الواجهة الرئيسيةصحةمجتمع

“التشدد في غير مواضعه”.. عن “كورونا” وإغلاق المساجد

كيوبوست

في غالب الأزمات العالمية أو الكوارث الطبيعية، عادةً ما تنزع فئات في المجتمع العربي وتتفرغ إلى تأويل كل ما يحدث وربطه بجوانب دينية، ضمن ظاهرة اتّكال على غيبيات وجد أصحابها راحة كبيرة في وضع التفسير دون بذل أي جهد؛ فمثلًا فيروس كورونا هو “جند من جنود الله، جاء ليضرب البشرية”، لا تفسير أسهل من هذا، بينما يغرق علماء العالم اليوم على الدوام في تحليل تعقيدات الفيروس؛ لإيجاد لقاح له ينقذ البشرية بمَن فيها هؤلاء أصحاب “مقولة الجند”.

في بادئ بدء قرنت هذه الفئات التي تلقى تغريداتها ومنشوراتها على مواقع التواصل رواجًا لا مثيل له في أنحاء السوشيال ميديا العربية، قرنت الفيروس بغضب إلهي على الصين جراء قمعها المسلمين الإيغور، واليوم وهم يشاهدون الصين تتعافى تمامًا من الفيروس بينما تفشَّى في بلدان تتبع شتى الأديان، حاصدًا الأرواح دون أي تمييز، اختفت نوعًا ما نظرية جندي الله، وأخذ أصحابها طابعًا آخر.

اقرأ أيضًا: انتهاكات جماعية لحقوق الإنسان: الصين ترسل مسلمي الإيغور إلى معسكرات سياسية

يبدو الطابع الآخر الذي وجدته هذه الفئات المولعة بالغيبيات، وتستهوي عقول شرائح واسعة من الطبقة الشعبية في المجتمعات العربية، أكثر خطورة. هذه المرة جاء على هيئة تحريض ضد إجراءات الوقاية من الفيروس وتفسير بعض هذه الإجراءات بأنها عداء للدين الإسلامي.

مرجع ديني إيراني كان قد وصف “كورونا” بعقاب إلهي للصين.. هو الآن مصاب بالفيروس

وعملت هذه الفئات على تغذية معارضة شعبية تجاه خطوة إغلاق المساجد أمام الصلوات والتي أعلنتها السلطات في معظم البلدان العربية؛ لمنع تفشِّي فيروس كورونا الفتاك.

وعلَّل هؤلاء على أساس غير علمي، رأيهم، بأن مَن يريد الوقاية فليصلِّ في البيت، ومَن يريد الصلاة في المسجد فهو وشأنه. يدل هذا على جهل محض؛ فالدراسات الطبية أثبتت أن المصاب بالفيروس لا يكتوي به وحده إنما قد يُعدِي دائرةً غير محصورة من محيطيه ومخالطيه.

وعند البحث عن المنطق الذي تنطلق منه هذه الآراء المتشددة، لا يمكن إيجاد قاعدة يرتكز عليها؛ حتى إن بحثنا في التاريخ الإسلامي وتعامل المسلمين في العهد القديم مع الأوبئة.

شاهد: فيديوغراف.. الطاعون في العصر الأموي

إحدى الروايات التاريخية عن التعامل مع وباء الطاعون الذي فتك بالمسلمين في بلاد الشام وقتل قرابة 30 ألفًا في عهد عمر بن الخطاب، تقول إنه وفي ذروة انتشار الوباء “استخلف الناس معاذ بن جبل، فقام خطيبًا، وقال: أيها الناس إن هذا الوجع رحمة ربكم، ودعوة نبيكم، وموت الصالحين قبلكم، وإن معاذًا يسأل الله أن يقسم لآل معاذ حظهم. فطُعن ابنه عبدالرحمن فمات، ثم قام فدعا به لنفسه فطُعن في راحته ومات. فلما مات معاذ استخلف على الناس عمرو بن العاص، فقام خطيبًا في الناس فقال: أيها الناس إن هذا الوجع إذا وقع فإنما يشتعل اشتعال النار، فتجبلوا منه في الجبال. وخرج الناس إلى الجبال، ورفعه الله عنهم فلم يكره عمر ذلك”.

في حديث لـ”كيوبوست”، يقول مدير معهد إعداد الدعاة في وزارة الأوقاف الفلسطينية ماجد صقر: “إن مشكلة الأمة الإسلامية للأسف في أنها تعيش وتتواكل وتفهم التوكل على الله بطريقة خاطئة دون الأخذ بالأسباب”.

ماجد صقر

ويضيف صقر أن النبي محمد عندما قال: “ألا صلُّوا في رحالكم” بدلًا من “حي على الصلاة”، قالها ليبيِّن أن هناك حالات يستطيع الإنسان أن يصلِّي فيها في بيته؛ في الظروف الصعبة.

ورغم اتخاذ السلطات في البلدان العربية إجراءات صارمة؛ فإن خطوة إغلاق المساجد جوبهت بالرفض، وذهب أفراد للصلاة في باحة الجامع الخارجية؛ ما يشكل خطرًا في حال وجود إصابة أو حامل الفيروس بين المصلين. كما انتشرت على مواقع التواصل مقاطع فيديو تظهر توجه مجموعات إلى المساجد؛ رفضًا لقرار الإغلاق.

ويقول الشيخ ماجد صقر: “إذا درسنا التاريخ نجد دائمًا أن مصلحة الأبدان مقدمة على مصلحة الأديان، وحتى لو لم تكن هنالك سابقة تاريخية في أحكام التعامل مع الأوبئة، فلا مانع في أن نجتهد ونصلِّي في البيوت”.

وأضاف صقر أن انتشار الوباء قد يؤدي إلى دمار المجتمع إذا لم نأخذ بالأسباب؛ فمثلًا في أوروبا تهاونوا في التعاطي مع الفيروس وأصبحت حالتهم مأساوية رغم الإمكانات الهائلة. أما نحن فيجب أن نأخذ خطوات وقائية زيادة عن البقية حتى نحافظ على مجتمعنا”.

ولم تتوقف الفئة المعارضة لإغلاق المساجد الهادفة إلى حماية المجتمع من خطر الفيروس، عن إجراء مقارنات غير منطقية في سبيل إثبات وجهة نظرها، عندما طالبت بإغلاق الأسواق والبنوك بالمثل.

تغريدة عن مصاب فلسطيني بـ”كورونا” قادم من باكستان

وقال صقر إن هناك ضررًا في وجود عدد كبير من المصلين في المساجد بالأخص؛ فهي ليست كالأسواق، إذ إن فيها سجودًا وتماسًّا للأرض وتراصًّا، مضيفًا: “يجب أن لا تكون أفعالنا ردات فعل. ربط إغلاق المساجد بإغلاق البنوك مثلًا أو الأسواق لا يجوز، والوضع مختلف بينها”.

وعن أسباب نزوع هذه الفئات إلى هذا الجانب من التفكير في تلقِّي مثل هذه الإجراءات، قال صقر: “إن كثيرًا من الناس متشددون في غير مواضع الشدة، ويظنون هذا اعتداءً على الدين وتماديًا عليه”، مرجعًا ذلك إلى جملة أسباب؛ من بينها وجود معارضة للسلطات القائمة، وبالتالي التعبير عن هذه المعارضة برفض إجراءاتها، إضافة إلى الفهم الخاطئ للدين أو ما يمكن تسميته كما قال النبي محمد “التنطُّع”.. عندما قال: “هلك المتنطعون” أي المتشددين في غير مواضع الشدَّة.

شاهد: فيديوغراف: ماهي أسباب التشدد؟

وتابع صقر: “ليس تشددي وذهابي إلى المسجد هو علامة تقوى أكثر من إنسان صلَّى في البيت؛ فالأمور خارجة عن الإرادة”.

اتبعنا على تويتر من هنا

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة