الواجهة الرئيسيةترجمات
التدخل التركي في ليبيا.. محاولة إحياء النفوذ العثماني

كيوبوست- ترجمات
في أواخر نوفمبر، وضعت تركيا أنظارها على هدف جديد في ليبيا.. اندلعت حرب أهلية طويلة، كانت الحكومة في طرابلس والتي تعرف غالبًا باسم حكومة الوفاق الوطني تخسر قوتها أمام الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر، وكانت قواته متمركزة في شرق ليبيا. تركيا تدعم طرابلس، مصر تدعم حفتر، إنه جزء من صراع أوسع بكثير يمثل محاولة تركيا لإحياء النفوذ الذي لم نشهده منذ نهاية الحرب العالمية الأولى.
قبل قرن من الزمن اعتقدت القوى الأوروبية أن الإمبراطورية العثمانية يمكن تقطيعها بسهولة ومنح أراضيها؛ لكن اليوم تركيا عادت وانتقلت إلى مناطق مثل شمال العراق وشمال سوريا وليبيا وحتى الخليج والصومال. ساعد مؤتمر باريس للسلام الذي انتهى في يناير 1920، قبل 100 عام، في تمهيد الطريق لعديد من القضايا التي لا تزال تواجه الشرق الأوسط.
اقرأ أيضًا: الدور التركي في ليبيا.. قراءة للسياقات الداخلية والإقليمية
من الصعب أن نتذكر الآن، ولكنَّ كثيرًا مما نعتبره أمرًا مفروغًا منه في ما يتعلق بحدود الشرق الأوسط هو تعسفي إلى حد ما، وتم البت فيه جزئيًّا بعد الحرب العالمية الأولى في سلسلة من المعاهدات؛ مثل معاهدة لوزان عام 1923.. لماذا الموصل في العراق وليس تركيا، كما ادَّعت تركيا ذات مرة؟ لِمَ يفتقر الأكراد إلى دولة؟ لماذا وضعت الكسندريتا في تركيا وهي من الممكن أن تكون في سوريا؟ التوترات الأخيرة في الشرق الأوسط، والأسئلة التي لم يكن لها إجابة من لبنان إلى العراق وليبيا وتركيا وغزة.. كلها جزء من هذا.
دعنا نبدأ حيث تنهي تركيا الآن طموحاتها الأخيرة في ليبيا، تعتبر ليبيا اليوم بمثابة الإعداد لحرب بالوكالة؛ حرب هادئة تعكس الانقسامات في العالم الإسلامي بين جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها الحزب الحاكم في تركيا، والبلدان التي تعارض جماعة الإخوان المسلمين؛ فالرئيس التركي رجب طيب أردوغان لديه طموحات عالمية متزايدة، والتفاف القادة الليبيين جعله يرسل طائرات دون طيار وعربات مدرعة إلى طرابلس ولم يوقف المد لها.

وبينما تعهد حفتر، في نوفمبر الماضي، بالاستيلاء على طرابلس وتخليص البلاد من الإرهابيين والميليشيات، ردَّت تركيا بأنه يجب وقف أمير الحرب حفتر، كما يسميه أردوغان؛ لكن تركيا أرادت شيئًا في المقابل للمساعدة على وقفه، أرادت الحقوق في البحر المتوسط بين البلدَين.
إذا قامت برسم خط من ليبيا إلى تركيا؛ فستهرب إلى الجزر اليونانية مثل جزيرة كريت؛ لكن إذا رسمت خطًّا من شرق ليبيا فهناك ممر بين قبرص والجزر اليونانية التي تربط تركيا بليبيا، ومن هنا اتخذت تركيا خطوة شجاعة جريئة، ففي مقابل إرسال بعض المقاتلين لدعم حكومة طرابلس، ستحصل تركيا على منطقة اقتصادية حصرية تفصل قبرص عن اليونان عن طريق البحر، وتمنح تركيا حقوقًا في التنقيب عن الغاز الطبيعي.
اقرأ أيضًا: خبير سعودي: روسيا اللاعب الأكثر ذكاءً في الأزمة الليبية
من خلال الاتفاق يُغرق أردوغان أحلام اليونان وقبرص في دعوة شركات مثل “إيني” لاستكشاف الموارد الطبيعية في أعماق المتوسط؛ فالتحركات التركية جاءت بعد استعراض للعضلات كما يمكن أن يُسمى، فقوات البحرية التركية أجرت تدريبات حول قبرص لتظهر قوتها؛ فهي تمتلك صواريخ متطورة، بينما قبرص التي وقَّعت اتفاقيات مع مصر ولبنان وإسرائيل تفاجأت بالموقف التركي.

يجب فهم المعاملة التركية لليونانيين والقبارصة تاريخيًّا؛ فتركيا غزت قبرص عام 1974 بدعوى المساعدة في حماية أفراد الأقلية التركية، وبقيت تركيا تعتبر شمال قبرص كدولة بينما لا يعترف أحد بذلك؛ لكن تركيا تقول إن لشمال قبرص حقوقًا واسعة النطاق في مسألة التنقيب عن الغاز، وفي إطار تعزيز قدرتها أرسلت تركيا طائرات دون طيار إلى قبرص؛ لإثبات أنها ستراقب المياه التي تدَّعي أنها تابعة لها، ومن ثَمَّ فقرار تركيا إحياء مطالبها بالبحر وإرسال قوات إلى ليبيا يجب أن ينظر إليه في ضوء قرن من سياسات تركيا منذ سقوط الإمبراطورية العثمانية، خسر العثمانيون ليبيا أمام الإيطاليين عام 1912، والآن عاد الأتراك.
خلال الحرب الباردة، كانت تركيا حليفة للولايات المتحدة وعانت أيضًا مشكلاتها وانقلاباتها الداخلية.. في ذلك الوقت بدا أن جيران تركيا يتقدمون، وكانت سوريا تحت حكم حافظ الأسد تحاول أن تكون جنة عربية اشتراكية؛ فنظام الأسد الأب كان شديد التأثر بالغرب، وأراد بناء دولة كأنها جزء من أوروبا الشرقية.. لكن ماذا عن الأكراد في شرق سوريا؟ لقد عاملهم نظام البعث الأسدي كما لو كانوا غير موجودين وقمعهم وحرمهم من حقوقهم، كما تجاهل القبائل العربية الكبيرة على طول نهر الفرات.
اقرأ أيضًا: أردوغان يواصل مغامرته “المتهورة” في ليبيا
كانت هذه القبائل تتطلع في بعض الأحيان إلى العراق في عهد صدام عبر الحدود؛ لعلاقاتها الالتفافية مع القبائل الأخرى في محافظة الأنبار، لكن صدام حسين مثله مثل الأسد الأب، نتاج للعصر الثوري القومي العربي؛ فكل هذه الأنظمة من الأسد إلى صدام إلى مصر، كانت نتاج رد فعل على الحقبة الاستعمارية من بريطانيا وفرنسا.
شهدت السنوات العشر الماضية انعاكسًا غير عادي؛ حيث تمزق معظم الدول العربية من الداخل؛ فعندما فشلت القومية العربية كان التطرف الديني الصاعد يفترس الدول الضعيفة، لكن حتى مع صعود الإرهاب الإسلامي لم يكن قادرًا على أن يحل محل الدول الجديدة، فجاء تنظيم داعش وذهب، حتى جماعة الإخوان المسلمين التي نهضت لفترة وجيزة في غزة وطرابلس أو في مناطق أخرى والسعي للانتخابات في تونس والأردن وأماكن أخرى، لم تحقق النجاح الذي يعتقده البعض؛ فالإسلام السياسي لا يفوز.
اقرأ أيضًا: مخاطر التطرف جَرَّاء التدخل التركي في ليبيا
إن ما حدث هو أن دول الأطراف القوية تاريخيًّا، تركيا وإيران، صعدت للاستيلاء على النفوذ في جميع أنحاء الشرق الأوسط؛ هذه الدول مثل الإمبراطورية العثمانية والفارسية تم إضعافها في عام 1920، واستبدلت القوى الأوروبية دورها التاريخي؛ لكن الآن ومع اتجاه أوروبا إلى مزيد من العزلة، فإن هذه البلدان ترتفع مرة أخرى؛ فرحلة تركيا إلى ليبيا مجرد رمز لهذا النظام العالمي الجديد في الشرق الأوسط.
المصدر: جيروسالم بوست