الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةشؤون عربيةمجتمع
التجمعات والطرق الصوفية… روحانيات على ضفاف النيل
طرق المتصوفة تجد مريديها في مصر بعد تخلصهم من هيمنة الإخوان والجماعات المتشددة

كيوبوست- سلمان إسماعيل
في عرب القداديح، إحدى قرى محافظة أسيوط المحاذية للجبل الشرقي، تنتصب 5 مقامات لأولياء الله الصالحين من أهل البلدة (الشيخ عبد الرسول، وولده أحمد، والشيخ محمد أبو شعيب، والشيخ أحمد الشريف، والشيخ منصور)..
هنا فتح زياد (اسم مستعار) عينه على الدنيا، قبل نحو 60 عاماً، وتعلم معنى محبة الأولياء وأهل الله، قبل أن ينتقل للعيش في القاهرة، ليبدأ فصلاً جديداً من علاقته بالصوفية والتصوف في أم الدنيا.
يقول زياد، إنه تعلم من خلال السعي وراء محبة آل البيت وأولياء الله الصالحين أن الكون إلى فناء، وأن الخلود يكمن في المحبة، والمحبة فيض نور متصل بالسماء لا ينقطع عن العبد الصالح حتى بعد وفاته، وأنه تأثر كثيراً، وبدأ شغفه باتباع نهج الأولياء الزاهدين من خلال “الخمسة مقامات” التي ارتبط بها طيلة فترة طفولته في صعيد مصر.
اقرأ أيضاً: الصوفية.. روح دمشق الباقية
لا يتبع زياد طريقة صوفية واحدة، من بين عشرات الطرق المنتشرة في مصر، لأنه حسبما يقول: كل الطرق تؤدي إلى النور والحب الإلهي، ولهذا لا يريد حصر نفسه كمريد مع شيخ واحد أو طريقة واحدة، فالتصوف من وجهة نظره هو الزهد في ملذات الدنيا، والتفكر في خلق الله وعظمته، والتمسك بحب آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وأولياء الله الصالحين في كل زمان ومكان.
وتقدر أعداد الطرق الصوفية في مصر بنحو 80 طريقة تنتشر في محافظات الصعيد والدلتا والقاهرة والإسكندرية ومدن القناة، وعادة ما توجه الجماعات السلفية اتهامات بالكفر لأتباع الطرق الصوفية، وتصفهم بأنهم يتبركون بالأولياء الموتى، وهو أمر يرقى إلى الشرك بالله، في معتقد هذه الجماعات المتشددة.

وتَرأس مصر الاتحاد العالمي للطرق الصوفية الذي يتخذ من باريس مقراً له، ويُعتبر علاء أبو العزائم شيخ الطريقة العزمية، رئيساً لهذا الاتحاد العالمي، الذي يسعى إلى الترابط والتعاون بين الطرق الصوفية.
مصر والصوفية
لا يخلو بيت في بر مصر من المريدين والمحبين لآل البيت، بحسب الباحث والمختص بالشأن الصوفي مصطفى زايد، الذي يقول إن علاقته بدأت بالتصوف منذ نعومة الأظافر، حيث نشأ في أسرة متصوفة، الوالد كان أحد مشايخ الطريقة الرفاعية، والأم أيضاً، كانت من أسرة صوفية تنتمي للطريقة الأحمدية، والمنزل كان لا يخلو من المحبين، وتقام فيه الحضرات الصوفية يومياً.
اقرأ أيضًا: المؤرخ بوتشيش: هذه حقيقة الزوايا الصوفية في المغرب
ويضيف زايد، أنه تعرض لمضايقاتٍ عديدة من أتباع النهج السلفي، وخصوصاً عندما اشتهر اسمه بين أتباع الطرق الصوفية، بدأت بالمضايقات اللفظية والاتهام بالكفر، وغيرها من اتهامات تلقى على أي صوفي، لكن الأمر تطور بعد 2011، ووصول الجماعات المتشددة لحكم مصر، حيث تعرض لبلاغات لدى النائب العام في ذلك الوقت، مفادها أنه يقود تنظيماً مسلحاً، مؤكداً أن عناية الله أنقذت مصر وأنقذت الصوفية، على وجه الخصوص، من بطش هذه الجماعات.
التصوف والروحانيات في حياة زايد هما الحياة، فبدونهما يصبح الإنسان جسداً بلا روح، لأنه تهذيب للنفوس وتنقيتها من الشوائب التي تعلق بها، ومن تهذبت نفسه تخلق بالأخلاق المحمدية، وكانت علاقته مع نفسه، ومع الآخرين، أن يحب لهم ما يحبه لنفسه، ولا يرتضي لهم ما لا يرتضيه لنفسه.

واختتم حديثه بالقول: التصوف علمنا أن نعمل بما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا فرق بين عربي ولا أعجمي، ولا أبيض ولا أسود، إلا بالتقوى.
اقرأ أيضاً: الصوفية في الأردن: مستقبل غامض وعلاقة ملتبسة بالدين والسياسة
يرتبط أحمد كغيره من آلاف الشباب بالورد اليومي، والتخلق بأخلاق آل البيت، والأولياء الصالحين، في تعاملاته اليومية مع الناس. ويضيف أن هذا المسلك أفاده كثيراً، وعصمه من الوقوع في مشاكل كانت منتشرة في فترة الشباب، مثل المخدرات والإلحاد، وغيرها.

تعرض الشاب الشرقاوي، كغيره من آلاف الصوفيين في مصر لاتهاماتٍ بالكفر، أو التشيع، على أيدي عناصر جماعة الإخوان المسلمين، والجماعات السلفية التي سيطرت على المشهد المصري، في أعقاب الإطاحة بحكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، الذي كان عهده مريحاً للصوفيين، ويتيح لهم حرية الحركة ويحميهم من الجماعات المتطرفة، بحسب وصفه.
ورغم سلوكهم العدواني، يحافظ على علاقات طيبة مع بعض الأقارب والمعارف الذين يتبعون هذه الأفكار المتشددة، لأن التصوف يحض على المحبة، وينهى عن الكراهية.

ورغم شكاوى الشعراء من تحول القاهرة لمدينة بنايات إسمنتية خالية من المشاعر، يقول أحمد، إن: العاصمة المصرية مدينة الروحانيات، لأنها مقر ومستقر أهل البيت النبوي والصالحين، فهنا رأس الإمام الحسين، وهنا السيدة زينب، والسيدة نفيسة، والسيدة سكينة، وغيرهم من السادة آل البيت، بالإضافة لوجود الجامع الأزهر منبع الروحانيات وقبلة العلم.
أجمل ما في التجمعات الصوفية من وجهة نظر أحمد، أنها مليئة بمجالس الذكر والصلاة على النبي، سواء في الأحياء الشعبية أو الراقية، ويجتمع فيها الغني مع الفقير، والوزير مع الخفير، في تجمعات المحبة والروحانيات.