الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةمجتمعملفات مميزة

الإعلام الجديد وفوضى المرجعيات: ندوة تنظمها كيو بوست

سلطت الضوء على قضايا هامة في الإعلام الاجتماعي

خاص كيو بوست –

نظم موقع كيو بوست، بالتعاون مع دائرة الإعلام في جامعة بيرزيت الفلسطينية، ندوة حول الإعلام الجديد وحالة الفوضى التي ينتجها في مختلف المجالات، بفعل فوضى المرجعيات التي يعيشها العالم الافتراضي. وقد شارك في الندوة نخبة من الأكاديميين والمختصين في الإعلام الاجتماعي. في هذا التقرير، نستعرض أبرز مداخلاتهم تباعًا.

يرفض رئيس دائرة الإعلام في جامعة بيت لحم د. سعيد عيّاد، إطلاق صفة الإعلام على شبكات التواصل الاجتماعي، لأنها تفتقد في غالبيتها إلى المرجعيات والقواعد الصحفية بمختلف تصنيفاتها من الدقة والصدق والموضوعية وصدقية المصادر… إلخ. كما أنه في كثير من الأحيان، يرتبط المحتوى الشائع على هذه الشبكات بغياب المصداقية أو التضليل.

ويشير عيّاد إلى أن المضمون المضلّل يزداد تأثيره وقوة انتشاره بحال جرى تسويقه من صفحات على فيسبوك أو تويتر لشخصيات اعتبارية كالدعاة ورجال الدين والرموز السياسية، ضاربًا أمثلة من منشورات لوجدي غنيم، أحد رموز التيارات السياسية، الذي استغل ذلك وأنشأ قناة يوتيوب، وأصبح يبث معلومات سلبية عبر الإنترنت. وحين يتابع شخص ما هذه الصفحات فهو يساهم في تبني فكر هذه المجموعات ويتبنى فكر الإقصاء. كما ضرب عيّاد مثالًا آخر هو الشيخ محمد يعقوب حسين، الذي كان دائم الخروج على الفضائيات المصرية قبل تنحّي مبارك، محاولًا ثني الناس عن الخروج إلى الميادين، داعيًا إياهم إلى الصبر باعتبار أن ذلك اختبار رباني، موردًا قصصًا من زمن النبي تشبه واقع مصر، ويأخذها بالقياس لثني الناس عن الخروج إلى الميادين.

ويعتبر عيّاد أن مخاطر هذه الشبكات تتمثل في فعل التوجيه الذي يجري من قبل أصحاب هذه الصفحات، معتبرًا أن هناك فوضى معلوماتية وفوضى مهنية إلى جانب فوضى التناقض؛ لأنها تعطيك رأيًا ولا تعطيك رأيًا آخر. بعض الجهات الأيدولوجية تستغل وسائل التواصل الاجتماعي في الوصول إلى وعي الناس وإعادة تشكيله من جديد، بحسب ما يقول. ويضيف: “وفي حالات الصراع، غالبًا ما تستغل بعض وسائل الإعلام صحافة المواطن لإيصال رسائلها، فهي تنستند إلى فيديو مصدره مواطن، وتعيد بثه في الغالب دون تحقق، طالما كان يخدم مصالحها”.

 

كيف يتم توريطنا عبر شبكات التواصل الاجتماعي؟

يرى أستاذ الإعلام والدراسات الثقافية في جامعة بيرزيت د. وليد الشرفا أن فهم نظرية الإعلام لا يتم بمعزل عن نظرية الأدب، باعتباره تيارًا جديدًا أو تيار الشعور في الأدب. ويبيح هذا التيار للفرد “التخلص من كل الفضاءات، ومن كل الإطارات، لصالح سيل هائل من التداعيات، فالفرد هنا حر من ديكور المكان، حر من ديكور الحقيقة، لكن الانقلاب هنا هو حينما أصبح كل الناس في تداعياتهم الخاصة مؤلفين ذاتيين، وهذا ما يقود إلى صدمة الهويات الأولى، التي ساهمت فيها التقنيات أو الوسائط الحديثة في منح الناس منصات للتعبير عن ذواتهم دون شرعية جمالية ولا شرعية اجتماعية”.  

ويتعمق د. الشرفا في شرح كيف ساهمت هذه الشبكات في خلق حالة من الفصام بين هوّياتنا التاريخية وهوّياتنا الافتراضية، هوياتنا التاريخية (من نحن جنينيًا ثقافيًا قبليًا)، وبين تصوراتنا الذاتية وأحلامنا (من نحب أن نكون وما نكره). وما بين هاتين الذاتين ذات اجتماعية. ويستشهد الشرفا بفكرة من الروائي “بروست” التي تقوم على أننا نملأ المظهر المادي للكائن الذي نراه بجميع الأفكار التي نحملها عنه، أي أننا نرى ذواتنا في الآخرين، وتتصاعد شيئًا فشيئًا، لنصل إلى فكرة الانهماك في الذات، من أنت؟ الذات التي تحلم أم الذات التي تعيش؟  

ويتساءل: ما نتيجة هذا التداعي الحر للصور والأفكار بدل العقل؟ معتبرًا أن ذلك كله سيقود إلى قتل المرجعيات، وإلى تأطير هائل للرغبة تحت وهم الاكتشاف، ولكن الحقيقة هي أن الاكتشاف هو بحد ذاته حالة تورط وتوريط، ثم سحق المسافة بين الشاشة والواقع وانكماش المكان، وصناعة النجوم، وصولًا إلى صناعة الرأي العام.

ويقول الشرفا في ضوء التسلسل أعلاه “إنه يمكن إنتاج رأي عام مناقض للحالة التاريخية، أي بمعنى آخر: علمانيون يعملون عند الإسلاميين، وإسلاميون يدافعون عن العلمانيين أكثر من الإسلاميين أنفسهم. وهنا فإن تناقش الهويات بفعل حالة تقمص يصبح علماني مع العلمانيين علمانيًا، وإسلاميًا مع الإسلامييين. وحينما تصبح هذه حالة عامة على منصات التواصل الاجتماعي تصبح المجتمعات تعاني من حالة اغتراب جماعي، فماذا بقي من ثنائية العلمانيين والإسلاميين في العالم العربي؟”.

 

كيف تصبح الأخبار الكاذبة مرجعًا؟

من جانبها، تحدثت المختصة في التسويق الرقمي منى حداد عن عمليات الفوضى في التسويق الرقمي، وتوجيه واستغلال وتوظيف لبيانات المستخدمين على الشبكات الاجتماعية لأغراض تسويقية. كما وناقشت منى مسألة استخدام الأخبار الكاذبة وتوجيهها كمدخل لخلق متابعين على المنصات الاجتماعية، ودفع الناس لمشاركتها باستغلال الاستعدادات المسبقة عند الناس ورغباتهم وأحلامهم، وبناء عليه تصبح الأخبار الكاذبة حقيقة بفعل كثرة التداول.

وتتساءل منى: لماذا لا يقوم فيسبوك بمحاربة المحتوى الكاذب؟ وتجيب بأن المنشورات الممولة تحديدًا -حتى لو كانت كاذبة- تحظى في الغالب بحصانة، طالما أن فيسبوك يهمه التمويل وجني المال من الإعلانات الممولة، التي باتت أكثر رواجًا.

كما واستعرضت منى مسألة استثمار الشركات والمؤسسات للمؤثرين لبحث محتوى معين وترويجه. وهذه الظاهرة الأكثر شيوعًا في الوقت الراهن، التي يستفيد منها المعلنون للأفكار والسلع والبضائع، كما ويستفيد المؤثرون أنفسهم من وراء جني المال.

 

فوضى الأرقام

فيما استعرض الخبير المختص في البيانات الإحصائية على شبكات التواصل الاجتماعي حسان جده بعض المؤشرات الهامة، التي تبين مدى اعتماد جمهور منصات التواصل الاجتماعي كمصدر أساسي للمعلومات، ومن ذلك أن 90% من الشباب الفلسطيني يعتمدون على فيسبوك كمصدر أساسي للمعلومات، بحسب استطلاع نفذته شركة كونسبتس التي يديرها جده.

كما وشرح جده كيفية تصنيف المؤثر، والجدل حول من هو المؤثر من عدمه، مشيرًا إلى اعتماد 3 معايير أساسية: عدد المتابعين ونسبة التفاعل ومضمون هذه المنشورات. وينوه جده إلى خطورة الاعتماد على الأرقام لوحدها بمعزل عن جودة المحتوى المقدم.

كما واستعرض جده جملة من منشورات فيسبوك الأكثر تفاعلًا، خصوصًا في النطاق الفلسطيني، وكيف أن منشورات الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، التي يستخدم فيها آيات دينية هي الأكثر تفاعلًا. الأمر ذاته انطبق على صفحات عربية كصفحة الشيخ العريفي، والجدل حول الإعلانات الممولة لصفحته على تويتر، ومن بينها إعلان مشهور لمنتجع سياحي، وكذلك الأمر في حالة الداعية عمرو خالد ومحاولة توجيه العاطفة للمتابعين من خلال الدعاء لهم في موسم الحج السابق.

 

وتخلل الندوة نقاشات عميقة ما بين المتحدثين وجمهور الندوة، إذ تنوعت الأسئلة بين مزيد من التوضيح والشرح للخلفية الفكرية لفهم شبكات التواصل الاجتماعي، وبين أمثلة لقياس تأثيرات وانعكاسات شبكات التواصل الاجتماعي على الجمهور.

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة