الواجهة الرئيسيةشؤون خليجيةشؤون عربيةمشاريع الخمسينمقالات
الإمارات العربية المتحدة والخمسون عاماً القادمة

كيوبوست
د.دينيس ساموت
قليلة هي الدول التي يمكنها أن تنظر إلى أول خمسين سنة من تأسيسها بعين الرضا كالتي تنظر بها دولة الإمارات إلى خمسينيتها الأولى، والقلة القليلة هي التي تنظر إلى الخمسين سنة القادمة بالثقة التي تتطلع فيها دولة الإمارات العربية إلى المستقبل. في الحقيقة إن السنوات الخمسين الماضية ما هي إلا تأسيس لما هو آت. إن دولة الإمارات العربية المتحدة على أهبة الاستعداد لمواجهة مخاطر المستقبل وشكوكه.
قد يكون التنبؤ بالمستقبل في ظل الحاضر المتقلب الذي نعيشه ضرباً من الجنون؛ ولكن بالنظر إلى الماضي وبالتقييم الشفاف للحاضر يمكن التكهن بالمستقبل. تمتعت دولة الإمارات العربية المتحدة منذ تأسيسها عام 1971 بالمرونة والقدرة على التعافي، فكانت دائماً في طليعة الابتكار والتطوير، وخلقت ازدهاراً مستداماً قادراً على الصمود أمام التحديات والصدمات العالمية على الرغم من وجود مستويات غير مسبوقة من المخاطر والغموض. من هنا كان على قادة الإمارات العربية المتحدة أخذ الإلهام من حكمة الشيخ زايد، الأب المؤسس للدولة، وتحديد تكتيكات المرونة والقدرة على التكيف.
اقرأ أيضاً: الإمارات العربية المتحدة تستعد للاحتفال بعيد ميلادها الخمسين
المرونة والقدرة على التعافي
لا عجب أن يكون البعض قد شكَّك في قدرة دولة الإمارات العربية المتحدة على البقاء؛ نظراً لما رافق تأسيسها من شكوك تاريخية، فضلاً عن أنها أصبحت مركزاً عالمياً وتبوأت مركزاً قيادياً في المنطقة. لقد قطعت الدولة شوطاً كبيراً في مجال إثبات مرونتها وقدرتها على التعافي؛ فقواتها المسلحة تطورت من بداية متواضعة لكشافة عمان المتصالحة إلى جيش قوي مجهز بأحدث الأسلحة، واقتصادها لم يعد ذلك الاقتصاد الذي يعتمد فقط على إنتاج الهيدروكربونات؛ بل أصبح اقتصاداً قوياً استطاع التغلب على أزمة العقد الماضي الاقتصادية، ويسير قدماً نحو امتصاص الصدمات التي خلفها انتشار الوباء.

بالنسبة إلى دولة شهدت تغييرات اجتماعية جذرية على مر الخمسين سنة الماضية، كان لا بد من الحديث عن المرونة والقدرة على التعافي من الناحية الاجتماعية؛ فالضغوط الاجتماعية لمثل هذا التغير العنيف كانت من الممكن أن تودي بالنسيج الاجتماعي للدولة، ولكنها لم تفعل. إن النواحي الثلاث: الدفاع والاقتصاد والنسيج الاجتماعي، ستبقى الركائز التي ستبنى عليها مرونة المستقبل.
الدفاع والسلام والأمن
إن منطقة الخليج هي جوار صعب، وتاريخ منطقة الشرق الأوسط منذ الحرب العالمية الثانية يزخر بالحروب والأزمات؛ مما جعل دولة الإمارات العربية المتحدة أمام خيار وحيد، وهو الاستثمار في الدفاع. ولكنها مجبرة على القيادة عندما يتعلق الأمر ببناء بنية إقليمية أمنية للمنطقة، وهذا هو جدول أعمالها للعقد أو العقدَين القادمَين أو ربما أكثر. في الماضي أظهرت دولة الإمارات القدرة على التفكير الطموح، و”اتفاقيات إبراهيم” ليست إلا مثالاً على ذلك، كما أنها كانت قادرة على التصرف بحزم عندما استدعت الحاجة. إن التحدي الأكبر للمضي قدماً هو في تحقيق التوازن بين القدرة الدفاعية والسياسة الأمنية والدبلوماسية المتطورة والتدخل الوقائي.
اقرأ أيضًا: الإمارات.. رابع أفضل مكان في العالم للعيش والعمل
إن الاستثمار في السلام هو الأمر الوحيد الذي لم تفعله دولة الإمارات العربية المتحدة أو على الأقل لم تقُم به كما يجب في الخمسين سنة الماضية، وهذا الأمر كان بمثابة البعد الغائب عن حقيبتها الدبلوماسية على الرغم من أنها تتمتع بالإمكانات كافة للقيام بذلك؛ فهي عضو يجلّه المجتمع الدولي، وهذا ما أظهره انتخابها مؤخراً في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة؛ لقد نجحت دولة الإمارات على مر السنين في بناء النيَّات الحسنة في جميع أنحاء العالم من خلال مساعداتها الإنسانية. إن التسامح هو أساس أيديولوجيتها، وهذا لا يشكل تهديداً لأحد، وهي مركز عالمي تتلاقى فيه الدول المختلفة بتناغم ووئام، و”إكسبو دبي 2020″ أكبر مثال على ذلك. وللمضي قدماً في بذل الجهود في نشر السلام، أسست دولة الإمارات مراكز متميزة للبحث في الموضوعات والقضايا والمناطق لبناء الخبرات. من هنا كان تأسيس منظمات حكومية وغير حكومية بطريقة فائقة التنظيم، تعنى بالعمل على نشر السلام ومنع الصراعات في أنحاء العالم، أمراً مرحباً به لتكون منارة عندما يتعلق الأمر بحفظ السلم. إن دولة الإمارات قادرة على القيام بهذه المهمة العالمية على أكمل وجه في المستقبل.
التطور والازدهار
طوال خمسين عاماً منذ تأسيسها، كانت دولة الإمارات دولة مزدهرة وقد يكون اعتمادها على تصدير المنتجات النفطية عاملاً مساعداً؛ ولكنه جزء من عدة أسباب أدت إلى هذا الازدهار. إن سبب نجاح دبي الرئيسي هو التجارة والخدمات؛ فالتحول من اعتماد الميزانية على الصادرات النفطية كان هدف الحكومة لفترة طويلة، ولتحقيق ذلك عززت الإمارات سيادة القانون ومحاسبة الفساد. ما زال مواطنو الإمارات المسنون يتذكرون الفقر الذي عاشوه ما قبل الستينيات، وهذا ما دفعهم إلى دعم عملية التغيير رغم تكلفتها على الصعيد الاجتماعي. صحيح أن هذا الجيل من كبار السن سيفارق الحياة قريباً، تاركاً جيلاً من الشباب غير قادر على تذكر الماضي بوضوح ويعيش ترف الحاضر، من هنا كان التركيز على التميز والإبداع بمثابة الترياق الذي اعتمدته حكومة الإمارات لعلاج هذا الخطر. إن التميز والإبداع هما سمتا الاقتصاد والحياة بمختلف جوانبها في الإمارات، والرحلة إلى المريخ ليست إلا شاهداً على تطور العلم والبحث العلمي وتجسيداً حياً لهذا النهج.

إن تطور الإمارات وازدهارها في قادم الأيام سيعتمدان على قدرة مواطنيها على تبنِّي نهج التميُّز والإبداع، وليتحقَّق ذلك لا بد من الاستثمار الكبير في التعليم والموارد البشرية واستغلال مكامن الثروات غير المستغلة. إن استثمارات دولة الإمارات الخارجية هي جزء لا يُستهان به من ثروتها؛ وهو ما يجعل الإمارات من أكبر المستفيدين من العولمة، ويجعلها في الوقت نفسه عرضة للمخاطر والتحديات العالمية. إن التغير المناخي وعدم التوازن البيئي والاضطراب الاقتصادي كلها موضوعات قد لا تعني الدول الأخرى البعيدة؛ ولكنها ذات صلة كبيرة بدولة الإمارات التي ساعدت عقليتها وانفتاحها العالميَّين في مضيّها قدماً نحو المستقبل.
الأمّة والمواطنة والتماسك الوطني
أخيراً، كان التماسك الوطني هو المجال الثالث الذي لا بد من ممارسة المرونة والقدرة على التعافي فيه؛ فالإمارات السبع التي كانت على خلاف دائم قبل عام 1971 اتَّحدت في دولة واحدة وصمدت رغم كل التكهنات بسقوطها بعد فترة قصيرة من تأسيسها. وأكبر نجاحات الماضي المثيرة للإعجاب كان ذلك التماسك الوطني العضوي الذي ظهر دون أن يتم فرضه بالإكراه أو الشمولية. وهذا التماسك هو مكمن القوة في مسيرة الدولة نحو المستقبل؛ لكن من المهم ألا يتم التسليم بوجوده بما يقود إلى عدم الانتباه إلى القوى التي يمكن أن تسعى لتقويضه. قد تكون دولة الإمارات “مفارقة تاريخية” لمن ينظر إليها من الخارج أو لمن لا يفهم كيف تطورت عملية بناء الدولة؛ ولكن حقيقة نجاحها تبرهن لنا أن ما تم هو تناغم عضوي مستمر رغم أن الحكومة لا تمتلك رفاهية الثبات؛ فنموذج الحكم يحتاج إلى الاستمرار بالتغير والتطور، آخذاً في الحسبان زيادة عدد السكان والأفضل تعليماً من المواطنين وحجم التنوع الكبير للمقيمين مقارنة بالمواطنين الأصليين في البلاد.
اقرأ أيضاً: السعي نحو القوة والمكانة.. الإمارات عضواً في مجلس الأمن
إن تركيز دولة الإمارات على التسامح والشمولية قد خدم مسيرتها في الماضي، ويجب المحافظة على هذا التوازن الذي تم تحقيقه في الخمسين سنة الماضية. إن حكمة الشيخ زايد، الأب المؤسس للدولة، كانت منذ عام 1971 وحتى الآن 2021، مصدر الإلهام لحكام الدولة للعمل سوياً على صقل هذه الدولة الجديدة، وإن بناء النجاح في الخمسين سنة القادمة يحتاج إلى العمل الجاد.
لقراءة النسخة الإنكليزية: UAE The next fifty