الواجهة الرئيسيةشؤون خليجيةمقالات

الإمارات واستدامة النموذج

كيوبوست 

محمد باهارون*

جاء قرار صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة بتعيين نائبٍ ثان لرئيس الدولة إلى جوار صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وتعيين ولي عهد لإمارة أبوظبي، ونائبين لحاكم أبوظبي، كأحد القرارات الرئيسية التي تحفظ لدولة الإمارات استدامة نموذجها، وذلك قبل أيام من ذكرى وفاة مؤسس الدولة الشيخ زايد بن سلطان طيب الله ثراه.

ولكن تلك القرارات تحمل إشارة مهمة حول حجم التحديات القادمة التي تتنظر الدولة، والتحولات الكبرى التي يشهدها العالم، ما يتطلب تطوير أجهزة الحوكمة وتوسيع قاعدة صنع القرار وبلوغ أقصى درجات الكفاءة في العمل الجماعي الذي يستفيد من التنوع في الخبرات والطاقات.

 اقرأ أيضًا: ولي عهد أبوظبي..خالد بن محمد بن زايد آل نهيان

بعد لقاءات بداية رمضان التي قام بها صاحب السمو رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد، بدءاً من زيارته لأخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، ثم لقائه مع إخوانه حكام الإمارات أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد، جاء إعلان رئيس الدولة عن تعيين سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائباً لرئيس الدولة، وتعيين سمو الشيخ خالد بن محمد بن زايد ولياً لعهد أبوظبي، وكل من سمو الشيخ هزاع بن زايد والشيخ طحنون بن زايد نائبين لحاكم أبوظبي.

جاء ذلك الإعلان قبل أيامٍ عدة من ذكرى وفاة المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس الاتحاد في 19 رمضان ليحمل رسالة واضحة حول استدامة تجربة الحكم في الإمارات، وارتباطها بأهداف وقيم الآباء المؤسسين، ومسيرة الاتحاد.

شاهد: الإمارات: العمل والأمل

غير أن رمزية استدامة نموذج التنمية والحوكمة في الدولة قد لا تكون القراءة الوحيدة لخبر تلك التعيينات “التاريخية”. إن توسعة صلاحيات نواب الحاكم، ونواب رئيس الدولة، يرتبط بحجم التحديات المستقبلية التي تقبل عليها الإمارات، وقد تبرز ثلاثة تحدياتٍ ضخمة في التغيرات التي تضمنتها التعيينات الجديدة.

التحدي الأول هو تحدي الاقتصاد، وقد يكون تعيين الشيخ منصور بن زايد كنائب لرئيس الدولة مؤشراً واضحاً على ذلك التوجه، حيث تمثل القدرة على تحقيق الرخاء الاقتصادي ليس فقط التزاماً حكومياً تجاه شعب الإمارات، ولكنه أيضاً بوابة مهمة لتطوير العلاقات الدولية والإسهام في الأمن والسلم الدوليين من باب التعاون والتكامل الاقتصادي.

الشيخ منصور بن زايد آل نهيان

التحدي الثاني سيكون استمرار نهج “خفض التصعيد” وهو نهج ترتبط به الدبلوماسية بالأمن، وقد يكون في تعيين سمو الشيخ طحنون مؤشرٌ واضح، حيث إنه مهندس سياسات خفض التصعيد مع العراق وإسرائيل وقطر وتركيا وإيران، ونظراً لأن الاقتصاد لا يمكن أن يزدهر في ظل عدم الاستقرار، فإن توجه دولة الإمارات عبر إمارة أبوظبي لترسيخ سياسات عدم التصعيد كجزءٍ أساسي من سياساتها واستراتيجياتها في المنطقة.

الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان

التحدي الثالث هو لا شك التحدي الأمني، ففتح بوابة خفض التصعيد، واستئناف العلاقات الدبلوماسية ودعم التكامل الاقتصادي، سيفتح باب تحديات جديدة وناشئة على الدولة، ووجود الشيخ هزاع بن زايد الذي يدمج بين خبرته في العمل الأمني، وخبرته في السياسات الحكومية كنائب للشيخ محمد بن زايد بصفته رئيساً للمجلس التنفيذي، سيجعله يواصل ذلك الدور في الموازنة بين مقتضيات التطوير الحكومي ومقتضيات الأمن والتحديات الناشئة.

الشيخ هزاع بن زايد آل نهيان

وقد يكون تعيينُ الشيخ خالد بن محمد بن زايد ليس مفاجئاً للكثيرين، ولكنه أيضاً يحمل رمزيةً مهمة نظراً لارتباطه بملفات التحول الرقمي في الدولة، والذي يمثل مستقبل العالم، حيث سيحمل التحول إلى العالم الرقمي طيفاً جديداً من التحولات الاستراتيجية والسياسية، وبزوغ قوى جديدة وسقوط أخرى، وتغير مفاهيم الاقتصاد والأمن والسياسة، وجميع ذلك سيتطلب قيادة جديدة بنمط تفكيرٍ مختلف قادرة على الاستعداد بشكلٍ أفضل لتحديات لم تظهر بوادرها بعد. وربما كان إعادة تشكيل مجلس أبوظبي التنفيذي برئاسة سموه إشارة واضحة إلى أن العمل للمستقبل لا ينتظر لحظة واحدة، وأن هناك استشعاراً بحجم المسؤوليات الكبرى التي تواجهها الدولة وطنياً وإقليمياً ودولياً.

الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان

إن التعيينات الأخيرة على مستوى حكومة أبوظبي وحكومة الإمارات تشير إلى أن الإمارات مستمرة في ترسيخ دعائم استقرارها، مع توسع التحديات الجديدة، والفرص التي تجلبها، وقد نشهد في السنوات العشر القادمة تنامي التأثير والتأثر العالمي لدولة الإمارات والذي يترافق مع تحدياتٍ جديدة مثل تحول التنافس الاستراتيجي إلى سياسات استقطاب، وتزايد الصراعات الدولية، وحتى التحديات الجديدة التي تفرضها سياسات خفض التصعيد.

إن الإمارات اليوم ومع بداية العام العشرين على وفاة مؤسس نهضتها الشيخ زايد بن سلطان تؤكد أن التجربة الاتحادية والنهضوية لدولة الإمارات لم تحافظ فقط على مكانتها ولكنها في سباقٍ مستمر للاستعداد للمستقبل، وأن خبرتها الاتحادية تمكِّنها من تجنيد أحد أهم قدراتها وهو العمل المشترك بما يسمح بتوسيع قاعدة الصلاحيات، وتطوير المؤسسات، ودعم إيقاع العمل الجماعي.

سواء كان المستقبل أجمل أم أصعب فإن الإمارات اليوم أكثر استعداداً له مما كانت بالأمس، فالإمارات لا ترى التاريخ إلا في غدها.

*مدير مركز دبي لبحوث السياسات العامة

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة