الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

التراجع الخطير في القوة البحرية الأمريكية

كيوبوست- ترجمات

كوري شاك♦

إذا ما وقعت الحرب بين الولايات المتحدة والصين، يجب على الجيش الأمريكي أن يضرب أولاً ميناء لونغ بيتش في كاليفورنيا.

هذه المقولة الساخرة يرددها المراقبون؛ للدلالة على أن تعطيل التجارة البحرية الصينية إلى الولايات المتحدة سوف يلحق ضرراً أكبر ببكين من ضرب الصين نفسها.

اقرأ أيضاً: كيف تستغل استراتيجية الصين الكبرى قوة الولايات المتحدة لخدمة أهدافها؟

نشر موقع “فورين أفيرز” مقالاً بقلم كوري شاك، تناقش فيه الأهمية الاستراتيجية المتزايدة لطرق التجارة البحرية وأهمية حماية هذه الطرق التي تنقل نحو 90% من البضائع المتداولة في العالم. تقول شاك، في مطلع مقالها، إنه على الرغم من الحديث المتزايد عن القوة الاستراتيجية في القرن الحادي والعشرين في مجالات الفضاء السيبراني والفضاء الخارجي؛ فإن مستقبل الصراع الجيوسياسي سيكون في ساحة أقدم، وهي البحار. وترى أن أمن الولايات المتحدة وازدهارها يعتمدان بشكل كبير على هيمنتها البحرية.

تشير شاك إلى كتاب “حكم الأمواج” للكاتب بروس جونز، الذي رسم فيه خريطة الشبكة الهائلة لخطوط أنابيب الوقود وكابلات الاتصالات البحرية التي تؤكد أن المحيطات أصبحت تعتبر أهم منطقة مواجهة بين اللاعبين العسكريين الكبار في العالم، وأن الصراعات الجيوسياسية أصبحت الآن في أعالي البحار. يحذر بروس، في كتابه، من تراجع الهيمنة الأمريكية على هذه البحار، ويدعو واشنطن إلى إقامة “تحالف التحالفات” بين جميع الاقتصادات المستهلكة للطاقة.

اقرأ أيضاً: المنافسة الحتمية بين الولايات المتحدة والصين ومأساة سياسات القوى العظمى

ثم تتناول شاك كتاب “العصر الأزرق” للباحث غريغ إيستربروك، الذي يشترك مع جونز في دعوته إلى الحفاظ على الهيمنة الأمريكية على البحار؛ ولكنه يتخذ منحًى مختلفاً، إذ يرى أن واشنطن قادرة على الحفاظ على هيمنتها من خلال تعزيز أسطولها التجاري وزيادة عدد قواعدها البحرية للدفاع عن حلفائها وتأمين حرية الملاحة؛ ولكنه يقوض حجته من خلال استنتاجه أن الولايات المتحدة لا تمتلك الموارد المالية اللازمة لذلك.

وترى شاك أنه للحفاظ على النظام الدولي لا بد للولايات المتحدة من استعادة قوتها البحرية المتراجعة في ظل التكتلات اللوجستية الخاصة الهائلة التي قزمت الأسطول الأمريكي الضروري لقدرة الولايات المتحدة على التعبئة في أوقات الحروب. وتشير إلى أن الأسطول التجاري الأمريكي الذي كان يمثل 43% من الشحن العالمي عام 1950 قد تراجع اليوم إلى 4% فقط، وأصبح يحتل المرتبة السابعة والعشرين على مستوى العالم. وفي المقابل تمتلك الصين أكبر أسطول تجاري في العالم. والأمر نفسه ينطبق على القوة البحرية الأمريكية التي حلت الصين محلها كأكبر قوة بحرية في العالم عام 2020.

البحرية الصينية بدأت بتسيير دوريات في المناطق الاقتصادية الأمريكية- “فاينانشال تايمز”

ولا شك أن الاستراتيجية العسكرية الأمريكية الحالية تفرض ضغوطاً كبيرة على قواتها البحرية في ضوء استعداد واشنطن لصراع محتمل مع الصين، والتزاماتها بالدفاع عن حلفائها في حلف الناتو، واستخدامها المناورات البحرية لتعزيز علاقاتها مع شركائها الدوليين. وكل ذلك أدى إلى إجهاد البحرية الأمريكية إلى حد كبير، انعكس في زيادة عدد الحوادث البحرية وتراجع أعداد الطواقم ونقص التدريب. وقد وجد تقييم داخلي للبحرية أن 85% من صغار الضباط يعانون نقصاً في المهارات الضرورية للتعامل مع السفن.

ثم تنتقل الكاتبة للإشارة إلى المشكلة الثانية التي تعانيها القوات البحرية الأمريكية بشكل عام، والتي تتمثل في عدم الانتباه إلى الكفاءة القتالية، وتوجيه الطاقات إلى أولويات أخرى؛ مثل مواجهة الأوبئة والتراجع الاقتصادي والعدالة العرقية وتغير المناخ. وتقول شاك: لا شك أن هذه القضايا مهمة للغاية؛ ولكنها ليست الأسباب التي جعلت الولايات المتحدة تمتلك جيشاً قوياً. وترى أن تبني البنتاغون استراتيجية “الردع المتكامل” التي تركز على الأدوات الاقتصادية والدبلوماسية للدفاع، يبدو إلى حد كبير كمبرر لعدم الاهتمام بالقوة العسكرية لردع الخصوم.

اقرأ أيضاً: اللعبة الكبرى.. استراتيجية الصين الكبرى لإزاحة النظام الأمريكي

لقد كانت وزارة الدفاع هي الوكالة الفيدرالية الوحيدة التي لم تشهد ارتفاعاً في تمويلها في ميزانية عام 2022 التي اقترحتها إدارة بايدن؛ مما دفع الكونغرس إلى إضافة 24 مليار دولار إلى المبلغ الذي طلبته الإدارة. ولكن حتى مع هذه الزيادة، فإن الميزانية لا تقترب من المستوى المطلوب لتنفيذ الالتزامات التي تفرضها الاستراتيجية الأمريكية التي تتطلب ميزانية دفاعية تصل إلى تريليون دولار سنوياً.

وإذا لم تخصص إدارة بايدن زيادة كبيرة جداً في تمويل الجيش الأمريكي بأكمله، فلا بد من إعادة توزيع الإنفاق الدفاعي؛ بحيث يتم إعطاء الأولوية للبحرية قبل القوات البرية والجوية. ففي غياب قوات بحرية قادرة ومجهزة بالموارد الضرورية، لن تتمكن الولايات المتحدة من الدفاع عن حلفائها في اليابان والفلبين أو تأمين مسرح عمليات أوسع في حال نشوب صراع مسلح.

وتخلص شاك إلى أن تضاؤل اهتمام واشنطن بقوتها البحرية يعطي رسالة خاطئة إلى حلفائها وشركائها. وتقول: إذا كانت الولايات المتحدة ترغب في الحفاظ على كونها القوة التي تضع قواعد النظام الدولي وتطبق هذه القواعد، فعليها أن تعمل بالنصيحة القديمة “لا تدر ظهرك أبداً للمحيط”.

♦زميلة أولى ومديرة دراسات السياسة الخارجية والدفاعية في معهد “أميريكان إنتربرايز”. شغلت سابقاً منصب نائب مدير تخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأمريكية.

المصدر: فورين أفيرز

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة