الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

الاختراق التركي المقلق في ليبيا

منذ يوليو 2016 بات بوتين وأردوغان صديقين حميمين للغاية ويتفقان على إبعاد الغربيين عن العالم العربي الإسلامي.. لكن تقاسم الغنائم في ليبيا كما في سوريا لا يسير دائماً بشكل جيد

كيوبوست – ترجمات

بقلم: رونو جيرار

رونو جيرار- كاتب صحفي ومحلل استراتيجي فرنسي

على النهج القومي الصارم للجنرال مصطفى كمال، مؤسس تركيا الحديثة، نجح الرئيس التركي الحالي في تحريك بيادقه بشكل ممنهج؛ لدفع مشروعه العظيم “العثمانية الجديدة”. والأمر يتعلق دائماً بالرغبة في الانتقام من معاهدة سيفر المهينة (أغسطس 1920)، والتي أجبرت الباب العالي على التخلي نهائياً عن مستعمراته العربية والمغاربية.

يحاول أردوغان توطيد أقدامه في ليبيا؛ حيث حقق كمال نجاحه العسكري الأول في ديسمبر 1911، مجبراً الإيطاليين على الخروج من طبرق والاستقرار في درنة؛ لكن هذا الانتصار كان عديم الفائدة، لأن القوات التركية اضطرت إلى الانسحاب على عجل من ليبيا للذهاب إلى القتال في حرب البلقان الأولى.

مِثل كل الاستراتيجيين الجيدين، كان أردوغان قادراً على انتظار اللحظة المناسبة لبدء العمل. في 28 نوفمبر 2019، أبرمت أنقرة اتفاقية تعاون عسكري وأمني مع حكومة الوفاق الوطني الليبية برئاسة فايز السراج، في إسطنبول. وعلى الرغم من أن الحكومة معترف بها رسمياً من قِبل الأمم المتحدة؛ فإنها كانت في أسوأ وأضعف حالاتها عندما شنت قوات (الجيش الوطني الليبي) بقيادة الجنرال حفتر، هجوماً على طرابلس بدعم قوى إقليمية ودولية.

اقرأ أيضاً: العرابي لـ”كيوبوست”: تركيا دولة راعية للإرهاب تبتز الجميع لتحقيق مصالحها

مستغلاً الحرب الأهلية الليبية، إلى جانب السراج، دفع أردوغان بالطبع بمساعداته العسكرية. كان المقابل يتعلق بحصول تركيا على أفضل عقود النفط، عندما تتم استعادة حقول خليج سرت المسيطر عليها من قِبل حفتر.

حتى إن أنقرة وطرابلس وقعتا وثيقة لتقاسم المناطق الاقتصادية في شرق البحر الأبيض المتوسط، بشكل لا يتوافق البتة مع القانون البحري الدولي. كما تم، على المدى المتوسط، منح أربع قواعد استراتيجية في الأراضي الليبية لتركيا؛ بينها المطارات العسكرية: الوطية (بالقرب من الحدود التونسية)، والجفرة (المفصلي بين طرابلس وفزان)، وموانئ مصراتة وسرت (من أجل السيطرة على وسط البحر الأبيض المتوسط ​​من جهة الجنوب).

أردوغان وقع معاهدات عدة مع حكومة الوفاق- وكالات

في 2 يناير 2020، حصل أردوغان على إذن من برلمان أنقرة لإرسال القوات التركية إلى ليبيا. وأخذوا كمساعدين عدة آلاف من الجهاديين، الذين أصبحوا دون عمل في جيب إدلب (شمال غرب سوريا على الحدود مع تركيا). ودون انتظار، انتشروا هناك؛ ما سمح لميليشيات الوفاق بالخروج التدريجي من طرابلس لقتال قوات الجنرال حفتر، المدعوم من الروس.

نجحت الطائرات دون طيار التركية المسلحة (بيرقدار)، وهي طائرات صغيرة تطير على ارتفاعات عالية، في تدمير شاحنات الدفاع الجوي الروسية (Pantsir-S1)؛ ما أجبر روسيا في نهاية مايو 2020، على إعادة آلاف المرتزقة والطائرات الحربية الثماني التي أرسلتها إلى ليبيا على وجه السرعة.

منذ يوليو 2016، كان بوتين وأردوغان صديقَين حميمَين للغاية؛ حيث كان لدى الأول معلومات استخباراتية لتحذير الأخير من أنه قد تم إعداد انقلاب عسكري ضده. يتفق الرجلان القويان على الهدف الاستراتيجي المتمثل في إبعاد الغربيين عن العالم العربي الإسلامي؛ لكن تقاسم الغنائم في ليبيا كما في سوريا لا يسير دائماً بشكل جيد.

فرقاطة تركية قبالة السواحل الليبية- وكالات

ارتفعت حدة الغطرسة العثمانية الجديدة في البحر الأبيض المتوسط ​​في 11 يونيو 2020. كجزء من مهمة الحراسة البحرية لمراقبة حظر الأسلحة المفروض من قِبل الأمم المتحدة على توريد الأسلحة إلى ليبيا، اقتربت سفينة تابعة للبحرية الفرنسية من حاوية تركية تبحر إلى مصراتة لتفتيشها، فتلقت تحذيرات من فرقاطة تركية مرافقة لها، إنه موقف عدواني للغاية من دولة عضو في حلف الناتو (يغطيها صمت أمريكي يصم الآذان)، هذا غير مقبول. في نوفمبر 2019، تم انتقاد إيمانويل ماكرون عندما تحدث عن “حالة موت سريري” للمنظومة الأطلسية، قد لا يكون الرئيس الفرنسي مخطئاً.

اقرأ أيضاً: ترحيب دولي بتحركات يونانية- إيطالية لمواجهة الاعتداءات التركية

من خلال التخلص من الجهاديين الذين لم تعد تحتاج إليهم في الأراضي الليبية، فإن تركيا تشكل تهديداً لدول أوروبا. بالإضافة إلى ذلك، فإن السيطرة على الأراضي الليبية قد تسمح لها باستئناف ابتزاز الاتحاد الأوروبي بورقة المهاجرين، ولن يتمكن أحد من منع الجهاديين من الاختلاط مع المهاجرين.

لا يزال التدخل العسكري الفرنسي البريطاني عام 2011 في ليبيا حتى يومنا هذا هو أكبر خطأ سياسي اقترفته السياسة الخارجية في حقبة الجمهورية الخامسة الفرنسية. نحن لم نخلق فقط فوضى يشكو منها كل الدول المغاربية والساحلية؛ بل عرضنا أيضاً قطعة أرض ذهبية على أكبر منافس لنا في البحر الأبيض المتوسط: أردوغان الذي يمثل (الإخوان المسلمين).

المصدر: لوفيغارو

 اتبعنا على تويتر من هنا

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة