الواجهة الرئيسيةمجتمعملفات مميزة
التدين الظاهري.. وسيلة الكثيرين إلى المكانة الاجتماعية
هكذا يخفي كثير من المتدينين حقيقة ما يدور في صدورهم!

خاص كيو بوست –
يبدو أن ظاهرة الاستعراض في إجراء الشعائر الدينية باتت تتفشى داخل المجتمعات الإسلامية في المنطقة العربية. ويحيل خبراء نفسيون ذلك إلى أن هذه الظاهرة تعبر عن نوع من تشوه الوعي بالدين، إلى جانب الرغبة في الظهور كشخص متدين، يكن له الجميع الاحترام.
وبالنسبة لهؤلاء، قد لا يكون التدين أمرًا صعبًا، لأن كل ما يحتاجه الشخص ليظهر كشخص محترم، هو أن يرتدي الملابس التي توحي بالتدين، والتوجه إلى أداء الشعائر الدينية، دون الحاجة إلى تطبيق روح وجوهر الدين.
ورع ظاهري فقط
يعرف البعض تلك الظاهرة بـ”الورع الظاهري”، أي ذلك الورع الديني الذي يقوم على حب الظهور فقط، ولا يكترث لطبيعة الورع الداخلية، إذ يركّز الشخص على الظهور بمظهر من يقوم بأداء الواجبات الدينية بشكل دائم، رغم أن أفعاله قد تتناقض مع أخلاق الدين الذي ينتمي إليه. وفي منطقتنا العربية، بات كثير من “المتدينيين” يحرصون على ظهورهم بهذا المظهر، رغم أن مجتمعاتنا امتلأت بالفساد والرشاوى والانتهاكات الجنسية، التي كثيرًا ما تتغطى بغطاء الدين.
وهكذا قد نجد شخصًا يؤدي جميع الفروض الدينية، لكنه يقبل الرشوة ممن هو أصغر منه وظيفيًا، ويدفعها لمن هو أعلى منه وظيفيًا، أو قد يختلس مبلغًا ماليًا من مؤسسته دون أن يرى في ذلك إثمًا.
ويعتقد هؤلاء أن “تدينهم” يتيح لهم أن يفسروا النصوص الدينية وفق مصلحتهم الشخصية، فغالبًا ما تحمل طريقتهم في التدين ازدواجية في المعايير، تقوم على تكييفهم للنص الديني مع الظرف المحيط بهم، بما يتلاءم مع احتياجاتهم. فقد يزعم شخص ما سرق مبلغًا من المال، أنه “أخذه” أو “حصل عليه”. ورغم أنه يدرك، في قرارة نفسه، أنه سرقه سيصرّ -على مستوى الخطاب على الأقل- على استخدام مصطلحات تبرئه من إثم السرقة. وهكذا يشعر بأن غطاء الدين يوفر له الكثير من المرونة في التعامل من النصوص المقدسة، رغم أنه يلتزم “حرفيًا” بشعائر ديانته الظاهرية.
أسباب
يحيل خبراء أسباب تلك الظاهرة بأنها نتاج إثارة المشاعر الدينية العاطفية في أماكن العبادة، دون التركيز على الجوانب الروحية، ومع عدم التبحّر في العلوم الدينية يصبح من السهل تأويل النصوص الدينية حسب الحاجات الشخصية، بعيدًا عن الأهداف الحقيقية التي تسعى الديانات إلى ترسيخها في قلوب المؤمنين بها.
اقرأ أيضًا: حقائق مقلقة: اغتصاب الأطفال بثوب “رجل الدين”
ويعتقد أحد مفتشي الشؤون الدينية في الجزائر فضيل بن سعيد أن قضية الارتباط بمظاهر التدين مثل اللحية والجلباب، تسعى إلى اكتساب ثقة الناس، وإلى البحث عن مكانة اجتماعية بمنزلة معينة، خصوصًا مع اختلال القيم الأخلاقية والروحية. وأضاف بن سعيد: “ينظر الناس إلى المظاهر الخارجية، لكنهم لا يلامسون باطن الأشخاص، ويهتمون بالقشور الشكلية، الأمر الذي يضر بالدين الإسلامي، أكثر مما يفيده”.
وأضاف الشيخ في حديث مع صحيفة العرب الإماراتية أن مظاهر التدين باتت ملاذًا لكثيرين من أجل بلوغ أهداف وغايات اجتماعية، ليس لها علاقة بالتدين، وهو ما يندرج ضمن مفهوم الرياء الذي ينهى عنه الدين.
التدين الموسمي
تعرف الديانات المختلفة ظواهر التدين المناسباتية، التي تدوم طوال الموسم الخاص بالتدين. وقد يكون هذا الموسم عبارة عن شهر معين (كشهر رمضان لدى بعض المسلمين)، أو كفترة معينة (مثل الأعياد المجيدة لدى بعض المسيحيين)، فيما يتراجع مستوى “التدين” بعد هذه المناسبات بشكل كبير، ويعود المواطن إلى طقوسه القديمة. وهكذا يتفرغ محتوى الدين بالكامل من معانيه ومراميه، ويتحول إلى أداة لحظية على عكس الديمومة التي تنادي بها الديانات.
اقرأ أيضًا: كيف توظف القوى السياسية العامل الديني في “الحروب بالوكالة”؟
يقول الشيخ الغزالي في دراسة له بعنوان التدين المغشوش: “المفروض في العبادات التي شرعها الله للناس أن تزكي السرائر، وتقيها العلل الباطنة والظاهرة، وتعصم السلوك الإنساني عن العوج والإسفاف والجور والاعتساف، وكان هذا يتم حتمًا لو أن العابدين تجاوزوا صور الطاعات إلى حقائقها وسجدت ضمائرهم وبصائرهم لله، عندما تسجد جوارحهم، وتتحرك أنفس ما في كيانهم –مشيرًا إلى القلب والعقل- عندما تتحرك ألسنتهم، أما إذا وقفت العبادات عند القشور الظاهرة والسطوح المزورة فإنها لا ترفع خسيسة ولا تشفي سقامًا”.