الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةشؤون دولية
الابتكار والتكنولوجيا في العمل الإنساني: آسيا والمحيط الهادي نموذجاً
قد تتطلب مواجهة الكوارث الطبيعية قدراتٍ مالية خارجة عن إمكانات الدول الفقيرة... فهل يمكن للابتكار والتكنولوجيا إيجاد الحل؟

كيوبوست- منير بن وبر
تعد منطقة آسيا والمحيط الهادئ المنطقة الأسرع نمواً في العالم، من حيث التبني المبكر والابتكار في الثقافة الرقمية والاقتصاد الرقمي، كما أنها المنطقة الأكثر عرضة للكوارث، حيث يوجد بها أكثر من ثلاثة أرباع النازحين في العالم بسبب الكوارث.
في عالم اليوم، الذي باتت فيه الكوارث الطبيعية أكثر شيوعاً، يُعد استثمار الدول في الابتكار والتكنولوجيا ضرورياً لضمان حصول المتضررين من حالات الطوارئ على المساعدة التي يحتاجونها بأسرع وقت ممكن.
في كُتيّب بعنوان “الابتكار والتكنولوجيا في الإطار الإنساني” تم تسليط الضوء على دور الابتكار والتكنولوجيا في توفير حلول ملائمة لمواجهة التحديات الإنسانية، وتعزيز المساواة بين الجنسين، وتمكين المرأة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. تم إنتاج الكُتيّب بواسطة الفريق العامل المعني بالمساواة بين الجنسين في العمل الإنساني في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، برئاسة مشتركة بين هيئة الأمم المتحدة للمرأة ومنظمة (كير) الدولية ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا).
اقرأ أيضاً: كيف تغذِّي فوارق التكنولوجيا شكلاً جديداً من الشعبوية حول العالم؟
يعطي الكُتيّب لمحةً عن الإنجازات التي تم تحقيقها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، من خلالِ استغلال الابتكار والتكنولوجيا، من أنظمةِ التحقق من القياسات الحيوية، والطائرات بدون طيار، إلى النماذج التنبؤية المستندة إلى التوقعات، والعاملين “الافتراضيين” في المجال الإنساني.
تقدِّم تلك التجارب الملهمة دليلاً لكيف يمكن أن يكون الابتكار والتكنولوجيا حلاً سحرياً للعديدِ من المشكلات التي تواجه البشرية اليوم، وكيف يجب على الدول الاستثمار بكثافة في التكنولوجيا والابتكار والتحول الرقمي.

لماذا يجب الاستثمار في الابتكار والتكنولوجيا؟
يعد الاستثمار في الابتكار والتكنولوجيا خطوة ذكية لأي دولة جادة في خفض التكاليف البشرية الناتجة عن الكوارث وحالات الطوارئ؛ فهما لا ينقذان الأرواح ويقللان المعاناة بتكلفة أقل فقط، بل يجعلان العمل الإنساني أدق استهدافاً وأكثر فعالية، كما يساهمان في بناء القدرات والخبرات المحلية التي يمكن أن تكون حاسمة في حالات الطوارئ.
يساهم الابتكار والتكنولوجيا في تحسين العمل الإنساني، وخفض التكاليف بعدة طرق، على سبيل المثال، يمكن، وفي توجيه المساعدات بشكلٍ أكثر دقة إلى المناطق التي تشتد الحاجة إليها. يمكن أن يساعد ذلك في تقليل الفاقد وضمان استخدام الموارد النادرة بشكلٍ أكثر فعالية.
شاهد: فيديوغراف: الذكاء الاصطناعي.. سلاح ذو حدين
يساعد الابتكار والتكنولوجيا أيضاً في تحسين سرعة وكفاءة المساعدة الإنسانية. على سبيل المثال، تُستخدم تقنيات جديدة مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد، والطائرات بدون طيار، لتقديم المساعدة بسرعة والوصول إلى المحتاجين. يمكن استخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد -مثلاً- لصناعة أطراف صناعية ومعدات طبية، وحتى بيوت خرسانية كاملة للمتضررين، بتكلفة أقل وسرعة تتناسب مع حالة الطوارئ.
أما الطائرات دون طيار، فيمكن استخدامها لتوصيل الإمدادات إلى المناطق النائية أو التي يصعب الوصول إليها. يمكن استخدامها أيضاً لأغراض رسم الخرائط والمسح، والتي يمكن أن تكون مفيدة في جهود الإغاثة في حالات الكوارث. بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام الطائرات بدون طيار لمراقبة الظروف البيئية، وتتبع الحياة البرية.

علاوة على ذلك، يتم استخدام تقنيات الهاتف المحمول لتوفير معلومات في الوقت الحقيقي حول الاحتياجات على الأرض، والسماح بتنسيق أفضل لجهود الإغاثة. كما تُستخدم التقنيات المحمولة لدعم العاملين الصحيين في المناطق النائية من خلال تزويدهم بإمكانية الحصول على المشورة الطبية والإرشادات.
من جانبٍ آخر، يمكن الآن استخدام العديد من الابتكارات لتوفير المياه النظيفة ومرافق الصرف الصحي، وأنظمة الطاقة والزراعة الذكية، في المناطق المتضررة من الكوارث أو الفقيرة أو مجتمعات النزوح.
الحاجة إلى سد الفجوة الرقمية
وفقاً لكُتيّب “الابتكار والتكنولوجيا في الإطار الإنساني” يعمل تسريع الرقمنة وتبني الابتكار والتكنولوجيا، في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، على إعادة تشكيل الأنظمة والعمليات الإنسانية بسرعة، وتوسيع نطاق المشاركة مع الآثار الإيجابية لعملٍ إنساني أكثر فعالية واستباقيةً.
تُعتبر منطقة آسيا والمحيط الهادئ أكثر عرضة للكوارث الطبيعية -مقارنة بأي مكان آخر من العالم- لعدة أسبابٍ، منها وقوعها فيما يعرف بـ”حلقة النار”، والعواصف الاستوائية والأعاصير، والاكتظاظ السكاني والفقر اللذان يفاقمان تأثير وآثار الكوارث الطبيعية.
اقرأ أيضاً: زلزال تركيا… العوامل الطبيعية لا تقف وحدها خلف المأساة
وفقاً للفريق العامل المعني بالمساواة بين الجنسين في العمل الإنساني، في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، فإنه بالرغم من سرعة النمو في منطقة آسيا والمحيط الهادئ من حيث التبني المبكر والابتكار في الثقافة الرقمية والاقتصاد الرقمي، فإن الحواجز الاجتماعية والاقتصادية غالباً ما تعني أن عدداً أقل من النساء والفتيات يمكنهن الوصول إلى الإنترنت أو الهاتف المحمول، بينما يستخدم سكان المدن -الأصغر سناً والأكثر ثراءً- تلك الأدوات أكثر من المجموعات الأخرى. لذلك، يجب إعطاء السكان الأقل حظاً فرصاً للتأثير وتحديد العوامل التي تدعم التنفيذ الناجح للعمل الإنساني المبتكر والتكنولوجي.
يحدد كُتيّب “الابتكار والتكنولوجيا في الإطار الإنساني” ثلاث خطوات لسد الفجوة الرقمية بين الجنسين، أولها تحسين الوصول إلى التقنيات الرقمية والإنترنت واستخدامها، ثانياً، تنمية المهارات اللازمة لاستخدام التقنيات الرقمية والمشاركة في تصميمها وإنتاجها، وأخيراً الارتقاء بالمرأة إلى أدوار قيادية واضحة وصنع القرار في القطاع الرقمي.
تجربة منطقة آسيا والمحيط الهادي
يتزايد ارتباط الأنظمة الرقمية والابتكار والتكنولوجيا بمختلف جوانب الحياة في آسيا والمحيط الهادئ سنة بعد أخرى. تفتخر المنطقة اليوم بكونها موطناً لبعض أعلى معدلات التغطية للإنترنت، والنطاق العريض، والشبكات الخلوية المتنقلة في المدن والأرياف.
يمكن للتكنولوجيات الجديدة والناشئة أن تعزِّز الاستجابة الإنسانية والتأهب للكوارث، وتعويض ضعف البنية التحتية.

تشير الأبحاث إلى أن الهواتف المحمولة يمكن أن تكون شريانَ حياة إنسانياً، من خلال تسهيل الوصول الأساسي إلى المعلومات، واتصالات الإنذار المبكر، والخدمات المالية، والبرامج الحكومية والخدمات المبتكرة.
اقرأ أيضاً: قلعة “غازي عنتاب” الشاهدة على صمود المدينة دمرها الزلزال الأخير
على سبيل المثال لا الحصر، يمكن لتنبؤات الطقس وأسعار المحاصيل وفرص التسويق أن تساعد في تقليل الفجوات بين الجنسين، ودعم التكيف مع المناخ والكوارث.
يقدم كُتيب “الابتكار والتكنولوجيا في الإطار الإنساني” بعض الأمثلة العملية على الحلول المبتكرة و/ أو التكنولوجية التي تساهم في تضييق الفجوة الرقمية بين الجنسين، وتحسين الاستجابة الإنسانية في جميع أنحاء منطقة آسيا والمحيط الهادئ، من ذلك مثلاً تعزيز الوصول إلى الزراعة الذكية مناخياً -الشاملة للجنسين- التي تساهم في تقليل آثار تغير المناخ على الأمن الغذائي والتغذية، من خلال تعزيز الزراعة المنزلية، وبناء القدرة على الصمود.

من ذلك أيضاً تعزيز محو الأمية الرقمية من خلال تقنية الاستجابة الصوتية التفاعلية في الأجهزة المحمولة لزيادة قدرة الأفراد -على سبيل المثال لا الحصر- على الوصول إلى الحسابات المصرفية عبر الإنترنت، والتنقل عبر البوابات الرقمية لتلقي الخدمات المالية، وتقديم طلبات العمل، وإثبات التطعيم ضد COVID-19، وتقديم طلبات اللجوء.
شملت التجارب الأخرى تحسين التعليم باستخدام التكنولوجيا، والمساحات الآمنة الافتراضية للنازحين، وعمليات التسوق والشراء والدفع الرقمي.
قد تتطلب مواجهة الكوارث الطبيعية وآثار تغير المناخ قدرات مالية وإمكانيات وبنى تحتية لا تقدر الدول الفقير، أو المتضررة، على توفيرها، ومع ذلك، يمكن للابتكار والتكنولوجيا والتحول الرقمي المساهمة بفعالية في الاستجابة لنقاط الضعف تلك.