الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون خليجيةشؤون دوليةشؤون عربية

الانتقادات الموجهة إلى دور المملكة العربية السعودية في اليمن غير موضوعية ولا تخدم سوى مصالح إيران

ترجمات- كيوبوست

في ظل المناخ السياسي الذي تعيشه الولايات المتحدة الأمريكية حاليًّا، يمكننا أن نلمس خلافًا واضحًا بين الديمقراطيين والليبراليين حول الموقف الذي يجب أن تتخذه أمريكا تجاه حلفائها التقليديين.. فالديمقراطيون على سبيل المثال يفضلون صعود الحكم الإسلامي بشكل عام، بينما يخشى الجمهوريون من تفضيل أي فريق على الآخر. وبالنسبة إلى المملكة العربية السعودية، فيمكننا أن نلاحظ عددًا من الدعوات التي لا تنقطع للتخفيف من العلاقات الأمريكية- السعودية أو حتى قطعها تمامًا. ويحدث ذلك بشكل شائع في معسكر الديمقراطيين، وبالنسبة إلى الجمهوريين فإننا نجد الدعوات نفسها أقل بكثير؛ وهو ما يدعو إلى التفكير في الأمر، خصوصًا مع اقتراب الانتخابات الرئاسية القادمة في 2020.

“على أمريكا أن تعاقب السعودية بسبب مقتل خاشقجي”، تلك الدعوة الشائعة التي تجد كثيرًا من المناصرين في الولايات المتحدة الآن؛ لكن إذا نظرنا إلى الأمور بعين العقل سنجد أن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تستغنى عن رعاة مصالحها في مكة والمدينة. فالسعودية كانت وما زالت الحليف الأهم للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، ولكي تنجح في تطويق التأثير الإيراني في سوريا والعراق؛ عليها أن تحتفظ لأطول وقت ممكن بعلاقتها مع السعودية. ولا تفقد السعودية أهميتها كذلك في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، ولإحداث التوازن مع قوة إيران الإقليمية، فضلًا عن دعم عملية السلام. وخلاصة القول إنه لا يمكن اعتبار المملكة إلا حليفًا ضروريًّا للولايات المتحدة، كما لا يمكن اعتبار إيران إلا عدوًّا يكرس نفسه لخصومة الولايات المتحدة.

اقرأ أيضًا: الذكرى الرابعة.. عاصفة الحزم صفعة على وجه الحوثيين وإيران

أيضًا لا يمكن وضع مقتل جمال خاشقجي والحملة على اليمن في سلة واحدة؛ فأحدهما يمكن اعتباره فشلًا كان من الممكن تجنُّبه، أما الحملة على اليمن فلا يمكن اعتبارها إلا إجراءً ضروريًّا يتعرض الآن للفشل. فبالنسبة إلى خاشقجي، لا يُخفى على أحد أنها جريمة ما زالت تُناقش من قِبَل ممثلي سفارات الدول الخمس الدائمة في مجلس الأمن، وبالنسبة إلى اليمن فإن فشل الحملة لن ينتج عنه سوى ظهور حزب الله جديد في المنطقة، وهو بالضبط ما تطمح وتخطط له إيران.

ويتلخص الفشل الذي تحققه الحملة على اليمن الآن في الصورة التي يتم تصديرها عن السعودية إلى المجتمع العالمي، والتي تتلخص في الآتي: يتعرض كثير من الأبرياء في اليمن إلى القتل بنيران سعودية، وكذلك: إن كان الحوثيون الموالون لإيران يقومون بإطلاق الصواريخ على المدن السعودية، فإن ذلك يحدث لأن السعودية لم تترك أمامهم خيارًا آخر.

حزب الله جديد

إن تخلِّي الولايات المتحدة عن دعم المملكة العربية السعودية في حملتها على اليمن لن يصب إلا في مصلحة إيران والحوثيين، ولا يخفى على أحد أن كلًّا من الصين وروسيا سيحقق فوزًا سهلًا بهذه الخطوة، ومن الجائز جدًّا أن يسعى كلٌّ منهما لسد احتياجات المملكة العسكرية. وعلاوة على ما سبق، من الممكن أن لا تتراجع السعودية عن حملتها على اليمن بمجرد انسحاب أمريكا من تقديم الدعم؛ فالقيادة السياسية في المملكة لا ترغب في نشأة حزب الله جديد يهدد حدودها الجنوبية.

أتذكر الآن بعض التساؤلات التي واجهتها في أثناء زيارتي إلى المملكة؛ حيث واجهت أسئلة ممثلي القوات المسلحة السعودية، وهي أسئلة بديهية للغاية: كيف سيكون موقفكم إذا قامت دولة مجاورة بإطلاق الصواريخ على مدنكم؟ نعم، لا أعتقد أن رد فعل الأمريكان سيكون متهاونًا مع أمر كهذا، وعلى الأرجح سنخوض حربًا طاحنة مع الدولة المعتدية التي تمطرنا بالصواريخ في أماكن آهلة بالسكان، وربما نخسر المعركة كما فعلنا في العراق وأفغانستان، لكن علينا أن نسأل أيضًا: لماذا خسرنا تلك المعارك؟ باختصار، نحن لم نتعرض للخسارة إلا لأن خصومنا يتجاهلون الانتقادات، ولا يُخفى على أحد أن أمريكا وحلفاءها يُقَيِّدان نفسيهما بالاستجابة للنقد المتحيز الموجه ضدهما.

وربما تكون الحملات الجوية الأمريكية قد وقعت في فخ ضرب مواقع مدنية، حدث ذلك خلال حكم كلٍّ من باراك أوباما ودونالد ترامب، لكن على الجانب الآخر، ماذا فعلت روسيا وإيران بالتحالف مع نظام بشار الأسد؟ لقد تسببوا جميعًا في مقتل ما يزيد على 500000 مدني سوري.

وتحاول المملكة العربية السعودية توضيح موقفها للرأي العام العالمي وإثبات أن حملتها على اليمن تتفق مع قوانين الحرب (قانون النزعات المسلحة)، كما تحاول إثبات قيامها بتقديم المساعدات الإنسانية هناك؛ لكن هذه المساعدات نفسها تتعرَّض إلى المنع من قِبَل فيلق القدس الإيراني وقوات الحوثي التابعة لإيران، وبالتالي لا يتم الاعتراف بدور السعودية في تقديم المساعدات اللهم إلا أصوات قليلة وخافتة للغاية.

تابعون للحوثي يرفعون السلاح في شوارع اليمن

من جانب آخر، هل يتخيل أحد أنه من الممكن أن يتخذ كلٌّ من إيران ورسيا ونظام الأسد أي إجراءات مشتركة لمنع أو تقليل الخسائر المدنية؟ لا أعتقد ذلك، لقد تسببت روسيا في تدمير نحو 20 مستشفى في سوريا، ومع ذلك واجهت كل الانتقادات الموجهة إليها بالتجاهل واللا مبالاة، وبينما يعرف المجتمع الدولي كم الضحايا المدنيين الذين لقوا مصرعهم بسبب نظام الأسد وحلفائه، البالغ عددهم 500000 قتيل، فإننا نجد المجتمع الدولي نفسه يرغب في بقاء نظام الأسد في السلطة.

وهناك رسائل ضمنية يتم تبادلها الآن علينا أن نأخذها بعين الاعتبار؛ منها تلميحات الفريق الرئاسي للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، لإيران، وتتضمن هذه التلميحات رسالة مهمة مفادها “تحلوا بالصبر والتزموا بالاتفاق النووي حتى الانتخابات الرئاسية القادمة، فالمساعدة قادمة إليكم”. بينما تتحفز مجموعات النواب التابعين للحزب الديمقراطي بالكونجرس تجاه التحالف القوي بين ترامب والمملكة. ومن الواضح أنهم يريدون الإضرار بهذا التحالف بأية طريقة ممكنة، كما أنه من المدهش أنهم يسعون بجد لتحقيق هذه الخطوة التي لن تصب إلا في مصلحة روسيا، لكنهم في الوقت نفسه يعلنون استهدافهم لروسيا. وعلى ما يبدو أنهم يستهدفون روسيا في القرم وأوكرانيا، أو روسيا الموجودة على مواقع التواصل الاجتماعي لا روسيا التي تعيث في سوريا فسادًا.

ومن الجائز أن تكون المملكة العربية السعودية معرضة للانتقاد من قِبَل وسائل الإعلام الأمريكية والمشرعين الأمريكان معًا؛ بسبب ما يحيط بها من التورط في أحداث 11 سبتمبر وتنظيم القاعدة والحملة على اليمن ومقتل خاشقجي، لكن علينا أن نتذكر كذلك النقد الموجه إلى إيران وحلفاء الناتو المزيفين والأنظمة الاستبدادية في الصين وروسيا، وكذلك المنظمات الإرهابية، وهو النقد الذي يجد له صدى لدى الحزبَين الديمقراطي والجمهوري على حد سواء. فمن الممكن أن ننتقد بعض توجهات المملكة، لكن في الوقت نفسه نحافظ على إبقاء التعاون معها؛ لأننا في جميع الأحوال لا نستطيع الاستغناء عن حماة المصالح الأمريكية في مكة والمدينة.

تضليل المجتمع الدولي

أعتقد أن الانتقادات الموجهة نحو الحملة السعودية على اليمن يشوبها غياب الموضوعية، لقد زرت مركز العمليات الجوية مرتَين خلال العامين الأخيرين، وعاينت بعيني عمليات الاستهداف والتزامها بالمعايير الموصى بها من حلف الناتو والولايات المتحدة. كما استمعت إلى شهادة الطيارين المشاركين في العمليات العسكرية، وهم يؤكدون أكثر من مرة تجاهلهم ضرب بعض المواقع؛ بسبب شكِّهم في وجود مدنيين، كما لا يمكن تجاهل المجهود الضخم الذي تقوم به أجهزة الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع هناك لتحديد المواقع العسكرية الخالية من المدنيين؛ حيث يقضي هؤلاء الناس ما يصل إلى 600 ساعة فقط للقيام بمهمة من هذا النوع.

مجلس الأمن يدين استهداف الحوثيين للمدن السعودية خلال جلسته المنعقدة في مارس 2018

وقد نصحتهم بعمل تسجيلات خاصة بجهاز الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع مدتها 6 ساعات، على أن يتولَّى مسؤولية هذه التسجيلات أحد الخبراء في شؤون جماعة الحوثي وفيلق القدس؛ بحيث يتم إعداد عدد من مقاطع الفيديو مدة كل منها 3 دقائق، للتعريف بالتكنيك الذي يستخدم لتجنب الضربات العسكرية السعودية، وذلك عن طريق شحن عدد من الأطفال في سيارة يتم قيادتها ببطء إلى جانب المقاتلين؛ فالحوثيون يعرفون تمام المعرفة أن الإعلام لن يتأخر في انتقاد أية ضربة عسكرية تستهدف المدنيين، وهم لذلك يجازفون بحشر مجموعات المدنيين والأطفال وسط صفوف المقاتلين.

اقرأ أيضًا: الحوثيون والدروع البشرية.. مهام متعددة

وعلى الرغم من مشاركة المملكة العربية السعودية في تقديم المساعدات الإنسانية إلى اليمن؛ فإن الإعلام الغربي لا يتناول مثل هذه الحقائق بالطريقة المناسبة، وهو بالإضافة إلى ذلك لا يهتم اهتمامًا كافيًا بممارسات الحوثي بما في ذلك منع وصول المساعدات إلى اليمن. وقد يطالب المجتمع الدولي السعودية بإنفاق المزيد والمزيد من الأموال لمساعدة اليمنيين؛ لكن ما يحدث على أرض الواقع هو أن الأرقام لا تشكل أي فارق ما دامت المساعدت لا تصل، بل إن الشيء الوحيد الذي يشكل فارقًا الآن هو أن تنتصر السعودية في هذه المعركة.

ومن الخطأ أن نحكم على الحملة الموجهة إلى اليمن بمعايير الحملات الأمريكية على العراق وسوريا؛ فهناك فارق وحيد لكنه مهم بين الأمرَين، وهو أن الحملة على اليمن ليست إلا حملة جوية مجردة من أية قوات مشاة تقوم بالسيطرة على الأرض وبالتالي تأمين مرور المساعدات الإنسانية. فقد سيطر الحوثيون على هذه المنطقة ومن ثَمَّ يقومون بالتحكم في بوابة مرور المساعدات الإنسانية؛ فهم يقومون بإغلاق الطريق على المساعدات الإنسانية القادمة من السعودية لإحراج المملكة، ثم بعد ذلك ليس من المستغرب أن يحصلوا على التقدير لأنفسهم بعد ادعاء قيامهم بتقديم المساعدات لا السعودية.

شاهد: فيديوغراف.. إرهاب الحوثيين في إتلاف طعام اليمنيين

أيضًا لا يمكننا تجاهل استغلال الحوثيين للمناطق منزوعة السلاح، ولا ينبغي أن ننسى أن هؤلاء الناس لديهم خبرة واسعة بتضاريس وجغرافيا تلك المناطق، وهم بالتالي ينجحون في تمرير المقاتلين إلى هناك بغرض استخدامهم في إطلاق الصواريخ من المناطق منزوعة السلاح، في حين تعجز السعودية عن مهاجمة تلك الأماكن خوفًا من اختراق القانون الدولي، والحوثيون يعلمون بذلك، كما يعرفون أن الأمم المتحدة لن تتوانى تجاه توجيه أية ضربة عسكرية إلى المناطق منزوعة السلاح، وهم يستغلون تلك المعرفة أسوأ استغلال. ولا ننسى أن السعودية لديها الرغبة في تحقيق مكاسب أكبر من حملتها على اليمن، وأنها لن تتوانى عن السعي لذلك بغض النظر عن دعم الولايات المتحدة لها من عدمه.

الكاتب: مايك بريجنت، محلل متخصص في شؤون الشرق الأوسط، ومحاضر سابق بكلية شؤون الأمن الدولي، وزميل زائر في معهد الدراسات الاستراتيجية الوطنية بجامعة الدفاع الوطني.

المصدر: معهد هدسون للدراسات الاستراتيجية

اتبعنا على تويتر من هنا

 

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة