يعتنقون الإسلام، وأكّد على المعتقدات الإسلامية بشأن تحريف الإنجيل، وهو أمر مسيء للغاية للمسيحيين، وغيرهم من السكان الأصليين، وأسلوب معيشتهم15.
أفضت هذه الأساليب المتغطرسة والمتطرفة في قيادة نافعة، جنبًا إلى جنب مع قضايا أخرى أكثر ثانوية، تتعلق أساسًا بالخلافات العقائدية والسلوكية، إلى الانقسامات المذكورة أعلاه التي خلقت المراكز الإسلامية المتعددة في سان كريستوبال. اليوم، حركة المرابطين الإسبانية العالمية هي المسؤولة عن المسجد الكبير، مسجد الإمام مالك، الذي يقع في حي أوخو دي أجوا الشمالي. وقد أوضحت لورا ريفيلا، في بحثها حول العمارة الإسلامية في تشياباس، كيف حافظت حركة المرابطين الإسبانية العالمية على روابط قوية مع المملكة العربية السعودية، وحصلت على تمويلٍ من داخل المملكة لبناء المسجد، الذي بدأ في عام 162013.
وأوضح المحلل الأمني أوسكار بيريز فينتورا، في تقريره عن حركة المرابطين الإسبانية العالمية، كيف أن الحركة لديها العديد من القواسم المشتركة مع الجماعات الإسلاموية الأخرى، مثل جماعة الإخوان المسلمين، وجماعة التبليغ، خاصة الهدف المتمثل في إقامة خلافة عالمية. وأشار فينتورا إلى أن الحركة شاركت في نشاطٍ دعوي مكثّف، مدعية بفخر أنها أول حركة إسلامية تقوم بالدعوة في أوروبا17.

قدم جاسبر موركيتشو تفاصيل حول ما حدث بعد ذلك مع حركة المرابطين الإسبانية العالمية في تشياباس، والتطورات في المجتمعات المختلفة في سان كريستوبال دي لاس كاساس. العنصر الأكثر أهمية الذي ظهر هو الاتجاه المسلح الذي اتخذه المسلمون الإسبان في مجتمع تشياباس. في فبراير 1995، حاول نافعة، برفقة مكسيكي يُعرف باسم “سيدي أحمد”، الاتصال بماركوس زعيم جيش زاباتيستا للتحرير الوطني، بعد عام من بدء جيش زاباتيستا تمرده، وتسليم ماركوس وثيقة من ثلاث عشرة صفحة، حيث اقترح وفد حركة المرابطين الإسبانية العالمية تحالفًا باسم “مناهضة الإمبريالية”:
“نحن، حركة المرابطين العالمية، ندعوكم للجلوس مع ممثلي الشعوب العظيمة في الشيشان، كشمير،
أوزكاليريا (الباسك) الذين هم اليوم في طليعة الكفاح ضد النظام المصرفي العالمي الاستبدادي …”
وتابعت الوثيقة:
“يجب خوض النضال من أجل تحرير الشعوب تحت راية تغيير الإسلام، وفقًا للرسالة السماوية التي
قدمها لنا محمد، آخر الأنبياء، محرر الإنسانية”.
وتُختتم الوثيقة بشعار: “النصر أو الموت!” ووقعت من قبل “حركة مرابطين العالمية. الجالية المكسيكية”.
يبدو أن نافعة ذهب إلى حد تقديم الأسلحة والمال إلى جيش زاباتيستا للتحرير الوطني18.
أكدت مصادر أخرى لبالميرا بيريز محاولة نافعة الأولى للتحالف مع جيش زاباتيسا للتحرير الوطني، مثل العضو السابق في حركة المرابطين إبراهيم شيشيف، وأشار موركيتشو إلى أنه بعد “مهمة المسلمين الإسبان الذين ينتمون إلى حركة المرابطين… الذين [كانوا] قد جاءوا إلى سان كريستوبال دي لاس كاساس… طالبين لقاء ماركوس… وأخذوهم إلى “سيلفا لاكاندونا”… لم يتلقوا أي إجابة”.
اقرأ أيضًا: مانويل فياريخو: الإرهاب في عصر الحقائق المتنازع عليها
من غير الواضح ما إذا كان ماركوس لم يرد على حركة المرابطين لأن جيش زاباتيسا للتحرير الوطني لم يكن مهتمًا بالتحالف مع الجماعة الإسلاموية، أو أنه ببساطة لم يتلق الدعوة أبدًا. في جميع الأحوال، كان على وفد حركة المرابطين تغيير خططه، وقرر الاستقرار في سان كريستوبال دي لاس كاساس، وإنشاء أول مسجد في المدينة، الذي أصبح فيما بعد “المسجد الكبير”.
ومع ذلك، من المثير للاهتمام أن نلاحظ كيف ألقى ماركوس في يناير 2009 خطابًا باسم جيش زاباتيسا للتحرير الوطني أيّد فيه المقاومة الفلسطينية. واتهم الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بالموافقة على الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة، ووصف تصرفات الحكومة الإسرائيلية بأنها “حرب غزو عسكرية كلاسيكية”، مضيفًا أن “الشعب الفلسطيني سيقاوم أيضًا، وسيصمد وسيواصل النضال، وسيحظى بالتعاطف مع قضيته”.

الجماعات الإسلاموية في المكسيك: المشكلات والحلول
من الواضح أنه حتى الآن، لم تكن هناك صلة بين الجهات الفاعلة الإسلامية في تشياباس والإرهاب. ومن الواضح كذلك أن الوضع بين السكان المسلمين في تشياباس متقلب للغاية، مع وجود مجموعاتٍ مختلفة مستمدة من الانقسامات السابقة داخل المجتمع، ومن المرجح أن تحدث المزيد من الانقسامات في المستقبل، كما هو شائع بين الأديان في جميع أنحاء العالم. لكن من المستحيل التكهن أين ستذهب هذه الشظايا.
لكن من المهم أن نضع في اعتبارنا الفرق بين الإسلام كدين، والمشروع السياسي للجماعات الإسلاموية. لقد جلب نافعة معه الإسلاموية إلى تشياباس في عام 1995، ونسخة متشددة من الدين في ذلك الوقت، وعزم على توحيد جهوده مع جيش زاباتيسا للتحرير الوطني العنيف لشن حربٍ ضد الدولة. يمكن اعتبار ولادة الجالية المسلمة في سان كريستوبال دي لاس كاساس نتيجة ثانوية لذلك، ومفاجئة إلى حد ما: قليلون هم الذين كانوا يتخيلون مثل هذا الانتشار الملحوظ للإسلام في أعقاب وصول نافعة. لكن نافعة وجد مجتمعًا، هو الشامولا، في لحظةٍ كان يعيش فيها أفراده في حالة من الفوضى، وكانوا يبحثون عن مرساة روحية، وتعرّفهم على الإسلام من خلال حركة المرابطين قدَّم لهم ما يصبون إليه.
وحقيقة أن المجتمع انقسم إلى مجموعاتٍ مختلفة لأن الكثيرين داخل حركة المرابطين لم يكونوا على استعداد لقبول تعليمات نافعة المتشددة هو مؤشر صحيّ. ذلك أنه توجيهاته كانت تهدف بشكلٍ واضح إلى خلق مساحاتٍ منفصلة تولِّد وتعزز الانقسامات بين المسلمين وغير المسلمين، الذين أشار إليهم بطريقةٍ مسيئة ومهينة. كثير من أولئك الذين اعتنقوا الإسلام لم يعجبهم هذا وابتعدوا. هناك منطق في هذا، بالنظر إلى أن العديد من معتنقي الإسلام قد طردوا سابقًا من المجتمعات الكاثوليكية بسبب تغيير عقيدتهم، وخبروا بأنفسهم ما يعنيه الإقصاء.
بشكلٍ عام، المخاطر التي تهدد المكسيك تأتي من الخارج، حيث إن الأيديولوجية المتطرفة غالبًا ما تسير جنبًا إلى جنب مع تدفق المساعدات المالية والمواد الدعائية العقائدية. وتعتقد مصادر محلية أن ثلاثة على الأقل من المجتمعات الإسلامية المحلية قد تأثرت بالسلفية. لذا، يتعين على السلطات المكسيكية أن تراقب عن كثبٍ من يمول المجتمعات المختلفة، حيث يذهب شباب تشياباس للدراسة في الخارج، ناهيك عن الأيديولوجية والمنشورات التي توزع في مختلف المراكز الإسلامية. ومن الأهمية بمكان أن نأخذ في اعتبارنا أن الأيديولوجية الإسلاموية المتطرفة تجد أرضيّة خصبة، حيثما تكون مؤسسات الدولة ضعيفة أو غائبة.
تدرك الجماعات الإسلاموية في جميع أنحاء العالم جيدًا أن الدعوة تنجح في المناطق المضطربة اقتصاديًا واجتماعيًا، حيث يسهل فيها كسب قلوب وعقول السكان الذين تعرّضوا للإهمال والإذلال. وقد حدث هذا بالفعل في الشيشان والبلقان، والعديد من الأماكن الأخرى في العالم. مرة أخرى، تشياباس هي أفقر ولاية في المكسيك، وفي حين أنه من المهم عدم رؤية الإسلام نفسه كمشكلة، هناك خطر من أن المنظمات الأجنبية تستغل الحاجة الروحية للسكان المحليين لفرض أجندتها المسلحة، الأمر الذي يلحق الضررَ بمسلمي تشياباس.
لقراءة الجزء الأول: التطرف الإسلاموي والجماعات الجهادية في أمريكا اللاتينية: ظاهرة متجذرة لا تحظى باهتمام كاف (1-2)
♦محلل أول في الفريق الإيطالي للقضايا الأمنية والإرهابية وإدارة حالات الطوارئ بالجامعة الكاثوليكية في ميلانو، ومركز أبحاث اللاهوت الإسلامي لمكافحة الإرهاب، ومقره المملكة المتحدة. كما أنه يعمل منسقًا لفريق “مجموعة أمريكا اللاتينية” التابع للمعهد الدولي للدراسات الأمنية.
المصدر: عين أوروبية على التطرف