الواجهة الرئيسيةمقالات

الإمارات وروسيا.. جهود سنوات ممتدة لبناء علاقة استراتيجية

يبدو أن رسْم شكل العلاقة التي تريدها الإمارات مع روسيا بات أقرب إلى الاكتمال، وضمنت عدم تأثير هذه العلاقة على الروابط الاستراتيجية بينها وبين الولايات المتحدة أو بين حليفها الرئيسي خليجيًّا السعودية، وحُدِّدت مجالات الاتفاق والاختلاف بدقة؛ فأسست على مجالات الاتفاق وعالجت بعض مجالات الاختلاف.

كيوبوست- هيئة التحرير

تتوِّج زيارة الرئيس بوتين إلى الإمارات جهودًا مستمرة بذلها صنّاع السياسة الخارجية الإماراتية في صياغة علاقة استراتيجية مع روسيا تخدم مصالح الإمارات وروسيا على حد سواء. وعلى الرغم بعض الخلاف في وجهات النظر حيال عدد من الملفات والمواقف في بعض القضايا؛ فإن الدولتَين خلال سنوات طويلة استطاعتا تفعيل التعاون في كثير من المجالات؛ في ما يحقق مصالحهما المشتركة ويدعم الأمن والسلام والاستقرار.

 تعاون متنامٍ

في الأول من يونيو 2018، شهدت علاقات البلدَين نقطة تحول مهمة تمثَّلت في التوقيع على إعلان شراكة استراتيجية بينهما يشمل المجالات السياسية والأمنية والتجارية والاقتصادية والثقافية، إضافة إلى المجالات الإنسانية والعلمية والتكنولوجية والسياحية. كانت العلاقات بين البلدَين قد تطورت بشكل متسارع خلال العقدَين الأخيرَين، وغدت دولة الإمارات البلد العربي الأول في تطوير هكذا تعاون واسع مع روسيا. فمنذ زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأولى إلى الإمارات في سبتمبر 2007، والتي كانت المرة الأولى التي يزور فيها رئيس روسي 0الدولة الخليجية، تلقَّى التعاون بين البلدَين دفعات متواصلة، وزاد حجم التبادل التجاري بينهما من مليار دولار عام 2010 إلى أكثر من 3.4 مليار دولار في عام 2018.

اقرأ أيضًا: التوجه الروسي- الإماراتي في مكافحة الإرهاب.. انسجام في الرؤية والأهداف

وليس بعيدًا أن صناع السياسة في البلدَين بحثوا عن صيغة تُمكِّنهم من إنشاء علاقات استراتيجية بين الطرفَين دون أن يخسرا أيًّا منهما. وقد ساعد في ذلك أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب -إلى حد ما- يرى مثل هذا التعاون مدعاة لاستقرار عالمي وتحقيق لمصالح أمريكا. كما أن روسيا لم تعد ترى في العلاقة الاستراتيجية بين دول الخليج بصفة عامة وأمريكا تهديدًا لها. وكما يؤكد رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الاتحاد الروسي قسطنطين كوساتشوف، في مقابلة مع مجلة “رشان فيو” الروسية (نشر “كيوبوست” الحلقة الأولى من الحوار)، يقول كوساتشوف: “إن مسار تطور علاقات روسيا مع دول الخليج لم يكن سهلًا على الإطلاق، وهي تدرك أن روسيا لا تعتمد على جهات معينة في المنطقة، ولا تهدف إلى هزيمة كل الأطراف الأخرى.. وهذه هي ميزة روسيا الهائلة؛ حيث استطاع دبلوماسيونا الاستفادة منها ببراعة طول الوقت، رغم صعوبة الأوضاع كما نعرف جميعًا”، مضيفًا: “لن أتنبأ في ما إذا كانت الأمور ستسير بسلاسة في حالات محددة.. لكن دعوني أذكر أن روسيا هي التي نجحت في جمع إيران وتركيا وسوريا على طاولة مفاوضات واحدة رغم خلافاتها”.

 معالجات دقيقة لملفات معقدة

في الملف السوري كان للإمارات مسعى ثابت نحو الاستقرار ورافض لتقسيم البلاد وضرورة مكافحة التنظيمات المسلحة مهما كانت الشعارات، وهو الرهان الإماراتي الذي أثبت صلابته وواقعيته بعد تسع سنوات من الدمار الذي حاق بسوريا وشرد ما يقارب 11 مليونًا. وفي الوقت نفسه، فإن الموقف الإمارتي رافض لتحوُّل سوريا إلى ساحة أخرى للمتطرفين، وبشكل أشد موقفها رافض للتطرف والإرهاب من كل الأطراف في سوريا. كانت الإمارات تُدرك أهمية بناء علاقة استراتيجية مع روسيا، وأيضًا تدرك مساحات الالتقاء في ذلك الملف.

ومن جانب آخر، اعتبرت روسيا أن الموقف الإماراتي من عودة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا مؤشر مهم على تعزيز التعاون والمشاركة في جهود إعادة الإعمار هناك؛ لذلك رحبت روسيا بقرار رجال الأعمال الإماراتيين بالمشاركة في معرض دمشق التجاري في 30 أغسطس، على الرغم من التحذيرات الأمريكية.

أما الملف الإيراني، فهو من الملفات التي تعتبر مؤشرًا على مرونة العلاقات بين الدولتَين وقدرتهما على إدارة الاختلاف؛ فروسيا دومًا أقرب إلى الموقف الإيراني، بينما الإمارات تتخذ موقفًا أكثر تشددًا من إيران. وتُدرك الإمارات أن روسيا لا ترى مصلحة في هيمنة إيران على المنطقة، وتدرك أن العلاقة الروسية- الإيرانية تقوم بدرجة أساسية على حاجتهما المشتركة إلى إدارة التوازنات المعقدة بين دول القوقاز، وبدرجة أهم بسبب التهديد المشترك الذي تمثله الولايات المتحدة على روسيا وإيران. بمعنى آخر، فإن أُسس العلاقة الاستراتيجية الروسية- الإيرانية ليست موجهة ضد الخليج ولا أمنه. هذا طبعًا لا يُطمئن الإمارات، وما زالت تفضِّل ابتعاد روسيا عن إيران؛ إلا أنها أخذت حلًّا وسطًا هو تحييد آثار العلاقة الروسية- الإيرانية على المنطقة العربية، وفي الوقت نفسه تكثيف علاقتها الأمنية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وتعزيز قدراتها العسكرية، سواء من حيث شراء الأسلحة أو تطوير قدراتها لصناعة الأسلحة؛ بهدف ردع إيران وتحييد آثار التسليح الروسي لإيران.

من جانب آخر، فإن روسيا مؤخرًا اعتبرت أن النهج الإماراتي الأكثر حذرًا تجاه إيران والمتجه إلى تهدئة التوترات معها باعث على التفاؤل. ويمكننا أن نتوقع أن بوتين في جعبته بعض من المبادرات التي من المتوقع أن يعرضها على كل من السعودية والإمارات؛ يأتي في صدارتها الملف السوري.

اقرأ أيضًا: مترجم: ما مدى قوة “التحالف” بين إيران وروسيا؟

 إدارة التحفظات الأمريكية

الملف اليمني من الملفات المهمة أيضًا في العلاقات الروسية- الإماراتية، وفي الأشهر الأخيرة اقتربت سياسة روسيا في اليمن من موقف دولة الإمارات بصورة واضحة، ورغم اعتماد روسيا على استراتيجية الحياد الاستراتيجي من الملف اليمني، كما وصفها بعض التحليلات؛ فإن موسكو مؤخرًا أقامت علاقات أوثق مع المجلس الانتقالي الجنوبي، وباتت روسيا تميل إلى دعمه بصورة أوسع نطاقًا.

ومن جانب آخر، حافظت موسكو على علاقتها بجميع الأطراف هناك؛ بما في ذلك الحوثيون في صنعاء. وتسهم سياسة موسكو تلك في تعزيز مصالحها في اليمن بصورة أساسية. وقد قامت منذ فترة بدعوة رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي إلى موسكو بدعوة من وزارة الخارجية الروسية، بالتزامن مع رحلة السفير الروسي في اليمن فلاديمير ديدوشن، إلى عدن.

وفي ملف مكافحة الإرهاب، وصل التعاون الإماراتي- الروسي إلى حد اعتبار روسيا دولة الإمارات العربية المتحدة شريكًا أساسيًّا في هذا المجال.

يبدو أن رسْم شكل العلاقة التي تريدها الإمارات مع روسيا بات أقرب إلى الاكتمال، وضمنت عدم تأثير هذه العلاقة على الروابط الاستراتيجية بينها وبين الولايات المتحدة أو بين حليفها الرئيسي خليجيًّا السعودية، وحددت مجالات الاتفاق والاختلاف بدقَّة؛ فأسَّست على مجالات الاتفاق، وعالجت بعض مجالات الاختلاف، وحيَّدت البعض الآخر، ثم خلقت حيّزًا لتعاون مثمر واستراتيجي مع روسيا على الرغم من الاختلافات، هذا الحيز لا يتوقف على الأبعاد السياسية والاقتصادية فقط، بل يمتد إلى أبعد من ذلك.

ومن ثم يلتقي قادة البلدَين مجددًا، وهذه المرة في الإمارات، وهي الدولة التي تحتضن الكنيسة الأرثوذكسية الروسية الوحيدة في منطقة الخليج في الشارقة، والدولة التي زارها نحو 900 ألف سائح روسي في عام 2018، وتربطهما 111 رحلة أسبوعيًّا بين روسيا والإمارات. بالإضافة إلى أن خمس جامعات روسية تخطط لفتح فروعها في الإمارات. واستضافت أبوظبي العام الماضي مهرجان الموسيقى الشعبية الروسية، الذي تضمن 14 برنامجًا موسيقيًّا على مدى  8 أيام شارك خلالها أكثر من 30 فنانًا روسيًّا.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة