شؤون دولية

التجربة الكورية مع واشنطن: هل تجبر طهران على الرضوخ أم مواصلة العناد؟

هل تسير طهران على خطى كوريا الشمالية بشأن البرنامج النووي؟

كيو بوست –

بعد انهيار الاتفاق النووي، لم تعد الظروف الإقليمية ولا حتى الدولية تصب في صالح إيران ومشروعها التوسعي، فعندما اقترب حسم الصراع في سوريا لصالح حلفها، وسيطرت جماعاتها المسلحة في اليمن، وشكلت أذرعًا عسكرية في العراق، انقلبت الصورة رأسًا على عقب؛ ففي سوريا يواجه الوجود الإيراني تهديد إسرائيل من جهة وروسيا من جهة أخرى، وفي اليمن يجري تضييق الخناق على الحوثيين بجهود أممية.

اقرأ أيضًا: تقرير سري للأمم المتحدة: كوريا الشمالية تمد الحوثيين بأسلحة وصواريخ باليستية

وجاء انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي واندلاع توتر كبير في أوروبا حيال إقدام إيران على تنفيذ مخططات داخل دولها عبر أذرع تعمل لصالحها، ليضيفا محنة أشد على طهران.

لكن التحول الدولي الأبرز الذي سيلقي بظلاله على حالة المواجهة بين إيران وواشنطن، وفقًا لمراقبين، يتمثل بانقلاب موقف كوريا الشمالية وكبح جماح طموحها النووي وانفتاحها على الحوار الإيجابي مع إدارة ترامب.

 

هل أضحت طهران وحيدة في السرب؟

بعد لقائه التاريخي الأول مع زعيم كوريا الشمالية، أعلن ترامب أنه يرغب باتفاق مماثل مع إيران للتخلي عن تدخلاتها في الشرق الأوسط، ووقف كامل للمشروع النووي.

وبعد مضي قرابة سنة على لقاء ترامب – كيم، يرى مراقبون أن واشنطن نجحت إلى حد ما في طي صفحة النووي الكوري وفتح صفحة جديدة. هذا التطور لم يخدم إيران، بل على العكس كان له أثر سلبي إلى حد كبير عليها.

فالدفعة التي تلقتها واشنطن، أثبتت لها نجاعة الحصار الاقتصادي الذي فرضته على بيونغ يانغ، عبر الضغوط على دول كبرى للحذو حذوها في فرض العقوبات على كوريا الشمالية.

اقرأ أيضًا: تسريبات تفضح طلب كوريا الشمالية من إسرائيل مليار دولار بسبب إيران!

ويرى خبراء أن التقدم الذي حصل في ملف كوريا انعكس على شكل عقوبات هي الأشد على طهران، في محاولة لإخضاعها إلى التوجه للحوار بشأن مشروعاتها التوسعية، وسحب قواتها وميليشياتها من سوريا ودول المنطقة، إضافة لوقف دعمها للإرهاب وتجميد برنامجها الصاروخي المثير للجدل، والاستمرار بوقف الأنشطة النووية.

وقال ترامب بعد لقائه الأول مع كيم: “آمل، في الوقت المناسب بعد حزمة العقوبات القاسية على إيران، أن يعودوا ويتفاوضوا على اتفاق حقيقي لأنني أرغب في ذلك، لكن الآن من السابق لأوانه القيام بذلك”.

وجاءت التصريحات في حينه عقب عودة العقوبات الأمريكية ضد إيران مع انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وشملت حظر شراء أو الحصول على الدولار الأمريكي وتجارة الذهب والمعادن الثمينة الأخرى وتوريد أو تجارة المعادن، مثل الألمنيوم والصلب، وكذلك العقوبات على المصارف الإيرانية وقطاع السيارات.

وأدخلت تلك العقوبات اقتصاد إيران في أزمات متلاحقة، سرعان ما ظهر أثرها في الشارع الإيراني الذي خرج في احتجاجات عارمة طالبت بإسقاط خامنئي ووقف هدر الأموال على التدخلات العسكرية في سوريا والعراق واليمن.

الانسحاب الكوري الشمالي من خط المعادين للولايات المتحدة ترك إيران وحيدة في السرب، ما وضعها في موقف صعب، وفقًا لمراقبين، إذ سبق أن دافع الرئيس الإيراني، حسن روحاني، عن موقف بيونغ يانغ، وتهديداتها النووية السابقة.

اقرأ أيضًا: كيف تمول كوريا الشمالية برنامجها النووي عبر التماثيل العملاقة في إفريقيا؟

وكانت إيران تنتهج اللهجة ذاتها التي اعتادت عليها بيونغ يانغ من خلال الشعارات العدائية ضد الولايات المتحدة والتهديدات التي تطلقها بضرب القوات الأمريكية أينما تواجدت.

 

القمة الأخيرة وانعكاساتها

عقب القمة الأخيرة التي جرت بين ترامب والزعيم الكوري كيم أون في فيتنام، قال الأول في مؤتمر صحفي إنه لم يتفق مع كيم على عقد قمة ثالثة، غير أنه قال: “لقد انتهى الأمر بشكل ودي، لقد تصافحنا… هناك دفء نتمنى أن يستمر وأعتقد أنه سيستمر، وعلينا القيام بشيء مميز للغاية”.

وقال ترامب إن كيم تعهد بوقف التجارب الصاروخية أو إجراء اختبارات نووية، كما تعهد بإغلاق منشأة يونغبيون النووية وهي موقع المفاعل النووي الرئيس لكوريا الشمالية ومصدرها الوحيد للبلوتنيوم لتصنيع القنابل النووية.

بالنسبة لإيران، فإن فشل الاتفاق حتى اللحظة يخدمها إلى حد بعيد ويعيد الأمل لها في مواصلة العناد، لكن خيار فشل الاتفاق غير مرجح بنسبة عالية.

من جانب آخر، فإن عدم رفع ترامب للعقوبات بعد الاستعداد الكوري للتنازل عن التجارب النووية، يضع الشك لدى القيادة الإيرانية من مواجهة المصير ذاته إذا ما قررت التنازل لواشنطن، ما قد ينعكس على شكل مواقف إيرانية أكثر تشددًا حيال الولايات المتحدة والمطالب التي تطرحها.

 

سر التمسك بالنووي ومآلاته

التجربة الكورية مع واشنطن التي لم تكتمل بعد باتفاق، قد تضع إيران أمام مراجعة أفكارها ومواقفها حيال العداء مع واشنطن. لكن بالنسبة لتمسكها بالملف النووي فإن عوامل أخرى تبرز، بعيدًا عن حسابات العلاقة مع واشنطن.

من المعروف في خط السياسة الإيرانية، أنها لم تسلك طريق بناء تحالفات متينة مع دول الشرق الأوسط، بل أخذت المسار النووي لفرض سطوتها على الإقليم وطرح نفسها كقوة نووية.

وفي وقت صعدت فيه إيران من التوتر مع دول المنطقة، خصوصًا العربية منها، كاشفة عن مشروعاتها للسيطرة الواسعة والتغلغل داخل العواصم العربية، لم يعد بإمكانها بناء جسر جديد من العلاقة قائم على التحالف.

ويرى مراقبون أن تمسك إيران بطموحها النووي وبرامجها الصاروخية هو ملاذها نحو مواصلة مشروعها التوسعي، كذلك طرح نفسها كقوة عالمية بما يسمح لها قيادة الإقليم، وحماية ما تعتبره مكتسبات في سوريا واليمن والعراق.

إلا أن خط طهران مهدد بشكل كامل في ضوء التغيرات الدولية سابقة الذكر، وبروز بوادر تفرغ أمريكي لكامل ملفاتها.

يكتب الخبير الروسي ليفون آروتيونيان، في صحيفة “غازيتا رو” الروسية: “في الـ22 من فبراير/شباط، أجريت مشاورات في واشنطن حول تشكيل “تحالف الشرق الأوسط الإستراتيجي (MESA)”. هذا التحالف الذي لم يجر إنشاؤه بعد -يعرف أيضًا باسم “الناتو العربي”- ينبغي أن يوحد الأردن ومصر والبحرين والكويت والإمارات العربية المتحدة وعمان والمملكة العربية السعودية”.

“إذا ما تم إنشاء “اتحاد الشرق الأوسط الإستراتيجي”، فذلك سيعني تغييرًا كبيرًا في البنية الأمنية بالمنطقة”، قال الخبير الروسي.

ويبدو أن الخطوة الأمريكية التالية بعد العقوبات الشديدة هي توحيد المنطقة ضد إيران، لكن ما من أحد يعلم بما ستؤول إليه الأمور، فهي إما نحو تسوية ترضخ بموجبها إيران، أو حسم عسكري.

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة