الواجهة الرئيسيةشؤون دولية
البنزين مقابل الذهب.. الصفقة الإيرانية- الفنزويلية في وجه واشنطن
مراقبون لـ"كيوبوست": استقبال فنزويلا ناقلات النفط الإيرانية خطوة رمزية في وجه الهيمنة الأمريكية.. وتأثيرها ضئيل على اقتصاد البلدين

كيوبوست
واصلت السلطات الفنزويلية استقبال الناقلات الإيرانية الخمس التي وصلت إلى البحر الكاريبي، وعلى متنها شحنات من الوقود الإيراني بلغت نحو 1,53 مليون برميل من البنزين، في وقتٍ تعكف فيه واشنطن على دراسة الرد الملائم على الخطوة الإيرانية، التي تنتهك سياسة العقوبات الأمريكية المفروضة على المعاملات التجارية مع شركة النفط الحكومية الفنزويلية.
علاقات تاريخية

العلاقات بين إيران وفنزويلا ليست وليدة اليوم؛ بل ممتدة على مدار سنوات، وتعززت بشكل قوي خلال حكم الرئيس الفنزويلي الراحل هوجو شافييز، والرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد، وساعد في ذلك “كون اقتصاد البلدين يقع في مرمى الهيمنة الأمريكية، التي يسعى البلدان لكسرها”، حسب الباحثة المتخصصة في شؤون أمريكا اللاتينية د.صدفة محمد محمود.
تشير محمود إلى “وجود إيراني قوي في فنزويلا من خلال خلايا (حزب الله) النشطة، بينما يحظى الرئيس مادورو بدعم ومساندة من إيران في الأزمة الداخلية الحالية”؛ وهي أزمة استغلتها طهران لتوطيد العلاقات معه، فخلال الشهر الماضي، مثلاً، قامت إيران بإرسال مساعدات تتمثل في مواد كيماوية وفنيين؛ من أجل إعادة تأهيل مصافي النفط الفنزويلي، والتي تضررت بسبب العقوبات الأمريكية ونقص الاستثمارات، كما سيَّرت شركة الطيران الإيرانية “ماهان إير” رحلات مباشرة بين البلدين بشكل منتظم من أبريل 2019.

وتواجه فنزويلا، التي يعتبر سعر البنزين فيها الأرخص عالمياً وتمتلك أكبر احتياطي نفطي في العالم، أزمة محروقات أدت إلى تكدس السيارات أمام محطات الوقود بعدما انهارت المصافي الخاصة بشركة النفط الحكومية، وهو الانهيار الذي يقول بعض المؤسسات الدولية إنه جاء نتيجة الفساد وسوء الإدارة.
اقرأ أيضًا: الثورة الإيرانية التالية: لماذا يجب على واشنطن أن تسعى لتغيير النظام في طهران؟ (2)

“هنا جاءت الخطوة لصالح إيران من أجل تحقيق أهداف سياسية وامتصاص الغضب الشعبي بالداخل، دون الاكتراث بالعائد الاقتصادي”، حسب الباحث الاقتصادي في الشأن الإيراني بمعهد رصانة، أحمد شمس الدين.
وأرسل وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، اعتبر خلالها أن أية محاولة أمريكية تجاه الشحنات تعتبر بمثابة عمليات قرصنة، وسيكون لها تداعيات مع تأكيد احتفاظ إيران بتأمين حقوقها ومصالحها.
البنزين مقابل الذهب
يعاني الوضع الاقتصادي لإيران حالياً صعوبات جمة “مع دخول الاقتصاد حالة انكماش تقدر بـ12% على الأقل خلال العام الحالي” وَفق تقديرات وحدة معلومات “الإيكونوميست”.
وحسب شمس الدين، فإن الاقتصاد الإيراني “يعاني تأثير العقوبات الأمريكية وتبعات تفشي فيروس كورونا، وسجل مستويات غير مسبوقة من البطالة، مع تعطل الإنتاج وقطاع الخدمات وتوقف السياحة تقريباً”، مع شبه توقف لصادرات النفط وتراجع الصادرات غير النفطية لدول الجوار.
اقرأ أيضًا: تآكل الاستعداد العسكري لإيران.. هكذا عصف “كورونا” بالحرس الثوري
هذه العوامل مجتمعة “أسهمت في ارتفاع عجز الميزان التجاري وشحّ العملة الصعبة، وتراجع حاد لأسعار العملة المحلية وارتفاع للدولار؛ حتى وصل الدولار الواحد إلى نحو 18 ألف تومان إيراني”، يضيف شمس الدين، مشيراً إلى أن هذه الأمور ضيقت الخناق على الحكومة الإيرانية، وجعلتها تبحث عن أي سبل لتخفيف هذه الضغوط.
ولفت الباحث الاقتصادي إلى أنه على المدى القصير ربما تجني إيران بعض المكاسب من هذه الخطوة؛ مثل النقد الأجنبي أو حتى الذهب؛ للمساعدة في فك ضائقتها المالية.
اقرأ أيضًا: شبكة تمويل حزب الله في أميركا اللاتينية تحت النار
معلومات تؤكدها د.صدفة محمود، حيث يوجد “منجم للذهب في ولاية بوليفار، يسيطر عليه (حزب الله)، ويضم نحو 7 آلاف طن من الذهب”، وربما سيتم السداد مقابل شحنات النفط من عائدات ما يتم استخراجه من هذا المنجم خلال الفترة المقبلة، وهو ما سيتيح للبلدين إمكانية الالتفاف على العقوبات الأمريكية، وتحسين الأداء الاقتصادي.

وكان النائب المعارض في البرلمان الفنزويلي أميريكو غراثيا، قد أعلن في وقت سابق أن عناصر من (حزب الله) تعمل في مناطق مخصصة لمشروع فنزويلي؛ لاحتوائه على ذهب وألماس وبوكسايت وحديد ونحاس، وهو المشروع المعروف باسم “قوس التعدين”، وخصص له 112 ألف كيلومتر مربع من ولاية بوليفار بالجنوب الشرقي الفنزويلي.
ترى د.صدفة محمود أن الخيارات الأمريكية في التعامل مع هذا التحرك محدودة في ظل فرض العقوبات الاقتصادية بشكل مشدد على البلدين، ومن ثمَّ سيكون على واشنطن إضافة أسماء من مسؤولي البلدين إلى قائمة العقوبات، بجانب أية شركات جديدة يثبت تعاملها معهم؛ لكن الأمر لن يستجلب تدخلاً عسكرياً، لعدة أسباب؛ من بينها “قرب انعقاد الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في نوفمبر المقبل، ومخاطرة المجازفة بعمل عسكري عدائي ضد إيران قد يؤدي إلى توتر في منطقة الخليج بشكل خاص، فضلاً عن وجود مفاوضات عبر وسطاء مع الحكومة الفنزويلية للإفراج عن أمريكيين موقوفين على أراضيها”، تختم الباحثة المتخصصة في شؤون أمريكا اللاتينية.