الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةشؤون عربية

التدخل الأمريكي في شؤون تونس يوحد التونسيين ويعزل “النهضة”

حركة النهضة تكرس قطيعتها مع الشعب التونسي بعد ترحيبها بالتصريحات الأمريكية التي تنتهك سيادة البلاد

كيوبوست

الغضب التونسي الواضح الذي دفع إلى استدعاء الخارجية التونسية القائمةَ بالأعمال في سفارة الولايات المتحدة الأمريكية ناتاشا فرانشاسكي، كشف عن حجم التنديد بالتدخل في الشأن الداخلي لتونس؛ خصوصاً بعد الاستفتاء الذي عكس رغبة التونسيين في التغيير.

تصريحات “غير مقبولة” أدلى بها السفير المعين بتونس أمام الكونغرس الأمريكي، خلال تقديمه برنامج عمله، والتي تتعارض كلياً مع أحكام ومبادئ اتفاقية فيانا للعلاقات الدبلوماسية.. هكذا كانت خطوة الخارجية التونسية، والتي تلتها مواقف أخرى من عدة منظمات وأحزاب تونسية أعربت عن رفضها المواقف الأمريكية، في حين احتفت حركة النهضة وحليفاتها بتصريحات المسؤولين الأمريكيين، التي جاءت تتويجاً لجملة تحركاتها العديدة على أكثر من نطاق ونداءاتها المتكررة للقوى الخارجية للتدخل في الشأن التونسي؛ من أجل عودتها إلى الحكم.

اقرأ أيضاً: تونس.. “النهضة” تجيِّش إعلامييها للنيل من سمعة الجيش

وتوجهت ناتاشا فرانشيسكي، بصفتها المسؤولة الرئيسية في سفارة بلادها، إلى مقر وزارة الخارجية التونسية، وأبلغها عثمان الجرندي، وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، استغراب تونس الشديد من هذه التصريحات والبيانات التي لا تعكس إطلاقاً حقيقة الوضع في تونس أو الجهود المبذولة منذ 25 يوليو 2021، لإعادة هيكلة وتأهيل الحياة السياسية على أُسس صحيحة ومتينة لإصلاح تراكمات العشرية السابقة في وقت قياسي وبناء نظام ديمقراطي حقيقي، قوامه العدل والمساواة وحقوق الإنسان التي تضمنها الدستور الجديد؛ بما يستجيب لتطلعات الشعب التونسي.

ومن بين التصريحات المثيرة للجدل والمستفزة للتونسيين أيضاً، كان حديث السفير الأمريكي عن عزمه التعاون مع الجيش التونسي، بقوله إنه “سيتعاون مع الجيش التونسي لتعزيز حقوق الإنسان المهددة بمسار 25 يوليو”.

سعيد رفض بشدة كل أشكال التدخل الأجنبي في تونس- (صورة من صفحة الرئاسة)

جدل كبير

وأثارت تصريحات المسؤولين الأمريكيين جدلاً كبيراً في تونس؛ حيث أجمع غالبية التونسيين على أن ما صدر عنهم يشكل تدخلاً واضحاً في الشؤون الداخلية للبلاد، لا سيما أن الأمر بلغ حد الحديث عن التعاون مع الجيش التونسي؛ الذي اعتبره البعض تهديداً صريحاً بعزم واشنطن استخدام الجيش التونسي لإدخال الفوضى في البلاد، لا سيما أن تاريخها حافل بمثل هذه التجاوزات في دول عديدة في العالم.

لكن يبدو أن تصريحات المسؤولين الأمريكيين كان لها وقع عكسي، فبينما كانت واشنطن الواهمة أن التونسيين يرفضون مسار قيس سعيد ويحنون لعشرية حكم وكيلتها حركة النهضة، تتوقع أن يستقبل التونسيون التصريحات بالتهليل؛ قوبلت برد جماعي رافض وبصرامة لكل ما ورد عن مسؤوليها، حتى مكونات المجتمع المدني التي ادعت خوفها على نشاطها، ورغم اختلافها مع قيس سعيد؛ كان صوتها الرافض للتدخلات الأمريكية واضحاً.

اقرأ أيضاً: ارتباك المعارضة التونسية بعد نجاح الاستفتاء.. الأسباب والتداعيات!

واعتبرت 13 جمعية ومنظمة تونسية أن البيان الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية، وخطاب المرشح لمنصب سفير أمريكا لدى تونس، الأسبوع الماضي، يمثلان “تدخلاً صارخاً في الشأن الوطني الداخلي التونسي، وتعدياً على السيادة الوطنية، وعلى حق المواطنين في مقاومة مشروع الرئيس قيس سعيد”. ووقَّع على هذا البيان الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، والنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، والجمعية التونسية للعدالة والمساواة، والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والمنظمة التونسية لمناهضة التعذيب.. وغيرها.

اتحاد الشغل وأغلب المنظمات الوطنية ترفض التصريحات الأمريكية- (صورة وكالات)

وفي خضم هذه التحركات الواسعة الرافضة للتصريحات الأمريكية بشأن المسار السياسي في تونس، كانت لحركة النهضة خطوات أخرى؛ إذ سارعت بنشر تصريحات السفير الأمريكي على صفحتها على “فيسبوك”، محتفيةً بذلك. ولا يبدو هذا الموقف غريباً على الحركة التي ما انفكت منذ الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس سعيد، في الخامس والعشرين من يوليو الماضي، تدعو القوى الدولية إلى التدخل؛ لتقويض قرارات رئيس الجمهورية.

اقرأ أيضاً: “النهضة” تتخبط للخروج من عزلتها.. وسط تراجع كارثي لشعبية الحركة

الصحفي المختص بالشأن السياسي التونسي محمد الهادي حيدري، يرى أن تصريحات المسؤولين الأمريكيين تعكس عجز واشنطن عن فهم الأوضاع في شمال إفريقيا عموماً وتونس خصوصاً، وأنها تنصت فقط لعملائها هناك؛ خصوصاً جماعة الإسلام السياسي، دون الاكتراث لإرادة الشعوب رغم ادعائها الدفاع عن الديمقراطية واحترام مقررات بقية الشعوب.

وقال حيدري لـ”كيوبوست”: “تحاول واشنطن استغلال الظرف الاقتصادي الصعب الذي تمر به البلاد؛ لفرض خيارات معينة تخدم مصالحها، والتي من بينها عودة وكلائها؛ خصوصاً حركة النهضة، إلى السلطة، تحت غطاء الدفاع عن الديمقراطية. ولتحقيق هذا الهدف؛ لم تتردد في اتباع منطق المساومة بجملة من المسائل على غرار المساعدات الأمريكية لتونس ومسار المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، بمعنى أن أمريكا تقول بشكل غير مباشر لسعيد: إما القبول بالشروط وإما هدم المسار السياسي الذي تتبعه؛ ولهذا كان الخطاب الرسمي شديد اللهجة ومستفزاً.

قيس سعيّد يحذر العابثين بأمن تونس (صورة وكالات)

لكن ما لا تعرفه أمريكا أو بالأحرى تتجاهله، أن ثقافة الاستعلاء الأمريكية لا تتلاءم مع الطبيعة التونسية”، حسب حيدري؛ خصوصاً مع الرئيس قيس سعيد، والذي بات واضحاً أنه لا يقبل مبدأ التدخلات الخارجية في شؤون تونس على خلاف الوضع سابقاً مع الأحزاب التي حكمت في العشرية الماضية؛ والتي فتحت الأبواب على مصراعيها أمام العديد من القوى للتأثير على الوضع في تونس، ما دام ذلك يضمن بقاءها في السلطة. وأعتقد أن وحدة الموقف التي أبداها التونسيون، شعباً ومنظمات والعديد من الأحزاب، في وجه التصريحات الأمريكية، ستجبر واشنطن على إعادة ترتيب أوراقها إزاء تونس.

محمد الهادي حيدري

وأضاف حيدري: “أما بالنسبة إلى حركة النهضة وحلفائها الذين رحبوا بالموقف الأمريكي؛ فإن مواقفهم لا تثير الاستغراب، لأنها ما هي إلا مواصلة لمسار الاستقواء بالأجنبي الذي التجأت إليه بعد أن فقدت السلطة ومغانمها منذ 25 يوليو 2021، بعد أن عجزت عن إثارة أية ردة فعل سياسية في تونس؛ فهرولت لمراودة أسيادها في الخارج بأكثر من طريقة، وهي لا تكترث لشكل التدخل ولا لارتداداتها على الأوضاع العامة في البلاد؛ المهم استعادة السلطة. لكن حتى مع التصريحات الأمريكية المستفزة؛ فإنني أعتقد جازماً أن هذه القوى قد أعلنت جدياً نهايتها؛ لأنها عززت قطيعتها مع الشعب، فضلاً عن اقتراب موعد محاسبتها عن جرائمها التي من المرجح أن تكون من بينها تهمة الاستقواء بالأجنبي ضد مصالح البلاد”.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة