الواجهة الرئيسيةشؤون دولية

الانتخابات الإثيوبية في زمن الحرب والمجاعات.. “صناعة إفريقية”!

كيوبوست- عبدالجليل سليمان

لربما اختار المجلس الوطني الإثيوبي للانتخابات الأيام الأخيرة من يونيو؛ حيث بداية موسم الأمطار الغزيرة على الهضبة وسفوحها؛ موعداً لانطلاق السباق الانتخابي إلى البرلمان، ليغسل رائحة الموت والدم الناجمة عن الحرب التي شنتها الحكومة الفيدرالية في أديس أبابا، 4 نوفمبر 2020، على إقليم تيغراي (شمال إثيوبيا)، ولا تزال بؤر منها مُشتعلةً حتى لحظة وضع أول ناخب ورقة الاقتراع داخل الصندوق؛ الساعة السادسة صباح اليوم 21 يونيو 2021.

تبدو مواعيد الانتخابات التي تم تأجيل انعقادها مرة بدعوى الإجراءات الاحترازية من “كوفيد-19″، ومرة بسبب الحرب في إقليم تيغراي، وثالثة بحيلةٍ أخرى مثل الاضطرابات في مناطق متفرقة من البلاد، وكأنها حُددت في هذا الوقت بعناية فائقة وفُصِّلت على مقاس حزب الازدهار الحاكم ورئيسه آبي أحمد علي.

اقرأ أيضاً: البعد الأيديولوجي لحرب آبي أحمد على إقليم تيغراي (1- 2)

حرب وقمع ومجاعة

بطبيعة الحال، فإن وصف رئيس الوزراء الإثيوبي للانتخابات بأنها دليل على التزامه بالديمقراطية بعد عقودٍ من الحكم القمعي، ينبغي أن يؤخذ بنوع من الحيطة والحذر؛ لأن الحقائق الماثلة على الأرض تؤكد العكس، فالعالم لم يتمكن بعد من القضاء على فيروس كورونا، وأبرز منافسيه؛ مثل جوهر محمد وغيره، لا يزالون رهن الاعتقال في سجون الحكومة الفيدرالية، بينما يتم التعامل مع أقوى الأحزاب الإثيوبية (الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي) كعدو مُطلق يجب القضاء عليه بشكلٍ مُبرم وحاسم ودونما هوادة، حتى لو أدَّى ذلك إلى تشريد أكثر من مليون مواطن، وتعرُّض نحو نصف هذا العدد إلى مجاعة وشيكة، حسب تقارير محلية ودولية.

جوهر محمد المنافس الأول لآبي أحمد لا يزال معتقلاً- وكالات

في ظلِّ هذه الظروف الاستثنائية، اختارت السيدة برتُكان ميديكسا -رئيسة المجلس الوطني للانتخابات- والمقربة من آبي أحمد، وحزب الازدهار، موعداً للانتخابات، وعليه فإن مضمار السباق أصبح ضيقاً؛ بحيث لا يسع غير عدّاء واحد، وهكذا فإن انتظار ما ستسفر عنه الانتخابات يصبح بلا معنى؛ فالنتيجة في الجيب وليست في الصندوق.

اقرأ أيضاً: البعد الأيديولوجي لحرب آبي أحمد على إقليم تيغراي (2- 2)

مقاطعة كبيرة ومنافسة خجولة

في غيابِ إقليم تيغراي برمته، ومقاطعة أكبر أحزاب إقليم أروميا الأكثر اكتظاظاً بالسكان؛ بسبب التخويف المزعوم من قِبل القوات الأمنية، ومع انتقاد الولايات المتحدة قرار الحكومة تنظيم انتخابات في هذا الوقت، وإحجام الاتحاد الأوروبي عن إرسال مراقبين إلى أديس أبابا؛ بحجة أنه لا يستطيع ضمان حريتهم في العمل بشكل مستقل، يخوض حزب الازدهار (حزب رئيس الوزراء) الانتخابات دون منافسة حقيقية؛ وإن كان بعض المراقبين يرون في “الإثيوبيين من أجل العدالة الاجتماعية”، وهو حزب ليبرالي يقوم على أساس المواطنة لا العرقية، ويرأسه السياسي والأكاديمي الباز والمعتقل السابق البروفيسور “برهانو نيغا” منافساً خجولاً لحزب الازدهار؛ خصوصاً في العاصمة وبعض البؤر الحضرية.

إن تنافس 9327 مرشحاً يمثلون 46 حزباً مسجلاً ومشاركاً في الانتخابات، في 673 دائرة انتخابية؛ من أجل كسب أصوات نحو 37 مليون ناخب، ليس إلا إطاراً جميلاً لصورة مشوهة؛ فحزب “الازدهار” الحاكم ليس فقط الأوفر حظاً بكسب السباق، بل هو الحزب الفائز فعلياً، وما يجري محض حيلة ذائعة ومعروفة باسم (الانتخابات الصورية) في هذا الجزء من العالم؛ لذلك فإن حظوظ الأحزاب الأربعة الكبرى “إيزيما، وإنات، وأبن، وبالدراس” التي تنخرط في منافسة الحزب الحاكم على مقاعد العاصمة أديس أبابا وبعض المدن الكبرى، بالفوز؛ تبدو مستحيلة.

اقرأ أيضاً: مَن هو جبل صهيون حاكم (تيغراي) المُتمرد؟

حين تأتي الديمقراطية من إثيوبيا!

والحال هذه، فإن طرح خيار الانتخابات في ظلِّ الظروف المشار إليها سلفاً، فضلاً عن استخدام قانون مكافحة الإرهاب بشكلٍ انتقائي من أجل ضرب الخصوم السياسيين، ونشر خطاب الكراهية، وتوقف العديد من مشروعات البناء، وتباطؤ النمو وارتفاع معدل التضخم السنوي يبلغ الآن نحو 20%، ومن المتوقع أن يبلغ النمو 2% فقط هذا العام، بعد أن تجاوز 10% قبل تفشي جائحة كورونا؛ ما هو إلا تدبير يتيح لحزب الازدهار ورئيس الوزراء البقاء في السلطة لسنواتٍ طويلة أخرى، بشكل مريح وبصفته منتخباً من قِبل الشعب.

برتُكان ميديكسا- رئيسة المجلس الوطني للانتخابات

ورغم انسحاب جبهة تحرير الأرومو بدعوى ترهيب الحكومة، وتصنيف الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي كمنظمةٍ إرهابية، فضلاً عن أن 20 في المئة من الدوائر الانتخابية لن تصوِّت اليوم بسبب انعدام الأمن والتحديات اللوجستية؛ فإن الحكومة تقول إن هذه الانتخابات ستكون انعكاساً حقيقياً لإرادة الشعوب الإثيوبية، بينما الواقع يقول إنها رغبة شريحة بسيطة من النخب الحضرية الممسكة بزمام الأمور في هذه الدولة الإفريقية المهمة.

في مثل هذه الأجواء المحتقنة والمشحونة بالغضب والغبن، فإن احتمال تقويض الانتخابات في بعض الدوائر وإشعالها بالعنف يكون وارداً ومتوقعاً، ليس فقط في المناطق التي تشهد أنواعاً من التمردات على الحكومة المركزية؛ مثل تيغراي وأجزاء من أقاليم أروميا وأمهرا وبني شنقول/ قُمز، بل في العاصمة نفسها، حتى لو حاول رئيس الوزراء تطمين المجتمعَين المحلي والدولي بأن الانتخابات ستكون حرة ونزيهة، وأنهم لن يتقاتلوا مجدداً وسيلقنون العالم كله درساً في الديمقراطية والحرية.

اقرأ أيضاً: كيف سيرد السودان على تهديدات الميليشيات الإثيوبية العابرة للحدود؟

أجندات آبي أحمد

أحد مراكز الاقتراع- وكالات

يعول آبي أحمد وحزبه الازدهار على الفوز بالانتخابات الجارية؛ لتحقيق دولة إثيوبيا موحدة مركزياً، والقضاء على النظام الفيدرالي العرقي الذي أقرته الحكومات الإثيوبية السابقة التي كانت تهيمن عليها الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، برئاسة رئيس الوزراء الأسبق الراحل مِليس زيناي، وهو النظام الذي لولاه لما وصل آبي أحمد إلى رئاسة الوزراء الإثيوبية كأول شخصٍ من عرقية الأرومو يتولى هذا المنصب الرفيع، عبر تاريخ إثيوبيا القديم والحديث؛ ليتمكن في المرحلة القادمة من تنفيذ برامجه ومخططاته في هذا الصدد، مما يرشح إثيوبيا إلى مزيدٍ من العنف العرقي؛ خشية من أن يفضي النظام المركزي الذي يخطط آبي أحمد لاستعادته مرة أخرى إلى عودة النخب الحضرية من قومية الأمهرا للسيطرة على مقاليد الحكم والثروة وفرض إرادتها على بقية سكان البلاد.

اقرأ أيضاً: السودان وإثيوبيا.. حرب حدودية تقترب وأفق حوار مسدود!

حظوظ شحيحة

برهانو نيغا أبرز قادة المعارضة ورئيس حزب إيزيما

بالنسبة إلى حظوظِ الأحزاب الأخرى بالفوز بهذه الانتخابات، الأوفر حظاً بينها حسب مراقبين ومحللين، هو حزب المواطنين الإثيوبيين من أجل العدالة الاجتماعية المعروف بـ” إيزيما” الليبرالي. رغم حداثة تكوينه؛ فإن الكاريزما التي يتمتع بها رئيسه برهانو نيغا، والقبول الذي يحظى به، لربما يتسببان في بعض الصداع للحزب الحاكم؛ خصوصاً في العاصمة أديس أبابا، حيث تمكن خلال سنواتٍ قليلة من خلق قاعدة لا بأس بها من خلال أيديولوجيته التي ترتكز على المواطنة الإثيوبية، وهي من القضايا التي غابت نسبياً طيلة العقود الماضية، والتي من الممكن أن تمنح الحزب أفضلية.

اقرأ أيضاً: من يقف خلف محاولة استهداف مصالح الإمارات في إثيوبيا؟

أما حركة “أبن” القومية الأمهرية، بزعامة الشاب بلطا مولا، والتي تستهدف الناخبين من عرقية الأمهرا؛ فلربما تستفيد من تقطعات السياسة بالنزعات الإثنية، وتحصل على بعض الدوائر في العاصمة وإقليم أمهرا، خصوصاً منطقة بحر دار التي ينتمي إليها رئيسها الذي عقد صفقة سياسة ذكية مع حزب بالدراس اليميني بزعامة الصحفي والناشط الحقوقي السجين إسكندر نيغا؛ تنازل له بموجبها عن المنافسة في العاصمة، بينما تنازل الأخير لـ(أبن) عن دائرة منطقة ديردوه شمال مدينة هرر، ومنطقة متكل في إقليم بني شنقول/ قُمز.

تبقَّى حزب “إنات”، أي (الأم)، الذي يدعو إلى إلغاء الفيدرالية العرقية واستبدال الجغرافية بها، واستعادة أمجاد إثيوبيا وحضارتها القديمة، مع إصلاح نظام الحكم، ويتبنى مبادئ الديمقراطية الاشتراكية والعدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة، والمحافظة على الثقافة والهوية والدين، ويبدو كأنه نسخة مصغرة من حزب الازدهار الحاكم في كثير من الأفكار.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

عبد الجليل سليمان

مراسل السودان

مقالات ذات صلة