الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
التصويت على الدستور يكشف عن معركة مصالح بين إخوان الجزائر
منذ سقوط نظام بوتفليقة يسود انقسام كبير بين أحزاب سياسية محسوبة على جماعة الإخوان المسلمين.. وتشرذم هذا التيار يخدم السلطة بشكل كبير

الجزائر- علي ياحي
فضحَت جلسة التصويت على مسودة الدستور بالبرلمان حربَ المصالح التي تعصف بإخوان الجزائر. ففي وقتٍ انتظر فيه أنصار التيار الوحدة بعد التشتت، في خضم التغيير الحاصل في البلاد منذ حراك 22 فبراير 2019، والذي أطاح بالرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، ونظامه، جاء الانقسام بانسحاب طرفٍ من الجلسة وتصويت آخر.
وقاطع نواب أكبر حزبَين إخوانيَّين؛ هما حركة مجتمع السلم لزعيمه عبدالرزاق مقري، وجبهة العدالة والتنمية للقيادي عبدالله جاب الله، جلسة التصويت على مشروع تعديل الدستور، بينما صوَّت نواب حركة البناء بـ”نعم”؛ لتنطلق حرب تصريحات بين الإخوة الفرقاء، حيث قال رئيس الكتلة النيابية لحركة مجتمع السلم، مهدي زنتوت: “إن اتخاذ قرارات فردية يعد إهمالاً لكل الشركاء، وإن الأصل في تحديد موعد الاستفتاء يتم عند استدعاء الهيئة الناخبة، وبعد نضج المشروع الذي يعتبر الوثيقة الأسمى بالنسبة إلى الجزائريين”.

وأضاف زنتوت أن القيمة السامية للدستور تتنافى مع حالة الاستعجال الذي ميَّز إحالة المشروع إلى البرلمان. بينما برر النائب عن جبهة العدالة والتنمية؛ لخضر بن خلاف، قرار المقاطعة، بأن “مسائل إجرائية كرستها ممارسات إدارة البرلمان هي التي دفعت نواب الكتلة إلى تبني القرار المذكور”.
اقرأ أيضاً: الجزائر.. الحكومة تسحب بساط العمل الخيري من تحت أقدام الإخوان
في المقابل، أصدر عبدالقادر بن قرينة؛ رئيس حركة البناء، بياناً بخصوص قرار التصويت، وأشار إلى لغط كبير صاحب تصويت 3 نواب من حركة البناء حضورياً بـ”نعم”، وأوضح أن حزبه انخرط في المسار الدستوري من بداية حراك الملايين، ومع بداية تمايز مواقف مختلف القوى، وحينها ظهر في الساحة ولا يزال رأيان من طرف الشركاء؛ “الأول يرى أن الانخراط في الحل الدستوري على ما فيه من نقائص هو الآمن؛ لأنه يحقق انتخابات رئاسية، وقوانين تنبثق من إصلاح دستوري مستفتى عليه من قِبل الشعب، وبرلمان منتخب، وغيرها، وحركة البناء من هذا الرأي”، أما الثاني الذي يناصره البعض فيتمثل في المرحلة الانتقالية؛ برلمان تأسيسي توافقي ليس انتخابياً، وإلغاء الدستور الحالي والتأسيس لدستور توافقي جديد تنبثق عنه قوانين ومجالس شعبية جديدة منتخبة.

فشل شعبي
وحسب أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية سمير محرز، فإن التيارات الإسلامية التي عايشت النظام السابق أثبتت فشلها في استقطاب الشعب من جهة، كما أن النظام الحالي لم يعد يراهن عليها من جهة أخرى.
وقال محرز، في تصريحٍ أدلى به إلى “كيوبوست”: “إنه في حين تخندقت أغلبها مع قطب المعارضة، حدث تقاربٌ بين حزب حركة البناء ومؤسسة الرئاسة”، مشيراً إلى أن هذا التقارب كان واضحاً من خلال ندوة الإصلاح السياسي التي تبنتها حركة البناء مع بعض التيارات الإسلامية والوطنية ومنظمات المجتمع المدني.

ويرى محرز أن النظام الحالي لن يعتمد على الأحزاب الإسلامية “القديمة” المستهلكة من طرف النظام السابق؛ كحركتَي النهضة ومجتمع السلم، وعلى العكس سيكون حزب حركة البناء قائد التيارات السياسية الإسلامية في المرحلة المقبلة، موضحاً أن حركة مجتمع السلم أكبر حزب محسوب على تيار الإخوان، والذي قاد المشهد السياسي الإسلامي لأكثر من 25 سنة، إلا أنه “تصدَّع داخلياً بفعل الانشقاقات والصراعات الداخلية، وصولاً إلى ضعف خطابه بعد فترة الحراك الشعبي، وعدم وضوح تموقعه، تارة مع المعارضة وأخرى مع الموالاة”؛ ما جعل قيادات حركتي البناء والإصلاح يستغلون الفرصة لفرض وجودهم ضمن أجندات النظام الحالي عبر مساندة ودعم توجهات الرئيس عبدالمجيد تبون.
اقرأ أيضاً: إخوان الجزائر يقلبون الطاولة على شركائهم في المعارضة طمعاً في المناصب
وفي حين تمارس حركة مجتمع السلم وبعض المنشقين عنها من تيار الإخوان المعارضة، استفردت حركة البناء بالمشهد الإسلامي عبر تأسيس “قوى الإصلاح”؛ وهو تكتل من قرابة 50 حزباً سياسياً وتنظيماً مدنياً واجتماعياً، استقبل الرئيس تبون بعض قياداته بقصر الرئاسة؛ لمناقشة الوضع السياسي وتعديل الدستور، وهي الخطوة التي فسَّرها عديد من الأطراف بأن السلطة حسمت اختيار شركائها من القوى السياسية والمدنية، والتي ستساعدها في تأمين مرحلة تعديل الدستور، ومواجهة قوى الرفض ومكونات الحراك الشعبي المصرة على مطلب التغيير وليس الإصلاح.

تشتت وانقسام
وفي السياقِ ذاته، يعتبر المحلل السياسي مومن عوير، في تصريحٍ أدلى به إلى “كيوبوست”، أن التيار الإسلامي في الجزائر مشتت ومنقسم في آرائه وتصوراته السياسية منذ فترةٍ طويلة، وما مسودة الدستور إلا مثال من عشرات الأمثلة، ثم إن “ما يثير الحيرة هو أن رئيس حركة البناء انتقد مسودة الدستور ورفض الإبقاء على بعض النقاط، وطالب بإضافة أخرى، وكان موقفه صريحاً ومباشراً؛ ولكن خلال جلسة التصويت على مشروع التعديل، صوتت كتلته الحزبية في البرلمان بالقبول، في تناقضٍ صارخ”.

ويتابع عوير بأن تشتت وتشرذم التيار الإسلامي في الجزائر يخدم السلطة بشكل كبير، وهي المستفيد الأكبر من هذه الوضعية، “فلو اجتمعت هذه الأحزاب على موقف معارض واحد؛ فستحرج السلطة أو على الأقل تكسب احترام الشعب”، مضيفًا أن كل الأحزاب الموجودة في الساحة السياسية تتموقع لتحقيق مصالحها وأهدافها، بغض النظر عن أفكارها ومواقفها؛ وهو مسار تنتهجه كل الأحزاب؛ إسلامية كانت أم علمانية.
اقرأ أيضاً: إخوان الجزائر يناقضون سياسة بلدهم ويتدخلون في الشأن المصري
وتعتقد الإعلامية المهتمة بالشأن السياسي حكيمة دهبي، في تصريحٍ أدلت به إلى “كيوبوست”، أنه لم يتغير شيء بالنسبة إلى التيار الإسلامي قبل أو بعد الحراك، وهذا الانقسام هو نفسه؛ حيث إن حركة البناء كانت موالية للسلطة السابقة ولم تنسحب من صف الولاء إلا في الأسابيع الأخيرة قبل الحراك؛ لكن المفاجئ بالنسبة إلى حركة البناء هو تناقض موقفها.
وأوضحت دهبي أن بيان رئيس الحركة، عشية التصويت على المشروع في البرلمان، أعلن صراحة رفضه ترسيم الأمازيغية؛ ما كان يوحي باتجاه رفض مسودة الدستور من طرف نوابه، وما حدث هو العكس؛ “أعتقد أن الاختلاف هذه المرة كان محاولة من الحركة لكسب رضا تيار شعبي معارض لدستور تبون؛ حتى لا تتورط في حال رفضه من طرف الشعب”.

وتختم دهبي تصريحها إلى “كيوبوست” بنقطة مهمة؛ ألا وهي أن انقسام الإخوان سببه المناصب، وكذلك معركة التموضع لمرحلة ما بعد الدستور؛ لأن هناك انتخابات برلمانية ومحلية، حيث إن حركة مجتمع السلم تراهن على تصدر التشريعيات، وقد سبق لرئيسها عبدالرزاق مقري، التصريح بذلك، أما بالنسبة إلى حركة البناء، فهي تبحث عن المشاركة في الحكومة؛ بينما جبهة العدالة والتنمية لا تزال من التيار الرافض لانتخابات 12 ديسمبر 2019، وبطبيعة الحال ستعارض كل ما ينتج عنها.