الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةشؤون عربية
“التحقيق الممنوع”.. وثائقي فرنسي يقتفي جرائم “حزب الله”
مخدرات واغتيالات وتبيض أموال وأمور أخرى كشف عنها تحقيق استقصائي مثير بثته قناة فرنسية وأثار بلبلة داخل حزب الله

كيوبوست- حسن الأشرف
على مدار ثلاث ساعات إلا الربع، كشف الوثائقي المعنون “حزب الله التحقيق الممنوع”، الذي بثته قناة فرنسا 5، مساء الأحد 5 فبراير الجاري، عن كيف تحول حزب الله اللبناني، ذو المرجعية الشيعية، والمدعوم من طرف النظام الإيراني، إلى “دولة داخل الدولة”، وكيف ظل فوق القانون رغم تورطه في العديد من الجرائم، بدءاً من العلاقات مع منظمات وشبكات المخدرات الصلبة (كارتل) في كولومبيا، ومروراً بتبييض الأموال، وانتهاء بفاجعة انفجار مرفأ بيروت.
وتوزع الوثائقي الفرنسي المثير، من تأليف جيروم فريتل، وصوفيا عمارا، على ثلاثة أجزاء أساسية، الأول كشف علاقاتٍ سرية لأعضاء حزب الله مع تجار المخدرات في كولومبيا، على وجه الخصوص، والثاني غاص في بعض تفاصيل عملية “كاساندرا”، وهو الاسم الذي أطلق على عملية أمنية دولية لكشف تورط شخصيات لها علاقة بحزب الله، في تهريب المخدرات إلى أمريكا وأوروبا، والاستعانة بالأموال الناتجة عنها لتمويل قتال الحزب في سوريا، ثم الجزء الثالث يتطرق إلى بعض خبايا انفجار ميناء بيروت.
اقرأ أيضاً: لماذا ترصد واشنطن ملايين الدولارات للكشف عن ممولي حزب الله؟
مخدرات كولومبيا
انطلق التحقيق الذي بثته القناة الفرنسية العمومية “تي في 5″، الذي استضاف عملاء سابقين من وكالة المخابرات المركزية، ومن إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية، فضلا على قياديين من “حزب الله”، بشهادة جاك إيلي، ضابط سابق في إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية DEAالذي كشف أنه في سياق عمل عملاء هذه المؤسسة تم التقاط مكالماتٍ هاتفية باللغة العربية بين أشخاص من “الشرق الأوسط” مع آخرين في كولومبيا، وهو ما أثار استغراب وحيرة الضباط الأمنيين، لأن الأمر لم يكن معتاداً قبلها.
ولمعرفة ما يحصل بالضبط أرسلت إدارة مكافحة المخدرات، التي تعمل تحت مظلة وزارة العدل الأمريكية، عملاء لاختراق شبكات المخدرات في كولومبيا، ليتبين بعد تحريات ورصد للمكالمات واختراقات استخباراتية، أن حزب الله انخرط في تجارة المخدرات وغسيل الأموال بأمريكا الجنوبية، وتحديداً كان العنصر النشيط في هذا الصدد شكري حرب الذي له علاقة بحزب الله وإيران، وفق البرنامج الوثائقي.

ولإحداث التوازن المهني، استضاف التحقيق المذكور نعيم قاسم نائب أمين عام حزب الله، الذي نفى تورط هذا الحزب في أعمال المخدرات، وقال إنه لا يمكن لحزب الله أن يتورط في أعمال المخدرات، وهو يعلم أنها حرام في الإسلام، مبرزاً أن الحزب لا يتدخل في أي عمل تجاري صغيراً كان أو كبيراً، لأن التجارة بطبعها تستوجب الرشوة والمساومة، لكن نفي قاسم تقابله العديد من الأدلة التي تؤكد التورط الفعلي لحزب الله في تجارة المخدرات، وغسيل الأموال.
دماء في لبنان
وانتقل الوثائقي إلى وقوع العديد من الأحداث الدموية في لبنان، من تفجيرات واختطافات للرهائن، وشاحنات مفخخة، لتتوجه أصابع الاتهام تحديداً إلى حزب الله، كما صنفتها الولايات المتحدة الأمريكية منظمة إرهابية، فيما ظهرت شخصية عماد مغنية في هذه الفترة كأحد أكبر قادة الحزب العسكريين، والذي بدأت الاستخبارات الأمريكية حينئذ تقتفي أثره لمعرفة مدى ضلوعه في الكثير من الأحداث، ولعل أبرزها اغتيال رفيق الحريري، رئيس وزراء لبنان الأسبق.
اقرأ أيضاً: الجهاد في أمريكا اللاتينية… أنشطة غير شرعية في المنطقة تُموِّل “حزب الله”
وتوسعت عمليات “حزب الله” أكثر فأكثر لتمتد يدها إلى خارج لبنان، وتحديداً في العراق، الحديقة الخلفية لإيران، حيث كشف ديفيد آشر، الضابط السابق في إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية، بأنه استناداً إلى مكالماتٍ هاتفية تم رصدها من العراق مع مخاطبين في كولومبيا، وتحديداً بأباطرة المخدرات القوية، من أجل تمويل العمليات الانتحارية ضد الأمريكيين في العراق.
وشدد العميل الأمريكي، في حديثه للوثائقي المذكور، على أن الاتجار في المخدرات كان يمول بطريقة أو بأخرى الحرب الدائرة وقتها في العراق، كما أن أموال صنع المتفجرات وغيرها في العراق كانت تأتي من مكتب الصرف اللبناني، قبل أن تقرر إدارة مكافحة المخدرات اقتفاء أثر هذه الدائرة، والتي توصل إلى القائد في حزب الله عماد مغنية.
فنزويلا وإفريقيا
واسترسل الوثائقي الفرنسي في كشف عددٍ من الخيوط المثيرة وراء تنفيذ حزب الله عملياتٍ دموية في الداخل ضد المعارضين، مثل رفيق الحريري، وأيضاً ضد خصومه في الخارج، وعلى رأسهم إسرائيل، مبيناً في الوقت ذاته كيف أن إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية كانت تراقب الأموال التي تصل إلى لبنان بهدف إعادة إعمار لبنان بعد الحرب الأهلية.

جاك إيلي كشف في هذا السياق أنه تم ضبط شخص يدعى أيمن جمعة الذي كان يعتبر صلة وصل بين كرتيل كولومبيا، وحزب الله، بل كان يتنقل ويعيش تحت حراسة أمنية مشددة يوفرها له حزب الله اللبناني، مسميا إياه بـ”العراب” لتجارة المخدرات بين هذا الحزب، والنواة الصلبة لـ”كرتيل المخدرات” في أمريكا الجنوبية.
اقرأ أيضاً: مسيحيو لبنان مهددون… هل حان الوقت لمحاسبة حزب الله؟
ليست كولومبيا وحدها التي وصلت إليها يد حزب الله، في ملف المخدرات وتبييض الأموال، لتنفيذ عملياته المختلفة داخل وخارج لبنان، بل أيضاً دولة فنزويلا التي اخترقتها أيادي الحزب الشيعي إلى حد إقامة علاقات وطيدة مع شركات جوية فنزويلية كانت تقوم بحمل كميات كبيرة من الأموال إلى لبنان مقابل المخدرات.
في هذه النقطة تحديداً أفاد ضيوف البرنامج، وهم عملاء استخباراتيون أمريكيون، أن طارق العصامي، الشخصية النافذة في فنزويلا، سبق له أن شغل مناصب عليا في هرم السلطة بهذا البلد، والذي كان يحظى بعلاقاتٍ وثيقة مع حزب الله وإيران، كما كان العصامي يحمي تبييض الأموال لفائدة الحزب الشيعي، ويحمي شركات الطيران الفنزويلية لحمل الممنوعات والأموال إلى لبنان صوب حزب الله تحديداً.

ماذا يفعل حزب الله في إفريقيا؟
وعدا كولومبيا وفنزويلا، راهن حزب الله أيضاً على القارة السمراء، خصوصاً في الغرب الإفريقي الذي صار مرتعاً لتجارة الكوكايين، ليبرز هنا أيضاً شخص علي خروبي في نيروبي الذي كان يشرف على تبييض أموال المخدرات لشراء سيارات وبيعها وتحويل الأموال إلى لبنان، حيث كانت تدر هذه التجارة وفق شهادات ضيوف الوثائقي، ما يزيد على 200 مليون دولار في الشهر الواحد، لتقرر الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية خنق حزب الله وتجفيف موارده المالية عبر عدة إجراءات، منها دفع البنك اللبناني الكندي، الذي كان تحت سيطرة حزب الله، إلى الإفلاس.
عملية “الأرز” ومرفأ بيروت
وفي أوروبا فضل حزب الله فرنسا على باقي دول أوروبا في دعم شبكته التجارية القائمة على إرساء علاقات مشبوهة في عالم المخدرات، وغسيل الأموال، وهو ما تنبهت إليه إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية التي عملت على تنفيذ عملية أطلقت عليها اسم “عملية الأرز”cèdre ، نسبة إلى شجرة الأرز رمز لبنان، وهدفها تفكيك الشبكة المتواجدة على الأراضي الفرنسية التي كان دورها تبييض الأموال لفائدة حزب الله.
اقرأ أيضاً: الثورة الإيرانية وحزب الله: تهديد عالمي مستمر
وكان عملاء حزب الله في العاصمة الفرنسية باريس، أبرزهم كان المدعو محمد نور الدين، يشترون بواسطة أموال تجارة المخدرات الكولومبية العديد من السيارات الفارهة والساعات الفاخرة بمبالغ مالية ضخمة، ثم يتم إرسالها إلى لبنان من أجل إعادة بيعها في هذا البلد، والحصول على “أموال نظيفة” تدعم ميزانية حزب الله.
وكشف الوثائقي الفرنسي تورط شخصيات أخرى لديها علاقات وطيدة مع حزب الله الشيعي، في مثل هذه الأعمال المنافية للقانون، وعلى رأسهم علي فياض، تاجر الأسلحة المعروف الذي رغم اعتقاله في سنة 2014 في مدينة براغ التشيكية، والذي اعتبرته إدارة مكافحة المخدرات نجاحاً باهراً، إلا أنه تم إطلاق سراحه بعد ذلك.
وانتهى الوثائقي الذي توج عامين من التحقيقات الصحفية في الشرق الأوسط والولايات المتحدة وأوروبا، وعشرات الساعات من المقابلات والأرشيفات، بحادثة مرفأ لبنان والمسؤولين عما حصل، بعد أن انفجرت كميات كبيرة من نترات الألمنيوم، ما أسفر عن العديد من الضحايا، وخسائر مادية كبيرة.
وأفاد شهود وضيوف البرنامج كيف كان لحزب الله باب سري يسمى باب فاطمة، يوصل إلى المرفأ، حيث توجهت أصابع الاتهام إلى شركة سافرو SAVRO التي لديها علاقات مع شخصياتٍ سورية، أبرزها رجل الأعمال السوري جورج حسواني الذي نفى للوثائقي أية صلة بتلك الشركة، وبالتالي بتفجيرات المرفأ عام 2020.
وخلص الوثائقي إلى أن حزب الله حاول التملص من مسؤوليته في التفجير، وبأنه ما زال يرفض إجراء أي تحقيق معه في ما حصل، وبأن هذا الحزب خلق دولة داخل الدولة، وبأن جميع الشخصيات المتورطة مع حزب الله في أعمال المخدرات وتبييض الأموال وغيرها لم يتم سجنها ولم تحاسب إلى اليوم، ومنهم شكري حرب، وأيمن جمعة، وعلي خروبي، وعلي فياض، وآخرون.