اسرائيلياتثقافة ومعرفةفلسطينيات

الإرهاب نقيض نفسه: ما معنى أن تكون إرهابياً؟

أفكار حول معاني "الإرهاب" وتأويلاته

كيو بوست –

 

ما الذي يحدث عندما تصف شخصاً ما بأنه إرهابي؟ هل يكون كذلك حقاً؟ ما الذي يعطيك حقاً بأن تصف الآخر بالإرهاب؟ وما الذي يحول تصنيف “الإرهاب” من ممارسة إلى هوية تعبر عن شخص أو جماعة ما؟ وما هو نقيض الإرهاب كممارسة؟ ما هو نقيض الإرهابي؟ هذا التقرير سيجيبك عن تلك الأسئلة.

 

 

الطريقة التي يجري التعبير بها عن الهوية تحتوي على شقتين؛ الشق الأول: الذات، أي أن يقول شخص ما أنا فلسطيني، أو أن تقول مجموعة ما: نحن فلسطينيون أو نحن عرب. الشق الثاني: الآخر، أي أن يقول لك شخص ما أنت فلسطيني، أو أنتم أعراب أو غير ذلك.

في الحالة الثانية، أي حين ينعتك شخص آخر بوصف ما، لك الحق في أن تقبل بهذا الوصف، أو أن ترفضه، فمثلاً قد يقول لك شخص ما “أنت غير لطيف”، فترفض أنت ذلك، وتخبره “لا، أنا لطيف”. إن ذلك يعني أن لك الحق في أن ترفض ما يطلقه الآخرون عليك لأسبابك الخاصة، أو أن تقبله لأي سبب كان.

ويزداد هذا القبول أو الرفض حدة، حين ينعتك شخص ما بصفة سلبية، كأن ينعتك شخص ما بأنك إرهابي.

في الحالات التي تقوم فيها دولة أو سلطة ما بنعت جماعة ما بأنها إرهابية أو فرد ما بأنه إرهابي، عادة ما يرفض جميع من يوصفون بهذا الوصف ذلك، ويصرّون على أن ممارساتهم بعيدة عن الإرهاب. كما لا نشهد عادة أشخاصاً أو جماعات تطلق على نفسها اسم الإرهاب، فلا نرى أحداً ينشئ حزباً تحت مسمى “الحزب الإرهابي الاشتراكي”، أو منظمة باسم “منظمة الإرهاب الفلسطينية” أو جمعية باسم “الجمعية الإسلامية الإرهابية” على سبيل المثال.

إن من شأن ذلك أن يوضح أن الجماعات والأفراد عادة لا يحبذون أن يطلقوا على أنفسهم صفة الإرهاب، أو الصفات السلبية عموماً، وأن مثل هذا المصطلح –أي الإرهاب- عادة ما يكون قادماً من الآخر. إن وصف الإرهاب تحديداً يأتي عادة من العدو، فنرى مثلاً أن القادة الصهاينة يصرون على أن الفلسطينيين إرهابيون، وأن الحركات الفلسطينية التحررية حركات إرهابية، كما نرى أن وصف الإرهاب يتبادله كل من الولايات المتحدة الأمريكية والنظام الكوري الشمالي أو الإيراني مثلاً، فيصف كل منهما الآخر بأنه إرهابي، فمن منهما الإرهابي حقاً؟

الإرهاب ليس موضوعاً متفقاً عليه من جميع الأطراف، أي أنه لا يوجد اتفاق بين الإرهابيين وغير الإرهابيين أي منهما هو الإرهابي حقاً، فيما يستمر الطرفان في الصراع على وصم الآخر بهذا المصطلح للأبد.

 

 

 

الإرهاب باعتباره ثنائية خير وشر، ظهر بشكل واضح إلى العلن مع إعلان الرئيس الأمريكي جورج بوش حربه على “الإرهاب” بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001. ولم يحدد بوش وقتها من هو الإرهابي، ومن هو غير الإرهابي. كما لم يتضح بالأساس ما هي الأعمال التي عليك أن تقوم بها لتصبح إرهابياً. تخيل مثلاً أن جيش الولايات المتحدة شن غارة جوية على مكان ما في أفغانستان وقتل عشرة أطفال، فهل يعد ذلك عملاً إرهابياً؟ الجواب لا. في المقابل تخيل مقاتلاً أفغانياً ينتمي للقاعدة قتل جندياً أمريكياً على ظهر دبابة في كابول، فهل هذا الأفغاني إرهابي؟ الجواب نعم.

والسبب وراء تلك الأجوبة أن خطاب الإرهاب يتسم بأن الممارسة تتبع الصفة وليس العكس، وهذا يعني أن قيامك بعمل وحشي أو ضد الإنسانية لا يجعل منك بالضرورة إرهابياً. لكن، وفي الآن ذاته، فإن أي تصرف من تصرفاتك، إذا كنت إرهابياً بالأساس -أي أنك موصوف بالإرهاب من قبل- سيعد إرهابياً.

 

ولكن حين تطلق قوة ما وصف الإرهاب على جماعة ما، فما هي صفة هذه القوة التي وصفت؟ هل هي “اللاإرهاب”؟ بكلمات أخرى، ما هو نقيض الإرهاب؟

للإجابة على هذا السؤال، علينا أن نتفحص الحالة الفلسطينية مع نقيضها الاستعماري الصهيوني.

 

جورج بوش لحظة إخباره بوقوع أحداث سبتمبر

جورج بوش لحظة إخباره بوقوع أحداث سبتمبر

 

تدأب الحركة الصهيونية على وصف الفلسطينيين بالإرهاب منذ بدء الهجرات الصهيونية إلى فلسطين نهاية القرن التاسع عشر حتى يومنا هذا. ولا يترك القادة الصهاينة فرصة إلا وينعتون الفلسطينيين وحركات المقاومة، بل وحتى المدنيين الفلسطينيين، بالإرهاب.

ولكن ماذا تسمى ممارسات الصهيونية بحق الفلسطينيين؟ ماذا يسمى تهجير قرابة مليون فلسطين من أرضهم خلال الأعوام 1947-1949؟ أليست عمليات القتل الممنهج وعمليات السلب والنهب عمليات إرهابية؟

يطلق بعض المسؤولون في الحكومة الإسرائيلية تسمية “الترهيب” لوصف بعض ممارساتهم بحق الفلسطينيين، تجنباً لاستخدام مصطلح الإرهاب. فمثلاً، عام 1976 كتب إسرائيل كونج، وهو مستشار للكنيست الإسرائيلي في تلك الفترة مذكرة تتعلق بالسياسة الحكومية الإسرائيلية تجاه المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، قائلاً: “يجب علينا أن نستخدم الترهيب، والاغتيال، والترويع، ومصادرة الأراضي، وقطع كل الخدمات الاجتماعية للتخلص من السكان العرب في منطقة الجليل.”

لقد تجنب كونج أن يستخدم كلمة إرهاب عامداً، فممارساته ليست إرهاباً من وجهة نظره، أما نفس الممارسات تصبح إرهابية إذا نفذها فلسطيني. إن عملية اغتيال للوزير الإسرائيلي رحبعام زئيفي الذي يدعو إلى طرد كل الفلسطينيين من فلسطين التاريخية يسمى إرهاباً بالنسبة للحكومة الإسرائيلية، لكن اغتيال ثلاثة من القادة الفلسطينيين في بيروت على يد وحدات الموت الخاصة الإسرائيلية لا يسمى إرهاباً. يقال إن إيهود باراك الذي نفذ عميلة اغتيال كمال ناصر في بيروت عام 1973، قد حدّق النظر في عيني الشاعر، قبل أن يفرغ رصاص مسدسه في فمه، وذلك ليعاقبه حرفياً باعتباره متحدثاً رسمياً باسم منظمة التحرير الفلسطينية.

إن مثل هذا العمل لا يعد إرهابياً من وجهة نظر باراك، بل عملاً وطنياً. باراك نفسه قال ذات مرة في مقابلة مع جريدة هآرتس العبرية عام 1998: “لو كنت فلسطينياً لانضممت إلى جماعة إرهابية”، لقد نسي باراك، في غمره سعادته بوصف الفلسطينيين بالإرهابيين، أن الفلسطينيين لا يرون في مقاومتهم إرهاباً، بل حركات تحررية، وبأنه لا يصح أن ينطق بمثل هذا الكلام المنافي للمنطق.

 

قصف بيوت المدنيين الفلسطينيين: إرهاب أم لا؟

 

يبدو أن الإسرائيليين مؤمنون بأن إحدى الطرق أمام قهر الفلسطينيين هي جعلهم يعرفون أنفسهم كما تعرفهم الصهيونية، أي إرهابيين. على سبيل المثال بثت إذاعة إسرائيل العربية مقابلة مع أسير فلسطيني “إرهابي” كي يسمعه الفلسطينيون، وقد جاء في هذا الحوار:

المذيع: ماذا كانت مهمتك في جنوب لبنان؟

الأسير: كانت مهمتي الإرهاب .. كنا مثلاً ندخل القرى ونبدأ بالترهيب، وحيث وجدنا نساءً وأطفالاً كنا نرهبهم، كل ما فعلناه هو الإرهاب.

المذيع: وهل مارست الإرهاب من أجل القضية؟

الأسير: لا والله من أجل المال، هل ما زال هنالك قضية؟ لقد بعناها منذ زمن طويل.

المذيع: ما هو رأيك بطريقة تعامل قوات جيش الدفاع الإسرائيلي معكم؟

الأسير: نشكر قوات الدفاع الإسرائيلي على معاملتهم الطيبة لكل إرهابي.

بغض النظر عن محاكاة الأسير للنص الذي أعطاه إياه معذبوه الإسرائيليون، فإن الطريقة التي جرى ضمنها سيناريو المقابلة كان مخططاً له بالكامل، من أجل تحويل هوية الفلسطيني الإرهابية إلى هوية ذاتية ينطق بها لسان الفلسطيني. لقد شعر الصهاينة بأن استدخال الإرهاب إلى اللغة التي يستخدمها الفلسطيني هو عملية ضرورية لتحويل هذه الصفة إلى صفة ذاتية يطلقها الفلسطيني على نفسه، لا أن يكتفي بإطلاقها عليه من قبل عدوه.

 

فرقة الدام: الفلسطيني لا يقبل بوصفه إرهابياً

 

كما ذكرنا سابقاً، إن ممارسة الإرهاب تتبع الصفة، فأعمال الفلسطينيين إرهابية لأنهم إرهابيون، وليس لأنهم يقومون بأعمال وحشية. لذلك ليس هناك نقيض للإرهاب، لأن من يطلق صفة الإرهاب على الآخر، هو في حقيقة الأمر، يحاول إبعاد هذه الصفة عن نفسه، ويقول: أنا لست إرهابياً، لأنك إرهابي.

على المستوى الخطابي، اللإرهابي هو الذي يخلق الإرهابي، وليس العكس. وبالتالي إن ما ينجزه خطاب الإرهاب هو إبعاد الإرهاب عن مطلق هذه الأوصاف. في الحالة الفلسطينية، إن محاولة وصف الفلسطينيين بالإرهاب هي عمل يستهدف إبعاد الإرهاب عن الحركة الصهيونية.

الإرهاب إذا هو خطاب عن هوية استعمارية تريد أن تميز نفسها، وأن تبعد عن تسمية ممارساتها بالإرهابية، عبر علاقات القوة التي تربطها مع المستعمَر، إنها ببساطة تقول: بما أن الفلسطيني إرهابي، فالصهيوني ليس إرهابي.

يقال إن الاسكندر المقدوني أسر قرصاناً وبدأ باستجوابه قائلاً: ما هي فكرتك عن غزو البحار؟ رد عليه القرصان منزعجاً من هذا السؤال قائلاً: نفس فكرتك عندما تغزو الأرض بأكملها! فلأنني أستخدم زورقاً صغيراً يدعونني قرصاناً، ولأنك تستخدم بحرية جبارة، يدعونك امبراطوراً!

من هذه القصة القصيرة نستنتج أن الإرهاب نقيض الإرهاب، وبأن خطاب الإرهاب، ليس إلا تحليلاً للقوى الاقتصادية والسياسية التي تملك سلطة تحويل مفاهيم دون الحاجة إلى المنطق، بل من خلال سلطتها على فرض لا منطقها باعتباره منطقاً.

 

كتبت هذه المادة بالاستناد إلى نص للدكتور جوزيف مسعد، من كتاب ديمومة المسألة الفلسطينية بعنوان نقيض الإرهاب.

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة