الواجهة الرئيسيةشؤون خليجيةشؤون دوليةشؤون عربية

الاتفاق السعودي الإيراني وعقدة التفاوض التالية في اليمن

كيوبوست- منير بن وبر

أفاد مسؤولون بأن طهران سوف تمتنع عن تشجيع الحوثيين على شن المزيد من الهجمات العابرة للحدود، وذلك ضمن مساعي السعودية وإيران لإعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما. ونقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، عن مسؤولين سعوديين وأمريكيين وإيرانيين القول بأن إيران “وعدت” بعدم تشجيع الحوثيين على شن هجمات على المملكة العربية السعودية من الأراضي اليمنية.

ليس سراً أن إيران تقدم دعماً بالأسلحة للحوثيين في اليمن، لكن طهران -بطبيعة الحال- دأبت على إنكار ذلك الدعم. وبالرغم من زخم التفاؤل بأن يلقي الاتفاق الإيراني-السعودي الأخير بثقله على عملية السلام في اليمن، فإن معضلة تدفق الأسلحة من إيران إلى اليمن تبقى حقيقة ماثلة؛ فبدون الاعتراف الإيراني بذلك صراحة أو ضمنياً، والتعهّد بإيقاف ذلك السلوك الشائن، فإنه من غير المرجح فعلاً أن تتحقق أماني السلام في اليمن.

اقرأ أيضاً: مبادرات عربية لتحسين العلاقات مع طهران وسط حالة من عدم اليقين بشأن المحادثات النووية

يشهد اليمن مرحلة جديدة في الصراع؛ إذ استنفدت جميع الأطراف المحلية تقريباً الكثير من قدراتها المالية والعسكرية، كما أن الأطراف الخارجية المنخرطة في الأزمة تطمح إلى تحقيق التنمية والازدهار في المنطقة وتحقيق المزيد من القوة والتأثير، وهو ما يصعب تحقيقه مع وجود دولةٍ منهارة مثل اليمن في الجوار، أو عدوانية مثل إيران.

معضلة الأسلحة

كشفت عمليات اعتراض الأسلحة في البحر والبر، خلال السنوات الماضية، مقداراً هائلاً من القوة التي تتدفق إلى الحوثيين الذين يسيطرون على أغلب المناطق الشمالية من البلاد، والنسبة الأكبر من السكان. شملت قائمة الأسلحة المهربة مكونات صواريخ، ومكونات وقود الصواريخ، وصواريخ مضادة للدبابات، ومحركات طائرات دون طيار، وبنادق هجومية ورشاشات، وغيرها. 

خلال فبراير الماضي، قالت بريطانيا إنها قدمت، لأول مرة، أدلة دامغة لمجلس الأمن تثبت تورط إيران في تزويد الحوثيين بأسلحةٍ متطورة. وفقاً لبريطانيا، فقد تم العثور على تسجيلات فيديو بذاكرة إحدى الطائرات المسيرة المُصادرة عند محاولة تهريبها إلى اليمن، وتظهر الفيديوهات رحلاتٍ تجريبية للمسيّرة في طهران. 

طائرة بدون طيار من مجموعة أسلحة إيرانية تم الاستيلاء عليها من قبل البحرية البريطانية- AP

تناول تقرير مجلس الأمن الأخير قضية تزويد طهران للحوثيين بالأسلحة، وهي ليست المرة الأولى التي يتم الحديث فيها عن ذلك الدعم. يُعد تزويد الحوثيين بالأسلحة مخالفة صريحة لقرارات الأمم المتحدة، وقد عمل التحالف العربي والقيادة المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط والقوة البحرية المشتركة لسنوات في مكافحة التهريب، وهي جهود ازدادت أكثر خلال العامين الماضيين، في إطار الضغط الدولي على إيران وتشديد الخناق على الحوثيين.

إن الاتفاق على استعادة العلاقات الدبلوماسية بين طهران والرياض يعني أن البلدين سوف يمتلكان قنوات حوار مباشرة بدلاً عن الوسطاء والقنوات الخلفية التي تستغرق الكثير من الوقت. سوف يؤدي الحوار المباشر دوراً أكثر فعالية لصالح القضايا المعقدة مثل الصراع في اليمن.

يمكن الاكتفاء بقول ذلك فحسب، وعدم رفع سقف التوقعات كثيراً؛ إذ أن اتفاق البلدين على مبدأ النقاش الدبلوماسي لا يعني الاتفاق على حلٍ بقدر ما يعني التفاوض المباشر الذي سوف يتطلب الكثير من التنازلات، وإيجاد الأرضية المشتركة. وذلك ما يدفع بالفعل إلى القول بأن الأسلحة المُهربة إلى الحوثيين من إيران، وتاريخ من استهداف البنية التحتية لليمن وجيرانه، هي عقدة لا يسهل فكّها.

هل سينتظر اليمنيون الكثير؟

بدا أن اليمن يدخل في أواخر مراحل الصراع منذ الربع الأخير من العام 2022 عندما استهدف الحوثيون ميناء تصدير النفط في حضرموت، جنوب شرق اليمن، وما تلا ذلك من تحركات مهمة، مثل لقاء رئيس مجلس القيادة اليمني بالرئيس الصيني في الرياض، وعقد اتفاقية دفاعية مع الإمارات، وغيرها من الجهود الدبلوماسية والتحركات العسكرية المستمرة والملفتة للنظر. ومع ذلك، كان ولا يزال، من الصعب التكهن بطول هذه المرحلة ومقدار العنف الذي يمكن أن يرافقها.

اقرأ أيضاً: هجوم الحوثيين على ميناء الضبة في حضرموت.. الأسباب والتداعيات

ربما تؤدِّي إعادة العلاقات الدبلوماسية بين طهران والرياض إلى تسريع المرحلة، ولكن هذا التسريع سيكون بتأثير محاولات خفض التوتر بين إيران والسعودية، وفي المنطقة بشكلٍ عام؛ مما يعني أن الوضع في اليمن سيكون أمامه الكثير من الجهد المطلوب لإخراجه من المأزق. 

إن اليمن بلد منهار بطبيعة الحال، وإذا كانت هناك أولوية ما فهي الأمن، وهو أمر لا يمكن تحقيقه في ظل مجتمعٍ غير متماسك وأضرار بالغة بشرعية الدولة. إن التعامل مع تلك القضايا الحساسة سيتطلب مقداراً كبيراً من الصبر والحكمة والدعم الداخلي والخارجي. في هذه المرحلة، يساعد الالتزام بحماية اليمن من تدفق المزيد من الأسلحة غير المشروعة في تحقيق المزيد من الأمن. وسيكون مدى التزام إيران، وربما مساعدة بكين أيضاً، دليلاً على جدية الرغبة في تغيير السلوك. بعد ذلك، سيكون اليمن على موعد مع مرحلة إعادة بناء سياسي واقتصادي، وهي مرحلة لن تنتهي بين عشية وضحاها. 

نحو مزيدٍ من التوازن والرخاء

تعيش منطقة الشرق الأوسط مرحلة فارقة في تاريخها؛ حيث تدفعها ثرواتها وثقافتها واقتصادياتها وتأثيرها العالمي إلى السعي لتحقيق من المزيد من مكامِن القوة. تُعد السعودية والإمارات وتركيا وإيران قوى إقليمية مهمة وذات تأثير عالمي؛ وهو ما يشجعها على تحقيق المزيد. 

الشيخ محمد بن زايد يستقبل الجنود العائدين من اليمن- Twitter/MohamedBinZayed

إن السياسات الخارجية لدول المنطقة تلك مدفوعة -من بين أمورٍ أخرى- بالرغبة في تحقيق الريادة، وهو أمر يدفعها إلى تبني استراتيجياتٍ محددة، مثل موازنة العلاقات مع القوى العظمى المتنافسة، والانضمام إلى التحالفات والمجموعات، والموازنة ضد المنافسين الذين يحاولون قمع صعودهم أو يُتصور أنهم معادون لمصالحهم أو يعملون ضد مصالحهم الوطنية. بعبارةٍ أخرى، تميل هذه الدول أكثر فأكثر إلى تبني سياسة التحالفات والتعددية لتوسيع نفوذها وتحقيق طموحاتها. 

تخاطر إيران وتركيا بشكلٍ خاص بالنقد اللاذع من قِبل شعوبهما أو حتى الإطاحة بنخبها الوطنية إذا لم تحقق طموحاتها القومية من خلال تبني مثل تلك سياسات، ولا شك في أن أوضاعهما الداخلية المتردية مؤخراً كانت دافعاً لتغيير سياساتهما الخارجية. 

في مقابل ذلك، تُوصف الدول الضعيفة لحد الانهيار، كاليمن، بالافتقار إلى الأمن وشدة التنازع داخل أراضيها، أو عليها، من قِبل المتنافسين الخارجيين. لا تمتلك دولة كاليمن فرصاً مواتية وسط عالم شديد التقلّب؛ لذلك يجب أن تكون سياستها حذره ومبدعة، وإلا فإنها تخاطر بعدم الوقوف على أقدامها لأمدٍ طويل جداً.

إن جاراً أو عضواً كهذا في المجتمع الدولي لا يبعث على السرور مطلقاً؛ لأنه من غير المتوقع أن يؤدي دوراً في الحفاظ على قواعد السلوك العالمية، بسبب عجزه في المقام الأول عن القيام بدوره داخل حدوده. لن تستطيع دولة مثل اليمن لعب دور مقتدر في القضايا الأوسع، مثل الإرهاب العالمي والقرصنة والهجرة غير الشرعية والتهريب؛ لذلك، يُعد مساعدة اليمن على تحقيق الأمن، وتطبيع الحياة، وإخراجه من مستنقع النزاع، حجر أساس في مستقبل المنطقة العربية، وهو بالطبع عقدة تفاوض عسيرة، ومسار كثير التعرجات.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

منير بن وبر

باحث في العلاقات الدولية وشؤون اليمن والخليج

مقالات ذات صلة